من تأليف أيسوب وغيره
1– الفلاَّح وشجرة التفاح
كان لأحد الفلاحين الفقراء صديق اشتهر بين الجميع بزراعة أشجار التفاح التي كانت تثمر أعظم الثمار. وفي يوم من الأيام أعطى الصديق للفلاح شجرة تفاح صغيرة ليزرعها بنفسه. وسُر الفلاح بالشجرة. ولكنه حينما عاد إلى بيته أخذ يفكر أين يزرعها ، وقال في نفسه : "لو زرعتها قرب الطريق ، فإن المارة قد يقطفون ثمارها. ولو زرعتها في الحقل فإن جيراني قد يتسللون في المساء ويأخذون بعض ثمار التفاح. أما لو زرعتها بالقرب من منزلنا فإن أطفالي سوف يأتون على ثمارها كالجراد."
وأخيرا ، قام الفلاح بزراعة الشجرة في مكان مظلم وبعيد في إحدى الغابات ، حيث لا يستطيع أن يراها أحد. ولكن – بطبيعة الحال – ذبلت الشجرة سريعا بسبب عدم تعرضها لضوء الشمس وبسبب عدم خصوبة التربة التي زُرعت فيها.
ولما علم الصديق بهذه القصة سأل الفلاح : "لماذا زرعت الشجرة في مثل هذا المكان الجدب؟" فأجاب الفلاح بغضب : "وما الفرق ؟ لو كنت قد زرعتها قرب الطريق لأكل الأغراب ثمارها. ولو زرعتها في أحد حقولي لكان من الممكن أن يأتي جيراني في المساء ويأخذوا بعض ثمارها. ولو زرعتها قرب منزلي لكان أطفالي قد أكلوا ثمارها كلها."
وهنا قال الصديق : "حسنا ، ولكن حينئذ كان بعض الناس سيتمتعون بثمار الشجرة. أما الآن ، ونتيجة لسوء تصرفك وأنانيتك وحبك لنفسك ، فقد حرمت كل الناس بل وحرمت نفسك أيضا. كما تسببت في أن ذبلت شجرة من أفضل الأشجار."
وهنا أدرك الفلاح أن صديقه كان على حق.
2 – التواضع
للكاتب الإغريقي القديم أيسوب
كانت هناك مجموعة من الحيوانات تعيش في إحدى الغابات. وكان الفيل يتمتع بين هذه الحيوانات بشعبية خاصة وبحب جميع الحيوانات له ، فقد كان هناك إجماع من جميع الحيوانات على أنه أكثر الحيوانات تمتعا بالحب من الجميع. إلا أن أحدا لم يستطع أن يقدم تفسيرا مقبولا لسر هذا الحب له.
وأخذ جميع حيوانات الغابة يحاولون تفسير هذا الأمر ، فقالت الزرافة :"لو كان للفيل رقبة طويلة مثل رقبتي هذه ، لكان من السهل إدراك سر حبنا جميعا له ، لأنه حينئذ سيكون أطـول حيوان في الغابة."
أما الطاووس فقد قال بزهو وخيلاء : "أما لو كان للفيل ذيل جميل مثل ذيلي هذا ، لكان من السهل معرفة السر ، لأنه حينئذ سيكون أجمل حيوانات الغابة."
بينما قال الأرنب : " لو كان الفيل يستطيع أن يجري بسرعة كما أجري أنا ، لكان من السهل فهم الأمر كله ، لأنه سيكون أسرع حيوان في الغابة."
أما الدب فقد انبرى قائلا : "لو كان للفيل مثل قوتي ، لأصبح من السهل فهم كل شيء ، لأنه سيكون أقوى حيوانات الغابة."
وفجأة ظهر الفيل نفسه. وكان واضحا للجميع أنه أضخم وأقوى من أي من الحيوانات الأخرى في الغابة. بل وكان أيضا يمتاز على الجميع بأشياء أخرى عديدة ، إلا أنه كان دائما هادئا ومتواضعا ولا يُكثر من الكلام عن نفسه وعما قام به من أعمال.
وهنا أدرك جميع الحيوانات في الغابة أن هذا التواضع هو التفسير الحقيقي لحب الجميع له.
3 – درس في عدم اليأس
في سكوتلندا منذ زمن طويل كان هناك قائد عسكري عُرف بوطنيته وحبه لبلاده. وكان هذا القائد واسمه روبرت بروس يحاول أن يطرد الإنجليز الذين كانوا يحتلون بلاده في بداية القرن الرابع عشر الميلادي ، إلا أن الحظ لم يحالفه في أكثر من موقعة بسبب تفوق الإنجليز العسكري. وبعد عدة معارك هُزم فيها بروس وقواته اضطر إلى الهرب والاختباء في أحد الكهوف.
وفي أحد الأيام كان بروس يرقد في الكهف مهموما حزينا وهو يفكر في الحالة المؤسفة التي آلت إليها الأمور في بلاده. وفجأة رأى عنكبوتا فأخذ يتسلى بملاحظته. وبدأ العنكبوت في نسج خيوط حول جسمه على مقربة من رأس بروس. فخطر ببال بروس أن يرى ماذا سيفعل العنكبوت لو قام بتمزيق الخيوط التي نسجها. ومد بروس يده ومزق الخيوط. وبسرعة عجيبة بدأ العنكبوت في نسج خيوط جديدة. وكرر بروس هذا العمل ست مرات متتالية. وفي كل مرة كان العنكبوت يقوم في الحال ودون أدنى تردد بنسج الخيوط حول جسمه من جديد. وتعجب بروس أشد العجب من إصرار العنكبوت وقوة إرادته وعدم استسلامه لليأس. وقال في نفسه : "الآن سأمزق الخيوط للمرة السابعة ، ولو قام العنكبوت بنسجها من جديد ، فإن هذا سيكون بمثابة درس لي ، لأنني – تماما مثل العنكبوت – هُزمت ست مرات في المعركة."
وبالفعل ، قام بروس بتمزيق الخيوط للمرة السابعة. ولدهشته البالغة أخذ العنكبوت يعمل بجد إلى أن انتهى من نسج خيوط جديدة.
ومن هذه الحادثة البسيطة ، ازداد بروس شجاعة وأملا وثقة بالنفس وإصرارا على مواصلة الجهاد في سبيل بلاده. وخرج بروس من كهفه حيث جمع جيشا من جديد. وفي هذه المرة السابعة – تماما كما حدث مع العنكبوت – نجح بروس ورجاله في مهمتهم وتمكنوا من طرد الإنجليز من بلادهم لتنعم بلادهم بحريتها.
4– هروب ذكي
في قديم الزمان ، وفي إحدى مقاطعات إنجلترا ، كان هناك حاكم ظالم. وكان يتولى القضاء في هذه المقاطعة قاضٍ يحبه كل الناس لعدله وحكمته. ولما كان الناس لا يحبون هذا الحاكم الظالم فقد اغتاظ من القاضي العادل. وبسبب حقده عليه أمر بحبسه طوال حياته في برج عالٍ لا يستطيع أن يهرب منه أحد.
وأمضى القاضي فترة من الزمن في هذا السجن دون بارقة أمل في الهرب. وذات ليلة كان القاضي ينظر من نافذة البرج فوجد زوجته تقف أسفل البرج تبكي بحرقة ومرارة، فناداها القاضي قائلا : "لا تبكي يا زوجتي العزيزة ، وأصغي جيدا لما سأقوله لك : أحضري خنفسة سوداء وقليلا من الزبد وبعض خيوط الحرير وحبلا طويلا. ولو أحضرتِ هذه الأشياء فورا ، ربما تمكنت من الهرب من هنا."
وانصرفت زوجة القاضي وعادت تحمل الأشياء التي طلب منها زوجها إحضارها ، فقـال القاضي من أعلى البرج : "ضعي بعضا من الزبد فوق رأس الخنفسة ، ولفي الخيط الحريري حول جسمها وضعيها على الحائط بحيث يتجه رأسها إلى أعلى."
وفعلت المرأة ذلك بكل اعتناء. ولما كانت الخنفسة تحب الزبد حبا جما فقد ظنت أنه كان موجودا على الحائط فوقها ، ولذلك بدأت في صعود الحائط.
وانتظر القاضي أعلى البرج حتى تصل الخنفسة إليه. وعندما اقتربت أمسك بها وأزال الخيط من حول جسمها ، ودلَّى الخيط لزوجته التي ربطت الحبل في طرفه. ثم أخذ القاضي يسحب خيط الحرير حتى تمكن من الإمساك بالحبل. ثم قام بربط الحبل ربطا محكما في نافذة البرج. وخرج من النافذة وأخذ ينزل وهو يمسك بالحبل بقوة إلى أن وصل إلى الأرض حيث كانت تنتظره زوجته وقد غمرتها السعادة لنجاة زوجها من السجن. وكانت أيضا في غاية الدهشة لأن خنفسة ضعيفة قد قامت بمهمة على قدر بالغ من الأهمية.
5 – "لغة" الرسم
هناك العديد من الحكايات التي تُروي عن المواقف الصعبة التي يواجهها الأشخاص الذيـن لا يعرفون اللغة التي يتحدث بها الناس في البلاد الأجنبية التي يقومون بزيارتها. وعندما لا يتوافر شخص يتولى مهمة الترجمة ، فإن مثل هؤلاء الأشخاص يضطرون لاستخدام الإشارات أو الرسم في محاولة للتعبير عما يريدون.
ومن بين هذه الحكايات حكاية تُروى عن رجلين أمريكيين كانا يقومان بجولة سياحية في إسبانيا. ولم يكن أي منهما يعرف كلمة واحدة من اللغة الإسبانية. وفي يوم من الأيام كان الرجلان يتناولان طعام الإفطار في مطعم في إحدى القرى الصغيرة ، ووجدا بالطبع صعوبة بالغة في أن يطلبا من عامل المطعم ما يريدانه. وكان واحد منهما يريد كوبا من اللبن. وبدا على العامل أنه لم يفهم ما يريده الأمريكي. وفي النهاية اهتدى الأمريكي إلى فكرة ، فأخرج ورقة صغيرة وقلما ورسم بقرة. ثم أخذ يشير إلى الخادم إشارات أراد منها أن يعرف الخادم أنه يريد بعض اللبن. وبالرغم من أن الأمريكي ظن أنه كان واضحا بما فيه الكفاية إلا أن الخادم بدت عليه أمارات الحيرة ، فقد ظل ينظر إلى صورة البقرة فترة طويلة. وفي نهاية الأمر انصرف وغاب عن المطعم ما يقرب من نصف الساعة. ولما عاد كان يبدو على ملامحه البِشْر لِمَا قام به من أجل الأمريكييْن. وبابتسامة تملأ وجهه قدَّم لهما تذكرتين لحضور حفل من حفلات مصارعة الثيران التي تُشتهر بها إسبانيا!
6– ذكاء سلحفاة
(ربما من تأليف أيسوب)
(1)
كانت هناك أسرة سعيدة صغيرة تتكون من زوجين من السلاحف. وفي يوم من الأيام خرج زوج السلحفاة ليتمشى قليلا. وكان الجو صحوا والشمس مشرقة. وكان زوج السلحفاة يشعر بنشاط كبير في هذا اليوم. وكما هي عادة السلاحف فقد كان الزوج يسير ببطء شديد. ولم يكن قد ابتعد كثيرا عن المنزل عندما قابل أحد الأرانب. وكان زوج السلحفاة يعرف هذا الأرنب جيدا ، فقد كان قد قابله عدة مرات قبل هذا. ولم يكن زوج السلحفاة يحب هذا الأرنب، فقد كان هذا الأرنب مغرورا وكان دائما يسخر من السلحفاة.
وسأله الأرنب بسخرية : "أين تظن أنك ذاهب ؟" فأجاب زوج السلحفاة : "إنني فقط أتمشى قليلا." وضحك الأرنب بصوت عالٍ وقال : "أنت ؟ تتمشى ؟" وهنا سأله زوج السلحفاة : "وماذا يضحكك في هذا ؟" فقال الأرنب : "إنك بكل تأكيد لا تستطيع أن تمشي جيدا أو أن تذهب بعيدا بأرجلك القصيرة هذه." فقال زوج السلحفاة : "وماذا يعيب أرجلي هذه ؟" فأجابه الأرنب وهو يضحك ساخرا : "لا شيء سوى أنني لا أعرف ما إذا كنت يمكنك أن تسميها أرجلا أو لا. إنها قصيرة للغاية وشكلها يبعث على الضحك."
(2)
وهنا غضب زوج السلحفاة غضبا شديدا ، إلا أنه لم يقل شيئا ، بل أخذ يفكر. وفي نهاية الأمر قال : "إنني أستطيع أن أمشي وأن أجري تماما مثلما تستطيع أيها الأرنب." فضحك الأرنب بصوت عالٍ لدرجة أنه لم يستطع الرد ، فقال زوج السلحفاة : "لِنَرَ. فلنتسابق وسترى أنني سأفوز." فقال الأرنب وهو يهتز من الضحك : "بأرجلك المضحكة هذه ؟" فقال زوج السلحفاة: "نعم بأرجلي هذه." ولما توقف الأرنب عن الضحك سأل زوج السلحفاة : "هل أنت جاد فيما تقول ؟" فأجابه زوج السلحفاة : "كل الجد. فلنجرِ من بداية هذا الحقل حتى نهايته." فقال الأرنب : "حسنا ، فلنبدأ السباق فورا." وهنا قال زوج السلحفاة : "لا حاجة بنا إلى العجلة، وأنا لم أتناول إفطاري بعد ، وزوجتي في انتظاري فلنلتق عند بداية الحقل في الحادية عشرة."
ووافق الأرنب على هذا. وبدأ زوج السلحفاة يسير عائدا إلى بيته. وأثناء الطريق كان يفكر: "ياله من مغرور هذا الأرنب ، فقط لأنه يستطيع أن يجري سريعا. ولكنني في هذه المرة سوف ألقنه درسا لن ينساه." ولما وصل إلى بيته قال لزوجته : "أسرعي يا عزيزتي ، وتعالي بسرعة معي فإنني بحاجة إلى مساعدتك. فقد اتفقت مع الأرنب على أن أسابقه." فسألته زوجته : "أي نوع من السباق ؟" فأجابها زوجها : "لقد اتفقنا على أن نجري على طول أحد الحقول ، وتحديته أن أسبقه." فقالت زوجة السلحفاة : "أليس هذا غريبا ؟ إن الأرنب هو أسرع حيوان في الغابة." فأجابها زوجها : "أعرف هذا. ولكنني أعرف أيضا أن الأرنب مغرور ولا يتمتع بقدر كبير من الذكاء. ولهذا فإنني أنوي أن أفوز بالسباق. والآن أسرعي فلا ينبغي أن نضيع وقتا."
(3)
وفي الطريق إلى الحقل شرح زوج السلحفاة خطته بكل عناية لزوجته : "لقد قام صاحب هذا الحقل بحرثه أمس. وهناك ممرات عميقة من بداية الحقل حتى نهايته. وكما اتفقت مع الأرنب فإننا سوف نجري على طول الحقل. وسوف يجري هو في أحد الممرات بينما أجـرى أنا في الممر الآخر. وبالتالي فإن أحدا منا لن يمكنه أن يرى الآخر أثناء السباق." وسألته زوجته: "ولكن ما دوري أنا في كل هذا ؟" فقال زوج السلحفاة : "إن الأمر بسيط. إننا نشبه أحدنا الآخر لدرجة كبيرة بحيث لا يستطيع أحد أن يفرق بيننا. وسنبدأ السباق من بداية الحقل. ولكنني سوف أجرى عدة أمتار فقط ثم أرقد في الممر. ولن يستطيع الأرنب أن يراني. أما أنتِ فإنك ستقومين بانتظاري في نهاية الحقل ، حيث سترقدين في الممر نفسه الذي سأجري فيه. وعندما تسمعين صوت الأرنب وهو قادم فإنك ستنهضين بسرعة وتقولين : "ها أنا ذا." وعندئذ فإنه سيظن أنك أنا ، أي أنه سيظن أنني فزت في السباق." وهنا سألته زوجته: "فلنفرض أنه أراد أن يكرر السباق." فأجابها زوجها : "إذن فستبدئين السباق ، بينما سأكون أنا في بداية الحقل لأقوم بما قمتِ أنتِ به. وهذا أمر هيِّن ، أليس كذلك ؟"
وبعد ذلك اتجهت زوجة السلحفاة إلى الجانب الآخر من الحقل وانتظرت. وكان زوجها قد أخبرها بعناية بالمجرى الذي ستنتظره فيه. أما في الطرف الآخر من الحقل فقد كان هناك زوجها والأرنب وقد أخذا يستعدان لبدء السباق.
وقال زوج السلحفاة للأرنب : "فلتجرِ في هذا الممر بطوله." وأشار إلى مجرى يبعد عدة أمتار. "أما أنا فسوف أجري في هذا المجرى." فقال الأرنب : "حسنا ، فلنبدأ السباق."
(4)
وأخذ زوج السلحفاة يعد 1 ، 2 ، 3 ثم انطلقا.
وبعد عدة أمتار قليلة رقد زوج السلحفاة في المجرى واختبأ. أما الأرنب فقد انطلق يجري بسرعة. وعندما وصل إلى نهاية الحقل نهضت زوجة السلحفاة وقالت : "ها أنا ذا !"
وأحس الأرنب بدهشة كبيرة ، ولم يستطع أن يصدق عينيه ، وأخذ يصيح : "إن هذا لعجيب !" وبعد قليل قال : "فلنكرر السباق مرة أخرى."
وجرى الاثنان مرة أخرى. وأصيب الأرنب بدهشة أكبر عندما وجد أن السلحفاة قد وصلت إلى الطرف الآخر من الحقل قبله. ثم قال الأرنب : "فلنتسابق مرة ثالثة."
فقال زوج السلحفاة : "لا بأس ، فلنجر طوال اليوم إذا أردت."
وتكرر السباق أكثر من عشر مرات. وكان السباق ينتهي في كل مرة بفوز السلحفاة بالطبع. وأخذ التعب يصيب الأرنب أكثر وأكثر بعد كل سباق ، إلا أنه استمر في تكرار السباق حتى أنهكه التعب ولم يستطع مواصلة السباق.
المفضلات