بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسوله الأمين
لوحة (04): تطبيق المعايير على العينة المتاحة
نقل العمل الفني هو نقل إبداع. والهدف من نقل الشعر ببساطة هو نقل الرسالة Message Transfer، وهي مضمون العمل الفني (القصيدة) سواء كانت هذه الرسالة مبدأ إنسانيًا أو أخلاقيًا أو معاناة عاطفية أو تحريضًا على إنجاز من لغة المنشأ إلى اللغة الهدف، وتكون في قالب شعري وهو بناء القالب Form Genesis. وبذا يكتمل نقل الإبداع.
عملية نقل الإبداع في صورة قصيدة من لغة إلى أخرى تمر بمرحلتين:
المرحلةالأولى وهي مرحلة التركيز على المعاني Phase of Semantic Emphasis: حيث يتم التركيز على نقلها، حتى نتمكن من نقل الرسالة. لذا فالمعيار هنا في هذه المرحلة هو دقة المعاني Semantic Accuracy، بمعنى أن التراكيب في اللغة الهدف تعبر بدقة عن المعاني في لغة المنشأ.
المرحلة الثانية وهي مرحلة التركيز على التراكيب Phase of Syntactic Emphasis: وتهدف إلى تكوين القالب في اللغة الهدف. ويتضمن في حالة الشعر اختيار الموسيقى المعبرة عن مضمون القصيدة.
نحن الآن في المرحلة الأولى، دون أن نغفل أننا ذاهبون للمرحلة الثانية، لذا سنختار من بين التراكيب متكافئة المعنى، التي تخدمنا أكثر للمرحلة الثانية.
والآن لدينا 5 ترجمات نستعرضها في ضوء ما أشرنا إليه:
الترجمة الأولى ترجمة أخي الكريم الأستاذ محمد بطرش،
الترجمة الثانية لزميلي الكريم الأستاذ سامي خمو.
الترجمة الثالثة لأختي الكريمة منى هلال.
الترجمة الرابعة لزميلتي الكريمة فاتنة النزهة.
الترجمة الخامسة لأخي الكريم الأستاذ محمد النجار.
1. يقول كيبلنج:
If you can wait and not be tired by waiting
هنا يقرر كيبلنج مبدأ: الصبر بلا تعب أو الصبر بلا كلل. في خلفية الرؤية لهذا البيت (إيحاءات إيجابية إلى) معاني مثل رباطة الجأش. وهي من صفات الرواد في الأمم الذين يتطلعون إلى الأخذ بيد أمتهم لتقود البشرية.
الترجمة 1: و إذا استطعت الانتظار بلا ملل،
الترجمة 2: إذا كان في مقدورك أن تصبر دون أن ينال منك الصبر
الترجمة 3: إن استطعت الانتظار بدون ملل
الترجمة 4: إن إستطعت الإنتظار دون كلل
الترجمة 5: و لم تيأس و إن شكّوا و جاروا
الترجمة الأولى قامت بترجمة If بإذا، وقلنا إنّ ( إنْ ) هي الأفضل للأسباب التي تم إيرادها في مداخلة سابقة. وقد استخدمت أيضاً ملل، مع عدم ورود مفهوم الملل في قصيدة لغة المنشأ، مما يعني عدم أو على الأقل إنخفاض في درجة الدقة.
الترجمة الثانية بها نفس عيوب الترجمة الأولى وزادت عيبًا بإضافة تراكيب إضافية دون داع، إذا كان بمقدورك أو في مقدورك، دون أن ينال منك الصبر، الترجمة ( ماخذة راحتها )، ثم إن "دون أن ينال منك الصبر" ليست في قوة "بلا كلل". فبلا كلل تشير إلى الدآبة في السلوك، بحيث أصبح نمطاً سلوكياً لديه.
الترجمة الثالثة ألين فاستخدمت إن وهي أفضل من إذا، لكن بقيت أنها استخدمت ملل، وهي تقلل من دقة نقل المضمون.
الترجمة الرابعة وهي قامت بالتعديلات اللازمة فاستخدمت الكلل، مما جعلها أكثر دقة، ولم تستخدم الباء مع دون، فتركيب أسلس.
الترجمة الخامسة: ترجمة (على الريحة) كما يقولون عندنا في العربية.
لذا فالبدائل الأنسب لترجمة البيت تشمل:
1.1. إن استطعت الانتظار دون كلل،
1.2. إن استطعت الانتظار بلا كلل،
لماذا نحن في وضع إيجاد أكثر من بديل، حتى نوفر لشعراءنا عجينة خام وما عليهم إلا تشكيلها في قوالبهم التي يبتدعوها. ثم كل مترجم ينحو بطريقته.
2. في البيت الثاني يقول كيبلنج:
Or being lied about, don’t deal in lies
الترجمة 1: و كُذِب عليك دون أن تجارهم بالكذب،
الترجمة 2: وأن لا تلجأ للكذب رغم نشر الأكاذيب عنك
الترجمة 3: أو كذّبوك فلا تعاملهم بالمثل
الترجمة 4: وإن أحاطتك الأكاذيب دون أن تؤثر بك
الترجمة 5: إذا كذبوا عليك فقلت صبرا
و لم تكذب و في القلب اصطبارُ
هنا كيبلنج يقرر مبدأ: لا تتعامل بالكذب، حتى إن استخدموه معك وافتروا عليك.. هذا المبدأ لا بد وأن يكون واضحاً في الترجمة. وهذا المبدأ عام يعني حتى البائع الذي يكذب بقوله إن السوق بحاجة إلى هذا السلوك، وهو يخدع نفسه بهذه المقولة.
