آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مقارنة كمية ونوعية بين ترجمات معاني القرآن الكريم وترجمات الإنجيل

  1. #1
    مترجمة الصورة الرمزية ايناس حمدي
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    المشاركات
    2,925
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي مقارنة كمية ونوعية بين ترجمات معاني القرآن الكريم وترجمات الإنجيل

    ترجمة معاني القرآن الكريم بين الواقع والمأمول
    مقارنة كمية ونوعية بين ترجمات معاني القرآن الكريم وترجمات الإنجيل

    إعداد
    د.وليد بن بليهش العمري
    مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
    قسم الترجمات
    مدير تحرير مجلة الدراسات القرآنية بالمجمع




    (نشر هذا البحث ضمن أبحاث ندوة اللغات والترجمة: الواقع والمأمول المنعقدة بكلية اللغات والترجمة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد صدرت أبحاث الندوة عام 1426هـ، بعنوان: «الأبحاث المستكتبة والمحكمة لندوة اللغات والترجمة الواقع والمأمول»، وجاء هذا البحث في الصفحات من 333-392)
    إهداء إلى ملتقى أهل التفسير
    www.tafsir.net


    1- تقديم
    يهدف هذا البحث إلى إجراء مقارنة كمية ونوعية بين واقع ترجمة معاني القرآن الكريم وترجمة الإنجيل (Bible) بعهديه القديم والجديد، والغرض من هذه المقارنة هو معرفة الفرق بين ترجمة الكتابين من حيث التاريخ والآفاق المستقبلية، والعوامل اللغوية والاجتماعية المؤثرة في الترجمة، والممارسات المتبعة فيها، ومدى الاستفادة من نظريات اللغة والترجمة الحديثة، ومدى توافر مراكز الاستشارة والتدريب والإرشادات لمترجم كل من الكتابين. وأهمية هذا تكمن في أن الإنجيل - أو على الأقل أحد كتبه - تُرجم إلى 2009 لغة ولهجة يشكِّل من يتحدث بها على الأقل 97% من عدد سكان العالم ، والنتيجة التي أرغب في الخروج بها من خلال المقارنة هي تحسس وجوه الإفادة في ترجمة معاني القرآن الكريم من التاريخ المديد لترجمة الإنجيل، إضافة إلى التعرف على وجوه الاختلاف التي من شأنها أن تجعل من مدى طموحنا في الاستفادة من واقع ترجمة الإنجيل واقعياً. وسيناقش البحث المطالب التالية:

    2- تاريخ ترجمة كل من الكتابين
    2.1- تاريخ ترجمة الإنجيل
    يقسم يوجين نايدا (Eugene Nida) تاريخ ترجمة الإنجيل إلى ثلاث مراحل وهي: المرحلة الإغريقية اليونانية (بين عامي 200 قبل الميلاد إلى700 ميلادية)، ومرحلة الإصلاح (Reformation) (في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين)، والمرحلة الحديثة التي بدأت منذ القرن التاسع عشر الميلادي وامتدت إلى القرن العشرين، أو ما يعرف بالقرون التنصيرية.
    2.1.1- المرحلة الإغريقية اليونانية
    كانت أولى الترجمات في هذه الفترة هي الترجمة السبعينية (Septuagint) الإغريقية للعهد القديم أُنجزت في أغلبها خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وكان لهذه الترجمة تأثير كبير في قوانين الترجمة ومبادئها والألفاظ التي استخدمت في الكتابات النصرانية فيما بعد، وخلال هذه المرحلة الإغريقية اليونانية ظهرت الترجمة الأولى للعهد الجديد إلى اللاتينية، وتبعتها ترجمات للعهدين القديم والجديد إلى عدد من اللغات الشرق أوسطية منها السريانية والقبطية (بلهجتين مختلفتين) ومن ثم الأرمينية والجورجية والإثيوبية والعربية والفارسية وأخيراً الغوطية. ولم تكن الترجمات المبكرة للاتينية القديمة مرضية لذا قام بمراجعتها القديس جيروم (St. Jerome) في أواخر القرن الرابع الميلادي في النسخة التي عرفت فيما بعد بالشعبية (Vulgate)، وأكمل القديس جيروم ترجمة الإنجيل المكتوب بالعبرية وأهم الكتب غير المتفق عليها (Apocrypha) إلى اللاتينية عام 406 ميلادية، وكان تأثيره على نظرية الترجمة كبيراً لأنه أكد أن المعنى أهم من المبنى في الترجمة.
    2.1.2- مرحلة الإصلاح
    ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى طورين أساسين: شهد الطور الأول صدور عدد من المراجعات للترجمات القديمة إضافة إلى الترجمات الحديثة للّغات الأوروبية المهمة جاءت كردة فعل للاستكشافات والنظريات الحديثة في الآثار ودراسة مخطوطات الإنجيل، وخلال الطور الثاني قام التنصيريون بترجمات عدة إلى لغات العالم الثالث.
    وكانت أهم المساهمات خلال الطور الأول من فترة الإصلاح النسخة الإنجليزية المنقّحة (English Revised Version) الصادرة عام 1885م، والنسخة الأمريكية القياسية (American Standard Version) الصادرة عام 1901م، والإنجيل القياسي المنقّح (Revised Standard Bible) الصادر عام 1952م، والإنجيل القياسي المنقح الجديد (New Revised Standard Bible) الصادر عام 1989م. والمشروعان الأخيران الكبيران بالإنجليزية هما الإنجيل الأمريكي الجديد (New American Bible) الصادر عام 1970م، الذي بُني على النصوص اليونانية والعبرية عوضاً من ترجمة جيروم، والإنجيل الإنجليزي الجديد (New English Bible) الصادر عام 1970م أيضاً.
    ويرى نايدا أن التطور الأهم في تقاليد ترجمة الإنجيل كان مشاركة ج. ب. فيليبس (J. B. Phillips) بكتابه المعنون Letters to Young Churches، أي "رسائل إلى الكنائس الفتية" الصادر في 1950م ، الذي نتج عنه ترجمات مثل النسخة الإنجليزية الحديثة (Today’s English Version) التي صدرت عامي 1966م و1976م، والإنجيل الحي (The Living Bible) الصادر عام 1971م، والتي استُحسِن الأسلوب الذي كتبت به ولكن منهجها التفسيري واجه موجة من النقد.
    2.1.3- الترجمات التنصيرية
    والترجمات التنصيرية يمكن تتبعها في طورين أيضاً: الطور الأول هو طور المترجمين التنصيريين الأوائل مثل أدونيرام جدسن (Adoniram Judson) الذي ترجم الإنجيل إلى البورمية، وروبرت موريسون (Robert Morrison) الذي ترجم الإنجيل إلى الصينية، ووليم كيري (William Carey) وزملائه الذين ترجموا الإنجيل إلى عدد من اللغات في الهند، وهنري مارتن (Henry Martyn) الذي ترجم الإنجيل إلى اللغات الأردية والفارسية والعربية، وشهد الطور الثاني من هذه الفترة مئات الترجمات إلى لغات أخرى قام بها تنصيريون بعثت بهم طوائف نصرانية مختلفة، ومن قِبل ما أُطلق عليها "بعثات الإيمان"، والجمعيات المتخصصة في إرسال تنصيريين بغرض ترجمة الإنجيل إلى جميع اللغات التي لا يتوافر بها. ومن أمثلة هذه الجمعيات مترجمو وايكلف للإنجيل (Wycliffe Bible Translators)، ومترجمو لوثران للإنجيل (Lutheran Bible Translators)، ومترجمو الإنجيل التبشيريون (Evangel Bible Translators)، ومترجو الإنجيل الرواد (Pioneer Bible Translators). وأكبر هذه الجهات على الإطلاق هم مترجمو وايكلف للإنجيل الذين يعرفون أيضاً بمعهد اللغويات الصيفي (Summer Institute of Linguistics) إذ يبلغ عدد أعضائها أكثر من خمسة آلاف ترجموا العهد الجديد كاملاً إلى 347 لغة ويعملون على إخراج ترجمات جديدة إلى 800 لغة أخرى، وجمعيات الإنجيل المتحدة (United Bible Societies)، التي هي عبارة عن جهد جماعي لأكثر من مئة جمعية إنجيل قومية، تعمل مباشرة مع الكنائس في أرجاء الأرض لإخراج مراجعات على ترجمات قديمة وترجمات جديدة إلى لغات رئيسة وفرعية يشكل عدد الناطقين بها 90% من سكان العالم، وتقوم جمعيات الإنجيل المتحدة حالياً بدعم وتمويل مترجمين إلى أكثر من 550 لغة.

