آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل أنت إنسان مقهور؟

المصوتون
9. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع
  • نعم، مقهور.

    6 66.67%
  • لا، لست مقهوراًَ.

    3 33.33%
+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: هل أنت إنسان مقهور؟

  1. #1
    المؤسس الصورة الرمزية عامر العظم
    تاريخ التسجيل
    25/09/2006
    المشاركات
    7,844
    معدل تقييم المستوى
    25

    افتراضي هل أنت إنسان مقهور؟

    هل أنت إنسان مقهور؟
    ما تعريف القهر؟
    ما سبب القهر؟
    ما أنواع القهر؟
    هل هناك فرق بين المقهور والمضطهد؟
    هل القهر محرك للإبداع؟
    هل يؤدي القهر إلى إحباط أم تحفيز؟
    هل القهر ناتج عن إحباط أم مسبب له؟
    ما علاقة القهر بالكتابة الساخرة؟
    ما فائدة القهر للمبدع؟
    هل عانى الكتاب الساخرون من القهر؟
    هل من أمثلة على ذلك؟


    رئيس جهاز مكافحة التنبلة
    لدينا قوة هائلة لا يتصورها إنسان ونريد أن نستخدمها في البناء فقط، فلا يستفزنا أحد!
    نقاتل معا، لنعيش معا، ونموت معا!

  2. #2
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    30/11/2006
    المشاركات
    5,554
    معدل تقييم المستوى
    23

    افتراضي

    د. عامر

    اطروحاتك رائعة وموفقة
    ولكننى ارى مواضيع كثيرة تطرح مرة واحده فلا نلاحق الردود وخاصة ان اردنا البحث والتفكير لنرد بما يفيد
    ارجو تقليل المواضيع والتركيز على المواضيع المطروحة حتى تستنفذ جيدا
    وليكن هناك موضوع او اثنين فقط بالشهر يخدموا جيدا
    ولا يسمح بفتح مواضيع جديدة حتى يشارك الجميع فى المطروح بجدية

    وبصراحة ارى صعوبة فى المنتدى لأنى جديدة
    مثات المنتديات الفرعية

    اعتقد عمليه تجميعهم والدمج ستكون مريحة جدا

    اعذرونى جديدة ومحتارة هنا

    تقديرى


  3. #3
    عـضــو الصورة الرمزية محمد المهدي السقال
    تاريخ التسجيل
    12/10/2006
    العمر
    71
    المشاركات
    385
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي من الدلالة المعجمية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عامر العظم مشاهدة المشاركة
    هل أنت إنسان مقهور؟
    ما تعريف القهر؟
    ما سبب القهر؟
    ما أنواع القهر؟
    هل هناك فرق بين المقهور والمضطهد؟
    هل القهر محرك للإبداع؟
    هل يؤدي القهر إلى إحباط أم تحفيز؟
    هل القهر ناتج عن إحباط أم مسبب له؟
    ما علاقة القهر بالكتابة الساخرة؟
    ما فائدة القهر للمبدع؟
    هل عانى الكتاب الساخرون من القهر؟
    هل من أمثلة على ذلك؟
    سأحاول مقاربة الأسئلة ,
    انطلاقا من الدلالة المعجمية لفعل " قهر " في ارتباطها بما تنسحب عليه من مجالات .
    تجمع معاجم اللغة العربية على رد الثلاثي الصحيح في قهر ,
    إلى الغلب والأخذ بغير الرضا ,
    وقُهِرَ اللحمُ ، إذا أخذتْهُ النار وسال ماؤه.
    ويقال: أخذتُ فلاناً قُهْرَةً بالضم، أي اضطراراً.
    ومنه أخذهم قهرا من غير رضاهم وفعله قهرا بغير رضا /
    يبدو من خلال الدلالة المعجمية ,
    أن المعنى يحيل على ما هو مادي , وما هو معنوي ,
    فينما تقهر النار اللحمَ حتى سيلان مائه ,
    يأخذ القهر فلانا على الاضطرار بغير رضاه .
    وقهر فعل متعد مجردا , لحاجته إلى مَا أو مَنْ يقع عليه فعل الفاعل ,
    مما يشترط وجود طرفين في معادلة تحقق الفعل , من الأقوى إلى الأضعف ,
    الملاحظ أن المفعول به قهراً , مشمول بمطلق الضرر من الفاعل , على تغييرِ الأصل واضطراره للتبع بقوة المسند , فيفقد وجوده بالغلب , دون إرادته أو رضاه ,
    والانتقال بالمعنى من دلالته المعجمية , إلى دلالات متعددة , تتصل بالحقل الذي تستعمل فيه ,
    يبقى في عمومه موصولا بالحقيقة دون المجاز في الغالب,
    بحيث ينسحب مدلول القهر بمستوييه المادي والمعنوي , على مجمل الاستعمالات , و يهمنا أساسا ما يتصل بالإنسان عامة والمبدع خاصة ,
    لوجود كيان نفسي يتميز برد الفعل إزاء وقوع فعل القهر عليه ,
    بحيث ينتظر رد فعل المقاومة بالطبيعة ,
    فيكون ذلك بالحركة الجسدية ,
    كما يكون بالحركة النفسية ,
    و إذا كان عامل التكافؤ من عدمه , يتدخل بقوة في تحديد خصوصية رد الفعل ذاك ,
    فإن عامل الوعي من عدمه , يتدخل هو الآخر في صياغة ما يتناسب مع الموقف المضاد ,
    غير أن الأمر بالغ التعقيد في حالة المبدع ,
    لأن القهر الممارس عليه ,
    يأخذ مساحة أكبر ,
    لها صلة بالتربوي والاجتماعي والسياسي والديني ,
    يضاف إلى ذلك , ما يتصل بالرؤية للوجود والكون والعالم .

    عــاشــق الـغـجـريـة

  4. #4
    عـضــو
    تاريخ التسجيل
    30/10/2006
    العمر
    68
    المشاركات
    18
    معدل تقييم المستوى
    0

    افتراضي

    الإخوة الأفاضل
    اتدرج الأسئلة التي طرحها الأخ الكريم عامر لعظم ضمن حقل علم النفس وخاصة التحليل التفسي الذي سلط الضوء على الآليات اللاشعورية التي تؤثر في عملية الإبداع الفني وتحددها: آليات الكبت الجنسي والتصعيد. يكون الجواب على الأسئلة المطروحة بالإيجاب إذا نظرنا إليها من منظور التحليل النفسي. وهذا مثال يوضح هذه النظرية:
    يذهب قيس إلى بيت عمه ليرى محبوبته ليلى.
    يصطدم بحاجز يحول بينه وبينها: إنه العم. يقول له:
    - ماذا جئت تطلب فيس
    - جئت اطلب نارا
    - هل جئت تطلب نارا أم جئت تشعل الدار نارا، عد غلى أهلك قيس
    الرغبة الجنسية حركته، والعم قهره وأصيب بالإحباط، وكبتت الرغبة الجنسية ولم تتحقق. ولذلك مال لاشعوريا إلى تحقيقها في الخيال، وهذا عو التصعيد، فإذا به ينشد:
    أمر على الديار، ديار ليلى
    أقبل ذا الجدار ودا الجدران
    وما حب الديار شغفن قلبي
    ولكن حب من سكن الديار
    الإبداع الفني إذن هو متاج عمليات الكبت الجنسي والتصعيد، وهكذا في جميع الحقول الفنية والمعرفية
    لكن، ليس طل الناس بقادرين على التصعيد، فالدي يعاني من الحرمان الجنسي ولا يقدر على التصعيد يتحول لاشعوريا إلى شخص عداوني، فالحرمان الجنسي يتسبب أيضا في العدوان.
    قمت بتطبيق تقنيات التحليل النفسي والسوسيولوجي والأنثربولوجي في دراسة ستنشر قريبا تحت عنوان
    أضواء على تجربة الكتابة الإبداعية لدى محمد شكري ومحمد برادة
    من خلال تحليل رسائل الورد والرماد

    ةإليكن الفصل السادس منها والذي ناقشت فيه أطروحة الباحثة الأمريكية ساندرا ملبورن التي تناولت فيها بالدراسة والتحليل أعمال الأديب المغربي الراحل محمد شكري
    الفصل السادس
    محمد شكري بعيون أمريكية جديدة
    قراءة في أطروحة ساندرا ملبورن
    عندما قرأت رسائل »ورد ورماد« في صيف 2002 أغرتني بإنجاز هذه الدراسة، ولم يخطر ببالي حينئذ أن أتطرق لما كتبه المحللون والنقاد عن محمد شكري ومحمد برادة. ولما أنهيتها، في صيف 2003، طرحتها جانبا حيث ظلت ضائعة بين الملفات المهجورة، لأنني أنجزتها إرضاء لفضول شخصي أشعلت ناره الرسائل. وفي صيف 2005 اطلعت بمحض الصدفة على رسالة جامعية تقدمت بها الباحثة الأمريكية ملبورن ساندرا جون Milburn Sandra Jean لنيل دكتوراه الدولة بجامعة برنستون تناولت فيها بالدراسة والتحليل أعمال محمد شكري .ونظرا لأهمية هذه الدراسة ولما بينها وبين الدراسة الحالية من نقط تقاطع واختلاف قررت أن أضيف فصلا آخر إلى هذه الدراسة أبسط فيه وجهة نظر أخرى في ضوء النتائج التي توصلت إليها. وتجدر الإشارة إلى أن رسائل »ورد ورماد« نشرت في الوقت الذي كانت الباحثة قد أشرفت فيه على إنهاء دراستها، ولذلك لم تتمكن من إدراجها ضمن النصوص التي شملها التحليل.
    وإذا كان الحنين قد عاودني إلى هذه الدراسة تحت تأثير ساندرا ملبورن، فإنني ارتأيت هذه المرة إقامة جسر بيني وبين القارئ العربي من جهة، ومد جسر آخر بينه وبين الباحثة الأمريكية من جهة أخرى، ليتمكن من تشكيل تصوره الخاص عن الأديب المغربي الراحل من خلال الاطلاع على مختلف الآراء ومناقشتها.
    1. موضوع الدراسة وأهدافها
    هدفت الدراسة إلى تغيير الصورة السلبية التي تشكلت عن محمد شكري في كل من العالم العربي والعالم الغربي على حد سواء. لقد أرادت الباحثة الأمريكية أن تقدم لنا رؤية جديدة إلى أعمال الأديب المغربي من خلال تحليل سيرته الذاتية وقصصه القصيرة وأسلوبه الأدبي من أجل إبراز نظرته المتميزة إلى العالم وقلب الصورة النمطية الأحادية الجانب التي علقت به. تشكلت هذه الصورة في اعتقادها من خلال التركيز على الجوانب المثيرة في أعماله وتضخيمها وعزلها عن السياق العام الذي تستمد منه دلالتها الحقيقية إما لاعتبارات دينية، كما هم الحال في العالم العربي، وإما لعدم استيعاب نظرته المتميزة إلى العالم، كما هو الحال في العالم الغربي.
    ففي العالم العربي تشكلت عنه صورة سلبية تحت تأثير الحملة الدعائية التي شنتها عليه التيارات الدينية المحافظة التي اتهمته بالفساد الروحي والأخلاقي لمجرد أنه تحدث عن الجنس بشكل مكشوف. وكذلك ساهم النقاد العرب في انتشار الصورة التي تظهره بمظهر الصعلوك المتطفل على الأدب لعجزهم عن استيعاب نظرته الجديدة إلى العالم وسوء فهمهم لأعماله.
    وإذا كان بعض الكتاب العرب قد حاولوا إبراز طريقته غير المعهودة في الكتابة فإنهم لم ينظروا إليها في علاقتها بالطريقة غير العادية التي خضع لها في تنشئته الاجتماعية. وبدل أن يهتموا بإبراز الخصائص الحداثية في أسلوبه ركزوا على الجوانب الشكلية في أعماله، وأخذوا عليه خروجه على قواعد اللغة العربية وقوالب الأسلوب المتعارف عليه. ولم ينتبهوا إلى أن محمد شكري من طينة غير الطينة التي جبلوا منها. فإلى حدود الستينات من القرن الماضي كان جميع الكتاب من ذوي الشهرة في العالم العربي ينحدرون من شرائح المجتمع العليا والوسطى بما في ذلك اليساريون منهم من أمثال إدريس الشرايبي. وما كان بوسع هؤلاء الكتاب حين يلتفت بعضهم إلى شرائح المجتمع الدنيا إلا أن يصفوها بلغتهم المتخشبة كما تبدو لهم من الخارج وهم معلقون في أبراحهم العاجية. ومن دهاليز المجتمع السري وحثالته طلع عليهم الأديب الناشئ ناطقا باسم الفقراء والمهمشين من أبناء طبقته بصوته الفج المتقطع، ونبرته الثقيلة على الأذن، المخلة بالذوق الرفيع. وكان لابد أن تثير لغته الاستثنائية ردود فعل النقاد الذين ظلوا ينظرون إلى الشكل بمعزل عن المضمون وعن تجربته الرهيبة في الحياة. وبذلك ساهموا بدورهم في ترسيخ الصورة السلبية من خلال استهجان لغته دفاعا عن الأسلوب العربي الأنيق الذي يمنح لهم نوعا من الامتياز.
    وكان من نتائج ذلك كله أن ضرب الحصار على الأديب المغربي الناشئ، ومنعت الحكومات العربية كتبه من التداول، ونددت به المؤسسات الثقافية وامتنعت العديد من دور النشر عن طبع أعماله تحت ضغط العناصر الإسلامية المحافظة، حتى إن الخميني سجل اسمه في قائمته السوداء وأصدر فتوى تقضي بهدر دمه. ولم يعد يقف إلى جانب شكري غير عدد قليل من المثقفين يعدون على رؤوس الأصابع في عالم تضافرت فيه مختلف القوى لإخماد صوته بطريقة رسمية أو غير رسمية.
    وعلى الجانب الآخر نسج له بعض الكتاب الغربيين ممن ترجموا أعماله صورة لا تقل سلبية عن الصورة التي ألصقت به في العالم العربي. ويأتي الكاتب الأمريكي بول بوولز في مقدمة من أساء إلى سمعته في الغرب. ترى ساندرا ملبورن أن بول بوولز أساء ترجمة أعمال شكري وشوهها، مما أدى إلى تشكيل صورة فظيعة عن الأديب المغربي تظهره بمظهر الطفل المرعب والرجل العنيد المشاكس، والمغامر المتهور الذي تحركه الغرائز البدائية.
    ومن الأخطاء التي ارتكبها بول بوولز، والتي أفرزت تلك الصورة السلبية، أنه تعامل مع شكري بنفس الطريقة التي تعامل بها مع الحكواتيين الأميين من أمثال محمد المرابط في إطار المشروع الجديد الذي أعده لجمع الحكايات الشعبية والذي شرع في تنفيذه منذ العام 1950. وكان قبل ذلك منشغلا بتدوين التراث الموسيقي المغربي. اكتشف بوولز الحكايات الشعبية فوقع تحت سحر الرواة الذين يرتجلون أغرب القصص في الساحات العمومية، وراح يجمعها ويدونها مثلما فعل مع التراث الموسيقي. وما لبث أن ركز اهتمامه على الحكواتيين الذين تربطه بهم علاقة شخصية، وتعامل مع أعمالهم بشكل جدي، وترجمها إلى اللغة الإنجليزية، وعرف بها في جميع أرجاء المعمور. آمن بوولز بأن مصدر القوة في أعمالهم يرجع إلى جهلهم بالقراءة والكتابة. ومع أن محمد شكري لم يكن أميا إلا أن بوولز أقحمه في مشروعه على نحو مصطنع، وبذلك ارتكب، في نظر ساندرا، خطأ فظيعا.
    والحقيقة أن بوول بوولز لم يشتغل على النص الأصلي في عزلة الكاتب، ولكن الترجمة كانت شبه فورية، تمت بحضور شكري الذي كان يروي قصة حياته إما باللهجة الدارجة أو باللغة الأسبانية انطلاقا مما كتبه في عجالة عقب الصفقة التي عقدها مع الناشر والمترجم، إذ لم يكن قد كتب من »الخبز الحافي « حرفا واحدا قبل لقائه ببول بوولز. والملاحظ أن ساندرا ملبورن لم تشر إلى هذه المسألة في معرض حديثها عن الصعوبات التي واجهت المترجم، واكتفت بالقول إن الطريقة المعتمدة في الترجمة أفقرت النص الأصلي، وشوهت دلالاته، وحالت دون إبراز دقائق الأمور وخاصة ما تعلق منها بمقاصد الكاتب، ونظرته إلى العالم، وأسلوبه المتميز، وما ينطوي عليه هذا الأسلوب من تقنيات فنية كالتلميح والحذف الإيحائي وشروخ الصمت، الخ. وهكذا حولت الترجمة النص الأصلي إلى مجرد خطاب مستفز، وقزمت صاحبه، ونزعت عنه صفة الكاتب المقتدر.
    وإذا كانت الترجمة قد شوهت صورة شكري في الغرب، كما تقول ساندرا ملبورن، فإنه يمكن أن نتساءل عما إذا كان شكري قد ذهب ضحية مؤامرة حيكت ضده، أم أن الضحية شاركت بدورها في ارتكاب تلك الخطيئة. نعتقد من جهتنا أن شكري ذهب ضحية الإستراتيجية الماكرة التي وضعها لتحقيق مجده الأدبي في أسرع وقت ممكن. وقع في فخه لما أخطأ في حساباته. تقول ساندرا ملبورن إن بوولز أخطأ عندما أدرج شكري في مشروعه، ولكن هذا الأخير هو الذي تربص به الفرص ليحشر نفسه فيه. تورط لما كذب على إدوار روديتي وزميله بوولز. يقول بهذا الصدد: »ادعيت أن سيرتي الذاتية كانت مكتوبة ولم أكن قد كتبت منها الجملة الأولى«. بهذه الكذبة فرض على نفسه دور الحكواتي. ألم يكن بوسعه أن ينهي الرواية قبل أن يعرضها على المترجم ويتركه وحيدا أمام مسؤوليته الأدبية ؟
    لم يتح شكري لبوولز الفرصة للاطلاع على النص الكامل قبل الشروع في ترجمته. وإنه لمن الغريب حقا أن يتفادى بوولز مطالبة شكري بالنص الكامل للرواية. لا شك أنه تنبه إلى أن شكري لم يكن صادقا في قوله، فتركه على حاله، وفضل أن يتعامل مع أجزاء الرواية كلما خرج شيء منها إلى الوجود على عجل. وربما اختار التعامل مع شكري بهذه الطريقة رغبة منه في الحفاظ على تلقائية السرد وحيويته وفقا للمعايير التي أسس عليها مشروعه، من جهة، وعدم إتاحة الفرصة له للمراجعة والتشذيب والتنقيح، من جهة أخرى. لم يكن بوولز في حاجة إلى تشكيل فكرة عامة عن النص ولا إلى الإحاطة بمقاصده وتقنياته. إن ما كان يشغل باله في المقام الأول هو المضمون والتلقائية في سرد الوقائع والأحداث. ومما يدل على ذلك أن شهرة »الخبز الحافي «ظلت مرتبطة في ذهنه بمضمونها لا بجوانبها التقنية. صرح في حوار أجراه معه فليب رامي Philpp Ramy حين سأله عما إذا كانت »الخبز الحافي «لازالت تحتفظ بشهرتها:
    »لقد استطاعت تلك الرواية أن تنفذ إلى ذلك النوع من التفاصيل التي لم يكن باستطاعة أي كاتب في هذا البلد [المغرب] أن ينفذ إليها. فالمؤلفات التي كانت موجودة في ذلك الوقت كانت أكثر أكاديمية، يعلب عليها الطابع الرومانسي. بالمقرنة مع شكري تجد أن سيرة أحمد الصفريوي مثلا هي سيرة معطرة. لم بتحدث فيها إلا عن الأشياء السارة [...]. وأما شكري فإنه عاش تجربة رهيبة في الحياة، وكتب عنها في "الخبز الحافي". أحببت واقعيته «
    إن ما يقصد بوولز بقوله إن السير الذاتية التي اشتهرت خلال فترة الستينيات والسبعينيات كان يغلب عليها الطابع الأكاديمي والرومانسي هو أنها كانت مصطنعة خالية من التلقائية والمباشرية. وأما سيرة شكري فإنها تستمد قيمتها من مضمونها الجديد وتلقائيتها ومباشريتها لا من العطر والزخرف. لا يختلف موقف بوولز من »الخبز الحافي «عن موقفه من »الغذاء العاري« لوليام بروز. يقول عن رواية بروز:
    »أما فيما يخص "الغذاء العاري" (1951) فهذه رواية أعجبتني كثيرا، لكن لم تتركني في حالة حيرة. الكتاب أعجبني كثيرا بمضمونه. تقنيته ليست فريدة، فبإمكان أي أحد أن يكتب بالطريقة ذاتها «

