رحلة إلى الأعماق
قصة من الخيال العلمي في حلقات
الجزء العاشر

نزار ب. الزين*

*****
أبطال القصة :
د.عبد الله من المغرب تخصص ألكترونيات و برمجة و هندسة الحاسوب
د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض و علم الزلازل و البراكين
د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص كيمياء ، فرع النفط و الصناعات النفطية
د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك و محركات ثقيلة .
*****

كان الأصدقاء العلماء العرب ، يتصلون بأهاليهم بالصوت و الصورة من خلال حاسوب وضعوه في غرفة صغيرة تتسع لشخص واحد في أقصى الجهة الخلفية من المركبة ؛ يلج إليها كل بمفرده ، فيجري اتصاله ، ثم يترك المجال لغيره ..
عندما خرج الدكتور مجدي من غرفة الإتصال ، بدا عليه الحزن و قد ترقرقت الدموع في عينيه .
سأله الدكتور هشام : " مايزعجك يا أخي مجدي ؟ " ، " الوالدة مريضة يا أخي هشام! " أجابه الدكتور مجدي و هو يمسح دمعة نفرت رغما عنه ..
هنا اقترب منه كرزون مواسيا ، ثم أضاف :
- إذا كنت ترغب برؤيتها عن كثب فأنا على استعداد لتلبية رغبتك حالا ، و ستكون إلى قربها خلال دقائق ..
نظر إليه الدكتور مجدي و قد تملكته الدهشة ثم سأله :
= هل تمزح يا صاحبي ؟
فابتسم كرزون و هو يجيبه بكل ثقة :
- لا مزاح في هذه الأمور .
و لا غرابة فيما أقترح ، فعندما تكون داخل فقاعة من المادة المعتمة ، تصبح تماما كأي مخلوق من هذه المادة ، تغوص في الأعماق و تخترق الصهارة و تتسلل بين الشقوق بسرعة مذهلة تتجاوز سرعة مركبتكم هذه !
يتدخل الدكتور هشام قائلا :
= هذه مغامرة ، أتدري كم المسافة بيننا هنا و بين دبي ؟ إنها مغامرة لا أنصحك بها يا صاحبي ، و على الأرجح سوف تتوه و ربما نفقدك إلى الأبد .
يجيبه كرزون مطمئنا :
- لا تقلق ، سأكون برفقته ، فقط نريد اسم الفندق الذي ينزل فيه أهله ، أما الزمن فسيكون أقصر مما تظن ، مدة زيارته مضافا إليها بضع دقائق للذهاب و الإياب .
يسأل الدكتور حمود عن اسم الفندق فيجيبه :
= فندق شاطئ الجميره و يقع على الشارع المسمى بنفس الإسم .
*****
كان الدكتور مجدي و و مرافقه كرزون يتحركان في باطن الأرض حينا و على سطحها حينا آخر بسرعة مذهلة تتجاوز سرعة البرق ، و كان الدكتور مجدي يشعر و كأنه يعيش حلما تتوالى صوره ؛ كانا يتسللان عبر الصدوع الكثيرة في قشرة الأعماق ، أو يتسلقان الجبال أو يخترقان الوديان و الغابات حين يحلو لهما ذلك .
و رغم هذه السرعة الكبيرة فقد تمكن الدكتور مجدي من تمييز نفق بحر المانش معجزة الهندسة في القرن العشرين و هو النفق الذي يفصل بين فرنسا و انكلترا ، و استطاع أن يميز كذلك مدنا كبرى كباريس و فينيسيا ( البندقية ) و استنبول على السطح ، و تجمعات نفطية و مائية في أماكن مختلفة في الأعماق ، و أيضا الكثير الكثير من عروق الذهب و كتل الماس في أماكن متعددة ، و الأهم من كل ذلك بحيرة كبيرة جدا من الماء العذب تحت الربع الخالي ، و الكثير الكثير من البحيرات النفطية صغيرها و كبيرها على أعماق متفاوتة في منطقتي البحر الأبيض المتوسط و الخليج .
و فجأة وجد نفسه يخرج من البحر المحاذي لمدينة دبي و يتجه مع رفيقه كرزون إلى أحد شواطئ المدينة ، و إن هي إلا ثوانٍ حتى كان أمام مجمع سياحي ضخم يتوسطه فندق على شكل موجة بحرية عملاقة و لافتة كتب عليها (فندق شاطئ الجميرة) .
دخل و رفيقه من باب البهو الرئيسي ، و بحكم العادة اقترب من مكتب إستعلامات الفندق ليسأل عن رقم غرفة والديه ، فضحك كرزون منه و قال له منبها و هو لا زال يضحك :