    2.2- تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم
    لم يردنا شيء يشير إلى أن ترجمة معاني القرآن الكريم بدأت في زمن الرسول ، غير أن ابن سعد يذكر في "الطبقات الكبرى" أن رُسُل رسول الله  وعوا لغات القوم الذين أرسلوا إليهم ، وبعض الرسائل التي بعثها رسول الله  احتوت آيات من القرآن الكريم وبخاصة تلك التي بعثت إلى أهل الكتاب مثل النجاشي ملك الحبشة التي ورد فيها الآيات التالية:  هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (الحشر:23)، و يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ (النساء:171) ، وورد أن عمر بن أمية ، وهو الرسول إلى النجاشي، قام بترجمة رسالة رسول الله  إلى اللغة التي يفهمها النجاشي، وفي رسالته  إلى المقوقس وردت الآية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ (آل عمران: 64).
    وهذا يعد ضرباً من الترجمة إلا أنها ترجمة لبعض آيات القرآن الكريم تخدم الغرض الخطابي ولا تتعدى ذلك إلى ترجمة لسورة كاملة من سوره، ولكن السرخسي ذكر في كتابه الكبير في الفقه الحنفي الموسوم بـ "المبسوط"، في كتاب الصلاة (1/37)، أن الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي  أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية، وفي "النهاية حاشية الهداية" لتاج الشريعة (1/86، حاشية 1) تفاصيل أكثر حيث يذكر: "كتبوا إلى سلمان الفارسي  أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم/بنام يزدان بخشاونده.... وبعدما كتب عرضه على النبي ، ثم بعثه إليهم، ولم ينكر عليه النبي ، كأنهم طلبوا ترجمة سورة الفاتحة لقوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" ".
    ويذكر ألفونس منيانا (Alphonse Mingana) في مقدمة كتابه "ترجمة سريانية قديمة للقرآن" أن ديونيسيوس بارصليـبي، المتوفى عام 1171م، يؤكد أنهم قاموا بترجمة القرآن إلى السريانية، إبان ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، وتوجد في مكتبة جون رايلاند بجامعة مانشستر بانجلترا مخطوطة سريانية نشرها الفونس منيانا في كتابه المذكور، وفيه ترجمات لمقتطفات من القرآن الكريم مثل سورة الفاتحة، وآيات أخرى، مكتوبة بنصها العربي ومترجمة إلى السريانية مع تعليقات وطعون نصرانية.
    ويذكر الأستاذ مونتييه في كتابه L’Islam أي "الإسلام" أن الفيلسوف اليوناني نقيطاس، من القرن التاسع الميلادي الموافق للقرن الهجري الثالث، نقل القرآن إلى اليونانية فقسم منه ترجمة وقسم خلاصة، وزاد عليه ردوداً وطعوناً.
    وذكر برزك بن شهريار في كتابه "عجائب الهند والصين" (ص 2-3) أنهم ترجموا القرآن في شمال الهند لصالح بعض الملوك المجاورين الذي كان قد اشتاق إلى الإسلام.
    وفي القرن الرابع الهجري أمر الملك منصور بن نوح الساماني جماعة من كبار علماء تركستان عام 345هـ أن يترجموا جميع القرآن الكريم إلى الفارسية والتركية الشرقية والتركية الغربية، مع زيادة ترجمة خلاصة تفسير الطبري.
    وذكر بروكلمان في كتابه "تاريخ الآداب العربية" (1/432) أن أبا علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المعتزلي (المتوفى 303 هـ) ألّف تفسير القرآن بلغة خوزستان.
    وظهرت أوائل ترجمات معاني القرآن الكريم إلى لغات الشعوب الإسلامية عندما أحس كثير من الشعوب بعد دخول الإسلام بالحاجة إلى تعلم أصول الدين، لذا عمدوا إلى تفسير معاني القرآن الكريم إلى لغاتهم ليتفقهوا في الدين. والترجمات الأولى إلى لغات الشعوب الإسلامية هي:
    الفارسية: أول ترجمة معروفة لدينا إلى لغات الشعوب الإسلامية هي الترجمة الفارسية التي تمت عام 345هـ في عهد الملك الساماني أبي صالح منصور بن نوح بن نصر مع ترجمة مختصرة لتفسير الطبري، وترجمة معاني القرآن الموجودة في تفسير الطبري ترجمة حرفية حيث كتبت الكلمات الفارسية تحت آيات المصحف دون مراعاة لترتيب الجملة الفارسية أو سياق التعبير بها.
    وأول تفسير طبع باللغة الفارسية هو تفسير "المواهب العلية" المعروف بتفسير حسيني الذي نشر عام 1837م بكلكتا في الهند.
    التركية: هناك رأيان حول تحديد أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى التركية، الرأي الأول الذي قال به الأستاذ زكي وليد طوغان (ت 1970م) يرجح أن لجنة العلماء التي قامت بترجمة تفسير الطبري إلى الفارسية كانت تضم علماء أتراكاً قاموا بترجمته إلى التركية في الوقت نفسه، وأن هذه الترجمة هي ترجمة حرفية على نسق الترجمة الفارسية كتبت بين سطور المصحف.
    ويذهب أصحاب الرأي الثاني إلى أن أول ترجمة تركية لمعاني القرآن الكريم ظهرت بعد الترجمة الفارسية بنحو قرن من الزمان أي في القرن الخامس الهجري.
    ومن الملاحظ على أوائل الترجمات التركية أنه لم يراعَ فيها ترتيب الجملة التركية أو سياق التعبير فيها كما هو ملاحظ في الترجمة الفارسية.
    الأردية: تعد ترجمة شاه رفيع الدين الدهلوي أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية وهي حديثة نسبياً، حيث صدرت أول طبعاتها بكلكتا في الهند عام 1840م، إلا أن تاريخ ترجمة سور وآيات مختارة من القرآن الكريم أقدم من هذه الترجمة بكثير وحدثت في عصور مبكرة، إذ يذكر أحمد خان أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى هذه اللغة قديمة قدم اللغة نفسها فقد ظهرت في القرن العاشر الهجري وأُلف بها عدد من الترجمات الجزئية، ويلاحظ أحمد خان على الترجمات الأردية المبكرة عموماً الحرفية، وعندما بدأ الناس في سلوك مسلك الترجمة التفسيرية خلطوا أهواءهم في الترجمة .
    ولكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم ليس مدى تبكيرها أو تأخرها في الظهور ولكن الأغراض التي استخدمت الترجمة لخدمتها، وهناك محطات مؤثرة تجدر الإشارة إليها.
    أهم هذه المحطات هي ترجمة دير كلوني إلى اللاتينية التي ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي وتأثر بها كثيراً دي رير في ترجمته الفرنسية لمعاني القرآن الكريم ومن ثم أثرت ترجمته في ترجمات معاني القرآن الكريم الأولى إلى الإيطالية، والهولندية، والألمانية، والفرنسية، والروسية.
    ثم ظهرت في القرن الثامن عشر الميلادي ترجمة لودوفيكو مراتشي التي تأثر بها كثيراً جورج سيل في ترجمته الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم، وأثرت ترجمته في ترجمات معاني القرآن الكريم الأولى إلى عدد من اللغات وهي: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والروسية، والهولندية، والإيطالية، والألبانية، والبلغارية، والمجرية، والتشيكية.
    والملامح الأبرز لهذه الترجمات هي أنها ترجمات نقدية هجومية عنونت في أغلبها بـ "قرآن محمد"، وكان لها أثر كبير في تعميق الفكر العدائي في أوروبا ضد الإسلام مما أدى بشكل أو بآخر إلى حروب الفرنجة ضد بلاد المسلمين .

    2.3- ما نستنتجه من الاستعراض التاريخي لترجمات معاني القرآن الكريم والإنجيل:
    1- تاريخ ترجمة الإنجيل أطول بكثير من تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم حيث إن أول ترجمة هي الترجمة السبعينية (Septuagint) الإغريقية للعهد القديم أنجزت في أغلبها خلال القرن الثاني قبل الميلاد، وأول ترجمة لأجزاء كبيرة من معاني القرآن الكريم كانت هي التي ذكر ديونيسيوس بارصليـبي، المتوفى عام 1171م، أنهم قاموا بها إلى السريانية، إبان ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي في خلافة عبد الملك بن مروان، غير أن الأولى أريد بها المحافظة على دين اليهود إذ اندثرت آنذاك اللغة العبرية، والثانية كانت ضمن تيار جدلي (Polemic) قاده نصارى الشام الذين عاشوا بين ظهراني المسلمين، ومن أكبر مؤسسي هذا التيار هو يوحنا الدمشقي الذي ساهم كثيراً في صياغة النظرة الغربية للإسلام التي نتجت عنها حروب الفرنجة.
    2- ترجمات معاني القرآن الكريم من قبل المسلمين لغرض فهم الدين وتفهيمه لمن لا يعرفون العربية بدأت بالترجمة الفارسية التي تمت عام 345هـ، أي في منتصف القرن الرابع الهجري، في عهد الملك الساماني أبي صالح منصور بن نوح بن نصر وهي ترجمة مختصرة لتفسير الطبري، وهذا يدل على تحرج المسلمين من قبل من الإقدام على هذا العمل، ونعلم من خلال السياق التاريخي أن اللغة العربية كانت هي اللغة الرسمية للبلدان التي افتتحها المسلمون وكان يتعين على كل من أراد أن يتعلم أمور الدين وينخرط في جادة المجتمع أن يتعلم اللغة العربية، فكل المثقفين كانوا يتقنون اللغة العربية ولكن مع ضعف الخلافة انفردت كل دويلة إسلامية بذاتها ولم يعد للغة العربية مكانتها الأولى في الدول التي يتكون غالبية أهلها من غير العرب، لذا نجد أنهم اعتنوا بهذه الترجمة عناية كبيرة، وأحضر النص العربي لتفسير الطبري من بغداد الملك منصور بن نوح وهو في أربعين مجلداً، ولما وجدوا صعوبة في قراءته وفهمه رأى ترجمته إلى الفارسية، وجمع لذلك نفراً من علماء بلاد ما وراء النهر واستفتاهم في جواز ترجمته فأفتوه بجوازها ليستفيد منها الذين لا يعرفون العربية واعتمدوا في فتواهم على قوله تعالى وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (إبراهيم: 4)، ومع هذا فقد عقدت لجنة للقيام بهذه الترجمة، وجعلوا الأصل هو المهيمن عليها تماماً إذ كانت مغرقة في الحرفية ولم يترجم إلا ما يعادل عشر التفسير ، بل وحتى الترجمة التركية التي قيل إنها كانت مزامنة لهذه الترجمة حذت حذوها.
    3- ترجمات معاني القرآن الكريم لها تاريخ أكثر اضطراباً من تاريخ الإنجيل فقد استعملت تارة أداة للطعن في القرآن والإسلام وشخص محمد ، كما في الترجمات اللاتينية الأولى لمعاني القرآن الكريم، وتارة أداة ترويج لأفكار الفرق الضالة كما فعل القاديانيون، وأخرى لتعميم الأجندة السياسية كما كان في تركيا أتاتورك.
    4- لترجمة كلا الكتابين تاريخ طويل مر بمحطات تأثير كبيرة أثرت فيها النظرة الدينية لهذه الممارسة قبل أن يصل إلى الفهم الذي تعايشه ترجمة كلا الكتابين واقعاً اليوم.

    3- واقع ترجمة كل من الكتابين
    في هذا المبحث أقارن بين واقع ترجمة كل من القرآن الكريم والإنجيل اليوم، وأقسم هذه المقارنة تحت مواضيع أورد أولاً واقع ترجمة معاني القرآن الكريم وأتبعه بواقع ترجمة الإنجيل قبل الانتقال إلى الموضوع التالي؛ تسهيلاً للمقارنة والخروج بالنتائج.