    يبدو أن بوولز كان مهووسا بمضمون الأعمال الفنية ولو كان ذلك على حساب الجوانب الشكلية والتقنية حتى ولو تعلق الأمر بالفنون التشكيلية. »إن القضية في نظره ليست قضية تقنية، بل هي قضية التوفر على وجهة نظر جديدة في الرسم. التقنية بالضبط ليس لها دور كبير تلعبه في عمل الفنان « (بوولز، حوار أجراه عبد العزيز جدير). وما يزيد من قيمة السير الذاتية في نظره هي التلقائية في سرد الوقائع. والظاهر أن ما دفعه إلى الإسراع بترجمة »الخبز الحافي «هي رغبته في تتبع مخاضها ونشأتها الفورية. لقد كتبت الحكاية على عجل وترجمت على الفور، ولم يتح المترجم لشكري أية فرصة للاسترجاع التأملي. ولعل ما ساعد على خروجها من الأحشاء على الهيأة التي نعرفها كثرة تناول الكاتب للفودكا »العسلية «التي وفر له منها المترجم ما يكفي لكسر الموانع والحواجز النفسية على امتداد فترة الكتابة كلها. يقول بوولز:
    »أتذكر أن شكري خلال تلك الفترة وما بعدها كان يشرب هنا (مشيرا نحو بهو بيته) الفودكا، كان يجلبها لي روسي يدعى فيكتور[...]. كل قنينات الفودكا التي حملها إلي هنا شربها شكري. فقد وجد الفودكا رائعة وربما عسلية. مرات عديدة كان ينبطح، هنا، على الأرض، عاجزا عن الوقوف أو الذهاب. وكان ينام. كل زواري كانوا يقولون عن شكري: آه، عاد السكير«
    وخلاصة القول إن رواية »الخبز الحافي «كتبت بطريقة مرتجلة وبكثير من التلقائية. إن هذه الخاصية هي التي شجعت بوولز على الاهتمام بها وترجمتها على الفور. يدل على ذلك قوله:
    »إنني أميل إلى الاعتقاد بأن الأمية شرط أساسي [من شروط السرد الذاتي]. إن القراء والكتاب الذين اختبرتهم كانوا قد فقدوا الاتصال المباشر الضروري بالمادة. كانوا أقل اتصالا بذاكرتهم ومخيلتهم من الأميين«
    ولكن ساندرا ملبورن وظفت هذه الفقرة توظيفا خاصا ينسجم مع استراتيجيتها العامة، وأقامتها دليلا على الخطأ الذي ارتكبه بوولز حين أدرج شكري في مشروعه مع أنه ليس أميا. غير أن القراءة المتأنية لذلك المقطع تبين أن المسألة بالنسبة لبوولز ليست مسألة أمية أو تثقف، وإنما هي في الواقع مسألة اتصال مباشر أو عدم اتصال بالواقع. فإذا كانت الأمية قد أصبحت في ظروف معينة شرطا أساسيا من شروط التعبير عن التجارب الذاتية فلأن الأميين ظلوا على اتصال مباشر بالواقع، بذاكرتهم ومخيلتهم، بينما تعرض المثقفون لنوع من الانزياح والغربة عن الذات. تنطوي تلك الفقرة، في اعتقادنا، على إحدى المصادرات الأساسية التي يرتكز عليها مشروع بوولز الذي يهدف إلى تسليط الضوء على الذاتية الخاصة لشخصياته وطريقتهم في التفكير والتخييل والبناء الذاتي للواقع.
    وأما محمد شكري، فإنه يمثل حالة استثنائية بكل المقاييس، لاسيما وأن مساره الدراسي لم يكن عاديا، فقد بدأ متأخرا وختم باكرا. ولذلك ظل ينظر إلى نفسه على أنه »صعلوك أدركته حرفة الكتابة «. والواقع أنه كان حديث عهد بالكتابة عندما تعرف على بول بوولز. »فلما كتبت "الخبز الحافي"، يقول شكري، كان لي رصيد محدود، نوعا ما، في الكتابة السردية . وأضاف قائلا في مكان آخر من نفس المصدر: »لم تكن لدي فكرة عن كتابة "الخبز الحافي" بالطريقة التي تمت بها كتابته «(ص. 79). يبدو أنه لم يفكر في طريقة الإخراج، فإذا بالرواية تنبثق من الأحشاء بطريقة مرتجلة. لم يكن قد فقد تلقائيته بعد، ولا شك أن بوول بوولز قد سر بذلك فأدرجه في مشروعه. أخذ الوثيقة وهي لازالت فجة، ونقلها إلى ما وراء الحدود، وزعم أنه ترجم الخبز الحافي لسببين: أولهما أنه أراد أن يساعد شكري الذي شكا إليه الحصار المضروب عليه؛ وثانيهما أنه ترجمها نزولا عند رغبة زميليه إدوار روديتي وكافن لامبرت. لا شك في أنه استجاب لطلب زميليه، اعترف شكري نفسه بذلك مثلما اعترف بكذبته عليهم جميعا. لا شك أن بول بوولز تنبه إلى تلك الكذبة، ولذلك لم يطلب منه النص الكامل للرواية. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن الأسباب التي ذكرها بوولز تظل، رغم وجاهتها، عرضية وفير كافية. لقد حصل اللقاء بينهما، في الطاهر، بمحض الصدفة. والحقيقة أن بوولز لم يبحث عن شكري مثلما تبحث الكواسر عن فرائسها، بل إن شكري هو الذي جاء إليه عن طيب خاطر. وفي اللقاء وجد كل طرف ضالته. وكان لقاء خصيبا مثمرا، نال منه شكري شهرته العالمية على الفور.
    ولكن ساندرا ملبورن لم تنظر إلى الثمرات كلها بعين الرضا، اشتمت فيها رائحة بغيضة، وحملت المسؤولية بكاملها لبول بوولز. ومن المآخذ التي أخذتها عليه كونه ركز اهتمامه على الجوانب الفضائحية الأكثر استفزازا في أعماله، ونسج له صورة تظهره بمظهر المنحرف الشاذ جنسيا. وربما حاول بوولز رد التهمة حين قال:
    »أذكر أنني خلال ترجمة "الخبز الحافي" قلت له [لشكري] ألا يزعجك أن تكتب كل هذه الأشياء عن الجنس ؟ إن الجنس يحتل مكانة خاصة في كتابك هذا، ورد قائلا: لا على الإطلاق، يجب أن نقول أشياء مثل هذه، لأن المغاربة لم يعتادوا قراءة مثل هذه الأشياء، إن ذلك سينفعهم«
    وإذا كان الأمر كذلك فإن شكري يتحمل نصيبه من المسؤولية فيما حصل. ولكن ساندرا ملبورن لا تتفق مع هذا الرأي بحجة أن الترجمة تغافلت عن إبراز أسلوب الرواية ونبرته التي تشي بمواقف الكاتب ونظرته إلى الأشياء. لقد أخفقت الترجمة في الإمساك بتلابيب أسلوبه، فأفقرت النص وأفرغته من مضمونه الدلالي العميق، وحولته إلى مجرد خطاب مستفز. يرجع ذلك في اعتقادها إلى عدة عوامل: من أهمها صعوبة الإمساك بأسلوب شكري غير المعهود، وجهل بوولز بالأدب العربي الذي يمثل الحقل الدلالي المرجعي الذي تحيل عليه العديد من المشاهد الروائية. ولذلك لم ينتبه إلى ما تنطوي عليه الرواية من تلميحات وإشارات ونصوص غائبة تعود بنا إلى مصادر التراث العربي وتضفي على المشاهد الروائية دلالتها الحقيقية. لقد طمست الترجمة، في اعتقادها، كل ما يجعلنا ندرك وظيفة الجنس في الرواية والغاية من توظيفه باعتباره وسيلة لاستفزاز العقل وإيقاظ الوعي ومساءلة الذات. لقد كان من نتائج العصف بمعالم الأسلوب أن أصبح الجنس المنحط يؤدي وظيفة الاستفزاز من أجل الاستفزاز. وبذلك نقلت الترجمة إلى القارئ الأجنبي قصة أخرى غير القصة التي رواها شكري.
    ومما زاد من صعوبة الإمساك بأسلوب شكري غير المعهود اصطدام المترجمين بشروخ الصمت التي تعمد الكاتب إقامتها بين مختلف المشاهد والمقاطع السردية. وبدل أن يتركوها على حالها لتؤدي الوظيفة التي أراد لها الكاتب أن تؤديها راحوا يملئون الفراغ، ويقيمون الجسور، ويتفننون في صقل الأسلوب وابتكار الروابط بين الجمل ولم شتات الصور المتشظية، مع أن شكري اختار أن يكتب بلغة فجة تتخللها شروخ الصمت من أجل بعث مشاعر القلق في نفس القارئ. وهكذا تم تدمير الأسلوب وتشويه مقاصد الكاتب ودلالات النص السردي. وكان من نتائج ذلك أن تشكلت الصورة السلبية التي شاعت في الغرب عن شكري وارتبطت بشكل متناقض بشهرته.
    ولتغيير الصورة السلبية التي راجت عن شكري في العالمين العربي والغربي قامت ساندرا ملبورن بإعادة تأويل نصوصه في ضوء تصورها لأسلوبه. وسنتتبع فيما يلي خطواتها لإبراز خصائص هذا الأسلوب.
    2. أسلوب محمد شكري: بلاغة الصمت
    كرست ساندرا ملبورن جهودها لإظهار العلاقة بين أسلوب محمد شكري وتجربته في الحياة. لقد حاولت، على وجه التحديد، إبراز خصائص أسلوبه»غير المعهود «في علاقتها بسمات شخصيته المناقضة لمحيطها، وهي شخصية تشكلت تحت تأثير الطريقة »الوحشية« في التربية والتنشئة الاجتماعية. ترتكز هذه الفرضية على مصادرة أساسية تقول بوجود نوع من التواؤم والانسجام بين ذاتية الكاتب وأسلوبه في التعبير عنها، بحيث يمكن القول إن مواصفات الأسلوب تعكس سمات الشخصية وخصائص السياق الاجتماعي-الثقافي الذي يحيط بها.
    ولبيان مدى صدق هذه الأطروحة يتعين على الباحث المدقق أن يتتبع عملية تشكل الهوية الذاتية للسارد عبر مختلف المراحل الزمنية المتلاحقة، وتحليلها، وإعادة بنائها من أجل إبراز خصوصيتها التي طبعت أسلوبه بميسمها. ولكن تحليل الهوية الذاتية في هذه الحالة ليست مهمة سهلة، على اعتبار أن المعطيات المتضمنة في السيرة الذاتية مبتورة ومحولة تفسح مجالا واسعا للتأويلات المتضاربة. لقد نسج محمد شكري سيرته الذاتية وطبخ »طاجين« حياته، على حد تعبيره، في ضوء إستراتيجية ماكرة تروم أسطرة الذات من خلال الدفع بعملية التخييل إلى أبعد الحدود.
    من الواضح أن المعطيات الأوطوبيوغرافية المتضمنة في »الخبز الحافي« مبتورة ولا تربط بينها أية رابطة منطقية أو معقولة، ومع ذلك تبدو على درجة كبيرة من الانسجام فيما بينها. ولعل ما يضفي عليها نوعا من التماسك والانسجام هي أهداف الكاتب ومقاصده، حيث نجد أنها تصب كلها في اتجاه واحد رغم تشرذمها وتناقضاتها. ومن هنا تأتي صعوبة التأويل. ومن أبرز المخاطر التي تتهدد الدارس احتمال وقوعه في فخ الإستراتيجية التي وضعها شكري لتحقيق مجده الأدبي، فقد يميل إلى التركيز على المعطى الذي بالغ الكاتب في إبرازه لتحقيق مآربه على حساب المسكوت عنه. فكيف تعاملت ساندرا ملبورن مع »الخبز الحافي« ؟ وهل نجت من فخ الإستراتيجية ؟
    1.2. ومن شروخ الصمت انبثقت صورة شكري الجديدة
    شكري الشهيد، ضحية السلطة الأبوية والفقر. هذه هي الصورة الجديدة التي أرادت لها ساندرا ملبون أن تحل محل الصورة التي انبثقت عن أول رواية كتبها شكري وترجمها بوولز. تقول عنه: »إنه نشأ فقيرا وجائعا« (ص.4) في الريف كان الجوع قاتلا أيام القحط، وفي طنجة وجد الطفل ضالته في القمامة، ثم إنه ما لبث أن اصطدم بمشكلة الاضطهاد الثقافي لجهله باللغة العربية، حتى إنه كان »يخجل من كونه ريفي« أمازيغي، ويعمل جاهدا لإزالة اللكنة الريفية الأمازيغية من كلامه حين يتحدث بالعربية. عانت أسرته كلها من الاضطهاد الثقافي، ووجدت صعوبة في التكيف مع الظروف الجديدة.
    كان والده يعاني من الشعور بالنفي والغربة والحنين إلى بيئته الأصلية ونمط العيش الريفي، ولم يكن يتوفر على المهارات الضرورية لكسب العيش في الوسط الحضري. ونظرا لضعف القدرة على التوافق مع المحيط الحضري وتزايد الضغوط الاجتماعية اختل توازنه العاطفي-الوجداني والعقلي، وعانت الأسرة من بطشه كلما انتابته نوبة من نوبات الغضب الناتجة عن اليأس وفقدان الأمل. ولكن الباحثة لم تبين ما إذا كان السلوك العنيف للأب مرتبطا بوضعيته الجديدة الناتجة عن عملية الاجتثاث والهجرة أم أنه يعكس سمة ثابتة نسبيا من سمات شخصيته. نقلت عن شكري قوله في »الخبز الحافي« إن والده قتل أخاه الأصغر عبد القادر قبيل الهجرة تحت أنظار الأسرة إثر نوبة غضب شديدة، وجعلت من هذا السلوك الغريب العنصر الحاسم في استراتيجيتها، وبنت عليه تأويلها لتصريحات شكري من غير أن تكلف نفسها مزيدا من عناء البحث والتدقيق والتمحيص. لم تقدم لنا أية معلومات إضافية عن أسباب الحادثة وحيثياتها وملابساتها، ولا عن الأحوال المادية لأسرته بالمقارنة مع أحوال الأسر الريفية الأخرى. واكتفت بالحديث عنها كما وردت على لسان السارد معلقة خارج الزمان والمكان.
    من المعلوم أن والد شكري انضم إلى جيش فرانكو منذ اندلاع الحرب الأهلية الأسبانية عام 1936. من المحتمل أن يكون والده قد بدأ يتقاضى راتبه الشهري في عيد ميلاده الأول، ولابد أن يكون هذا الدخل قد ساهم بشكل جوهري في تحسين المستوى المعيشي للأسرة. وفي هذا السياق جاءت الهجرة إلى طنجة، واستطاع الأب أن يعثر بسهولة، في هذه المدينة البعيدة عن مسقط الرأس، عن سكن لائق نسبيا، يحتوي على التجهيزات الضرورية (الكهرباء، الماء الصالح للشرب وقنوات الصرف الصحي). وليس بوسع الباحث المدقق إلا أن يتحفظ أيضا بشأن ما ورد ذكره في »الخبز الحافي« من أن الأسرة هاجرت من بني شيكر إلى طنجة مشيا على الأقدام أيام القحط والمجاعة. إنه سفر طويل قد يستغرق عدة أسابيع وربما شهورا وخاصة عندما يكون الأطفال حفاة عراة جائعين. كيف كانت الأسرة تحصل على قوتها خلال الرحلة بينما جثث ضحايا الجوع متناثرة على قارعة الطريق ؟ إن سكوت شكري عن ظروف السفر جعل منه حدثا لا تاريخيا بامتياز.