- أنسيت أنك ضمن فقاعة المادة المعتمة ؟ و أن أحدا لا يراك أو يسمعك ؟!
ثم تقدم كرزون داخل المكتب و اخترق أدراج ملفات النزلاء ، و عاد إلى الدكتور مجدي ليبلغه بأن و الديه و شقيقتيه موجودون في الغرفتين رقم 185 و 186 على التوالي في الطابق الثامن عشر .
*****
قال له كرزون :" ساقوم بجولة ألقي خلالها نظرة على هذا المجمع السياحي الفاخر ثم أعود إلى تلك الزاوية هناك .. حيث نلتقي قبل أن نبدأ رحلة العودة " .
سأله الدكتور مجدي راجيا : " ألا يمكنك إزاحة الفقاعة عني لأتمتع بلقاء حي مع أهلي ؟"
فأجابه منبها : " إذا كنت تريد أن تقتلهم ، أفعل ! " ثم أضاف :
- يارجل كلموك قبل أقل من نصف ساعة و أنت في أقاصي شمال اسكتلوندا ، ثم يجدونك في وجوههم ، سوف تقتلهم المفاجأة يا دكتور !
عندما تمكن الدكتور مجدي من دخول غرفة والديه ، شاهد ما جعله يضطرب ، فثمت طبيبة تقوم بفحص والدته ، و قد وقف إلى جوارها والده الذي بدا عليه الإنزعاج ، و في الطرف الآخر من السرير جلست شقيقتاه و قد استبد بهما القلق .
و إذ أنهت الطبيبة فحصها و بدأت تكتب وصفة الأدوية المناسبة ، سالها والده ملهوفا : " خير يا دكتورة ؟ " تجيبه مبتسمة : " كل الخير إنشاء الله ، مجرد نوع فيروس الأنفلوينزا أصاب قصباتها الهوائية ، و مع العناية و الدواء الذي وصفته ، سيزول البأس بعون الله خلال أيام ".
و فجأة سمع والدته تنادي : " مجدي .. مجدي .. مجدي .. تعال إلى حضن أمك يا حياة أمك "
تدمع عيون الفتاتين ، بينما يقترب منها والده قائلا بحنان كبير :
- أنت تعلمين أن مجدي مسافر يا أم مجدي ، و أنه سيعود قريبا مظفرا بعون الله...
فتجيبه ملحة :
= بل هو هنا ، أنا اشعر بوجوده ، أكاد أشم أنفاسه !
و تعود للمناداة :
= مجدي...مجدي ..اقترب مني يا روح أمك ....
يلتفت أبو مجدي إلى الطبيبة متساءلا بعينين دامعتين ...
فتجيبه الطبيبة بصوت خافت :
- لا تقلق يا عم ، هذا مجرد هذيان بسبب ارتفاع حرارتها ، أكثروا من إعطائها السوائل ، و ضعوا ثلجا على جبينها لفترة ثلاث دقائق كل عشر دقائق و قد وصفت لها دواء خافضا للحرارة و آخر مضاد حيوي وقائي لمنع وصول المرض إلى رئتيها ، و غدا سوف أعود لزيارتها و ستكون بحال أفضل بقدرة الله ..
أما مجدي فقد همس إلى ذاته و قد اعتصره الألم : " الآن عرفت أكثر من أي وقت مضى ، أن قلب الأم لا يخيب حدسه ؛ لقد شعرت بوجودي المسكينة ! "
أدرك مجدي أن مرض والدته ليس بالمرض الخطير ، اقترب منها محاولا طبع قبلة على جبينها أو تقبيل يدها ، و لكن فقاعته من المادة المعتمة لم تمكنه من ذلك ، فأرسل لها و للجميع قبلا في الهواء ، ثم مضى للقاء رفيقه كرزون.

=========================
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWata
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com
=========================

رحلة إلى الأعماق
روابط الأجزاء السابقة :

رابط الجزء الأول
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الثاني
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الثالث
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الرابع
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الخامس
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm
رابط الجزء السادس
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm
رابط الجزء السابع
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm
رابط الجزء الثامن
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm
رابط الجزء التاسع
http://www.freearabi.com/رحلة-إلى-ال...ار-ب-الزين.htm