القيامة الآن / رواية

ابراهيم درغوثي/ تونس


الجزء الثالث

نعيم الفردوس

الكبش الأملح .

يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار .
فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟
فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت .
ثم يقال يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟
فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت .
فيؤمر به ، فيذبح .
ثم يقال : يا أهل الجنة خلود ، فلا موت .
ويا أهل النار خلود ، فلا موت .

" حديث نبوي

الكبش الأملح .

يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار .
فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟
فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت .
ثم يقال يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟
فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت .
فيؤمر به ، فيذبح .
ثم يقال : يا أهل الجنة خلود ، فلا موت .
ويا أهل النار خلود ، فلا موت .

" حديث نبوي "


المصيبتان .

قال يحي بن معاذ :
لا تدري أي المصيبتين أعظم ، أفوت الجنان ؟ أم دخول النيران ؟
أما الجنة ، فلا صبر عنها .
وأما النار ، فلا صبر عليها .
وعلى كل حال ، فوت النعيم أيسر من مقاسات الجحيم .
ثم الطامة الكبرى والمصيبة العظمى هي الخلود ، إذ أي قلب يحتمله ، وأي نفس تصبر عليه





آدم بن آدم الآدمي يلتقي بحياة النفوس
بعد الانتهاء من أهوال يوم الحشر ، وبعد
غيبة مليون سنة ‘ إلا سنتين .


قالت حياة النفوس :
- كيف دخلت الجنة يا آدم ؟
قال : لقد شفع لي حبي للفقراء ،
وصيري على عذاب الزنازين ،
وعشقي لورد الربيع ،
ونجمة الصبح الندية .


قالت حياة النفوس :
لقد بحثت عنك يا آدم في كل مكان حتى أنهكني التعب وأعياني المسير .
طفت أرجاء الجنة جيئة وذهابا ، وسألت عنك خزنة النار ، فلم أجد لك أثرا .
أين كنت بالله عليك ؟
قلت : مسكينة يا حبيبتي . أنا من أصحاب الأعراف . أنظري هذه الشامة البيضاء في نحري . لقد نبتت هناك بعد أن اغتسلت في نهر الحياة .
إنني من مساكين الجنة يا حبيبتي .
قالت : وما الأعراف يا آدم ؟
قلت : هو ذاك السور . هناك . ما بين الجنة والنار
لقد عشت موقفا عصيبا يا حبيبتي حتى كدت أجن من الرعب ، فقد ترقبنا الرب ، بعد أن أمر بأهل الجنة إلى الجنة وبأهل النار إلى النار .
ترقبنا حتى بلغ منا اليأس مبلغه .
وأخيرا جاء الرب ، فقال لنا :
قوموا أدخلوا الجنة ، فإني قد غفرت لكم .
قالت : ما عرفت بذلك ، وإلا ما كنت أتعبت نفسي كل هذا التعب .
فقلت لها : لو تمنيت رأيتي بالقلب ، لرأيتني مرأى العين .
قالت : لم أفهم .
قلت : لم تطلبي من واحدة من الحور أن تدلك على مكاني ؟
فهنا يا حبيبتي ، في هذه الدار الباقية ما عليك إلا أن تتمني ، فيتحقق مرغوبك في رمشة عين
قالت : مازلت لم أتخلص بعد من مخلفات الدار الفانية .
وضحكنا ضحكا كالسكر المذاب في الماء الزلال . وغمزتها ، فأسبلت جفنين أسودين على عين حوراء تسبي فؤاد المعنى . فخاسرتها ودخلنا دارا حجارتها من ذهب وفضة ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وترابها الزعفران .
بهذه الدار سبعون بيتا من الزمرد الأخضر ، في كل بيت سرير ، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون ، وعلى كل فراش امرأة من حور العين .
قلت : أما تغارين يا حبيبتي من هذه النسوة ؟
قالت : لا والله . كيف أغار ممن وهبك الله ؟
وتجولنا داخل البيوت ، فوجدنا في كل بيت سبعون مائدة ، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام .
وطفنا بأرجاء الدار ، فوقفت مبهورا أمام الأرائك والزرابي والوسائد ، وأواني الذهب والفضة ، والوصيفات المتأهبات للخدمة ، والولدان كأنهم اللؤلؤ والمرجان يطوفون بشراب العسل و بالخمرة المعتقة .
يومها ، تمنيت بالقلب ، فحطت وسط الدار مائدة مما لا عين رأت ولا أدن سمعت وما لا يخطر على بال أحد من أهل الدنيا ، فأكلت من لحم الطير حتى شبعت . ولم تأكل حياة النفوس سوى حبتي أناناص . وشربت كأسا من البيرة الخالية من الكحول ، فشربت حوريتي قارورة كوكاكولا وهي تعجب لحلاوة هذا المشروب الذي صحبنا حتى الجنة .
وتمددنا على فراش من إستبرق ونحن نتحادث ونتهارش ونتضاحك حتى أغفينا إغفاءة كالحلم
ولم أفق إلا على مناد ينادي :
يا أهل الجنة أن لكم ، أن تحيوا فلا تموتوا أبدا .
وأن لكم ، أن تشبوا فلا تهرموا أبدا .
وأن لكم ، أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا

آدم بن آدم الآدمي يريد شراء
سندات في بنوك " وول ستريت "
وزوجته حياة النفوس تذكره
بأنهما في الجنة .


تلمست حيطان الدار فوجدتها ذهبا خالصا . ذهب أجود من ذهب مناجم دولة جنوب إفريقيا العنصرية ( سابقا) . ومشيت فوق الذهب . وفتحت أبوابا من ذهب . ونمت فوق سرير من ذهب . وشربت الشاي في كأس من ذهب .
وقضيت حاجتي في كنيف من ذهب . أليس كثيرا عليك أن تقضي حاجتك وأنت جالس فوق الذهب ؟ لذلك عاودني جنون الدار الفانية فقلت لحياة النفوس :
ما رأيك يا حبيبتي لو نبيع كل هذا الذهب ونشتري بثمنه سندات في واحد من بنوك " وول ستريت " ؟
ماذا سنفعل بكل هذه البيوت ؟
سنكتفي بشقة واحدة . ثلاث غرف ومطبخ و كنيف . ونبيع الباقي .
ماذا سنفعل يا حبيبتي بهذه القصور التي كقصور
السلاطين ؟
يا ليل .... يا عين
يا عين .... يا ليل
يا ليل ... يا ليل
يا عين ... يا عين .
فقالت ، وهي تضحك وتتلوى من شدة الضحك :
ما أطمعك يا آدم ، أنسيت بهذه السرعة أننا في دار
الخلود ؟
وعاد لي الرشد ، فاستغفرت الرب ، وعفرت وجهي
بالتبر .
ثم عدت أحدث نفسي من جديد بعدما خبا عن وجهي بريق الذهب :
لو كان عندي واحد من هذه الحيطان الذهبية عندما كنت في الدار الفانية ، لبعته وشريت بثمنه : قوتا لجياع الصومال وبارودا لثوار العالم ومنازل للمتشردين وحرية وبسمة للفقراء .
وبتوارد الخواطر سمعت حياة النفوس تقول :
ولماذا لم تهدم قصور السلاطين وتلبي شهواتك هذه وأنت في دار الفناء يا آدم ؟
لماذا تركتهم يقودونك إلى المارستان ، ويكتبون فوق جبهتك مجنون ؟
قلت : خفضي صوتك حتى لا يسمعك حراس المارستان .
ضحكت وقالت : حتى وأنت في الجنة ما زلت تخاف المارستان ؟
حقا ، ورب هذه الجنة ، إنك لمجنون .
وأنا أعشق جنونك هذا يا حبيبي .
وجاءت عندي تتثنى كغصن البان ، فقبلتها وأغلقت الستائر وأشعلت فانوس كهرباء بجانب السرير وتوسدت ذراعها ونمت .
ما أغباني . أحلم بالمارستان وأنا في الجنة .


الزواج في الجنة

قال رسول الله :
والذي بعثني بالحق ، ما أنتم أعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم . يدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله عز وجل ، واثنتين آدميتين ، من ولد آدم لهما فضل لعبادة الله في الدنيا . فيدخل غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، وعليه سبعون حلة من سندس وإستبرق . فيضع يده بين كتفي إحداهن ، فينظر إليها من صدرها ، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها . وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت .
فبينما هو عندها – لا يملها ولا تمله – ما يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء . ما يفتر ذكره ولا يشتكي فرجها ، إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ، إلا أنه لا مني ولا منية . وإن لك أزواجا غيرها . فيأتيهن واحدة واحة ، كلما جاء واحدة قالت :
والله لا أرى في الجنة شيئا أحب إلي منك ...