    هكذا حلت الوقائع المتخيلة محل الوقائع التاريخية في سيرة محمد شكري، وانحل التاريخ في التجربة الوجودية للأديب وانمحى له كل أثر فيها. لقد كتب محمد شكري سيرته الذاتية بحرية المبدع متخطيا حدود الممكن والمحتمل ليبين كيف تنكسر الذات وتمسخ تحت تأثير الأحداث التاريخية. ولكنه تحاشى وصف تلك الأحداث وتحليلها، وبرع في التخييل وصنع الأوهام. إننا لا نؤاخذه على ذلك، ما دامت ملكة الخيال هي العنصر الحاسم في عملية الإبداع. ولكن هذه الحقيقة لا يجب أن تمنع المحلل، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتحليل السير الذاتية، من تسليط الضوء على الروابط المحتملة بين الوقائع الدرامية المتخيلة والوقائع التاريخية الفعلية، وبيان العلاقة بين الدلالة التاريخية والدلالة الوجودية أو الذاتية للأحداث التي وقعت بالفعل. يبدو أن ساندرا ملبورن لم تشغل بالها بمثل هذه القضايا عندما حاولت إعادة بناء تجربة شكري في الحياة وعلاقتها بأسلوبه الأدبي. وربما وجدت الحل الذي يتناسب مع إستراتيجيتها في تركها، ومما يدل على ذلك قولها إنه لا يهم أن يكون كل ما قاله شكري قد وقع بالفعل أو لم يقع، فإن كانت هناك أشياء لم تحدث له شخصيا فإنه من الممكن أن تكون قد حدثت لغيره من الفقراء والمهمشين في طنجة (ص.115). لا يمكن قبول هذا الاستدلال ما دام الهدف هو بيان العلاقة بين تجربة الأديب في الحياة وأسلوبه الأدبي. لا يجوز الاستشهاد في هذه الحالة بتجارب الغير، ولا يمكن إحلالها محل التجارب الشخصية أو الذاتية.
    وإذا كانت ساندرا ملبورن قد تحاشت إثارة مسألة الصدق الداخلي فلأنها أرادت أن تتيح لنفسها حرية التصرف في المعطيات وانتقاء ما يتناسب منها مع إستراتيجيتها. فما أن تبين لها أن أسلوب شكري يرتكز على بلاغة الصمت حتى ركزت اهتمامها على كل ما له علاقة بتيمة الصمت ومصادرة الصوت في كتاباته. ومما يدل على ذلك قولها:
    »إن الصمت هو التيمة المهيمنة في مذكرات شكري التي تؤرخ لمراحل الطفولة والمراهقة والشباب في 'الخبز الحافي"«، »وهو أيضا الخاصية الأولية التي وسم بها الطفل« في قصة »الشبكة«
    وأما مصادرة الصمت فقد رآها شكري تتحقق بشكل درامي حين أقدم الأب »الوحش« على خنق أخيه الأصغر ليخرسه إلى الأبد. واستخلص الأخ الأكبر العبرة من ذلك: ممنوع البكاء من شدة الجوع. وما كان على محمد شكري إلا أن يلوذ بعالم الصمت منذ نعومة أظفاره.
    كان يعتقد أن الكبار يتآمرون عليه لإخراس صوته ومنعه من التعبير عن آلامه. لقد تحالفوا ضده مع الفقر والجوع والمرض. تقول ساندرا ملبورن:
    »أنهكه الجوع والمرض وأخرسا صرخاته الهزيلة. وحرمته الأمية من القدرة على فهم العالم والتواصل معه، ولفته في قوقعة الصمت والخوف من أن يقتله أبوه أو "يخرسه إلى الأبد' مثلما حصل لأخيه عبد القادر، ولاذ بعالم الصمت الداخلي«
    وللتخفيف من عنف الصمت ابتكر الصبي صوتا داخليا، ولكن هذا الصوت ظل مكبوتا لمدة طويلة إلى أن استشعر الحاجة إلى تعلم القراءة والكتابة والرغبة في كسر القيود الداخلية والتحرر من السلطة الأبوية. وشاءت الأقدار أن يحصل في النهاية على وظيفة ساعدته على تحقيق نوع من الاستقلال، وإن لم تكن كافية للحيلولة دون عودة المكبوت. لم يجد في الوظيفة ما يساعده على الهروب والنسيان، وخيل إليه أن مفتاح الفرج يوجد بين أيدي الهيبيين، وما لبث أن انضم إليهم، فقد كان مهيأ للوقوع في شراكهم. وبدأ يجرب مع المخدرات والكحول في محاولة يائسة لتحطيم جدار الصمت الداخلي. وكان من نتائج تلك التجربة، التي وصفها في »السوق الداخلي«، أن تضاعفت قوة الصمت الداخلي واشتدت حتى بلغت درجة الانهيار العصبي. وبعد ذلك لاذ بالكتابة، وراح يكتب عن تجربة الصمت ببلاغة الصمت.
    2.2. بلاغة الصمت
    تنفتح رواية »الخبز الحافي« على النحيب والعويل، على صدى الموت والصمت الأبدي. ولعل ما يرمي إليه الكاتب من وراء هذه الافتتاحية هو إعطاء دلالة قوية لذلك الصوت المأساوي والحيلولة دون تلاشي الصدى في ثقب الذاكرة الأسود. في زمن الغربة والضياع تنمحي آثار من عبروا العالم في صمت بسرعة، يوارون الثرى، وبسرعة أيضا تذرو الرياح كومات الغبار الملقاة على قبورهم، وينتهي كل شيء. وما كان ينبغي أن تنتهي حياة الفقراء والمهمشين وقضاياهم على هذا النحو الدرامي بينما تشيد الأضرحة لمضطهديهم وجلاديهم. لذلك قرر محمد شكري الانتفاض ضد مؤامرة الصمت. ومن غياهب الصمت خرج بروايته ليجعل منها نصبا تذكاريا أبديا على قبر أخيه وغيره من ضحايا الظلم الاجتماعي وكل المعذبين في الأرض. كتبها أيضا ليجعل القراء شهودا على جريمة الباتريارك. وبما أن الشهادة لا تجوز إلا بالرؤية والمعاينة استخدم شكري قلمه مثلما تستخدم الكاميرا لتصوير ما يجري في الواقع. لقد كتب بطريقة تمكن القارئ من مشاهدة الوقائع، فهو يُرِي ولا يروي. يرينا الوقائع بدل أن يحدثنا عنها لنشعر بوقعها الرهيب على النفس ونتورط معه ولا نكتم الشهادة. وصفت ساندرا ملبورن أسلوب محمد شكري في الكتابة بعبارة نسبتها إلى فرانز كافكا تقول إنه »إزميل لفتح الطريق في البحر المتجمد بداخلنا«، وعنونت أطروحتها بهذه العبارة الجميلة.
    وكان أن خرج شكري من غياهب الصمت الذي كاد أن يودي بحياته، وليس هذا فحسب، بل إنه نجح في تدجينه وتوظيفه في كتاباته. حاولت ساندرا ملبورن أن تبين كيف تمكن شكري من إعادة إنتاج تجربة الصمت في رواية »الخبز الحافي« على مستوى الوحدات الصغرى (الميكرو) والكبرى (الماكرو) للنص. يتجلى ذلك من خلال اختزال الوصف إلى حدوده الدنيا، والسكوت عن كل ما له علاقة بالحياة الداخلية لشخوصه وتاريخهم، وتجريد الوقائع والأحداث من سياقها الزمني والمكاني، وعدم الربط بين المشاهد السردية وفصول الرواية. لقد كتبت الرواية بطريقة تجعل القارئ يصطدم بشروخ الصمت على مستوى الميكرو والماكرو من أجل بعث مشاعر القلق في نفسه، والعصف بمخيلته، وإثارة الأسئلة في ذهنه.
    أراد شكري تصوير عالم طنجة السري، ولكنه أسدل ستارا سميكا من الصمت على شخوصه، وكأنه يرفض الكلام والصمت في آن واحد: رفض الصمت لأنه عكس صور شخصياته على "شاشة" الرواية، ورفض الكلام لأنه تحاشى إظهار ملامحهم. لا يقدم لنا شكري وصفا كاملا للأطفال والنساء والرجال الذين يعج بهم عالمه السري، ولا يقول لنا شيئا عن تاريخهم، يظهرون »كأشباح ترقص على الصفحات« ويختفون بسرعة مثلما خرجوا فجأة من العدم.
    نجد في المقطع الثامن من »الخبز الحافي«مشهدا من المشاهد النموذجية التي تبين طريقة شكري في توظيف تقنية الصمت الإيحائي. يظهر شكري في هذا المشهد نائما بجانب غلام في إحدى حدائق المدينة. استفاق مذعورا حين نبهه الغلام: »البوليس.. البوليس..«. هربا معا من شدة الفزع، ولجآ إلى مقبرة "بوعراقية"، استلقيا وناما. من هو ذلك الغلام ؟ لم يعطه السارد اسما، ولم يعرفنا بملامحه. كل ما نعرفه هو أنه نام بجانبه واختفى بعد ذلك، المعلومات القليلة المتوفرة هي عبارة عن »فلاشات« متناثرة هنا وهناك عبر الصفحات. تصاغ كل معلومة منها في جملة مقتضبة، يسميها شكري نفسه »الجملة الفلاش« la phrase flash أو جملة الوميض، وهي عبارة عن شذرة تحمل صورة مدهشة تبعث على الحيرة والقلق. ومن أمثلة ذلك ما وصف به "لالة حرودة": »استلقت على الفراش، ينفتح مقصها« . وعندما بكت أخته الصغيرة لاحت له مثل »سلحفاة مقلوبة على ظهرها« . يحار المحلل في تأويل دلالة هذه الصور المتشظية .
    وأكثر ما استخدم شكري تقنية الجملة الوميضية في وصف أبيه ليقدم عنه صورة رهيبة، صورة »الوحش« بيديه المرعبتين: »أراه يمشي إليه، الوحش يمشي إليه... يداه إخطبوط...« . ويقول في مكان آخر: »...سمعته يسب. يتوعدني بيديه المطبقتين على عنقي في الفراغ« . ما دلالة هذه الصورة ؟ ترى ساندرا ملبورن أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل تشكيل صورة ذهنية واضحة عن والد شكري. تقول بهذا الصدد:
    »ليس باستطاعتنا أن نشكل انطلاقا من شظايا هذه الصورة المقلقة سوى صورة شبح مريض مندس في الظلال على أهبة الانقضاض. بإظهار الأجزاء المرعبة فقط من صورة والده، جعل شكري هذا الرجل يبدو في هيئة مخلوق لا إنساني وخطير«
    وعلقت ساندرا على هذه المسألة بقولها إن تأثير الوحش غير المرئي في أفلام الرعب يكون وقعه في النفس أكثر إيلاما من الرعب الذي يحدثه الوحش المرئي. وعندما يريد المتفرج استحضار صورة الوحش غير المرئي في ذهنه لا يرى في خياله غير شبح بلا وجه ولا ملامح. لا يستطيع أحد أن يتبين ملامح الوحش غير المرئي، قد نرى منه بعض الأجزاء، ولكن ذلك لا يساعدنا على تشكيل صورة أكثر وضوحا، وكلما حاولنا تشكيل صورة ذهنية متكاملة وجدنا أنفسنا وجها لوجه أمام المارد الذي يسكننا، ولا نستحضر في أذهاننا غير صورة الوحش القابع في غياهب اللاشعور. إننا نميل على العموم إلى إسقاط صورة المارد الذي يسكننا على الوحش غير المرئي أو المرئي جزئيا، فتنتعش مشاعر الخوف الدفينة.
    ترتكز بلاغة الصمت لدى شكري على قواعد الأسلوب التلغرافي، وتأتي في مقدمتها قاعدة اقتصاد القول، وسرعة الاتصال، وعدم الانشغال بوحدة الموضوع وتماسكه وانسجامه. يطلق شكري الجمل القصيرة المتشظية المبتورة أحيانا طلقات سريعة تتخللها جيوب الصمت. لا تخضع هذه الجمل لمنطق التسلسل، حيث ينتقل بنا الكاتب من جملة قصيرة إلى شذرة أو جملة منقوصة تعقبها جملة يتيمة، وهكذا دواليك. وهنا تتملكنا الحيرة، ونتوقف لاستعادة الروابط المفقودة، واستكمال الجمل المبتورة، وسرعان ما نقع في شروخ الصمت التي حلت محل التمفصل الأول في النص السردي. وفي سكينة الصمت نصيخ السمع، فنسمع همهمة شكري الباطنية، ونتملى عوالمه السرية بما تنطوي عليه من صور عجيبة وغريبة.
    يقدم لنا المقطع السردي الأول من »الخبز الحافي« مثالا نموذجيا على ذلك. تطالعنا في هذا المقطع جملة قصيرة وحادة تضاهي ما سماه دانت تولومي Dant Tolomei بـ»التنهيدات السريعة للذاكرة المتحسرة« brief sighs of memory. تنفتح الرواية على مشهد طفل صغير يبكي موت خاله. وما هي إلا لحظة حتى ينتقل بنا السارد إلى مشهد أناس يبكون. يشعر القارئ للوهلة الأولى أن الآخرين إنما يشاطرون الطفل أحزانه ببكائهم، ولكنه سرعان ما يصاب بنوع من الارتباك عندما يأتي على قراءة شظايا الجمل المتعلقة بالجفاف والقحط والحرب، ويتوقف ليتساءل عمن يكون هؤلاء المنتحبون من الرجال والأطفال. تتملكه الحيرة، ويعمل جاهدا على إقامة علاقة ما بين دلالات الجمل المتعاقبة المفككة الأوصال. ويضطر في النهاية إلى إعادة النظر في تأويله وفهمه عندما يدرك أن أولئك الأطفال والرجال لا علاقة لهم بشكري، إنهم ريفيون آخرون يبكون موتاهم مثله أو يندبون حظهم من شدة الجوع. وهكذا يجد القارئ نفسه وقد أبحر في عوالم الصمت الممتدة بين الجمل المتشظية المعلقة خارج الزمان.
    يتعذر على القارئ تشكيل صورة ذهنية واضحة عن المشاهد والأحداث المتلاحقة بسرعة انطلاقا من المعلومات التلغرافية المبتورة. لا يمكنه أن يعرف على وجه التحديد من كان يبكي، ولماذا، ولا أن يدرك منطق تسلسل الأحداث وعلاقاتها السببية. ولا يشعر إلا بصدى العويل الجماعي الذي يدل على وجود وضعية مأساوية . يتكرر نفس الشيء في المقطع الذي وصف فيه شكري أوضاع أسرته في طنجة، حيث استخدم الجمل الوميضية الخاطفة المتقطعة التي تفصل بينها شروخ الصمت. لنتأمل هذا المقطع على سبيل المثال لا الحصر:» روائح كريهة، أحشاء ممزقة، دود ودم وصديد .«. اكتفى الكاتب باستخدام واو العطف والفواصل للربط بين تلك الجمل الوميضية المقتضبة، مما أدى إلى إغراق الوقائع التي تحيل عليها في بحر الصمت. وهنا تتملكنا الحيرة مرة أخرى، فنعمل جاهدين للإحاطة بدلالات الصور المتلاحقة، ولا نلوي على شيء، ولا تخلف القراءة في نفوسنا غير مشاعر الرعب المنبعثة من تلك الصور.
    إن ما يضفي الغموض على الوقائع والأحداث هو انسلاخها من سياقها الزمني والمكاني. فإذا كان شكري قد امتنع عن وصف شخوصه وصفا دقيقا فإنه أعرض بعنايته أيضا عن وصف الفضاءات التي يتحركون فيها (المقاهي، البارات، المواخير، الفنادق...). فعندما يتعلق الأمر بالمكان يقف شكري عند الحد الأدنى من الوصف. لا يخبرنا بما يؤثثه ويزخر به من نشاط ويملأه من صخب وضجيج، ولا يذكر منه في أغلب الأحيان إلا الاسم. توحي الجمل الوميضية التي يطلقها من حين لآخر بأن المكان مقفر وبائس، ولا يشعر القارئ مع شكري إلا بالفراغ، ويبدو المكان وكأنه مجرد حلبة للصراع من أجل البقاء.
    وكذلك التزم الصمت بخصوص البعد الزمني للأحداث. وعندما يريد وضع الحدث في سياقه الزمني فإن مرجعيته غالبا ما تكون فضفاضة، حيث يكتفي بالقول مثلا:»ليلة باردة«،»في ذلك اليوم«،الخ. وناذرا ما يشير إلى مرور الزمن. وعندما يشير إليه يكتفي بالقول:»بعد ذلك«، »حينئذ«. وبذلك طمس البعد التاريخي للأحداث وتسلسلها وعلاقاتها السببية، وصنع لنفسه عالما لازمنيا تتكرر فيه نفس الوقائع باستمرار. أحداث الحاضر في هذا العالم المعلق خارج الزمان هي أحداث الماضي الرهيب.