    3.1- الموضوع الأول: عدد اللغات:
    3.1.1- عدد اللغات التي ترجمت إليها معاني القرآن الكريم
    تذكر الببليوغرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم التي رصدت جميع ترجمات معاني القرآن الكريم المطبوعة منذ عام 1515-1980م، أن عدد اللغات التي ترجمت إليها معاني القرآن الكريم هي 56 لغة، بلغ عدد الترجمات الكاملة الصادرة بهذه اللغات 557، وعدد الترجمات الجزئية 883 .
    إلا أن محمد شيخاني يذكر أنه تمت ترجمه معاني القرآن الكريم كاملاً إلى 79 لغة، وجزئياً إلى 49 لغة .
    ويذكر الباحث الدكتور محمد حميد الله أنه جمع ترجمات معاني القرآن الكريم إلى كل اللغات ونشرها في كتابه "القرآن بكل لسان" عام 1364هـ وكان عددها في ذلك الوقت 23 لغة، وفي عام 1406هـ بلغ عدد اللغات 140 لغة أغلبها ترجمت إليها معاني القرآن الكريم ترجمة كاملة وبعضها ترجمة جزئية .
    ولنا مع هذه الإحصاءات وقفات:
    1- أن اللغات التي ترجمت إليها معاني القرآن الكريم تشمل جميع اللغات العالمية الرئيسة تقريباً، وفي الدول التي يتحدث سكانها بأكثر من لغة فغالباً ما تتوافر ترجمة بإحدى هذه اللغات، ولم تُغفَل إلا اللغات المحلية التي لا يفهمها إلا عدد قليل جداً من الناس، واللهجات المتفرعة من اللغات الكبيرة.
    2- وجود أكثر من ترجمة واحدة باللغة الواحدة، وتذكر الببلوجرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم أن هناك 300 ترجمة أردية كاملة و470 ترجمة جزئية، بينما صدرت بالإنجليزية 295 ترجمة كاملة و 131 ترجمة جزئية ، ووراء هذا التعدد عوامل عديدة منها: (أ) اتجاهات المترجم، فكما في التفاسير هناك ترجمات بعدد الفرق الإسلامية، بل زد على ذلك ترجمات المستشرقين وغيرهم، (ب) التزام الترجمة بالحرفية أو بنقل المعنى، فأي منها قد يكون هو السبب في إحساس المترجم بالحاجة لترجمة جديدة، (ت) الحقبة الزمنية التي ظهرت فيها الترجمة وما لهذه من تأثير على اللغة المستخدمة وطريقة التفسير، إذ يلاحظ كثرة ظهور الترجمات التي تُبرز الإعجاز العلمي في القرآن في الوقت الراهن، (ث) الغرض الذي تخدمه الترجمة فهناك ترجمات لأغراض معينة مثل ترجمة معاني القرآن للناشئة، أو للمسلمين دون غيرهم. وهذا التعدد والتنوع لا يوجد على المنوال نفسه في ترجمات الإنجيل (كما سنرى في 3.1.2).
    3- كان للخلاف والجدل الكبير الذي ثار حول مشروعية ترجمة معاني القرآن الكريم في الثلاثينيات من القرن العشرين عند محاولة إحلال الترجمة التركية محل القرآن الكريم حتى في الصلاة، أقول كان لهذا الخلاف أثر في تبطئة التفات الدول والهيئات والمؤسسات إلى ترجمة معاني القرآن الكريم والإقدام على هذا العمل دون تحرج .

    3.1.2- عدد اللغات التي ترجم إليها الإنجيل
    ترجم الإنجيل أو على الأقل أحد كتبه إلى 2009 لغة ولهجة يشكِّل من يتحدث بها على الأقل 97% من عدد سكان العالم . ومن الملاحظ أن يوجين نايدا يذكر في كتابه المشترك مع تشارلز تيبر الذي نشرته دار بريل عام 1982م (ص 175) أن عدد اللغات التي تُرجم إليها الإنجيل هي 1500 لغة ويقدر أن المتحدثين بهذه اللغات مجتمعة يشكل حوالي 97% من سكان العالم ، إلا أن منسق الترجمة في إحدى أكبر الجهات المعنية بترجمة الإنجيل وهي منظمة الأناجيل المتحدة، د/ فل نوس (Phil Noss)، يقول إن العدد الحقيقي للغات التي تُرجم إليها الإنجيل كاملاً هو 400 لغة تقريباً.
    ولنا مع هذه الإحصاءات وقفات:
    1- كثير من ترجمات الإنجيل تمت إلى لهجات أو لغات محصورة في عدد قليل جداً من الناس مثل لغات الهنود الحمر المختلفة أو لغات الشعوب البدائية التي تعيش في مجاهل إفريقيا وغابات جنوب شرق آسيا، وللنشاط التنصيري الكبير وروح الخلاص التي تدفعه أثر في انتشار ترجمة الإنجيل أو أجزاء مناسبة منه إلى هذا العدد من اللغات ، ففي النظر التنصيري لا توجد لغة أو لهجة لا تستحق أن يترجم إليها الإنجيل.
    2- لا يوجد ذلك التعدد الكبير لترجمات الإنجيل في اللغة الواحدة كما هو الحال بالنسبة إلى ترجمة معاني القرآن الكريم، فترجمة واحدة بأي لغة تكفي وأسباب التنوع تعتمد على إيضاح المعنى، فحتى اللغة الإنجليزية لا يوجد بها إلا عدد قليل نسبياً من الترجمات مقارنة بالترجمات المتوافرة لمعاني القرآن الكريم بهذه اللغة ، وهذا يرجع لسببين رئيسين: (أ) طريقة الترجمة، إما حرفية أو معنوية، و (ب) الطريقة التي تدار بها مشاريع الترجمة من قبل المؤسسات المعنية.
    3- عندما يترجم الإنجيل إلى لغة ما فإن الترجمة بهذه اللغة تصبح الإنجيل وليست ترجمته، وهذا يعطي حرية كبيرة في التصرف واتخاذ القرار بالنسبة للترجمة، إذ ليس هنا جدل دائر بين علاقة الترجمة مع الأصل، وهل تغني الترجمة عن الأصل كما هو الحال بالنسبة للقرآن. وإن كان هناك جدل فهو فيما يخص طريقة الترجمة: هل تكون حرفية أو معنوية؟

    3.2- الموضوع الثاني: الجهات المهتمة بالترجمة وطريقة تنظيم مشاريع الترجمة
    3.2.1- الجهات المهتمة بترجمة معاني القرآن الكريم وطريقة تنظيم مشاريع الترجمة
    أبرز الجهات المهتمة بترجمة معاني القرآن الكريم هي مجمع الملك فهد طباعة المصحف الشريف، إذ يحتوي على مركز الترجمات الذي أصدر حتى الآن 45 ترجمة لمعاني القرآن إلى أهم لغات الشعوب الإسلامية واللغات العالمية، وأهم ما يميز المركز حرصه على إصدار ترجمات سليمة وفق عقيدة أهل السنة والجماعة، خاصة وأن مجال ترجمة معاني القرآن الكريم مليء بالترجمات المحرفة التي أنتجتها الفرق المنحرفة والدوائر التنصيرية والاستشراقية.
    وقد أسس المركز عام 1415هـ، ويحتوي على الوحدات التالية: وحدة اللغات الآسيوية، ووحدة اللغات الإفريقية، ووحدة اللغات الأوربية، ووحدة البحث، ووحدة المعلومات. ويحتوي المركز على مكتبة فيها ما يزيد على 800 ترجمة إلى أكثر من مئة لغة، كما تحتوي على نسخ من عدد من الترجمات النادرة.
    واهتمامات المركز البحثية تنصب حالياً على التالي:
    (أ‌) دراسة الترجمات الصادرة لمعاني القرآن الكريم وإعداد دراسات نقدية عنها لتحديد درجة صحتها ومستواها العلمي واللغوي ومدى انتشارها وتقديم الاقتراحات بشأن العمل على تبني الترجمات الصحيحة واستبعاد الترجمات غير الصحيحة.
    (ب‌) إعداد قواعد بيانات بكل ما نشر في موضوع ترجمة معاني القرآن الكريم في شتى الأوعية العلمية والسعي لاقتناء المفيد منها.
    (ت‌) دراسة المشاكل المرتبطة بترجمات معاني القرآن الكريم وتقديم الحلول المناسبة.
    (ث‌) جمع المعلومات عن مترجمي معاني القرآن الكريم.
    (ج‌) الإعداد لعقد الندوات الخاصة بترجمة معاني القرآن الكريم.
    (ح‌) تهيئة المراجع لخدمة البحث في هذا المجال.

    لاشك في أن إصدار هذا العدد الكبير من الترجمات خلال هذه المدة منذ تأسيسه، 45 لغة في 10 أعوام، أي بمعدل 4.5 ترجمة في العام الواحد، وهذا إنجاز كبير خاصة إذا علمنا التالي:
    (أ‌) أن أقل مدة تستغرقها ترجمة لمعاني القرآن الكريم هي ما بين عامين ونصف إلى ثلاثة أعوام إذا ما فُرِّغ فريق العمل تماماً لأداء هذه المهمة.
    (ب‌) أن كل ما يتعلق بهذه المشاريع يتم داخل مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف منذ اختيار فريق العمل، والإشراف، والمراجعة والتدقيق، وحتى الطباعة والتوزيع.
    (ت‌) أن المجمع لا يتبنى إلا الترجمات التي قام بها المسلمون من غير أولي الأهواء، وهذا من شأنه أن يَبْطُؤُ إعداد الترجمات خاصة بلغات الدول التي لا تتوافر فيها إلا ترجمات لغير المسلمين، مما يجعل البدء بمشروع جديد كلياً أمراً حتمياً.
    والمجمع لا يزال مستمراً بقوة في إعداد ترجمات جديدة لمعاني القرآن الكريم، إذ يُشرف في الوقت الراهن على 4 مشاريع قائمة، والمجمع عادة ما يتبع خطين عريضين في إخراج الترجمات الصادرة عنه، ولكل شروع ترجمة حالته الخاصة.
    الخط الأول هو رصد الترجمات الصادرة بمختلف اللغات وتبني المتميز منها إذا ما تحقق فيها شرطا السلامة العقدية وأن تكون مكتوبة بلغة سليمة وقوية، كما يحرص على التثبت من تحقق هذين الشرطين بعقد لجنة، أو لجان، تنظر في الترجمة من جميع النواحي وبخاصة العقدية والشرعية واللغوية والأسلوبية، وتقوم هذه اللجنة بإبداء ملاحظاتها التي تدرس في المجمع قبل الشروع في العمل على إدخال التعديلات على الترجمة، وبهذه الطريقة أيضاً يتم التعامل مع الترجمات التي يقدمها أصحابها للمجمع.
    والخط الثاني الذي ينتهجه المجمع هو القيام بمشاريع إعداد ترجمة جديدة، خاصة إذا لم تتوافر في اللغة المستهدفة ترجمة تتحقق فيها الشروط المطلوبة، ويتكون فريق العمل في هذه المشاريع - على أقل تقدير - من: (أ) المترجم الذي يجب أن تتحقق فيه شروط الإسلام والمعرفة باللغتين والإلمام بالعلم الشرعي إضافة إلى خبرته في مجال الترجمة، (ب) المدقق اللغوي، ويجب أن يكون متمكناً تماماً من اللغة المترجم إليها، (ت) المراجع العقدي والشرعي، (ث) المنسق وهو الذي يقوم بالاتصال بجميع هذه الجهات والتنسيق معها، وغالباً ما يكون هذا هو مشرف الوحدة المعنية بمركز الترجمات في المجمع.
    هذا في أقل تقدير، ولكل مشروع حالته الخاصة كما ذكرنا خاصة مع ندرة الأشخاص المؤهلين للقيام بأي من هذه الأعمال، ولكن إذا توافر هؤلاء وكانت الظروف مواتية يقوم أكثر من شخص بالعمل خاصة في مرحلتي التدقيق اللغوي ومراجعة الترجمة من النواحي العقدية والشرعية، ويتبنى المجمع في هذا الاتجاه مشاريع ترجمة بدأت بالفعل ولكنها لم تنته، ليقدم لها الدعم المالي، والإشارة العلمية، ويتأكد من سلامة الترجمة، ويطبعها ويوزعها على المتحدثين بتلك اللغة.
    وهناك نقطة أخيرة مهمة يجب التنويه بها قبل الحديث عن باقي الجهات المعنية بترجمة معاني القرآن الكريم، وهي أن المجمع يدرس باستمرار الملاحظات التي ترده على الترجمات الصادرة عنه ويأخذ بالمناسب منها في الطبعات التي تصدر تباعاً.
    وقامت منظمة الأوقاف والشؤون الخيرية بالتعاون مع وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بإيران بإنشاء مركز سمي بمركز ترجمة القرآن المجيد باللغات المختلفة بمدينة قم عام 1994م ، ويعمل على إنتاج ترجمات لمعاني القرآن الكريم ذات تأويلات شيعية.
    ويمتاز هذا المركز بنشاطه البحثي، كما يظهر من المشاريع البحثية التي يقوم بها المركز، فبحسب ما جاء في موقعهم على الإنترنت قاموا بالتالي:
    (أ‌) جمع 4444 ترجمة لمعاني القرآن الكريم قام بها 1014 مترجم إلى 102 لغة.
    (ب‌) جمع 800 عمل بحثي في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم باللغات الإنجليزية، والألمانية، والإيطالية، والأردية، والتركية الأذربيجانية، والتركية الإصطنبولية، والصينية، والعربية، والفارسية.
    (ت‌) تجهيز مكتبة متخصصة تضم أكثر من 3500 مجلد من المعاجم اللغوية، ودوائر المعارف، والفهارس، والببليوغرافيات، وجغرافيا البلدان المختلفة في 55 لغة.
    (ث‌) إعداد بطاقة تعريفية لكل ترجمة من موجودات المركز، تتضمن عدداً من المحاور منها: مؤهلات المترجم ومقدرته العلمية، ومدي تمكنه من اللغتين المنقول منها والمنقول إليها، والمصادر التي اعتمد عيها في الترجمة، والمقدمات والتقاريظ المدونة على ترجمته، واتجاه المترجم، وخلو الطبعة أو عدم خلوها من الأخطاء.
    (ج‌) الشروع في إعداد ببليوجرافيا حصرية لترجمات معاني القرآن الكريم المخطوطة الصادرة بالفارسية.
    (ح‌) ولكن الجهد البحثي الأبرز للمركز هو إصدار مجلة نصف سنوية بعنوان "ترجمان الوحي" تنشر بحوثاً خاصة بترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الفارسية مع ملخصات باللغتين العربية والإنجليزية، كما تحتوي على باب ترصد فيه آخر أخبار ترجمات معاني القرآن الكريم عالمياً، وقد صدر من المجلة حتى الآن 13 عدداً.