الترجمة الأولى هي التي عبرت عن هذا المبدأ. يليها الترجمة الثانية والثالثة فالترجمتان تعكسان تفاعلا إنسانيًا أكثر منه مبدأ أخلاقياً.
الترجمة الرابعة بعيدة عن المعنى الأصلي إلا إذا تم فهمها بطريقة محددة. فالترجمة قد تعني أنك لا تتأثر أي كما يقولون ( يا جبل ما يهزك ريح ).
أما الترجمة الخامسة فهي من البداية شطحات ترجمية، فهي تأثر نفسي بالإبداع أكثر من كونه نقل الإبداع إلى العربية.
ترجمة البيت في هذه المرحلة تشمل بدائل مثل:
2.1. وإن كذبوك فلا تتعامل بالكذب (بمعنى تستخدمه كأداة).
2.2. وإن أحاط بك الكذب فلا تتعامل به.
2.3. و كُذِب عليك دون أن تجارهم بالكذب،
3. البت الثالث وفيه يقول كيبلنج:
Or being hated, don’t give away to hating
هنا يقرر كيبلنج مبدأ: لا تستسلم لمبدأ الكراهية، حتى لو عانيت من الكره. هنا كيبلنج لا يريد أن يبدل الأصل في الإنسانية وهو مبدأ الحب. فلا نريد أن يحل محله مبدأ الكراهية أو الحقد نتيجة ظرف حاد طارئ ما مهما كان مهما كان هذا الظرف حاداً. خاصة أن هناك حالة ماثلة أمامه وهو ما حصل في الديانةاليهودية، حيث استبدلوا مبدأ الحب بمبدأ الكراهية والحقد ليعوضوا هزائمهم وإذلالهم، وأعطي هذا الحقد وهو مرض نوع من القدسية، فأطلقوا عليه الحقد المقدس.
الترجمة 1: أو عاملوك بالكره و لم تقابلهم به،
الترجمة 2: وأن لا تسمح للكراهية أن تتسلل إلى قلبك رغم أنهم يكرهونك
الترجمة 3: أو كر ِهوك فلا تسمح للبغضاء أن تتخلل
الترجمة 4: وإن أصبحت مكروها دون أن تتمكن البغضاء منك
الترجمة 5: إذا كرهوك كنت لهم محبّا
الترجمة الأولى تضعه في صورة تفاعل إنساني، أكثر من كونه مبدأ أخلاقيا.
الترجمة الثانية والثالثة تعطي صورة المبدأ، وإن كانت الترجمة الثانية عيبها تقرر ثبات عملية الكره في صياغته، فلو قالها: "وإن كرهوك فلا تسمح للكراهية أن تتسلل إلى قلبك" هي اكثر دقة من الصياغة المعطاة، لأنها استبقت الشرطية الواردة في القصيدة في لغة المنشأ. هنا ركاكة واضحة في كثرة التركيب المستخدمة للتعبير عن معنى بسيط. الترجمة الثالثة غير واقفة بنفسها، وكأنها تنتظر تكملة. وقد تم الاقتراح على الأخت الكريمة المترجمة بالتغيير، لكنها لم تعدل.
الترجمة الرابعة تحتاج إعادة صياغة (دون غير مناسبة لأنها تغير المعنى الوارد في اللغة المنشأ، ربما كان أنسب استخدام "فلا").
الترجمة الخامسة فهي بعيدة كثيراً عن معنى كيبلنج.
لذا فتبقى بدائل الترجمة:
3.1. وإن أبغضوك فلا تستسلم للكره،
3.2. وإن كرهوك، فلا تستلم للبغض
3.3. وإن كرهت فلا تستسلم للكراهية.
3.4. وإن أصبحت مكروهاً، فلا تجرك البغضاءإليها.
كلما كانت لدينا بدائل أكثر لطرحها في هذه المرحلة، كلما كنا قادرين على تيسير المرحلة الثانية. فهذه البدائل هي العجينة Prototype التي سيتم صبها في القوالب الفنية لشعرائنا في المرحلة القادمة.
وأقول لأخي الكريم الأستاذ محمد إسماعيل بطرش أن ترجمتة للقصيدة بحاجة إلى مراجعة لتهيئتها لتكون مدخلاً للمرحلة القادمة من عملية نقل الإبداع، فنحن لسنا في عملية ترجمة، بل عملية نقل إبداع فني في صورة قصيدة. نفس الكلام أقوله لزميلي العزيز الأستاذ سامي خمو، وللأخوات الكريمات منى هلال وفاتنة النزهة. أما أخي الكريم محمد النجار فقصيدتك هي من ظل قصيدة كيبلنج ساعة القيلولة. والآن كما قال أخي عبد الودود كل ينسج على منوال يراه، لكن دقة المعنى هي الأهم في هذه المرحلة، ونراعي مواصفات قد تتطلبها المرحلة الثانية في نقل الإبداع.
نحن الآن في عرين المترجمين واللغويين وفي ذهني أسماء لا اريد أن أسميها حتى لا أنسى أحداً، لكن أرجوهم أن يداخلو ونحن في عرينهم ليعطونا تغذية راجعة Feedback، يساهم في نقل العملية الإبداعية.
وبالله التوفيق،،،
المفضلات