    وإذا كان الصمت قد خيم بظلاله الكثيفة على وحدات النص الصغرى، فإنه بسط سلطانه أيضا على الوحدات الكبرى ليقيم بينها فجوات وشروخا يتعذر على القارئ عبورها. لقد كشف التحليل على مستوى الفقرات عن وجود حلقات محذوفة تعمد السارد إسقاطها من سلسلة الوقائع والأحداث. نقرأ في الفقرات الأولى من »الخبز الحافي« أن والد شكري انهال عليه بالضرب والركل، وانتقل في الفقرة الرابعة إلى وصف الهجرة إلى طنجة. لا نعرف ماذا حصل بين مشهد الضرب ومشهد الرحيل، لا نعرف مثلا كيف تم الاستعداد للهجرة، ولا كيف كانت الأحوال النفسية لأفراد الأسرة وهم على أهبة للرحيل، ذلك الرحيل الاضطراري الذي يعني مفارقة الجيران والأقارب، وهجران البيئة الأصلية ونمط العيش الأصيل. ليس بوسع القارئ إلا أن يتخيل أحزان الأسرة ولوعة الفراق التي تسببت فيها عوامل لا سيطرة لها عليها.
    لا توجد أية رابطة بين المشاهد المتوالية، ولكن السارد يخلق الانطباع لدى القارئ بوجود نوع من الترابط بينها. فالتبول مثلا هو صلة الوصل الوحيدة بين مشهد الضرب ومشهد الرحيل. وكذلك يقوم الدم والصديد مقام الجسر الرابط بين الرحيل والأحداث الموالية. كثيرا ما يلجأ شكري إلى استعمال قاموس الجسد المتعلق بالإفرازات (القيء، البول، الغائط، الخ) لإقامة نوع من الروابط الوهمية بين الأحداث. غير أن الوظيفة الفعلية لهذه الكلمات تكمن في ملئ الفراغ وصرف الأنظار عن المحذوف أو المسكوت عنه. فهي إن دلت على شيء فإنما تدل على شروخ الصمت التي يقيمها بين وحدات النص. إن إحلال هذه الكلمات الجسمانية محل التمفصلات الطبيعية للنص يعصف بتماسكه وانسجامه، ويجعل منه خطابا:»بدائيا« بالمعنى المتعارف عليه في التحليل النفسي
    يرى محمد برادة في مقدمته لـ:»مجنون الورد« أن الطابع الجسماني لأسلوب محمد شكري يعكس رغبته الدفينة في إعادة إنتاج تصوراته الطفولية للعالم، لأن الأطفال يدركون العالم من خلال أجسامهم. بينما ترى ساندرا ملبورن أن محمد شكري ذهب بعيدا في توظيف لغة الجسد، لم يكتف باستعمالها لوصف الوقائع المرتبطة بمرحلة الطفولة، بل وظفها أيضا في وصفه لمرحلة المراهقة ومرحلة الشباب. وخلصت إلى القول إن الطابع الجسماني لأسلوب محمد شكري لا يدل على الرغبة في إعادة إنتاج نظرته الطفولية إلى العالم بقدر ما يدل على التقهقر والانحطاط تحت ضغط الظروف القاسية إلى مستوى الكائنات التي تحركها الغرائز. والغالب على الظن أن نموه الشخصي قد توقف عند مرحلة الطفولة.
    هذا، إذن، فيما يتعلق بالتحليل على مستوى الفقرات، ولما انتقلت الباحثة بالتحليل إلى الوحدات الكبرى لاحظت غياب فصول كاملة من السيرة الذاتية. توجد على سبيل المثال فجوة عريضة بين الفصل الثامن والفصل التاسع. ففي نهاية الفصل الثامن بدا الغلام الهارب من بيت أبيه حائرا خائفا يبحث عن ملجأ يأوي إليه. هرب من أبيه ليلقي بنفسه بين فكي مأزق رهيب، مأزق الاختيار بين المبيت في الشاطئ أو في عربة من عربات القطار المهجورة المرعبة، مترددا بين هذا وذاك لعلمه أن المغتصبين بالمرصاد في كل مكان. وأخيرا قرر الدفاع عن نفسه، وأوى إلى إحدى العربات مسلحا بالحجارة، وقبل أن ينام همس همسة تمتزج فيها الحسرة بالتمني لو وجد من يحميه وينقذه. وأسدل الستار على ذلك المشهد. وفي الفصل الموالي انتقل السارد إلى مكان آخر وزمان آخر. ظهر الغلام هذه المرة واثقا من نفسه يلعب لعبة الورق مع بعض الرجال في إحدى المقاهي. لا نعرف كيف قضى الليلة في تلك العربة المخيفة وما إذا كان قد تعرض لأي هجوم. لقد أصبح له الآن صديق اسمه الكبداني. من هو؟ كيف تعرف إليه ؟ وكيف تشكلت عرى الصداقة بينهما ؟ لا نعرف شيئا عن ذلك كله، كل ما نعرف هو أن المنقذ لم يأت.
    ظهر الغلام في الفصل التاسع مع بعض الرجال وهو في ما يشبه حالة استعراض للقوة، يعطي الانطباع بأنه قادر على تدبر أمره بنفسه. ترى كيف حصل هذا التحول المفاجئ في شخصيته ؟ كيف تم الانتقال من حالة الشعور بالضعف والخوف التي يشهد عليها المونولوغ الداخلي الذي ختم به السارد الفصل الثامن إلى حالة الشعور بالقوة والتحدي التي تدل عليها تصريحاته في الفصل التاسع ؟ أم أن قساوة ظروف العيش في الشارع هي التي علمته كيف يتغلب على مشاعر الخوف ؟ كثيرا ما ادعى شكري أنه لم يعرف معنى الخوف في حياته أبدا. علقت ساندرا ملبورن على هذا الادعاء بقولها إنه لا يعدو أن يكون مجرد تبجح فارغ يرمي إلى إخفاء مشاعره الحقيقية، ووصفته بأنه »فعل الإخراس« an act of silencing وهو سلوك قمعي موجه ضد الذات لإخماد صوتها.
    بهذه الطريقة الدرامية أعاد محمد شكري إنتاج تجربة الصمت على مستوى الماكرو. من الواضح أنه لم يعان من الصمت المفروض عليه من الخارج فحسب، ولكنه ظل يعاني أيضا من أعراض الصمت الداخلي، وهو صمت أكثر رعبا وإيلاما. لقد جعلتنا شروخ الصمت التي أقامها بين الفصول نشعر بمرارة فقدان الصوت، على حد تعبير ساندرا ملبورن. وربما كان الهدف منها هو حث القارئ على ولوج حقل الممكنات وتخيل المسكوت عنه.
    لقد التزم شكري الصمت عما يجري بداخله مثلما رفض الكشف عن ملامح شخوصه وسماتهم النفسية، وأضاع مفاتيحها بين ثنايا النص الذي فكك أوصاله وتمفصلاته التعبيرية والسردية، وجعل منها لغزا مستعصيا على الحل. امتنع عن التصريح بأفكاره، وتصوراته، وتساؤلاته، وأحكامه، وحالاته الشعورية الباطنية، ولاذ بالصمت. يتجلى ذلك بوضوح في الجزء الرابع من »الخبز الحافي« حيث وصف مصرع تيجري، صديقه الوحيد في وهران، ذلك الكلب المسكين الذي نهشت الثعالب جسمه حتى الموت. يقول عنه:»دخل تيجري ينزف دما«،»رأيته يموت شيئا فشيئا، مات قبل أن أنام...استولى علي شعور غريب« . لقد كان من المتوقع،حسب تقدير ساندرا ملبورن، أن يصف شكري تفاصيل وقع الموت على نفسه، ولكنه اكتفى على عادته بالتلميح بهذه الجملة الوميضية الخاطفة »استولى علي شعور غريب«. إن السكوت عن الأثر النفسي الناتج عن مصرع صديقه هو سلوك يعكس، في نظر الباحثة، صدى تجربة الصمت السابقة المرتبطة بمصرع أخيه عبد القادر. ولكننا نشك في أن تكون هده الحادثة قد وقعت بالفعل، لآن الثعالب لا تهاجم الكلاب، ولا تحركها الغريزة الجماعية، ولا تتعاون بالتالي فيما بينها لاصطياد الفرائس. وإن لم تكن قد وقعت، وهذا هو الاحتمال المرجح، فإنه من الصعب أن يصف مشاعره تجاه واقعة متخيلة.
    وهكذا، فعلى الرغم من أن محمد شكري قد لجأ إلى الكتابة لتحطيم جدار الصمت المفروض عليه من الخارج، فإنه عجز عن فك الحصار المضروب عليه من الداخل أيضا. يستفاد من تعليق ساندرا ملبورن على هذه المسألة بالذات أن سكوت شكري عن حالاته الشعورية أبلغ من التعبير عنها، لأن السكوت في هذه الحالة يجعلنا نشعر بمدى قوة الصمت وعنفه، ويكشف عن دلالاته بالنسبة للإنسان المقهور الذي يعاني من التهميش. ذلك لأن الحياة في الشارع يحكمها قانون الغاب حيث القوي يأكل الضعيف. ويعتبر الإفصاح عن المشاعر في هذا العالم الرهيب مؤشرا على الضعف، ولذلك يميل الفرد إلى طمس مشاعره وإنكار مقومات هويته الإنسانية من أجل الحفاظ على البقاء. هذا بالإضافة إلى أن الإنسان المقهور المهمش لا يهتم في الغالب إلا بضمان العيش، ولا ينشغل بالتفكير في الذات ولا في العالم من حوله. لأن المشاعر والأفكار بالنسبة إليه هي نوع من الترف. ينطبق هذا الحكم على شكري مثلما ينطبق على شخوصه. ولتعزيز هذا الرأي استشهدت ساندرا ملبورن بما قاله أحد الكتاب الأسبان في حق شكري: »إن شروط حياته اللاإنسانية لم تنعم عليه بترف التمييز والتفكير« .
    وبناء على ما سبق يمكن القول إن رواية »الخبز الحافي« إنما تعبر عن نظرة الإنسان الفاقد لهويته الإنسانية، وهي نظرة غائمة يمتزج فيها الواقع بالخيال، والعقلي باللاعقلي، والماضي بالحاضر إلى درجة تصبح معها الحدود الفاصلة بين تلك الجهات غامضة حتى في ذهن القارئ. وهي نظرة معدية أيضا، تقوض دعائم المرجعية التي يستند عليها القارئ، وتجعله يشك في قدرته على إعادة التوازن لنفسه على أساس عقلاني. وربما أغرقته في اللامعنى واللاعقلي من شدة الارتباك. ولتأكيد هذه الفكرة استشهدت ساندرا ملبورن بمثال نموذجي متضمن في المقطع السردي الرابع من »الخبز الحافي«. يروي شكري في هذا المقطع قصة هروبه ليلا من البيت عندما رفض تناول العشاء مع أبيه. يحكي أنه صعد إلى السطح وارتمى على أسلاك الكهرباء() للإفلات من قبضة أبيه. ولكي يضفي على الحدث طابع الراهنية انتقل من استعمال صيغة الماضي إلى استعمال صيغة المضارع لجعله أكثر قدرة على التأثير في القارئ والتشويش عليه حتى لا يتمكن من التمييز بين الواقع الذي يهرب منه واللاواقع المأساوي الذي ينتظره. يقول إنه هرب من والده »الوحش« ليلج عالم الليل الرهيب. وبذلك أحدث قطيعة مع الواقع، لا لشيء إلا ليستدرج القارئ معه إلى عالم الصمت والحزن العميق . وفي المشهد الموالي ظهر الغلام في قاعة السينما وهو يحلم بقتل أبيه، ويخلق لدينا الانطباع بأنه مجنون مقبل على ارتكاب جريمة.
    لقد جرد شكري شخوصه من مقومات هويتهم الإنسانية وخصائصهم الفردية التي تميز بعضهم عن بعض. ملامحهم هي ملامح "الغوغاء"، متماثلة ومعلقة خارج الزمان والمكان. بإطباق الصمت على الخصائص الفردية لشخصياته طمس شكري هويتهم الإنسانية. وبالإضافة إلى ذلك تحاشى وصف الآليات التي أفرزت تلك الكائنات المنحطة، وفي المقابل، وظف مجموعة من التقنيات التي تستحضرها في ذهن القارئ وتدفعه إلى التنديد بها.
    وكما أن شكري جرد شخوصه من هوياتهم، كذلك جرد الأحداث والوقائع من إطارها الزمني والمكاني. يتجلى ذلك بوضوح في ميله التلقائي إلى استخدام صيغة المضارع للتعبير عن أحداث الماضي. إن استخدام هذه الصيغة يجعل تلك الأحداث أكثر راهنية ومباشرية. وهكذا يمتزج زمن التاريخ بالزمن المتخيل ليصبحا زمنا واحدا، وهو الزمن الفارغ. المكان في »الخبز الحافي« فراغ والزمان فراغ. لا حركة ولا تغير ولا تطور في زمان ومكان هذه الرواية العجيبة، لا شيء غير العود الأبدي للمأساة.
    وخلاصة القول إن أسلوب شكري المتشظي لا يسمح للقارئ بتشكيل صورة ذهنية واضحة عن شخصيات الرواية. فكلما حاول لم شتات الصور المتناثرة في ذهنه إلا وباء بالفشل، ولا يحصل في النهاية إلا على صور متشظية لمخلوقات هلامية تحوم على مشارف الوعي. وهكذا ظل الصمت مطبقا على حاشية شكري وعوالمه السرية. ومع أن أسلوبه لا يسمح بالإمساك بتلابيب الواقع فإنه وظف حزمة من التقنيات التي تلعب دور المنبه لخيال القارئ وعقله، وتدفعه للتساؤل، وبذلك تفتح الطريق في البحر المتجمد بداخله، وتحثه على ولوج حقل الممكنات الممتد في عوالم المعذبين في الأرض.
    3.2. تقنيات السرد الروائي لدى محمد شكري
    أشرنا في مستهل هذا الفصل إلى أن الهدف من وراء أطروحة ساندرا ملبورن هو تغيير الصورة السلبية التي نسجت عن شكري في كل من العالم العربي والعالم الغربي.. ولتحقيق هذا الهدف حاولت الباحثة إبراز السمات الفنية لأسلوبه السردي وتقنياته التي تحيل بطريقة ذكية ومتنكرة على الحقول الدلالية المحظورة لتفادي الرقابة والقمع. ويأتي التلميح والإشارة الضمنية وغير المباشرة في مقدمة هذه التقنيات.
    يأخذ التلميح في أعمال شكري أشكالا متنوعة، يمكن التمييز فيها بين نوعين: التلميح الخاص والتلميح الشمولي. يحيل التلميح الخاص إلى الحياة النفسية المتشظية لشخصيات الرواية أو القصة، ويهدف إلى إظهار طبقاتها العميقة بطريقة غير مباشرة. ولتحقيق هذا الهدف استخدم شكري »تقنية الاستنتاج« التي استطاع توظيفها بشكل ذكي. تتحقق هذه التقنية عندما يدس الكاتب بين ثنايا السرد إشارات تحث القارئ على استنتاج كل ما يمكن استنتاجه من المعلومات القليلة المتوفرة حول الحالات الشعورية لشخصياته. ومن هنا تأتي أهمية الأعمال القصصية لشكري في »دراستها لحالات الشعور« حسب تقدير ساندرا ملبورن .