    ولكن هذا النشاط البحثي لا يقابله نشاط في مجال نشر ترجمات جديدة لمعاني القرآن الكريم إذ لم ينشر المركز حتى الآن سوى 3 ترجمات وهي إلى اللغات: الإنجليزية، والتركية الأذربيجانية (بالأحرف اللاتينية، والكريلية، والعربية)، والفرنسية.
    ومن أخطر الجهات التي تعنى بإصدار ترجمات لمعاني القرآن الكريم هي الفرقة القاديانية، التي تحرص كثيراً على الترويج لعقائدها الضالة عن طريق ترجمة معاني القرآن الكريم وفقاً لتأويلاتهم وتحريفاتهم ومن ثم توزيعها بقوة في أماكن تواجدهم، فمن السهولة بمكان الحصول على نسخة من أي من الترجمات التي تصدرها هذه الفرقة بأي لغة.
    وقد بدأت هذه الفرقة بترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية من خلال الترجمة التي قام بها محمد علي عام 1917م وقد صدرت حتى الآن 7 ترجمات إلى هذه اللغة كلها تكرس للعقائد الضالة لهؤلاء.
    وتتوافر على الموقع الرسمي للحركة ترجمات لمعاني القرآن الكريم قاموا بها إلى 40 لغة .
    كما تهتم المؤسسات الدينية في الدول الإسلامية بإصدار ترجمات خاصة بها إلى لغة البلاد، أما في البلاد غير الإسلامية فيُلاحظ نشاط الاتحادات الإسلامية والطلابية في تلك البلاد في إصدار ترجمات لمعاني القرآن الكريم وبخاصة في البلاد التي لا تتوافر فيها ترجمة مناسبة لمترجم مسلم.
    ولكن يبقى المصدر الأكبر لترجمات معاني القرآن الكريم هو العلماء والباحثون المهتمون، ولكن الملاحظ على الترجمات الصادرة عن الأفراد هو تَشكُّل الترجمة باتجاه المترجم ونظرته للقرآن والإسلام، بل إن هناك قاعدة عامة وهي أن جميع الترجمات التي قام بها غير المسلمين هي ترجمات فاسدة إما جهلاً أو عمداً .

    3.2.2- الجهات المهتمة بترجمة الإنجيل وطريقة تنظيم مشاريع الترجمة
    كما ذكرنا في استعراضنا لمراحل تطور ترجمة الإنجيل فإن هناك جهات عديدة تهتم بترجمة الإنجيل ودعم مشاريع الترجمة القائمة وهي: مترجمو لوثران للإنجيل (Lutheran Bible Translators)، ومترجمو الإنجيل التبشيريون (Evangel Bible Translators)، ومترجو الإنجيل الرواد (Pioneer Bible Translators)، ومترجمو وايكلف للإنجيل (Wycliffe Bible Translators) الذين يُعرفون أيضاً بمعهد اللغويات الصيفي (Summer Institute of Linguistics) هم أكبر هذه الجهات على الإطلاق إذ يبلغ عدد أعضائه أكثر من خمسة آلاف ترجموا العهد الجديد كاملاً إلى 347 لغة ويعملون على إخراج ترجمات جديدة إلى 800 لغة أخرى، وجمعيات الإنجيل المتحدة (United Bible Societies)، التي هي عبارة عن جهد جماعي لأكثر من مئة جمعية إنجيل قومية.
    ولإلقاء مزيد من الضوء عن هذه الهيئات سألت فل نوس السؤال التالي: ما الجهات المهتمة بترجمة الإنجيل، وترتيبها من حيث الأهمية، ونظرية الترجمة المتبعة فيها وانتماءاتها الدينية، ومصادر الدعم المالي فيها؟
    فأجابني: "الجهتان الكبريان المعنيتان بترجمة الإنجيل هي جمعيات الإنجيل المتحدة (UBS) من خلال جمعيات الإنجيل الأعضاء في هذه الجهة المنتشرة في أماكن شتى من العالم، وهي أقدم جهة لترجمة الإنجيل، ولكن الجهة الأكبر اليوم هي معهد اللغويات الصيفي (مترجمو وايكلف للإنجيل) (SIL) فالمعهد لديه أكبر عدد من مشاريع الترجمة القائمة اليوم. وبالنسبة للنظرية المتبعة فنحن لم نعد نطلق عليها "المقابلة الدينامية" فمن الأفضل أن نسميها "المقابلة الوظيفية" وكلاً من جمعيات الإنجيل المتحدة ومعهد اللغويات الصيفي يعتمد أسلوباً مقارِباً جداً في الترجمة، ولكن هناك حالات نستخدم فيها لغة أدبية رفيعة لأغراض تعبدية جماعية للاستعمال في بعض الكنائس، وهذه أقرب ما تكون إلى ما قد نسميه ترجمات "المقابلة الشكلية"، وكلا الجهتين تخدم جميع الكنائس (على اختلاف اتجاهاتها الدينية) ولا تنتمي كلية لفرقة دينية معينة، ولذلك فمصدر دخلهما يأتي من تبرعات مسيحية ذات قاعدة عريضة" أ. هـ
    والاستنتاج المباشر مما ذُكر هو اتحاد الجهود والاتجاهات النصرانية في عملية الترجمة على اختلاف الفرق والاتجاهات الدينية، فجميع الخبرات البشرية والقدرات المالية الهائلة موجهة في اتجاه واحد.
    وتعدد الترجمات في اللغة الواحدة لا ينتج عن الاختلاف في اتجاهات تفسير النص كما هو الحال في كثير من ترجمات معاني القرآن الكريم، بل ينتج عن المتغيرين التاليين: أولاً: نظرية الترجمة المتبعة في مشروع الترجمة، وثانياً: والغرض المقصود من هذه الترجمة.
    فبالنسبة لنظرية الترجمة هناك طريقتان كبيرتان تسيطران على مجال البحث في ترجمات الإنجيل وهما: المقابلة الشكلية (Formal Equivalence) والمقابلة الدينامية (Dynamic Equivalence) التي يفضَّل تسميتها اليوم بالمقابلة الوظيفية (Functional Equivalence).
    وهاتان الطريقتان تقابلان، مع الاختلاف، ما يُعرف في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم بالحرفية والمعنوية، فالمقابلة الشكلية هي الحرفية، والمقابلة الدينامية هي المعنوية، وصاحب هاتين الطريقتين هو يوجين نايدا ، غير أن الاصطلاح المفضَّل اليوم للمقابلة الدينامية هو المقابلة الوظيفية، إذ يفضِّل منظرو ترجمة معاني الإنجيل هذه التسمية خدمة لوظيفة النص.
    ويعِّرف نايدا وتيبر المقابلة الدينامية كالتالي: "هي الترجمة التي يتم فيها نقل رسالة النص الأصل إلى اللغة المستقبِلة بطريقة تحاكي فيها ردة فعل المستقبِل ردة فعل قراء النص الأصل، وعادة ما يتغيَّر في طريقة الترجمة هذه مبنى الأصل، ولكن طالما أن هذا التغيير يتبع قواعد مطابقة الأصل، والتطابق السياقي في النقل، وبما أن الرسالة لا تتغير فإن هذه الترجمة أمينة" أ. هـ.
    وتختلف المقابلة الدينامية في ترجمة الإنجيل عن الترجمة المعنوية للقرآن الكريم في أن المقابلة الوظيفية يسمح فيها للمترجم بإطلاق يده في تغيير ما يلزم في الأصل ليجعل من الترجمة مفهومة تماماً في اللغة المستقبلة، وينطوي هذا على كثير من التطويع الثقافي من أجل أن تُحدِث الترجمة في قرائها ردة الفعل نفسها التي يحدثها الأصل في قرائه وتستثير فيهم العواطف نفسها.
    كما يعرفان المقابلة الشكلية على أنها الترجمة التي: "يُنقل فيها مبنى الأصل بشكل آلي إلى اللغة المستقبِلة، وعادة ما تخرب المقابلة الشكلية المبنى النحوي والأسلوبي للغة المستقبِلة، وبذلك تغيِّر الرسالة، وتتسبب في تشويش ذهن القارئ أو في وجود صعوبة في فهم النص" أ. هـ، وهي تشابه بهذا الترجمة الحرفية المقصودة في ترجمة معاني القرآن الكريم.
    ولكنَّ هاتين الطريقتين تطورتا نحو الاعتدال منذ ذلك الوقت فأصبحت الترجمة الدينامية أقل تسلطاً على النص ووضع لها كثير من الضوابط وسميت المقابلة الوظيفية وأصبحت الترجمة الحرفية أقل حرفية .
    ولا يوجد خلاف في الوقت الراهن حول تطبيق أي من الطريقتين، فكلاهما وارد بحسب الغرض المقصود من الترجمة، فالمقابلة الوظيفية تُستخدم عادة في الترجمات التي يراد بها القراءة الشخصية المنفردة للإنجيل من أجل الفهم والاعتبار، أما المقابلة الشكلية فتستخدم في الترجمات التي يراد بها القراءة بصوت مرتفع أمام رواد الكنيسة أيام الآحاد والمناسبات الدينية، إذ يتم التركيز هنا على جمال وموسيقى العبارة لا على المعنى لتسهل قراءتها في الخطب المثيرة وغناء أجزاء منها بشكل جماعي .
    ولفهم أعمق لترجمة الإنجيل يتعين إلقاء بعض الضوء على إدارة مشاريع ترجمة الإنجيل، فطريقة إدارة مشاريع ترجمة الإنجيل السائدة والتي تتبعها كلٌ من جمعيات الإنجيل المتحدة ومعهد اللغويات الصيفي، تسير وفق الخطوات التالية :
    1-تقوم جمعية الإنجيل في البلد المعنيّ بالتعاون مع الكنائس الموجودة في تلك البلاد، وتحرص جمعيات الإنجيل على مشاركة جميع الكنائس على اختلاف اتجاهاتها في المشروع، وهناك تعاون متزايد بين الكاثوليك البروتستانتيين في مشاريع الترجمة، لذا قامت كل من جمعيات الإنجيل المتحدة وأمانة ترويج الاتحاد النصراني في الفاتيكان بإخراج وثيقة بعنوان "Guiding Principles for Interconfessional Cooperation in Translating the Bible" أي، "مبادئ التعاون بين الكنائس في ترجمة الإنجيل"، وتوضح الوثيقة بالتفصيل الطريقة التي يمكن بها إنجاح هذا التعاون، وهذه الوثيقة متوافرة بعدة لغات ويمكن الحصول عليها من اتحادات جمعيات الإنجيل.
    2- البحث عن فريق العمل المناسب، ويحتوي هذا الفريق على:
    (أ) المترجمين، والعدد الذي ينصح به هو من 3 إلى 5 مترجمين، ويتم اختيارهم على أساس قدراتهم وليس على أساس انتماءاتهم الدينية، وهذه القدرات تشمل معرفتهم بلغة الإنجيل وفهمهم له، ومعرفتهم باللغة المترجم إليها، على أن يكون منهم من له تميز في هذه اللغة، ويشترط هنا تكافؤ قدرات المترجمين.
    (ب) المراجعون، والعدد المعتاد هو من 8 إلى 10 مراجعين، ويتم اختيارهم بناء على قدراتهم اللغوية بكلتا اللغتين وفهمهم للإنجيل، وينصب عملهم على التأكد من سلامة أسلوب الترجمة وتأديتها للمعنى.
    (ج) المجموعة الاستشارية، وتشمل 25 إلى 50 شخصاً، اعتماداً على حجم الكنائس المتعاونة، ويتلخص دور هذه المجموعة في استخدام علاقاتهم العامة لإنجاح هذا المشروع وضمان تقبله في الكنائس المعنية.
    (د) منسق المشروع، وهو الذي يضمن استمرارية المشروع دون عوائق، ومهامه هي: إرسال نسخ من العمل إلى جميع المشاركين، واستقبال المقترحات ودراستها وتصنيفها ومن ثم إرسالها للمترجمين، قراءة التجربة الأولى قراءة تحريرية وتجهيزها للطباعة، الاهتمام بالمراسلات والمكاتبات المتعلقة بالمشروع، وتنسيق الاجتماعات.
    3- بعد الوصول إلى اتفاق حول المشروع وتشكيل فريق العمل فيه، يتم الاتفاق على المبادئ والإجراءات التي يتم العمل على أساسها، وخلال اللقاءات الأولى يجتمع بالمترجمين مستشار الترجمة المعين من قبل الجهة القائمة على الترجمة مثل جمعيات الإنجيل المتحدة ومعهد اللغويات الصيفي، وعادة ما يكون هذا الشخص ذا تأهيل عالٍ في مجال الترجمة ويعمل مشرفاً عاماً على المشروع، ويقوم بالإشارة على المترجمين بأفضل الحلول للمشاكل التي تواجههم من خلال عمله السابق في مشاريع مشابهة، كما يقوم أيضاً بتدريبهم على نظرية الترجمة وتطبيقاتها. ويقوم كل فريقِ ترجمةٍ بصياغة ضوابط وشروط الترجمة الخاصة بعمله، والخطوط العريضة لهذه الضوابط واحدة إلا أن هناك مجالاً للتعديل بحسب طبيعة المشروع.
    ويذكر تيموثي ويلت (Timothy Wilt) مدى التطور الذي تم في مشاريع ترجمة الإنجيل، وبخاصة في إفريقيا، منذ عام 1969م وحتى اليوم، ويفصل الاختلافات كما في الجدول التالي :
    عام 1969م اليوم
    قيادة الكنيسة بعثات تنصيرية قيادات وطنية
    مستشارو جمعيات الإنجيل المتحدة كلهم رجال، بيض أمريكيون وأوربيون، بروتستنتيون أفارقة بصورة متزايدة، بما فيهم النساء والكاثوليك
    المترجمون منهم من هم من غير أهل اللغة
    فقد كان هناك عدد قليل من السكان الأصليين المؤهلين للقيام بترجمة بهذا التخصص والعمق لا تسمح جمعيات الإنجيل المتحدة لغير أهل اللغة بالترجمة في مشاريعها
    فهناك عدد متزايد من قادة الكنائس الأصليين الحاصلين على شهادات جامعية متخصصة تؤهلهم للقيام بهذا العمل
    تدريب المترجمين:
    برامج متطورة في إفريقيا ما تحت الصحراء لا يوجد (عدا في جامعات الحكومة العنصرية بجنوب أفريقيا) هناك العديد من هذه البرامج
    الندوات غير منتظمة مستمرة، ومنسقة تنسيقاً جيداً
    التقنية:
    الحاسوب غير معروف يوجد بحوزة كل فريق ترجمة حاسوب واحد على الأقل
    إعداد تجارب الترجمة مُتعب، ومُكلف، وخياراته محدودة سهل، غير مكلف، وخياراته متعددة
    الاتصال بريد جوي وبري يستغرق عدة أسابيع للوصول البريد الإلكتروني يصل في ثوان
    السياسة الثقافية القومية العولمة
    وسائط الترجمة مطبوعة مطبوعة، وأفلام فيديو، والإنترنت، وأشرطة كاسيت، والتلفزيون والراديو
    النظرة للترجمة غاية في حد ذاتها، أو أداة تنصير جزء من عملية النشر، أو أداة لصالح الكنيسة
    الكتب المترجمة العهد الجديد تترجم كتب العهد القديم بازدياد، على ما فيها من متطلبات الأسلوب الأدبي الرفيع
    جدول رقم 3.2.2.1 تطور ترجمة الإنجيل في أفريقيا منذ عام 1969م وحتى الآن

    3.2.3- ما يستنتج من استعراض الجهات المهتمة بترجمة كل من الكتابين وطريقة عملها
    من خلال إبراز الملامح العامة للجهات المهتمة بترجمة كل من الكتابين وإدارة مشاريع الترجمة فيها نستنتج التالي:
    1- أن إنشاء المراكز المهتمة بترجمة معاني القرآن الكريم تعد خطوة مهمة في سبيل توحيد الجهود وتنظيمها في هذا الاتجاه.
    2- أن الجهات المهتمة بترجمة معاني القرآن الكريم ليست بحجم الجهات المهتمة بترجمة الإنجيل، ونعزو ذلك لأسباب منها حداثة هذه المراكز بالمقارنة مع نظيراتها، وفارق الدعم المادي والعلمي.
    3- اتحاد الهدف بالنسبة للطوائف الدينية النصرانية المختلفة، إذ إن ترجمة واحدة تكفي لتلبية المتطلبات الدينية لمختلف الطوائف، وفي المقابل تختلف اتجاهات الجهات المهتمة بترجمة معاني القرآن الكريم، باختلاف مشاربها الدينية.
    4- اختلاف كبر الكتابين من حيث الحجم، إذ يضم العهد القديم 39 كتاباً والعهد الجديد 27 كتاباً، أدى إلى اختلاف طريقة إدارة وتنظيم مشاريع ترجمة كل منهما، إلا أن مشاريع ترجمة كل من الكتابين تُنظَّم بحيث تضمن خلو الترجمة من الأخطاء غير المرغوب فيها.

    3.3- الموضوع الثالث: الأعمال البحثية المهتمة بترجمة كل من الكتابين
    3.3.1- الأعمال البحثية في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم
    لا يسع الباحث المنصف أن ينكر عدد الأعمال البحثية الكبيرة من المقالات، والبحوث، والكتب، والرسائل العلمية التي تُعنى بترجمة معاني القرآن الكريم .
    ولا يسعني أن أحصي هذه البحوث عدّاً، إلا أن أذكر الأوعية العلمية التي تنشر فيها:
    أولاً: المجلات، ويمكن ترتيبها من حيث اهتمامها بالموضوع كالتالي:
    (أ‌) المجلات المتخصصة بترجمة معاني القرآن الكريم: لا توجد سوى مجلة واحدة عالمياً متخصصة في هذا الموضوع وهي مجلة "ترجمان الوحي" الصادرة عن مركز ترجمة القرآن المجيد بإيران .
    (ب‌) المجلات العلمية التي تعنى بالقرآن الكريم وعلومه عموماً، مثل مجلة "الدراسات القرآنية" الصادرة عن كلية الدراسات الشرق أوسطية والشمال أفريقية (SOAS) بجامعة لندن، ومجلات الجمعيات المتخصصة مثل جمعية الدراسات القرآنية (Society of Qur’anic Studies).
    (ت‌) المجلات التي تعنى بالدراسات الإسلامية مثل المجلة الفصلية الإسلامية (Islamic Quarterly) الصادرة في لندن بإنجلترا، ومجلة الدراسات الإسلامية (Islamic Studies) الصادرة في إسلام آباد بباكستان، ومجلة Islamic Book Review التي تعنى بمراجعات الكتابات المتعلقة بالدراسات الإسلامية، ومجلة Hamdard Islamicus، ومجلة الثقافة الإسلامية Islamic Culture، ومجلة الأزهر، ومجلة رابطة العالم الإسلامي.
    (ث‌) مجلات الجهات والجمعيات المهتمة بالدراسات الشرق أوسطية عموماً، مثل مجلة "الإسلام والعلاقات المسيحية الإسلامية" (Islam and Muslim Christian Relations) الصادرة في برمنجهام بإنجلترا، ومجلة الدراسات الشرقية الأمريكية (Journal of the American Oriental Studies).
    (ج‌) المجلات المهتمة بمجال دراسات الترجمة عموماً، مثل مجلة "الترجمان" الصادرة عن مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بالمغرب، ومجلة Offshoot، ومجلة Babel، ومجلة Meta.
    (ح‌) كما قام عدد كبير من المجلات الثقافية بنشر عدد من المقالات في موضوع ترجمة معاني القرآن الكريم.

    ثانياً: المؤتمرات والندوات، وهي تتبع المجلات من حيث الأهمية بالنسبة للنشر في الموضوع، وعقدت حتى الآن المؤتمرات والندوات التالية:
    1- الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم، المنعقدة بإصطنبول عام 1986م، بالتعاون بين مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة والإسلامية التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية (الليبية)، ونُشرت بحوث الندوة باللغتين العربية والإنجليزية.
    2- ندوة "ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل"، المنعقدة في المدينة المنورة في عام 1423هـ (الموافق 2002م)، ونظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وقُدمت في الندوة أوراق عمل جادة في شتى أوجه ترجمة معاني القرآن الكريم، وطبعت بحوث الندوة ووزعت على نطاق واسع.
    3- عقد الأزهر مؤخراً - في شهر سبتمبر 2004- ندوة حول ترجمة معاني القرآن الكريم، إلا أنه لا يسعنا إطلاق حكم منصف على هذه الندوة حتى تصدر بحوثها.
    4- كما يُقدم الباحثون المهتمون أوراق عمل متفرقة لها صلة بترجمة معاني القرآن الكريم في المؤتمرات والندوات ذات العلاقة بموضوع الترجمة عموماً.

    أما الببليوجرافيات التي صنفت في هذا المجال فالعدد المتوافر منها على كثرته النسبية لا يفي بجميع الحاجات المعرفية للباحثين المهتمين، نظراً لطبيعة مثل هذه الأعمال التي لا تلبث أن تتقادم مباشرة بعد نشرها، فالترجمات التي تتناولها هذه الببليوجرافيات تخرج في طبعات جديدة باستمرار، وتظهر أيضاً ترجمات جديدة كلياً، ومن الأمور التي تحد من الاستفادة من هذه الأعمال الببليوجرافية هي حدود موضوع الببليوجرافيا، فقد تكون محدودة على الترجمات الصادرة بلغة ما، أو في بلد ما، أو في مدة زمنية معينة.
    وما زالت الببليوجرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم المطبوعة بين عامي 1515 إلى 1980م هي أكبر الببليوجرافيات الصادرة في موضوع ترجمة معاني القرآن الكريم .
    تأتي الكتب والرسائل العلمية في مرحلة متأخرة جداً إذ إن ما نشر في هذا الموضوع لا يتفق مع أهميته الكبرى لا كماً ولا كيفاً وبخاصة الكتب العربية التي تناولت الموضوع بالبحث .
    ومن الملاحظ أن أغلب ما كتب عن ترجمات معاني القرآن الكريم ينصب في نطاق نقد ترجمة ما أو دراسة ظاهرة فيها، أي أنها تركز على الترجمة بشكلها المنتج النهائي وليس على طريقة الترجمة التي أدت إلى هذا المنتج، بحيث تزداد استفادة المترجم الممارس من هذا العمل البحثي، فالأعمال البحثية في هذا المجال لا تستهدف المترجم مباشرة رغم تعدد أغراضها.

    3.3.2- الأعمال البحثية في مجال ترجمة الإنجيل
    الأعمال البحثية في مجال ترجمة الإنجيل كثيرة ومتنوعة جداً، فقاعدة بيانات ببليوجرافيا ترجمة الإنجيل (Bible Translation Bibliography Database) التابعة لجمعيات الإنجيل المتحدة تحتوي على 3600 عنوان بين كتاب، وبحث، وورقة عمل، ورسالة علمية .
    وسألت فل نوس عن مقدار العمل البحثي وأوجهه في مجال ترجمة الإنجيل، فأجابني بالتالي: "بدأ د/ يوجين نايدا في عقد مؤتمرات وورش عمل حول ترجمة الإنجيل في أنحاء شتى من العالم منذ ستينيات القرن العشرين، ومن الصعوبة بمكان أن نحصي كم منها يعقد كل عام. (هذا بالنسبة للمؤتمرات وورش العمل، أما بالنسبة للكتب وما شاكلها) فإن معهد اللغويات الصيفي يصدر كتالوجاً بإصداراته في مجال الترجمة والمواضيع ذات العلاقة، وعدد العناوين فيه يصل إلى عدة آلاف على حد علمي، فمقدار البحث والكتابة في مجال ترجمة الإنجيل كبير جداً" أ. هـ.
    ورد فل نوس هذا ليس فيه مبالغة فمن الممكن زيارة موقع كل من معهد اللغويات الصيفي وموقع جمعيات الإنجيل المتحدة للوقوف على الحجم الحقيقي للعمل البحثي في هذا المجال.
    وهذا ليس بمستغرب فقد بدأ يوجين نايدا النشر في هذا المجال بتوسع منذ أربعينيات القرن العشرين، وكتب عدداً من الكتب وشارك بعدد كبير من البحوث المعمقة، وفي ببليوجرافيا أعمال نايدا يصف صاحبها أنسرز س. دل (Answers S. Dil) يوجين نايد بـ: "عالم الترجمة الأول عالمياً" .
    كما توجد أربع مجلات متخصصة شهيرة تعنى بترجمة الإنجيل وهي: مترجم الإنجيل (The Bible Translator)، وهي مجلة ربع سنوية بدأت في الصدور عام 1950م واستمرت بانتظام حتى توقفت عام 2000م، وهناك أيضاً مجلة Le Sycomore الصادرة بالفرنسية وTraducción de la Bibila بالعنوان نفسه بالإسبانية، ومجلة Notes on Translation التي يصدرها معهد اللغويات الصيفي، إضافة إلى عدد من المجلات ذات العلاقة مثل Notes on Scripture in Use الصادرة عن معهد اللغويات الصيفي أيضاً .
    وكذلك يعود ثراء ما نشر حول ترجمة الإنجيل إلى تعدد الجهات المهتمة بترجمة الإنجيل وإمكاناتها الكبيرة، والدورات التي تعقدها، ووجود الجهات العلمية التي تعد برامج تدريب لمترجمي الإنجيل كما سنرى عند الحديث عن مدى توافر معينات المترجم.

    3.3.3- ما يستنتج من التعرف على ملامح الأعمال البحثية في مجال ترجمة الكتابين
    1- رغم كثرة الكتابات التي نشرت في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم، إلا أن هناك حاجة لقفزة كمية ونوعية في هذه الكتابات، تناسب ثراء وتنوع تاريخ هذه الترجمة، خاصة وأنها تمس القرآن الكريم وهو المصدر الأساس لفهم الإسلام.
    2- النظرية المطبقة في دراسة ترجمة معاني القرآن الكريم بحاجة إلى الإفادة من النظريات المطروحة في مجال دراسات الترجمة الحديثة، إذ لا يكفي أن يقوِّم الباحث ترجمة ما من واقع تخصصه أياً كان هذا التخصص دون النظر فيما كتب في مجال تقويم الترجمة (translation assessment) مثلاً.
    3- هناك حاجة ماسة لتحديث بيانات الببليوجرافيات المطروحة حول ترجمات معاني القرآن الكريم وتوسيع دائرة هذه الببليوجرافيات لتشمل جميع الترجمات الصادرة بكل اللغات. كما أن هناك حاجة ماسة لجمع وتوصيف كل ما كتب في الموضوع في شتى الأوعية العلمية، لإفادة الباحثين من جهود بعضهم بعضاً ولعدم تكرار هذه الأعمال.
    4- وحقيقة الأمر هي أن عدد الكتابات ونوعيها في كلا المجالين يعكس بالضرورة واقع ترجمة كل من الكتابين.

    3.4- الموضوع الرابع: مدى توافر معينات المترجم
    أقصد بمعينات المترجم كل ما من شأنه أن يعين المترجم على أداء عمله ويطور من نوعية إنتاجه مثل: المراجع التفسيرية، المستشارين، والندوات، والدورات التدريبية، وأدلة الترجمة، والبرامج الحاسوبية، ومجموعات الحوار (على الإنترنت)، النشرات، وتوافر المعلومات المهمة على الإنترنت.

    3.4.1- مدى توافر معينات مترجم معاني القرآن الكريم
    من المثير للاهتمام فعلاً أنه لا توجد معينات لمترجم معاني القرآن الكريم على شاكلة ما ذكرنا بخلاف المراجع التفسيرية على حد علمي.
    وأقصد بعدم توافر هذه المعينات أمرين، أولاً: أن هذه المعينات لا يستهدف بها المترجم مباشرة بحيث توجِد حلولاً للمشكلات اليومية التي يواجهها خلال عمله؛ وثانياً: أن الكتابات والمراجع التي قد يفيد منها المترجم كثيرة ومتوافرة ولكنها متناثرة وتحتاج إلى: (أ) أن تجمع في حقيبة عمل واحدة تقدم للمترجم عند شروعه في الترجمة، (ب) أن تدرس وتنقح وتقدم جاهزة للمترجم، (ج) أن تحوسب بشكل كامل بحيث يستطيع المترجم الوصول إلى المعلومة المفيدة بيسر وسهولة.
    وهناك محاولات جادة في هذا الاتجاه إلا أنها تنصب في دائرة توفير المراجع التفسيرية التي من شأنها أن تساعد المترجم في فهم النص، فقد قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بإصدار تفسير مختصر بعنوان "التفسير الميسر"، قُصد به إعطاء المترجم تفسيراً مبسطاً للآية ليقوم بعمله في ضوء هذا التفسير، كما قام الأزهر بإصدار تفسير من هذا النوع سماه بـ "المنتخب"، وترجمه إلى عدد من اللغات.
    ولفهم أكبر لطبيعة هذه المعينات علينا أن ننظر فيما يتوافر لمترجم الإنجيل.

    3.4.2- مدى توافر معينات مترجم الإنجيل
    تتوافر لمترجم الإنجيل جميع المعينات التالية :
    1- المراجع التفسيرية (Exegetical Aids): هناك شروحات لكل كتاب من كتب الإنجيل أعدت خصيصاً للمترجمين، وقد قام كل من معهد اللغويات الصيفي وجمعيات الإنجيل المتحدة بإصدار هذه الشروحات، ويوجد دليل لمعينات مترجم الإنجيل التفسيرية .
    2- مستشارو الترجمة (Translation Consultants): وتقوم بتعيينهم الجهات المشرفة على مشروع الترجمة مثل معهد اللغويات الصيفي، ومن مهامهم: (أ) عقد دورات تدريبية لأعضاء فريق العمل، (ب) مناقشة العمل مع المترجمين لتخطي المشكلات وتقديم مقترحات لتحسين العمل، (ت) التأكد من جودة الترجمة ومناسبتها، (ث) مساعدة الفريق للتأكد من أن الترجمة توافق متطلبات الناشر من حيث الصف والتنظيم.
    3- الندوات التدريبية (Training Sessions): عند تشكيل فريق المترجمين يقوم مستشار الترجمة بتدريبهم على العمل، وبعد ذلك تعقد دورات تدريبية مختلفة طوال مراحل الأسبوع، وتقوم الجهات القائمة على الترجمة بإرسال خبراء في الترجمة بانتظام إلى فرق العمل التي تشرف عليها.
    4- الدورات (Courses) التي تمنح شهادات متخصصة في ترجمة الإنجيل: هناك عدد من الجهات العلمية التي تمنح شهادات متخصصة في ترجمة الإنجيل تصل مدة بعضها إلى 4 سنوات ، وتوجد روابط لِستٍ منها في موقع معهد اللغويات الصيفي ، وعدد الجهات التي تمنح مثل هذه الشهادات أكثر من هذا .
    5- أدلة الترجمة (Translation Guides): ينشر كل من معهد اللغويات الصيفي وجمعيات الإنجيل المتحدة عدداً من الأدلة التي تعد مراجعَ لمترجم الإنجيل .
    6- النشرات الإخبارية (News Letters): وهذه النشرات من شأنها أن تطلع مترجم الإنجيل على آخر المستجدات في هذا المجال، ويقوم مركز معلومات ترجمة الإنجيل المسمى بـ Translation Information Clearinghouse التابع لجمعيات الإنجيل المتحدة بإصدار نشرة إخبارية ربع سنوية بعنوان TIC Talk، توزع حال صدورها في نسخ ورقية، ويتم نشر أعدادها تباعاً على الإنترنت، وتهدف النشرة إلى إطلاع المترجمين ومستشاري الترجمة على كل ما يجد في هذا المجال والمجالات ذات العلاقة.
    7- برامج الترجمة الحاسوبية (Translation Software) هناك عدد من هذه البرامج التي تستهدف المترجم ، وقد قام كل من معهد اللغويات الصيفي وجمعيات الإنجيل المتحدة مجتمعين، بإعداد برنامج حاسوبي بعنوان Translator’s Workplaceوهو يحتوي على كثير من المراجع المفيدة للمترجم في عمله، كما يوجد برنامج باسم CARLA وهو برنامج ترجمة آلية فورية ذو قدرات عالية وسهل التكيف مع اللغات المختلفة.
    8- مجموعات النقاش (Discussion Groups) وهي عبارة عن منتديات شبكية يجتمع فيها عدد من الباحثين والمهتمين ليناقشوا قضايا تهتم بموضوع معين، ويتم فيها طرح الأسئلة والإجابة عليها وتداول الرأي: وهناك عدد من هذه المجموعات المهتمة بمناقشة القضايا الخاصة بترجمة الإنجيل، إلا أن أكبر هذه المجموعات هي مجموعة وين ليمن (Wayne Leman) .
    9- الإنترنت: وهي أكبر مصدر للمعلومات على الإطلاق، إلا أنها تخلط الغث والسمين، والباحث سَيَحارُ في اختيار الموقع المناسب، لذا توجد حاجة حقيقية لأدلة تصنف مواقع الإنترنت وترتبها، والمواقع التي قد يفيد منها مترجم الإنجيل كثيرة جداً تم توفير بعض الأدلة المطبوعة لها ، إضافة إلى توافر الأدلة على الإنترنت في مواقع الجهات المهتمة بترجمة الإنجيل.

    3.4.3- ما نستنتجه من استعراض مدى توافر معينات لمترجمي كل من الكتابين
    1- لا تتوافر معينات لمترجم معاني القرآن الكريم بشكل منظّم مدروس بل عليه أن يجمع أشتاتها ليستفيد منها.
    2- أغلب المعينات المتوافرة لمترجم معاني القرآن الكريم تدخل في باب "المراجع التفسيرية"، أما فيما يخص أدلة الترجمة، والدورات التدريبية، والبرامج الحاسوبية، ومواقع الإنترنت المناسبة، فهي غير متوافرة كما ينبغي.
    3- يجد مترجم الإنجيل سهولة بالغة ودعماً مستمراً لمساعدته على أداء عمله على مستوى مُرضٍ.
    4- توافر معينات المترجم يرتبط ارتباطاً طردياً مع تنظيم مشاريع الترجمة من جهة، ومن جهة أخرى مع مدى توافر الجهات التنظيمية والبحثية المهتمة بالموضوع.

    4- الاختلافات بين القرآن الكريم والإنجيل من شأنها أن تؤدي إلى هذه النتيجة:
    لطبيعة كل من الكتابين تأثير على تاريخ وواقع ترجمته، فالقرآن الكريم كتاب الله العزيز وكلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (الإسراء: 88) ، فترجمة القرآن الكريم مبنى ومعنى مستحيلة على البشر بإجماع العلماء ، أما ترجمة معاني القرآن الكريم فهي أمر مندوب إليه وقد تجب، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والقرآن تجوز ترجمة معانيه لمن لا يعرف العربية باتفاق العلماء" أ. هـ.
    وقال فضيلة الشيخ محمد صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى: "وأما الترجمة المعنوية للقرآن فهي جائزة في الأصل، لأنه لا محذور فيها، وقد تجب حين تكون وسيلة في إبلاغ القرآن والإسلام لغير الناطقين باللغة العربية، لأن إبلاغ ذلك واجب، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب" أ. هـ.
    فترجمة القرآن ترجمة تفسيرية لمعانيه لا تغني عنه ولا يتعبد بها، وأما الإنجيل الذي بين يدينا فهو مكتوب بأيدي البشر، وهو هو، إذا ما ترجم إلى أي لغة يكون هو الإنجيل المتعبد به. وينقاقش موراتا وتشيتيك (Murata and Chittick) الموضوع في كتابهما ويخلصان إلى نتيجة مفادها أن النظرة الإسلامية تختلف جذرياً عن النظرة النصرانية فالإنجيل هو الإنجيل بغض النظر عن اللغة التي كتب بها، أما في القرآن فالمعنى مرتبط بالمبنى و لا يمكن فصلهما.
    وكان لهذه النظرة تأثير عميق في تاريخ ترجمة كل من الكتابين فحينما بدأت ترجمة الإنجيل جريئة قوية، رأى المسلمون حرجاً شديداً في ترجمة معاني القرآن الكريم، ولم تكن الأغراض التي وظفت لها ترجمة معانيه إلا لتزيد هذا الأمر سوءاً، وتعالت الأصوات في نقاش محتدم حول مشروعية هذا العمل لم يكن ليُحل إلا بالأمس القريب، وللتاريخ انعكاساته على الواقع كما رأينا.
    ويجب هنا عدم إغفال تأثير الفترة الزمنية الطويلة التي تفصل بين ترجمة الإنجيل إذ بدأت بقوة منذ الترجمة السبعينية في القرن الثاني قبل الميلاد، بينما بدأت ترجمة خجولة مع الترجمة الفارسية الأولى في القرن الرابع الهجري، ثم توقفت بعد ذلك فترة طويلة وظهرت ترجمات متفرقة ومتباعدة بعد ذلك.
    ومن الأمور المؤثرة هي أن القرآن الكريم كتاب واحد نزل بلغة واحدة، ولما تكفل الله  بحفظ القرآن، حفظ بذلك اللغة التي نزل بها القرآن، وعاشت بهذا الحفظ اللغة العربية أكثر بكثير من أي لغة أخرى، ولكن ما يُعرف بالإنجيل (Bible) في النصرانية ليس كتاباً واحداً ولم ينـزل بلغة واحدة، بل هو عدة كتب بلغات مختلفة، وهي:
    أ‌- العهد القديم (Old Testament) وهو مجموع من 39 كتاباً تكون كتب اليهود المقدسة، وهو التوراة وكتبيم ونبوئيم، مكتوبة في غالبها بالعبرية مع بعض أجزاء كتبت بالآرامية.
    ب‌- العهد الجديد (New Testament) وهو مجموع من 27 كتاباً كتبت أول ما كتبت باليونانية بين عامي 50 و100 ميلادية .
    وانعكس حفظ اللغة العربية وموت لغات الإنجيل على مدى تطور نظرية الترجمة، فالقرآن الكريم باق بحفظ الله تعالى له ولم نحتج لنقله للغات أخرى للمحافظة على بقائه، كما في الإنجيل الذي ما كان ليبقى وليفهمه الناس لولا انتقاله من وسيلة اتصال لغوية إلى وسيلة اتصال لغوية أخرى، فلولا الترجمة لاندثر الإنجيل ولما تعبد أناس به عبر العصور، وهذا لا ريب ينعكس على أهمية الترجمة وحيويتها بالنسبة للدين النصراني، إذ هو أصل الدين عندهم، أما بالنسبة للإسلام فالترجمة ليست حيوية بالقدر نفسه إذ يقصد بها الدعوة وتبليغ الرسالة في المقام الأول.
    ومما أثر في واقع ترجمة معاني القرآن الكريم هو أن القرآن الكريم حمّال ذو وجوه، يحتمل التأويل، لذا نجد كل فرقة تُؤوّل القرآن الكريم بحسب معتقدها، وتعددت بذلك التفاسير، وأيضاً الترجمات، التي هي في أصلها تفاسير باللغات غير العربية، بتعدد هذه التأويلات، وبذلك تشعبت الجهود وتشتت ولم تجتمع الأمة على ترجمة واحدة بأي لغة كانت كما أنها لم تجتمع على تفسير واحد، فالترجمة هي صنو التفسير ونظيره، ولا أرى أنها ستجتمع لأن الاختلاف في أصله اختلاف عقدي، ولهذا الاختلاف انعكاساته على عدم اتحاد الجهود والقدرات والخبرات في سبيل الرقي بواقع ترجمة معاني القرآن الكريم.

    الخاتمة
    من خلال استعراض عددٍ من جوانب واقع ترجمة كل من الكتابين وسَوق نتائج مقارنة كل جانب من هذه الجوانب بعد المقارنة مباشرة، ونحن إذ لا نقلل من أهمية تأثير طبيعة كل من الكتابين وانعكاسها على تاريخ وواقع الترجمة، لنؤكد على أن الواقع اليوم بما يحمله من صراعات فكرية كبيرة يُحتم إعادة النظر في استشعار أهمية ترجمة النصوص الإسلامية عموماً وترجمة مصدر التشريع الإسلامي الأول، القرآن الكريم، بخاصة.
    ومن هذا المنطلق فالحاجة ماسة إلى تعزيز الدراسات والبحوث في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم، والنهوض بنظرية الترجمة في هذا المجال وتطبيقها واقعاً في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم وأن توجَّه الطاقات العلمية لإفادة المترجم، بدلاً من أن تبقى الأعمال العلمية في هذا المجال، على قلتها، حبيسة الأروقة الأكاديمية.
    وأن يكون الهدف الأسمى للبحث في هذا المجال الوصول إلى ترجمات أفضل لمعاني القرآن الكريم، فالمترجم وحده لا يستطيع القيام بذلك، فالممارسة المفتقرة إلى النظرية لا ترقى لأن تكون هي الممارسة المثلى.
    ومن جهة أخرى، هناك حاجة ماسة أيضاً لدعم أكبر لمشاريع ترجمة معاني القرآن الكريم، وتكريس الجهود والموارد المبذولة في هذا الاتجاه، فحتى مع ظهور مراكز متخصصة تعنى بترجمة معاني القرآن الكريم لا يمكن القول حتى الآن أننا نجحنا في تسيير كل الجهود المبذولة في اتجاه واحد، أو حتى زيادة وعي من بإمكانهم المساعدة بأهمية المشاركة الجادة في ترجمة معاني القرآن الكريم والنصوص الإسلامية الأخرى .
    وأخيراً، اقترح أن نهتم في كليات اللغات والترجمة القائمة سواء في المملكة العربية السعودية أو في العالم الإسلامي بالتركيز على دراسة وبحث ترجمة النصوص الإسلامية، وحبذا لو خصصت أقسام في هذه الكليات لترجمة النصوص الإسلامية خاصة.

    حوار مع الخبراء
    كان لنقاشاتي مع الخبراء التالية أسماؤهم أثر كبير في مدى فهمي لواقع كل من الترجمتين خلال الإعداد لهذا البحث:



    1- الدكتور فل نوس (Phil Noss)، منسق الترجمات في منظمة الأناجيل المتحدة، وهي إحدى أكبر الجهات العالمية المعنية بترجمة الإنجيل إلى مختلف اللغات.
    2- البرفسور إرنس أُقست-قوت (Ernst August-Gutt)، منظر في ترجمات الإنجيل يعمل في معهد اللغويات الصيفي.
    3- البرفسور عبد الرحيم القدوائي خبير ترجمات معاني القرآن الكريم، له عدة أبحاث نقدية حول ترجمات معاني القرآن الكريم المختلفة إلى اللغة الإنجليزية.
    4- الدكتور ف عبد الرحيم مدير مركز الترجمات بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
    5- الدكتور عبد الله الطاهر الكوكي، أستاذ الأديان المقارنة بجامعة الملك سعود سابقاً.

    قائمة المراجع

    1- المراجع العربية:
    1. ابن تيمية، الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح، مطابع المجد التجارية.
    2. ابن سعد، الطبقات الكبرى، دار بيروت، 1377هـ.
    3. ابن عثيمين، أصول التفسير.
    4. أحمد خان بن علي محمد، "تاريخ تطور ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية: مع ببليوغرافية الترجمات الكاملة والمنشورة لمعاني القرآن الكريم"، بحث مقدم في ندوة: ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل، المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، عام 1423هـ.
    5. أكمل الدين إحسان أوغلو، (المقدمة بالعربية) الببليوجرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم: الترجمات المطبوعة:1515-1980، مركز البحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإصطنبول، 1986م .
    6. تقرير مركز الترجمات بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بعنوان: "جهود المملكة العربية السعودية في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم من خلال مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة"، مقدم في ندوة: ترجمة معاني القرآن الكريم: تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل، المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف عام 1423هـ.
    7. حسن المعايرجي، "مجمع ترجمات تفسير القرآن الكريم"، بحث مقدم في الندوة العالمية حول ترجمة معاني القرآن الكريم، إصطنبول، 1986م.
    8. حسن المعايرجي، الهيئة العالمية للقرآن الكريم: ضرورة للدعوة والتبليغ، قطر مطابع الدوحة الحديثة، 1991م.
    9. الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، دار إحياء التراث، بيروت، 1421هـ.
    10. عبده بوريما النيجيري، دور الترجمة الدينية في الدعوة إلى الله، دار البخاري، المدينة المنورة، 1416هـ.
    11. فتح الباري في شرح صحيح البخاري.
    12. محمد حميد الله، "فهم القرآن لمن لا ينطق بلغة الضاد"، بحث مقدم في الندوة العالمية حول ترجمة معاني القرآن الكريم، إصطنبول، 1986م.
    13. محمد حميد الله، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، دار الإرشاد، بيروت، 1979م.
    14. محمد شيخاني، "المستشرقون ودورهم في ترجمة القرآن الكريم"، بحث مقدم في الندوة العالمية حول ترجمة معاني القرآن الكريم، إصطنبول، 1986م.

    المراجع الأجنبية:
    1. Arberry, A. J. (1958) Classical Persian Literature. London.
    2. Barnwell, K. (2002) Bible Translation: An Introductory Course in Translation Principles. SIL.
    3. Dil, Answers S. (1975) Language Structure and Translation: Essays by Eugene A. Nida. California: Stanford University Press.
    4. Hamidullah, M. Translations of the Quran in Every Language.
    5. Journal of the Society of Qur’anic Studies, No. 2, Vol. 1, 2001.
    6. Kellner, M. A. (1996) God on the Internet. CA. IDG Books.
    7. Majola, A. O. and Wendland, E. (2004) "Scripture Translation in the Era of Translation Studies". In T. Wilt (ed.) Bible Translation: Frames of Reference. Manchester: St. Jerome.
    8. Mangana, A. An Ancient Syriac Translation of the Ḳur’ān Exhibiting New Verses and Variants. Reprinted with corrections and additions from The Bulletin of the John Rylands Library. Vol. 9. No. 1 January 1925. Manchester University Press: Manchester.
    9. Murata, S. and Chittick, W. C. (1995) The Vision of Islam. London: I. B. Tauris.
    10. Nida, E. (1964) Towards a Science of Translating. Leiden: E. J. Brill.
    11. Nida, E. & Taber, C. (1969) The Theory and Practice of Translation. Brill: Amsterdam.
    12. Philip C. (2004) Let the Words be Written: The Lasting Influence of Eugene A. Nida. Society of Biblical Literature.
    13. Nida, E. (2001) “Bible translation”. In M. Baker (ed.) Encyclopedia of Translation Studies. Routledge: London.
    14. P. Soukup & R. Hodgsonson (eds.) (1999) Fidelity and Translation: Communicating the Bible in New Media. NY. American Bible Society.
    15. Pope, A. G. and R. V. Ritter (1998) Directory of Exegetical Aids for Translators. SIL.
    16. Sefercioḡlu, Mustafa, N. (2000) World Bibliography of Translations of the Holy Qur’an in Manuscript Form. Research Centre for Islamic History, Art and Culture (IRCICA): Istanbul.
    17. Wilt. T. (2004) "Translation and Communication". In T. Wilt (ed.) Bible translation: Frames of Reference. Manchester: St. Jerome.
    18. Yahoo (Sep. 1996) "Bible Resources" Vol. 2, No. 4, pp. 102-103.


    الفهرست
    الموضوع صفحته
    1- تقديم
    2- تاريخ ترجمة كل من الكتابين
    2.1- تاريخ ترجمة الإنجيل
    2.1.1- المرحلة الإغريقية اليونانية
    2.1.2- مرحلة الإصلاح

    2.1.3- الترجمات التنصيرية
    2.2- تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم
    2.3- ما نستنتجه من الاستعراض التاريخي لترجمات معاني القرآن الكريم والإنجيل
    3- واقع ترجمة كل من الكتابين

    3.1- الموضوع الأول: عدد اللغات
    3.1.1- عدد اللغات التي ترجمت إليها معاني القرآن الكريم
    3.1.2- عدد اللغات التي ترجم إليها الإنجيل

    3.2- الموضوع الثاني: الجهات المهتمة بالترجمة وطريقة تنظيم مشاريع الترجمة
    3.2.1- الجهات المهتمة بترجمة معاني القرآن الكريم وطريقة تنظيم مشاريع الترجمة
    3.2.2- الجهات المهتمة بترجمة الإنجيل وطريقة تنظيم مشاريع الترجمة
    3.2.3- ما يستنتج من استعراض الجهات المهتمة بترجمة كل من الكتابين وطريقة عملها
    3.3- الموضوع الثالث: الأعمال البحثية المهتمة بترجمة كل من الكتابين
    3.3.1- الأعمال البحثية في مجال ترجمة معاني القرآن الكريم
    3.3.2- الأعمال البحثية في مجال ترجمة الإنجيل
    3.3.3- ما يستنتج من التعرف على ملامح الأعمال البحثية في مجال ترجمة الكتابين
    3.4- الموضوع الرابع: مدى توافر معينات المترجم
    3.4.1- مدى توافر معينات مترجم معاني القرآن الكريم
    3.4.2- مدى توافر معينات مترجم الإنجيل
    3.4.3- ما نستنتجه من استعراض مدى توافر معينات لمترجمي كل من الكتابين
    4- الاختلافات بين القرآن الكريم والإنجيل من شأنها أن تؤدي إلى هذه النتيجة
    الخاتمة
    حوار مع الخبراء
    قائمة المراجع
    الفهرست

    There are two ways of spreading light: to be the candle or the mirror that reflects it

  2. #2
    مترجمة الصورة الرمزية ايناس حمدي
    تاريخ التسجيل
    13/10/2006
    المشاركات
    2,925
    معدل تقييم المستوى
    20

    افتراضي

    نسخة كاملة من البحث

    http://www.arabswata.org/forums/uplo...1169465878.zip

    There are two ways of spreading light: to be the candle or the mirror that reflects it

  3. #3
    أستاذ جامعي الصورة الرمزية محمد بن أحمد باسيدي
    تاريخ التسجيل
    26/09/2006
    المشاركات
    1,240
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي

    أختي الفاضلة إيناس حمدي
    أشكرك على اختيارتك المفيدة في هذا المجال العلمي الدعوي الهام.
    بارك الله فيك وأحسن إليك.
    أخوك
    محمد بن أحمد باسيدي

    المجدُ للإنسانِ الحرِّ والأصيل
    الثابتِ الإيمانِ ذي المبدإِ النَّبيل

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •