هل كانت صدفة أن يخرج علينا عالمان عربيان جليلان بنظريتين في العروض العربي في عام واحد؟ إحدى النظريتين كانت للدكتور أحمد مستجير، رحمه الله ، في كتابه الموسوم بـ " في بحور الشعر ، الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي" الصادر عن دار غريب للطباعة بالقاهرة عام 1980 م وكان وقتها أستاذا في كلية الزراعة بجامعة القاهرة . والأخرى للدكتور زكي عبد الملك، وهو إذ ذاك أستاذ للغة في جامعة Utah بالولايات المتحدة، في كتابه الذي نشر بأعداد مجلة اللسان العربي ابتداء منذ عام 1980م وحتى عام 1996 م بعنوان "Towards a New Theory of Arabic Prosody " .
هاتان النظريتان تلتقيان في الفكرة التي انطلقا منها ثم تفترقان بعد ذلك في وجوه من التحليل متباينة. وسأحاول ، على مدى الأيام القادمة ، عرض هاتين النظريتين والمقارنة بينهما مع بيان أثرهما على تطور البحث العروضي الحديث .
إن الفكرة التي انطلق منها د. مستجير ( ولا يعني هذا أنه الأسبق ) تتمثل في افتراضه أن بحور الشعر مستخلصة أساساً من عدد من الأسباب الخفيفة ، يبلغ اثني عشر سبباً يمكن تقسيمها إلى ثلاث تفعيلات رباعية على وزن ( مفعولاتن )، أو إلى أربع تفعيلات ثلاثية على وزن ( مفعولن ). ومن ثم وضع لنا الشكل الأساسي القاعدي للشطر ذي التفعيلات الرباعية على النحو التالي :
مفعولاتن مفعولاتن مفعولاتن
وللشطر ذي التفعيلات الثلاثية الأربع الشكل :
مفعولن مفعولن مفعولن مفعولن
وعلى نحو من ذلك يبني د. عبد الملك مستوى نظريا من هاتين التفعيلتين اللتين يسميهما ( فاعولاتن ) و ( فاعولن ) ، ويرمز للأولى بالرمز (أ) وللثانية بالرمز (ب) . ثم يضع قاعدتين لهذا المستوى النظري هما :
1- أن الشطر يتألف من تفعيلتين أو ثلاث أو أربع تفعيلات.
2- يتميز كل شطر بالتكرار النمطي للتفعيلة ( أ) أو ( ب) أو لكليهما.
ويأخذ هذا التكرار الأنماط الأربعة التالية للوزن ، وهي :
أ- التكرار المحض: Mere repetition ( أ أ أ أ ) ـ ( أ أ أ ) ـ ( ب ب ب ) ـ ( ب ب )
- فاعولن فاعولن فاعولن فاعولن
- فاعولن فاعولن فاعولن
- فاعولاتن فاعولاتن فاعولاتن
- فاعولاتن فاعولاتن
ب- التكرار المنقطع: Interrupted repetition ( ب أ ب )
- فاعولاتن فاعولن فاعولاتن
ت- التكرار الملحق:Supplemented repetition ( ب ب أ )
- فاعولاتن فاعولاتن فاعولن
ث- التبادل : Alternation ( أ ب أ ب ) ـ ( ب أ ب أ )
- فاعولن فاعولاتن فاعولن فاعولاتن
- فاعولاتن فاعولن فاعولاتن فاعولن
ويرى الدكتور عبد الملك أن الأنماط الثلاثة الأولى تفتقر إلى الأوزان التالية :
( أ أ ) ، ( ب ب ب ب ) ، ( أ ب أ ) ، ( أ أ ب )
كما يلاحظ أن ثلاثة من تلك الأوزان المفقودة هي من طائفة الأوزان التي تدخل في بنائها التفعيلة ( أ ) بأكثر مما تدخل التفعيلة ( ب ) ؛ مما يدل على أن الشعر العربي يفضل تلك الأوزان التي يغلب على بنائها التفعيلة ( ب ). وأما غياب النسق ( ب ب ب ب ) عن الاستعمال فيرجع، كما يقول، إلى فرط طوله، " ذلك أن النسق الرباعي التفاعيل يمثل الحد الأقصى للطول، فما بالك إذا كان هذا النسق مؤلفا من التفعيلة ( ب ) وهي أكبر التفاعيل" !
ومن ناحية أخرى يلاحظ د. عبد الملك أن التكرار المحض يتطلب وجود تفعيلتين كحد أدنى ، بينما يتطلب التبادل أربع تفعيلات ، في حين تبلغ متطلبات كل من النوعين الآخرين ثلاث تفعيلات على الأقل .
المفضلات