    وأما التلميح الشمولي فإنه يستهدف تسليط الضوء على طبيعة النظام الاجتماعي-الاقتصادي والسياسي من أجل اتخاذ موقف منه والتنديد به. يسمي الباحث روبرت آلتر Robert Alter هذا النوع من التلميح بـ»المدراشي« midrashic نسبة إلى المدراش midrash، وهو مصطلح عبراني من مصطلحات علوم التأويل القديمة للتلمود. يهدف التأويل المدراشي إلى الكشف عن المعاني العميقة المتضمنة في الهغادة التي تمثل الجزء الأسطوري في الكتاب المقدس. وعلى غرار التأويل اليهودي القديم يعيد التلميح المدراشي إنتاج النصوص الدينية من خلال صياغتها في لغة العصر، وتحريف معانيها الأصلية وإكسابها معاني ودلالات جديدة. يقول آلتر روبرت: »ينشأ التلميح المدراشي عندما يقع الكاتب تحت تأثير أو سحر تلميح آخر إما بمحض الصدفة أو بشكل مقصود« .وهذا بالضبط هو ما حصل لشكري، فقد كان يستحضر النصوص القديمة ليشيد عليها أعماله الإبداعية، وخلال عملية الإبداع يتحول النص القديم إلى »مركز من مراكز التخييل الذي يتخذه العمل كمرجعية لتضخيم صوته المتميز« . وعندما يوظف شكري النصوص الدينية من خلال التلميح إليها فقط فإنه يحرف معانيها بطريقة لا تخلو من السخرية من أجل التنديد بالدعاية الدينية المغرضة.
    ولبيان كيفية توظيف هذه التقنية ركزت ساندرا ملبورن على تحليل بعض النماذج السردية المتضمنة في» مجنون الورد« و»الخيمة«. يتعلق الأمر بالخصوص بـ»نعل النبي« و »الكلام عن الذباب ممنوع« و»أشجار صلعاء« التي حاول شكري من خلالها فتح فجوة في جدار الصمت ليطل منها القارئ على العوالم الداخلية الرهيبة لشخصياته، وتسليط الضوء على طبيعة النظام الاجتماعي-الاقتصادي-السياسي الذي تسبب في مآسيهم.
    ففي »نعل النبي« وظف شكري تقنية التلميح لسبر أغوار شخصية رشيد بطل القصة. وتجدر الإشارة إلى أن رشيد هو شكري نفسه كما تدل على ذلك العديد من المؤشرات والقرائن. تنفتح القصة على مشهد مألوف، يظهر فيه رشيد قابعا في ركنه المفضل بإحدى المقاهي وهو يردد: »مزيدا من اللذة والخيال، مزيدا من المال والحيل. متعب، متعب، لكني لست مسرورا« . بهذه الكلمات يكشف عن نزعته الهيدونية وميله إلى الإسراف في الملذات حتى الإرهاق دون إشباع، كعابر الصحراء يشرب ولا يروي غليله، ويأكل ويخاف أن يجوع. سمع أم كلثوم تغني عبر الأثير:
    فما أطـال النـوم عمـرا ولا قصر في الأعمار طول السهر
    علقت ساندرا ملبورن على هذا التلميح بقولها إن في البيت المقتبس إشارة إلى التجربة الصوفية والرغبة الباقية في التسامي رغم انحدار النفس الشهوانية إلى الدرك الأسفل. بهذا التلميح إلى رباعيات عمر الخيام كشف شكري عن شخصية رشيد المتشظية، شخصية تتجاذبها رغبتان: رغبة الجسد في نيل حظه من متاع الدنيا وملذاتها، والرغبة في الخلاص عن طريق التسامي الروحي والفناء في المطلق. وبينما ظلت الرغبة الثانية أمنية من الأمنيات المستحيلة التحقيق، استسلم رشيد للقوى الشهوانية حتى أصبح بركان شبق يتفجر عبر مسام الجلد. يتلذذ بشرب النبيذ وسريانه في الشرايين بينما ينفتح "مقص" المومس أمامه. ويزداد الشعور بالفراغ الروحي وعدم الارتياح كلما أسرف في الملذات وأمعن في تدمير الذات. يدل استحضار رباعيات الخيام على الرغبة الباقية في الخلاص رغم انحلال الشخصية وانحدارها إلى أسفل سافلين.
    ويكشف التلميح إلى »ذئب البراري« لهرمان هس و»الصرصور« لدوستوفسكي على جانب آخر من جوانب شخصية رشيد. وردت الإشارة إليهما عندما سئل رشيد: عم يتحدث الكتاب الذي بين يديه، فأجاب: »عن شخص قذر لا يفهم العالم. يزعج نفسه والذين يرافقونه« . وعندما سئل شكري عمن يكون هذا الرجل، أجاب إنه »الصرصور« أو »ذئب البراري«.يمثل رشيد إذن هذا النوع من الشخصيات التي ترفض قيم المجتمع ومؤسساته، وتنظر إليها بازدراء، وتفضل العيش على هامش المجتمع، وترفض الارتباط بكل ما من شأنه أن يضفي على الحياة معنى ويجعل لها هدفا. إنه الرجل القلق البائس الواقف على حافة الانهيار.
    ومع تقدم الحكي يتجلى الفراغ الروحي بوضوح أكبر في حياة رشيد، وتنكشف تعاسته أكثر فأكثر، ويزداد غضبه تأججا، ولا يجد من الوسائل ما يستعين به لإطفاء نار الغضب إلا النبيذ والمخدرات والجنس المنحط. ولكن عدم الإشباع يدفعه بقوة في كل مرة إلى طلب المزيد من المتعة العابرة. ونظرا لأن تحقيق هذه الرغائب المتجددة يحتاج إلى كثير من المال كان لابد أن يفكر في وسيلة للكسب دون جهد وعناء وألم. وساعده الفراغ الروحي وفقدان الثقة فيما يسميه شكري نفسه »الأسطورة السوداء« على استعمال الرموز المقدسة لابتزاز السياح الغربيين الأثرياء الذين رأى في كل واحد منهم فريسة سهلة لكثرة سذاجتهم. وهكذا منح لنفسه الحق في ممارسة النصب والاحتيال بواسطة الرموز المقدسة. وبسهولة وقع سائح ثري في شراكه. ادعى رشيد أن أسرته تنحدر من سلالة النبي وأنها ورثت نعل الرسول، وعقد معه صفقة تجارية حصل منها على قدر وافر من المال مقابل النعل المقدس، وأنفقه في شراء المتعة الرخيصة وكل ما يفتنه ويمحقه.
    وتتفجر الطاقة الإبداعية عندما يلامسها لهيب العشق الصوفي من خلال استحضار قبس من شعر ميرزا أسد الله غالب. فهاهو رشيد يتأمل الآن وجه فاتن بفمه الشبيه بالجرح المندمل، ومن أعماق الذاكرة تنبعث نغمة القصيدة الصوفية: »للميتين عطشا أنا الشفة اليابسة« في إشارة إلى مدى عمق معاناة فاتن وهي تبحث عن الحب. وهنا أقام السارد نوعا من التماثل بين شخصية الشاعر الهندي المتصوف وشخصية العاهرة التي تبحث لنفسها عن الخلاص في الحب. يؤمن ميرزا أسد الله غالب أن المعاناة النفسية والروحية فيها من القوة ما يكفي لتغيير الإنسان، لأن الألم عندما يتجاوز حده ينقلب إلى دواء ورحمة. فبواسطة المعاناة ينسلخ الإنسان عن ذاته القديمة العليلة، ومن رمادها تنبعث من جديد في مقام رفيع، وهو ما عبر عنه الشاعر الهندي بقوله: »أنا صدى انكساري«. الأنا هنا هي الأنا العاشقة المستنيرة بنور الحب الأبدي.
    وتدل العلاقة التي أقامها السارد بين مضمون الاقتباس وشخصية فاتن على أن المرأة هي مصدر الحب والأمل. ومع ذلك امتنع رشيد عن قبول عرضها حين صارحته بحبها ونبهته إلى أن الحب ليس موضوعا من الموضوعات القابلة للمعرفة. إن الحب تجربة شعورية حميمة. وبرفضه لطلب فاتن وامتناعه عن فهمها يكون قد تنكر للبعد الأنثوي في روحه، وبذلك ظل كائنا متشظيا وغير مكتمل، يمضي الوقت كله في ملاحقة اللذة العابرة. شبه نفسه بآدم الذي أنهكه البحث عن حواء، ولما وجدها تأكل التفاح ذاق من فمها مضغة فإذا به يكتشف القبلة. وكان أن تعلم الأسماء كلها، في إشارة إلى آية من سورة البقرة، استحضرها السارد بعد تحريفها وتشويهها. وأما المراد بهذا التلميح فهو التشديد على ما أصاب رشيد من فساد روحي وأخلاقي، وشكه في أن يكون الدين وسيلة للتسامي الروحي. إن »رشيد« من الرشد، هو إذن عاقل وعليم، يحيط علمه بدقائق الأمور في العالم الخارجي، ولكن بصيرته لا تنفذ إلى عوالمه الداخلية. ولذلك ظل الحب في ذهنه مجرد اسم من الأسماء المخطوطة على صفحات الكتب، وهو في نظر فاتن تجربة واقعية لا يرقى إليها الشك. منحته مفاتح هذه التجربة ومفاتح ذاته المنغلقة فرمى بها خلف ظهره، وراح يركض خلف الأطياف الهاربة في محاولة يائسة لإطفاء نار الغضب المشتعلة باستمرار. وجعل من المقدس، الذي لم يعد يرى فيه إلا وسيلة للنصب والاحتيال، مطيته لتحقيق أكثر النزوات انحطاطا.
    لاحظت ساندرا ملبورن أن تيمة »الفم« فرضت نفسها في قصة »نعل النبي« بقوة حتى أصبحت هي التيمة المهيمنة فيها (القبلة، السكر، التفاح، الفتاة الحلوة، الخ). انفلتت هده الأشياء الحلوة من قلم الكاتب مما أجبر الباحثة على استدعاء نظرية التحليل النفسي لتأويلها، وذلك على الرغم من أن استراتيجيتها العامة لا تسمح بذلك. تهدف هده الإستراتيجية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، إلى نفي الصورة السلبية للأديب المغربي وتعويضها بصورة جديدة تظهره بمظهر المناضل الملتزم. ولتحقيق هذا الهدف ركزت في تحليلها للمعطيات الأوطوبيوغرافية على الجانب السوسيولوجي منها. صرحت في معرض حديثها عن تلك المؤشرات النفسية أن هدفها لا يكمن في إخضاع رشيد للتحليل النفسي، ومع ذلك استنتجت منها ما يمكن استنتاجه، وهو أن رشيد ظل طفلا صغيرا، توقف به النمو عند المرحلة الفمية، ولذلك يسعى إلى الإشباع ولا يشبع . وتوقفت بالتحليل عند هذه النتيجة التي تدعم النتيجة التي توصلنا إليها في دراستنا. وإذا دفعنا بالتحليل إلى نهايته المنطقية أمكن القول إن الانتقال إلى المرحلة الشرجية جاء متأخرا في مرحلة المراهقة، وهو ما يفسر هروبه إلى الجنسية المثلية وعزوفه عن حب النساء. ولكن الباحثة الأمريكية تحاشت الخوض في هذه المسألة لاعتبارات أيديولوجية ذات صلة وثيقة بإستراتيجيتها.
    والنتيجة هي أن نفسية رشيد ظلت على الدوام نفسية عليلة عاجزة عن معالجة نفسها. فإذا كان »ذئب البراري« قد نجح في جبر كسورة ولم شتات شخصيته واستعادة التوازن لها، فإن شخصية رشيد ظلت متشظية تتجاذبها قوى متعارضة. إن رفضه لحب فاتن يعني رفض الحياة. ويعتبر هذا الرفض في نظر ساندرا ملبورن صدى لرغبة »الصرصور«، ذلك البطل السلبي التراجيدي الذي ظل قابعا في غياهب سجنه الداخلي.
    ويتجلى التلميح الشمولي من خلال تحليل قصص »أشجار صلعاء« و »أذيال الكلاب الصغيرة« و»الكلام عن الذباب ممنوع«. ومع أن وقائع القصة الأولى جرت في الحلم فإنها لا تقل واقعية عما يجري تحت ضوء الشمس، لأن المشاعر التي تطفح بها، في نظر ساندرا، هي مشاعر إنسانية حقيقية. بطل القصة جندي رأى في المنام أناسا مصلوبين تحوم الطيور فوق رؤوسهم. وفي غمرة الحرب الضروس خاف الجندي على نفسه من أن يلقى نفس المصير. ومن أجل الإحاطة بهذه المشاعر والتنديد بالنظام السياسي، الذي افتعل هذه الحرب في أرض جرداء أشجارها صلعاء، لجأ السارد إلى تقنية التلميح الشمولي.
    وكذلك استخدم هذه التقنية بشكل أكثر قوة وعنفا في قصة »أذيال الكلاب الصغيرة« استحضر في هذه القصة آيات من القرآن بعد تحريفها عن مقاصدها وتشويهها. ومن أمثلة ذلك ما نصح به»الشيخ العارف بطبائع الكلاب« تلك المرأة التي استفتته في شأن كلبها المريض حين أشار عليها بقوله: »خذيه إلى منزلك ودثريه ما استطعت. لا تطعميه إلا ما تيسر وخف من طعام لذيذ مدة يومين أو ثلاثة وإلا فعدة من أيام أخر. خذيه وزمليه..« . ولا داعي لفصل القول فيما ذهبت إليه ساندرا ملبورن في تأويلها لهذا التلميح الذي يعبر في اعتقادنا عن نزعته العدمية العدوانية التي تحركها الرغبة في الانتقام من كل ما له علاقة بمقومات النظام الاجتماعي. وتكفي الإشارة هنا إلى أن المراد بالتلميح في نظر ساندرا هو إحلال المدنس محل المقدس، واستبدال الروحاني بالغريزي في تصوره للرموز المقدسة بما فيهم الأنبياء والرسل، والتنديد بتوظيف الدين في الدعاية للحرب في مناطق الشجيرات الصلعاء.
    وأما قصة »الكلام عن الذباب ممنوع« فإنها تكاد تكون نسخة مصغرة وممغربة لرواية »المحاكمة« لفرانز كافكا. استحضر شكري هيكل هذه الرواية وشحنه بمادة محلية، وجاء النصان متماثلان في دلالاتهما ومقاصدهما. وأما الهدف من استحضار النص الكامل لرواية كافكا في قصته هذه فهو التنديد بالنظام الاستبدادي القمعي الذي طالت سطوته المثقفين في بداية السبعينات من القرن الماضي. وما يدل على ذلك، حسب ما ذهبت إليه ساندرا ملبورن، هو أن القصة كتبت في سياق تميز بحملة اعتقالات واسعة ذهب ضحيتها الشاعر عبد اللطيف اللعبي أحد رموز الجيل الجديد من المثقفين المغاربة. إن استحضار التاريخ يبعث على الاعتقاد بأن القصة كتبت لتصوير حالة المثقف المغربي في أقبية السجون والمعتقلات السرية وأمام المحاكم.
    لقد ذهبت قصة »الكلام عن الذباب ممنوع« في تماثلها مع رواية كافكا، على المستوى السردي، إلى حد إعادة إنتاج مضمونها الدلالي. حيث تحول فيها المثقف الملتزم إلى بطل سلبي يشارك على غرار المسترK في عملية تجريده من هويته الإنسانية. وتعتبر مشاركة الضحية للجلاد أقصى ما يمكن أن تصل إليه هذه العملية الجهنمية. ولو أن ساندرا ملبورن لم تستحضر التاريخ في تأويلها للقصة لكانت الخلاصة منطقية ومعقولة. ذلك لأن القصة لم تشيد على أساس التناص الشمولي فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى إعادة إنتاج المضمون الدلالي للرواية المضمومة، وهذا المضمون لا يتوافق إطلاقا مع الحقيقة التاريخية. يشهد التاريخ على أن أولئك المثقفين كانوا »أبطالا بلا مجد« ولم يكونوا أبطالا سلبيين، منهم من صمد في وجه الجلاد حتى الموت، من أمثال سعيدة المنبهي وعبد اللطيف زروال... ومنهم من خلف لنا أدب المقاومة في السجون، ومن أجملها »يوميات قلعة المنفى«. لقد كان أولئك المثقفون على العموم عصاميون حافظوا على كرامتهم الإنسانية في أشذ الظروف قساوة، بينما فقدها شكري وهو خارج السجن. وهذه الحقيقة وحدها كافية لإبطال مزاعم ساندرا ملبورن التي أرادت أن تثبت من خلال تحليل أسلوب محمد شكري أنه كان مثقفا ملتزما.

    خلاصة
    لقد كان الهدف من أطروحة ساندرا ملبورن هو تغيير الصورة الأحادية الجانب التي صنعها بول بوولز لمحمد شكري من خلال ترجمة أعماله الأدبية الأكثر استفزازا على حد قولها. يبدو الأديب المغربي من خلال الصورة التي شاعت عنه في العالمين العربي والغربي على أنه صعلوك سواء تعلق الأمر بطريقته البوهيمية في العيش أو بنزعته الهيدونية المنحطة، أو بطريقة تفكيره المنحرفة، بحيث يمكن اختزال شخصيته كلها في بعدها الغريزي، كما تدل على ذلك» قصة نعل النبي« بما لا يدع مجالا للشك. ومع أن ساندرا ملبورن قامت بتحليل هذه القصة تحليلا دقيقا وعميقا إلا أنها تغافلت، ربما عن قصد، عن استنتاج كل ما يمكن استنتاجه منها. والأرجح أن تكون قد تعمدت ذلك لعدم انسجامه مع إستراتيجية البحث في علاقتها بتوجهها الأيديولوجي. لقد وجدت نفسها مضطرة، بحكم الإستراتيجية المعتمدة، للتعامل مع المعطيات الأوطوبيوغرافية بطريقة انتقائية وتحليلها في ضوء المقاربة السوسيولوجية. ولذلك مالت إلى التركيز أكثر على العوامل الاجتماعية-الاقتصادية في تحليلها للعلاقة بين أسلوب شكري في الكتابة وتنشئته الاجتماعية الأولية. وخلصت إلى القول إن أسلوب شكري غير المعهود هو نتاج الطريقة غير المألوفة في تربيته. ووجدت في هذه النتيجة ما يكفي لقلب الصورة.
    وما يؤخذ على ساندرا ملبورن هو أنها تعاملت مع المعطى الأوطوبيوغرافي وخاصة ما تعلق منه بالجانب الاجتماعي-الاقتصادي من حياته دون فحص وتمحيص وكأنه حقيقة واقعية رغم اعترافها الصريح بصعوبة التمييز بين الواقع والمتخيل في أعماله. ومع أن نتائج تحليلها لقصة »نعل النبي« تنطوي على ما يدعو الباحث المدقق لطرح مسألة الصدق في نقل الخبر بالنسبة لأديب سبق له أن احترف مهنة النصب والاحتيال، فإنها تحاشت طرح هذه المسألة بشكل لافت للنظر. لقد كشف التحليل عن السمات البارزة في شخصية رشيد (شكري)، حيث تبين أنها شخصية هيدونية متحررة من ضوابط الأنا الأعلى، توقف نموها عند مرحلة الطفولة، ولم تتمكن في أية لحظة من لحظات الحياة من تجاوز نزعة التمركز حول الذات التي يتميز بها الأطفال. ولذلك لا يجد حرجا في استعمال أساليب النصب والاحتيال والمكر لتلبية نزواته وتحقيق طموحاته، بما في ذلك طموحه الأدبي.
    وإذا كان محمد شكري قد استعمل المقدس في عمليات الابتزاز، فما الذي يمنعه من استعمال نفس الأسلوب في ميدان الأدب من أجل تحقيق نفس الأهداف ؟ يدل تسخير المقدس لحساب الغريزة على نزعته العدمية ورغبته في تدمير العالم. وتقترن هذه الرغبة عنده بدافع الحفاظ على البقاء من أجل الاستمتاع بملذات الحياة. فقد تبين من خلال تحليل رسائل »ورد ورماد« وسيرته الذاتية أن ما يحدد أسلوبه الأدبي في المقام الأول هي تلك الميول المتعارضة. فإذا كان يكتب من أجل كسب المال لتحقيق نزواته وفقا للخطاطة الثقافية المتضمنة في »نعل النبي«، فإنه جعل من الكتابة آلة حرب مدمرة في نفس الوقت، ووجهها ضد النظام الاجتماعي بدافع الرغبة في الانتقام. إن نزعته العدمية التي تقترن بنزعة هيدونية متطرفة تعكس شخصية فصامية متشظية. لا يمكن، والحالة هذه، وصفه بأنه مناضل ملتزم بالمعنى المتعارف عليه لكلمة الالتزام.


  5. #5
    عـضــو الصورة الرمزية فتنة قهوجي
    تاريخ التسجيل
    24/11/2006
    المشاركات
    490
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    العزيز عامر مع حفظ الالقاب
    بالحقيقة اكثر من مرة دخلت على المشاركة
    وفي كل مرة يزداد الموضوع تعقيدا
    ولا اخفيك سرا خائفة انا من طرح اجوبتي ..
    لحيرتي
    هل المطلوب منا الاعتماد على اجابات عملية من واقع الحال ام اجابات علمية ؟
    ام لكل منا حق الاختيار ؟
    انا بانتظار جوابكم الكريم
    محبتي

    اذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا
    لكي يحسبوا ان الهوى حيث تنظر

  6. #6
    المؤسس الصورة الرمزية عامر العظم
    تاريخ التسجيل
    25/09/2006
    المشاركات
    7,844
    معدل تقييم المستوى
    25

    افتراضي

    العزيزة فتنة،
    لماذا تسألين أكثر مما تجيبين؟! هل أنت حائرة؟ عبري عن رأيك وانخرطي في النقاش. نحن هنا لنتعرف على آراء وأفكار بعضنا بعضا ونستفيد كذلك.


    رئيس جهاز مكافحة التنبلة
    لدينا قوة هائلة لا يتصورها إنسان ونريد أن نستخدمها في البناء فقط، فلا يستفزنا أحد!
    نقاتل معا، لنعيش معا، ونموت معا!

  7. #7
    عـضــو الصورة الرمزية فتنة قهوجي
    تاريخ التسجيل
    24/11/2006
    المشاركات
    490
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    اضافة كيف اتعرف على الاخر ان لم اسال و خاصة و ان الاخر دائما عني مغلق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    اذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا
    لكي يحسبوا ان الهوى حيث تنظر

  8. #8
    شاعرة وكاتبة الصورة الرمزية زاهية بنت البحر
    تاريخ التسجيل
    15/11/2006
    المشاركات
    7,681
    معدل تقييم المستوى
    25

    افتراضي

    هل أنت إنسان مقهور؟
    ما تعريف القهر؟
    ما سبب القهر؟
    ما أنواع القهر؟
    هل هناك فرق بين المقهور والمضطهد؟
    هل القهر محرك للإبداع؟
    هل يؤدي القهر إلى إحباط أم تحفيز؟
    هل القهر ناتج عن إحباط أم مسبب له؟
    ما علاقة القهر بالكتابة الساخرة؟
    ما فائدة القهر للمبدع؟
    هل عانى الكتاب الساخرون من القهر؟
    هل من أمثلة على ذلك؟

    أعتقد أن كل الناس مقهورون, وإن أخفوا ذلك ولكن المكابرة
    مفيدة لمتابعة الحياة كما الشعوب المقهورة بالاستعمار والحكومات الظالمة
    وكما الفقراء مقهورون بفقد اللقمة والهدمة والمسكن اللائق بإنسانيتهم
    وكا الزوج أو الزوجةو بتحكم أحدهما بالآخر
    وكما الأولاد بعدم تحقيق رغباتهم بالحصول على أشياء يظنونها ضرورية
    وكما المريض إن لم يصبر على مرضه والمبتلى على بلواه
    وهذا القهر قد يفجر طاقات إبداعية عند البعض وقد يودي بآخرين
    إلى مصحات نفسية وربما إلى ماتحت التراب ..
    موضوع القهر هذا يحتاج لكثير من الدراسة على مستوى الفرد والمجتمع والوطن ..
    لك الشكر والتقدير أخي المكرم عامر على هذا الموضوع ..
    تحية لاقهرية
    أختك
    بنت البحر


  9. #9
    عـضــو الصورة الرمزية راجي محمود صبارنة
    تاريخ التسجيل
    13/02/2010
    العمر
    52
    المشاركات
    67
    معدل تقييم المستوى
    15

    افتراضي رد: هل أنت إنسان مقهور؟

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
    وبعد :/هل انا انسان في ذات ضميري
    للاجابة عن هذا السؤال لا بد لنا ان نتعرف على ثلاث امور اساسية
    الانسان ، الذات ، الضمير والقلب وعلاقة كل منها مع الاخر
    الانسان هو ذلك الكائن الحي الذي خلقه الله سبحانه وتعالى على وصف مخصوص وهيئة مخصوصة وهدف مخصوص واعطاه قدرات مميزة تؤهله لتحقيق الهدف الذي وجد من اجله
    وهذا الكائن خليط بين المادية والاحاسيس والمشاعر والعقل والروح ، اي ان الانسان هو مخلوق مادي بتركيبته بين هذين الجزئين ( المادة والروح ) والروح تمد ه بالطاقة والقدرة على الاستمرار الى ان ياتي الاجل المحدد فتنفصل فيه الروح عن الجسد فيعود الجسد الى اصله الذي خلق منه وهو التراب ، وكل من البدن والروح يلحقهما المرض وكما ان للبدن اسباب لمرضه ايضا هناك اسباب لمرض الروح لان كل منهما يشده اصله ويحتاج لما يمده بالقوة للاستمرارببقائه وعطائه وكل من البدن والروح يؤثر الواحد على الاخر اما سلبا او ايجابا ويتاثر بالبيئة التي يعيش فيها الانسان فنجد على سبيل المثال البدن بحاجة الى الطعام والشراب وتلبية الغرائز الطبيعية لديه ومن خلال توفر احتياجان الانسان البدنية يشعر الانسان بالامن والراحة والطموح في تحقيق الانجازات في حال توفر الراحة النفسية التي مبعثها الروح فاذا توفر للانسان احتياجات الروح من اسباب اليقين والايمان بالله مع التسبيح وكثرة قراءة القران يتولد الشعور بالقناعة وحب الاخرين وخدمتهم والسعي لمصالحهم لانه يعتقد بوجود ثواب على عمل الخير ويمتنع عن ايذاء الاخرين او التسبب بإيذائهم لخوفه من الجزاء والعقاب فيلتزم الانسان بحدود حقوقه ويحرص على اداء واجباته خوفا من الحساب على التقصير وكما قال الله تعالى( الا بذكر الله تطمئن القلوب) فطمأنينة القلب تعني هدوء النفس وهدوء النفس انما هي راحة الانسان النفسية وراحة الضمير والعقل والروح
    اذا فهو كائن حي كأي كائن اخر يعيش على هذه الارض يشترك مع باقي الكائنات الحية في هذين العنصرين ولكن الذي يميزه عن باقي الكائنات ويجعل جميع الكائنات تستجيب لخدمة الانسان رغم ان كثير من المخلوقات تفوقه من حيث القدرة والقوة الجسمية والضخامة هو العقل والادراك والقدرة على الخطاب وتحديد الهدف الذي يسخر جل طاقته الادراكية والحسية لتحقيقه وحل المعضلات التي تحول بينه وبين هدفه على خلاف الحيوانات فالروح فيها لايمثل اكثر من حاجتها للبقاء وخدمة الانسان لان كل ما في الكون انما هو مسخر لخدمته وتحفيزه لاستخدام العقل في اكتشاف اسرار وقوانين هذا الكون الدال على وجودالخالق لان الانسان انما خلق لعبادته بشتى طرق العبادة
    امابالنسبة للملائكة فهي مخلوقات مسيرة للاستجابة لاوامر الله وطاعته ولايعني ذلك التكليف كما هوالانسان لان التكليف يعني التخيير بالقبول او العصيان بناءا على اوامر يتطلب الاجر والثواب بادائها اوالجزاء والعقاب بعصيانها اما الملائكة لا مجال للتخيير في الاستجابة او عدمها لانهم خلقوا للطاعة فحسب اما الجن فهي مخلوقات مكلفة كما هو الانسان ولكن يكمن الفرق انهم فرقتين اما مؤمنون محضا او عصاة محضا على خلاف الانسان الذي يتميز بتريكبة من الخير والشر والرغبات والغرائز والايمان فنجد الانسان نفسه تارة يومن وتارة يكفر وتارة يرضى وتارة لايرضى وتارة يحب وتارة يكره وصدق قول الله سبحانه وتعالى ( وهديناه النجدين ) وقال سبحانه( انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا ) وهنا قد يحدث المرض والاضطراب لانه يتنازع على الانسان اهواءه ورغباته وطموحه وحبه للبقاء وفطرته وايمانه بالله والخير والشر وتفاوت القدرة في تحديد الهدف الذي يريده وصدق قول الله سبحانه وتعالى (ولقد خلقنا الانسان في كبد) وهو مجال البحث لدينا
    اولا : الذات / قسم علماء النفس الذات الى ثلاث اقسام
    1- الذات العليا / وتعني سمو شخصية الانسان ورقيه بما يتناسب مع تفكيره الراقي وتناغم مشاعره وطموحه وعلاقته وسلوكه مع هذه الشخصية التي تتسم بالسلامة والتفوق وهي الصفوة الذين يتمتعون بصحة نفسية عالية
    2- الذات الوسطى / وهي عامة وتتسم بالاعتدال بشكل عام
    3- الذات الدنيا / وهي ذات المستوى المتدني والتي تتسم بالمرض والضعف في ادراك الامور وتحديد الهدف والسعي لتحقيقه وفوضى في الاسلوب لتحقيق هذه الاهداف
    وهذا كله يخضع لمقاييس نفسية واجتماعية وبيئية على حسب مستوى التفكير والطموح والمعيشة والاهداف وطريقة تسخير العقل في تحقيقها
    والعقل هو اداة الادراك والوعي والتمييز وتنطلق منه قدرة الفهم وتحليل المعلومات ومن ثم تخزين هذه المعلومات او بعضها لحين تذكرها وهو مصدر طموح الانسان وحافزه للتغيير نحو الافضل
    والعقل ينقسم الى قسمين /
    1-العقل الظاهري
    2- العقل الباطني او عقل اللاوعي
    العقل الظاهري / هو الجزء الذي يستخدمه الانسان في حياته اليومية مما يسمعه او يراه او ما يلامس مشاعره الحسية واللا حسية من الحزن والفرح والالم وجزء كبير من هذه المكتسبات ينساها الانسان في حال عدم استخدامها او بمرور الوقت عليها لبعده عن التعايش معها بشكل متكرر
    العقل الباطني / او عقل اللاوعي وهو الجزء الذي لا ارادة للانسان بالتحكم عما يدخله او يخرج منه وليس هو المقصود الدماغ لان الدماغ اداة التحكم الحسي للانسان وجوارحه من خلال تلقي وارسال الرسائل الكهربائية من والى جميع انحاء الجسم وتحليل الاشارات السمعية والبصرية والكلامية وتخزينها من خلال هذه الحواس ،ويبدا عمل هذا الجزء من الانسان بشكل لاارادي اثناء نوم الانسان بحيث يتكلم الانسان بامور واحهته اثناء يقظته او يتصرف بتصرفات لا ارادية كان يمشي وهو نائم او يعمل وهو نائم وغيرها من التصرفات او عندما يكون الانسان في حالة صدمة نفسية او ضعف حالة مرض ويستخدم المتخصصون اساليب علاجية عدة من اجل معرفة امور تسبب للانسان الارق والاضطراب النفسي والتي لايستطيع المريض البوح بها او الثقة بانسان للكلام بها يمكن للطبيب المعالج من خلال معرفتها ان يساعد المريض في الخروج من ازمته النفسية التي يعيشها
    والضمير / تعبير دال عل امر خفي داخل الانسان يصدر من خلاله وازع رقابي يوجه الانسان من خلال المعلومات المكتسبة والمكنونات الفطرية المرافقة للانسان من بداية نشاته والمتفاعلة مع بيئته وواقعه الذي تربى فيه الى افعال ومبادرات سلوكية اي انه حلقة وصل بين عقل الانسان وروحه وقلبه او فؤاده
    وصح في ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة انما ابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه ) والفطرة المقصود بها هي الميول العقائدي والفكري الذي يدل الانسان لا اراديا الى التوحيد منذ بداية خلق هذا الانسان 0
    واشار القران الكريم اليه بالقلب تارة وبالفؤاد تارة اخرى فقال سبحانه وتعالى( ام لهم قلوب لا يفقهون بها ) فنسب الفقه الى القلب رغم ان الفقه هو الفهم، والفهم انما محله الدماغ وقال سبحانه وتعالى (ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) والقلب وعاء التقوى والتقوى وازع الرقابة والتوجيه الداخلي في الانسان على المخالفات او السلوكيات الخاطئة التي لا تتفق مع معرفة الانسان بالله سبحانه وتعالى وما يؤول اليه الانسان في النهاية الى المحسابة على اعماله وتصرفاته الخاطئة التي يمكن ان يرتكبها الانسان اثناء حياته، وفي قوله تعالى (ان السمع والبصر والفؤاد كل اؤلئك كان عنه مسؤولا)
    وقال سبحانه وتعالى( بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)
    في هذه الاية الكريمة اثبت الله سبحانه وتعالى ان السمع والبصر ُيسأل عما سمعه الانسان وعما رآه والمقصود ليس مجرد السمع بل ارادة الانسان ان يسمع وارادته ان يرى وليس المقصود السمع العابر والبصر العابر وهذا دل عليه حديث رسول الله النظرة الاولى لك والثانية عليك وكذلك في قوله تعالى (واذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا ) اي اسمعوا بآذانكم وتدبروا بقلوبكم وعقولكم وهو مادل عليه ترتيب ثلاث امور في الاية حيث بدأ بالسمع ثم البصر ثم الفؤاد واثبت العلم ان السمع اول الجوارح التي تعمل في الانسان حيث ان الطفل في بطن أمه يسمع كل الاصوات المحيطة به وخصوصا صوت امه وصوت ابيه بل ويتعرف على امه عند ولادته من خلال نبرة صوتها فنجده يألفها رغم ان الرؤيا عند الطفل لاتكون واضحة الابعدعدة اشهر من الولادة ، ثم عطف الله سبحانه وتعالى الفؤاد مباشرة بعد السمع والبصر لارتباطه المباشر بهما وتعلقه بهما من حيث المسؤولية فقال الله سبحانه وتعالى كل اؤلئك كان عنه مسؤولا ، لان الفؤاد مصدر التدبر والارادة في المبادرة لتقبل السمع والبصر الذين هما وسيلة الانسان في تلقي العلم والمبادرة الى التصرف المسؤول وهذا واضح فيما اشارت اليه الاية الكريمة (بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) لان سر رغبة الانسان في تصرف ما لاتكمن في كلامه الذي يقوله بل في استعداده للمبادرة وقد ورد هذا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القدسي ( ان الله كتب الحسنات والسيئات وبين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عشر حسنات الى الى سبعة مائة ضعف ال اضعاف كثيرة ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبها الله له حسنةكاملة فاذا هو هم بها بعملها كتبها الله له سيئة واحدة ) ومن الناحية القانونية كذلك لا يؤخذ بالكلام على انه تصرف بحد ذاته لعمل جريمة معينة الا اذا بادر لتلك الجريمة وثبتت عليه او كان نفس الكلام الذي يتكلم به الانسان فيه اعتداء مباشر على كرامة الانسان او عرضه او سببا في فتنة ادت الى اضرار مباشرة في نفس الانسان او بدنه( بالتسبب) وهذا ايضا واضح في قول الرسول صلى الله عليه وسلم( من اعان على قتل اخيه المسلم ولو بشطر كلمة جاء مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( ان الله حرم الكذب الا في ثلاث مواضع اصلاح ذات البين اوكذب الرجل على زوجته من اجل المحافظة على رابطة الزوجية او على العدو الذي يريد ايذاء مسلم او جماعة مسلمة وذلك باستخدم اسلوب التورية وياخذ الشيعة في اعتقادهم ان التقية هي ضرورة من ضروريات الدين وهي ان يبطن الانسان في قلبه الخير ويظهر غيره لمصلحة الدين وليس المقصود فيه النفاق لان النفاق حرام وهو ان يبطن الانسان في قلبه العداء والكفر ويظهر الايمان على لسانه للاضرار بالاسلام والمسلمين 0
    فقد اثبت العلم من خلال البحث ان الفؤاد او القلب ليس ذلك الجزء الذي يضخ الدم الى جميع انحاء الجسم انما القلب هو مركزية كل شئ ، فنقول قلب الشئ اوسطه واصغره والفؤاد مركز اصدار الاوامر الاعتقادية والمشاعر اللاحسية وهذا كله انما يقع في ادنى واوسط الجمجمة وهو ما تشير اليه الاية الكريمة اي ان الفؤاد محله ادنى الراس واوسطه من جهة الرقبة
    وفي القلب تحدث الانفعالات النفسية والتقلبات الروحانية ، وسلامة الانسان في احاسيسه وتفكيره ومشاعره وسلوكياته تتناسب مع سلامة هذا الجزء من الانسان لانه مركز المبادرة وعدم سلامة هذا الجزء يعني عدم اهلية الانسان في اتخاذ قرارات مهمة لتحديد هدفه ومصيره او تحمل المسئوليات والتكاليف التي يتحملها الانسان السليم من الناحية الدينية والقانونية والذي تنطلق حوله كثير من العلوم التحليلية والعقلانية والنفسية والفلسفية والادراكية
    فلا يمكن ان نصدر الاحكام بتحمل المسئوليات والعقوبات القضائية والتعويضات او تكليفه بالعبادات الا بناءا على سلامة هذا الجزء وقوة ادراكه العقلي 0
    فالضمير نابع من قلب الانسان وهي خصوصية للانسان دون غيره لان الضمير متصل اتصالا مباشرا مع القلب والعقل الباطني وهذا كله غير موجود في غيره من المخلوقات، بل ان الضمير هو الخارطة السلوكية التي توجه الانسان الاتجاه الطبيعي السليم نحو فطرته التي خلق عليها فالضمير نواة العقل والعقل محله الفؤاد والفطرة محلها الضمير 0
    والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (الا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب ) والقلب ليس بمقدار المضغة، والمضغة مقدار ما يمضغ الانسان في فمه، والقلب الذي دل عليه الحديث ليس القلب الذي في صدر الانسان والذي مهمته ضخ الدم الى جميع انحاء الجسم لانه اكبر من المضغة وقد اثبت الطب ان الانسان الذي تم زراعة قلب له لايتغير اي شئ من مشاعره واحاسيسه التي كان عليها قبل اجراء عملية الزراعة ولكن لو تم زراعة راس الانسان او زراعة الجزء الذي هو وسط الراس واسفله من جهة الرقبة لتغيير على الانسان سلوكه ومشاعره التي كان عليها قبل الزراعة وهذا يؤكد ان العقل اداة التكليف عند الانسان وعليه يحاسب الانسان على قدر علمه وادراكه وقد اتفق الفقهاء على جواز زراعة اي جزء في الانسان الا جزئين وهما الراس والخصيتين لان الراس اساس التكليف والخصيتين اساس النسل والقاعدة الفقهية تقول
    ( اذا اخذ الله ما اوهب اسقط ما اوجب ) اي اذا اخذ العقل اسقط التكليف الواجب عليه لعدم اهليته
    اذا الضمير هو الرقيب الداخلي الذي يوجه الانسان دينيا في مجال التشريع الديني وقانونيا في مجال الالتزام القانوني والتربوية في مجال التربية الاخلاقية والسلوكية وبناءا عليه يتم ترويض النفس من خلال اكتساب المعلومات وادراكها وفقهها ثم تصدر على شكل مشاعر خفية يشعر بها الانسان عند المبادرة لعمل ما فاذا كان هذا العمل مخالفا يشعر بالندم والالم والرفض الداخلي واذا كان هذا العمل موافقا يشعر بالراحة والسعادة والطمانينة حتى وان كان فيه تضحية لانها اتفقت مع المكنونات الداخلية او الضمير لان في الضمير خلاصة ما ينبغي ان يسير عليه من السلوكيات الحميدة وشجاعة الانسان في ارتكاب جريمة معينة لاتأتي من اول مرة يرتكب فيها الانسان هذه المخالفة بل لابد من الترويض لتجاوز التنبيهات التي يصدرها الضمير حتى لايصبح لهذه التنبيهات اي اثر على شخصية الانسان فيبادر لعمل اي مخالفة دون اي وازع داخلي يمنعه فنقول لانسان يتكرر منه هذه المخالفات متمرد او لاضمير له لانه لايوجد شعور بالرقابة الداخلية اما بدافع الطمع او بدافع السيطرة او نتيجة لظروف قهرية او مرضية
    من اين يحصل الضمير على مؤشرات التوجيه الدخلي لسلوكيات الانسان وماذا يحصل لهذا الانسان اذا تجاهل هذه التوجيهات وماذا يحصل للضمير اذا خالفه السلوك اكثر من مرة واذا تعرض لعملية ترويض شاقة لفترة طويلة من الزمن وهل المخالفات التي يرتكبها الانسان من خلال مرأة الشرع او القانون او المجتمع او العادات والتقاليد تخرج الانسان من اطار الخارطة الانسانية وما الذي ينتج عن ذلك ؟
    يحصل الضمير على مقوماته الرقابية من خلال تفاعل هذا الانسان مع بيئته التي تتقيد مع الدين الذي ينتمي اليه هذا الانسان او القوانين او العادات والتقاليد التي تصبغ الانسان ضمن مسار معين بحيث اذا خالف هذا الانسان احد هذه المقومات قيم سلوكه الذاتي وفقها واذا تمادى في المخالفات قيمه المجتمع والبيئة التي يعيش فيها او احكام الدين الذي ينتمي اليه او القوانين التي تفرض عليه وعلى مجتمعه من القائمين على السلطة للحفاظ على الامن والنظام الداخلي لهذا المجتمع ، وفي حالة ان هذا الانسان يعيش ضمن بيئة اجتماعية تكثر فيها المخالفات وتضرب بها القوانين والشرائع والعادات والتقاليد والقيم الحية عرض الحائط وتصبح مجرد كلام يتداوله الناس فيما بينهم من حيث الظاهر ولكن من حيث التطبيق تجد التطبيق شبه معدوم لا ينبع من قناعة الانسان بضرورة تطبيقها لان في تطبيقها حياة له ولغيره بل ويستخدم البعض هذه القيم او القوانين ستار لتلبية مصالحه ومنافعه الخاصة ولو على حساب غيره اي يبني صرحه على اطلال غيره ويجد هذا الانسان احترامه وللاسف الشديد لان قوة الانسان المالية والمركزية تغطي على هذه المقومات
    واذا عجز الانسان عن اثبات ذاته ضمن هذه المقومات ووجد ان هذه المقومات تخدم غيره ولاتخدمه وهو مقتنع بتطبيق هذه المقومات مع عدم استطاعته بمخالفته لها او قيامه بالمخالفة من اجل الوصول الى هدفه فان هذا يضع الانسان في حالة صراع داخلي او تضعه في كابوس الانفعالات والاضطرابات النفسية والقلق الدائم وهذا الصراع يسبب له حالة مرضية تسمى بانفصام الشخصية والانفصام الشخصي هي حالة سيطرة الضمير الذي يحتوي على المكنونات المبرمجة تلقائيا على معارضة هذه السلوكيات المخالفة لها فتارة تنتصر الرغبة في تحقيق الهدف وتارة ينتصر الوازع الداخلي بالرقابة فهو بين الهدوء والانفعال او بين العالم والمتهور او بين الرجل والمراة او بين الطامح والمحبط او بين الموجه والذي يحتاج الى توجيه اذ انه يتصرف بشخصية مضطربة نتيجة لصراع خفي ،
    ويحتاج الانسان الى قوة شخصية من اجل السيطرة على المؤثرات الخارجية له بالمحافظة على قوة الوازع الداخلي والثقة بالنفس لحل المعضلات الاجتماعية والسلوكية والاخلاقية والمالية وفق نظام سليم وضعف الانسان في حل هذه المعضلات يجعله بحاجة الى نصح وعلاج نفسي للسيطرة على الصراع الداخلي من خلال رفع مستوى الثقة لديه وقوة ايمانية بتحديد هدفه والوصول اليه باسلم الطرق ولكن الذي يمنع هذا الانسان عادة من قبول الارشاد وعدم استجابته الغرور والحرج من معرفة المجتمع المحيط به لما يعانيه لان هذا يعتبر ضعف ولا يحب الانسان ان يظهر في مواقف ضعف امام من يحبه او يكرهه فيفضل اخفاء المعاناة الداخلية بسبب الاجواء الاسرية والاجتماعية لديه 0
    وقد يحصل العكس بحيث ان يعيش الانسان في بيئة سيئة لفترة زمنية طويلة يتاثر بسلوكيات سيئة يراها او يتفاعل معها بحيث تصبح امور اعتيادية وطبيعية في سلوكه يتاقلم معها الانسان وضميره و تصبح قناعات عقلية يرفض الاستجابة لغيرها بل وينظر انه على صواب وما يعارضه هو الخطا لانه تلقى المعلومات بصورة خاطئة فاصبحت مكنونات فاسدة ترجمت على انها امور عادية مقبولة تجعل الانسان في حالة اضطراب شخصي بينه وبين داخله ومعتقده الخاطئ وسلوكه المخالف لها تسبب له الارق والخلل في السيطرة على هذه السلوكيات التي تصدرمنه بشكل عفوي واكثر ما يؤثر في هذا الاتجاه الاسرة لانها اقرب ما يكون للشخص واكثر ما يتاثر به الانسان وخصوصا الوالدين ثم من هم اكبر منه سنا من الاخوة او الاخوات ثم بعد ذلك الجيران والاقارب والاصدقاء الملازمين له
    وهذا الخلل يوجه الانسان الى الضعف في سلوكه وتعامله وعلاقته مع الناس بل ويتولد لديه الاستعداد السيء لمعاجة الامور وروح العدوانية والانتقام واللامبالاه في تولي المسؤوليات واكثر ماتبرز هذه الشخصية في فترة المراهقة فيصعب عليه تحديد هدفه او الوصول بطرق سليمة لما يريده او عدم القدرة في التعبير عما يريده الا بالعنف والفوضى وهو ما يسمى بمرض( dis ready) او الاستعداد السيء او الاندفاع السلبي
    ومما يقد يحصل ايضا ان يتعرض الانسان لجولات تدريبية اوغسيل دماغي لوضع الانسان ضمن قالب معين هدفه الهجوم اوالدفاع في ميدان الحروب التي لاترحم فتسلب هذا الانسان وازع الضمير او عصيان الخارطة الداخلية فلايكون امامه الا القتل ولا يبالي لماذا يقتل او يسلب ولا يبالي من يسلب ويكون شأنه التدمير والقتل هدفه الوحيد، وهذا الاسلوب يتعامل معه بعض الانظمة والحكومات في تأسيس فرق انتحارية او فدائية من اجل فرض القوة السياسية والعسكرية ولو على حساب الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والمصالح الانسانية وفي هذه الحالة يفقد الانسان خصائصه الانسانية الداخلية رغم ان ظاهره انسان فلا يهتم بسمات الرحمة او العطف فيصبح انسان داخله غير انسان بمعنى اخر يصبح الة عسكرية لاتعرف الا تطبيق الاوامر دون الاعتراض او الاحتجاج فتتحكم فيه خارطة اخرى ولكن ليست الخارطة الفطرية التي خلق عليها وهذا كله لمجرد اهداف تجارية او تنافس يضع الانسان اخر اهدافه
    ولابد ان ننوه هنا حرص الاسلام على تربية النفس الانسانية تربية سليمة تتمتع بكل الصفات الحسنة حتى في اصعب الظروف العسكرية من الرحمة وعدم الانتقام الشخصي وعدم قتل الاطفال والشيوخ والنساء والتعرض لرجال الدين في الصوامع والكنائس وعدم قتل الحيوانات الا للاكل وعدم قطع الاشجار الا لضرورة ملحة تقتضي ذلك ووضع الاسلام القتال بالسيف اخر مراحل العمل للدعوة فلم يكن هدف الاسلام القتل او التخريب اوالاضرار بمصالح عامة الناس الا بناءا على احكام شرعية يحكم بها العلماء
    وعلى رغم هذا يبقى الانسان انسانا لان الله خلقه انسان وهو ملزم بالبحث عن الحقيقه واتباعها والعمل بها مهما كانت المؤثرات وهو مسؤول عن النعم التي انعمها الله عليه واولها نعمة العقل يحاسب بتقصيره في الوصول الى اسمى الاهداف وسلوك اسمى الطرق والوسائل لتحقيقها لان اي تغير في شخصية الانسان وضميره وعقله هو امر عارض غير متاصل بخلقه يمكن علاجه شريطة ان يحاول الانسان قبول العلاج وان يضحي في سبيل الوصول اليه



    خاص بالكاتب راجي محمود الصبارنة

    هو الحق يحشد اجناده ويعتد للموقف الفاصل
    فصفو الكتائب اساده ودكوا به دولة الباطل

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •