الإدارة الأمريكية تكشر عن أنيابها/((مابين السطور))/
بقلم \\\\\ سعيد موسى
05 January 2008 03:26 am
في عهد إدارات آل بوش للسياسة الخارجية الأمريكية, فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط تحديدا, تسخينا لبعض القضايا الصراعية الملتهبة سواء في آسيا أو إفريقيا, وكان منطلقات التحرك الأمريكي هي منطلقات مصلحة أمريكية صرفة, حتى كاد بعض المراقبين أن يصبغ عليها صفة المنطلقات الشخصية لتلك الأسرة الحاكمة كأي نظام ملكي في العالم, ولم تكن المنطلقات منبعثة من أخطار حقيقية تهدد الأمن القومي الأمريكي, كما تم تزوير الحقيقة في أفغانستان والعراق تحديدا, بل كانت تلك المنطلقات لخدمة مصالح اقتصادية إستراتيجية على مستوى تلك الأسرة الحاكمة, وما لها من علاقات بشركات النفط >>> العملاقة, وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر المشبوهة, مسوغا لتلك المنطلقات, فكان التدخل في أفغانستان باسم محاربة الإرهاب في منابعه, ارتكازا على النسيج الأفغاني المتهتك والصراع الدائر بين طالبان وتحالف الشمال, وكذلك العراق وإلقاء كرة الإرهاب والسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل والإرهاب, حتى ثبت زيف كل تلك الادعاءات, وخداع العالم بتلك المسوغات والمنطلقات, لكن تلك التدخلات الخارجية صمدت بعض تحالفاتها العدوانية, انطلاقا من مصالح سياسية واقتصادية نفوذية صرفة, وقد سقطت أول إدارة دموية لبوش الأب, حتى وصلت إلى كلينتون , والذي سار على نفس النهج محاولا تجميل الصورة الأمريكية, وادعاءات السلام الشرق أوسطي, لكن تأثير اللوبي اليهودي وفضائحه الجنسية في الوقت المناسب, جعلته أداة طيعة في خدمة المصالح الصهيونية , وانتهاج خطا منحازا بالمطلق للكيان الإسرائيلي, دون أن يملك الجرأة وأدوات الضغط بسبب مستقبله السياسي ومستقبل زوجته التي كانت تطمح بدعم ذلك اللوبي لتصل إلى كرسي الكونجرس, وقد وقفت إلى جانبه كي يدعمها, والمحصلة وصولها إلى مطمحها بدعم يهودي, ووصول كلينتون إلى نهاية حياته السياسية, وبالتالي فان بوش الأب وكلينتون حملا بتاريخي إدارتهما الفشل التاريخي مقارنة بتاريخ جيمي كارتر والعديد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية, الذين اقتحموا بصمات التاريخ في الموسوعة الأمريكية والعالمية.
وحدثت المواجهة بين خليفة كلينتون (آل جور) وخليفة بوش الأب الديمقراطي( بوش الابن) الذي أراد أن يسترد ارث والده الفاشل فيرد الاعتبار للعائلة الحاكمة, وتمكن من الفوز رغم أن تلك الفترة الانتخابية شهدت الفضائح الديمقراطية والطعن بالتزوير والرشاوى وإعادة انتخابات بعض المناطق(فلوريدا) لكن بوش الابن الذي فاز بفارق تلك الألاعيب استمات في الوصول إلى (البيت الأسود) وتمكن أخيرا من آل جور.
وقد سار على نهج أبيه, وأول بداياته الثار من النظام العراقي والاستماتة لإسقاطه انطلاقا من نفس منطلقات ومسوغات الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل الكاذبة, وتحالف مع كل شياطين العالم عربا وعجما وأشباه مسلمين من اجل إسقاط نظام تسبب في سقوط أبيه, واستكمال حلم أبيه في الهيمنة على ثروة العراق النفطية, والتي قدرت بأكبر ثاني احتياط في العالم, وتقاطعت هذه المصلحة مع تحالف دولي ضعيف من حيث الشرعية والعدالة والقانون الدولي, وقوي من حيث الشرور والنزعة الاستعمارية الامبريالية الهمجية, حتى انه هرب من اختبار منطلقات مشاريع مجلس الأمن كمظلة شرعية لعدوانه, خشية الفيتو الروسي أو الفرنسي أو الصيني, وانطلق بقرار دكتاتوري عالمي(هو قانون الغاب) ليغزو العراق بمطية المجزرة والمؤامرة الداخلية العراقية, والتعاون الإقليمي لإسقاط ذلك الحصن القومي البعثي الاشتراكي.
ورغم أن دور اللوبي اليهودي الأمريكي في دعم بوش الابن منذ معركته الانتخابية, عرف بأنه ضعيفا ولم يعتمد على ذلك الدعم كأمر حاسم من اجل انتزاع أدوات الحكم باسم الحزب الديمقراطي من كلينتون, لذلك كان فوزه بالكاد لامتلاك نسبة تمثيل وفوز ضعيفة, وهذا ربما يجعله في سياسته تجاه الصراع الفلسطيني_الصهيوني يملك بعض عوامل قوة الضغط, في مواجهة جحيم ضغط اللوبي اليهودي الأمريكي والصهيوني العالمي, واستطاع باصرارة العدواني وبعد التمكن من إسقاط النظام البعثي العربي القوى في العراق, من استعادة التحالف مع كثير من الدول التي كانت ترفض في العلن الحرب على العراق مثل فرنسا وغيرها, فقد تلاقت مصالحهم النفطية بالدرجة الأولى وتم تنشيط شهوة نزعتهم للإرث الاستعماري القديم, حتى وصفه البعض بالمجنون والغبي, لكنه بالمقابل انطلاقا من مقاييس الرأي العام العالمي والأمريكي فاشل بامتياز, وبالتالي اعتبر اللوبي والكيان الإسرائيلي سقوط نظام بغداد القومي مصلحة إستراتيجية كبيرة, وبدء بمغازلة ودعم نظام الغباء الأمريكي.
ونتيجة وصول بوش الابن إلى نهاية محطته الثانية في عمر(آل بوش) السياسي , ونتيجة المجازر الدامية وجرائم الإبادة الجماعية, وتسعير الحرب الأهلية والطائفية في العراق, ووصوله إلى قناعة المستنقع, وان الأزمة والمأزق باتت في كيفية الهروب من العراق, وليس إمكانية استمرار حكمه, ورغم انه حقق حلم أبيه في سرقة ثروة العراق لصالح شركات النفط العملاقة والعابرة للقارات التي تعمل بشراكتهم, إلا أن الحلم الذي سقط من بين أيدي والده, بتسجيل الشخصية العظيمة في التاريخ والتي لم يتمكن منها والده, ضلت تراوده وفي الوقت المستقطع من حكمه الأقل من عام, تيقن بان تلك البصمة التاريخية لن تأتي إلا من خلال ملعب الخداع العالمي, حيث الصراع العربي_ الإسرائيلي, والذي اختزله جيمي كارتر في كامب ديفيد1, بصراع فلسطيني صهيوني, فنجد بوش الابن يتجه بكل أحماله وأثقاله, كل تكون ساحة الصراع الفلسطيني_ الإسرائيلي, خير منقذ له من المستنقع العراقي أولا كي لايخرج مطأطأ الرأس يجر خلفه كله ذيول الهزيمة العسكرية, ويتصدر بجدارة لائحة الجريمة السوداء الإنسانية, وكي يظهر بمظهر رجل السلام وكي لايدفن اسم العائلة في لوائح الحرب والجريمة والسلب والنهب, وتلطيخ سمعة الولايات المتحدة التاريخية والشعبية في العار وانتهاك حقوق الإنسان, وإسقاط أكذوبة العدالة الأمريكية والديمقراطية على يديه ويد سلفه بوش الأب.
لذلك نجد بوش الابن يتجه بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط عامة, والى ميدان القضية الفلسطينية خاصة, ذلك الصراع الذي أدمى الشرعية والعدالة الدولية, والذي يعتبر مفتاح الحرب والسلام لافي منطقة الشرق الأوسط فقط, بلا هو صراع رافد إلى التوتر والصدام العالمي, مما يهدد بقاء ذلك الصراع معلقا على شماعة دعم الاحتلال الصهيوني والانحياز إلى ذلك الكيان النازي, هو ضمانة حقيقية لتهديد الأمن والسلم العالميين.
وتنفيذا لرؤية بوش الابن ومخطط رسم وإخراج النهاية السياسية لآل بوش, كان التوجه وبقوة إلى بؤرة الصراع الشرق الأوسطي في فلسطين, وقام الرئيس بوش بحشد تحالف دولي وتأييد ودعم سياسي واقتصادي ضخم لهذا الغرض الاستراتيجي, الرباعية تقف على قدم وساق متحفزة بخارطة الطريق ومرجعيات القرارات الدولية بشكلها ومضمونها البرجماتي الحديث, وقد تم إنشاء رباعية عربية كذلك للمتابعة وضع التسوية في المنطقة(مصر,الأردن,السعودية,الإمارات) بل وتم موائمة خط الرباعية الدولية, ورؤيا الرئيس بوش بحل الدولتين مع المبادرة العربية, والتي تنطلق من منطلقات إستراتيجية خلاصتها الأرض مقابل السلام, وقد ارتبط بالسلوك الأمريكي لمخطط تسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني, كثيرا من العلاقات الخارجية, ولعل الجميع لامس التغير بالتهدئة في العلاقات الإيرانية الأمريكية, والعلاقات الأمريكية السورية, والسورية الأردنية, والمصرية السورية, والقطرية السعودية, والإيرانية المصرية, بل تم إعطاء حيز لروسيا للسير في نفس الموكب السياسي, وتبني مؤتمر دولي خاص بتسوية قضية مرتفعات الجولان المحتلة, على غرار تسوية سيناء والأغوار الأردنية في كامب ديفيد ووادي عربه.
ولامس الجميع على غير المألوف السياسي في السياسة الخارجية الأمريكية, صوب الصراع الفلسطيني _الإسرائيلي, وبقوة نكاد نلامس بعض الجدية وإمكانية أن يكشر الرئيس بوش الابن عن أنيابه, للضغط على طرفي الصراع, ولكن هذه المرة ربما يحتاج بوش إلى كسر حاجز الخوف والرعب من اللوبي الصهيوني, كي يستخدم ضغطا حقيقيا على الكيان الإسرائيلي للتزحزح عن الثوابت الصهيونية, فيما يتعلق بمسالة القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات, وهذا هو الطريق الوحيد أمامه كي يستطيع تحقيق انجاز سياسي ,قياسا بالفترة القصيرة المتبقية له في البيت الأسود,وهو يعلم جيدا أن الطرف الفلسطيني ليس لديه الكثير ليقدمه في مسالة تلك الثوابت, خاصة قضية القدس والحدود والمستوطنات, وقضية اللاجئين لايختلف اثنان رغم قدسيتها وثباتها لدى الشعب الفلسطيني, بان المخطط لها إغراءات للتوطين تفوق الوصف من الناحية المادية, وتذليل العقبات على الساحة الدولية لاستيعاب ودمج قرابة الخمسة ملايين فلسطيني, وهذا مايسمى بإيجاد حل عادل وإنساني لقضية اللاجئين, استنادا للقرار 194 وليس تطبيقا له أو ترجمته.
وعليه بدء هجوم بوش الأمريكي, بإيصال أطراف الصراع الرئيسية والثانوية حسب خارطة السلام الأمريكية,إلى مؤتمر((انا بوليس)) وتذليل كثيرا من العقبات كي يعقد المؤتمر, والضغط على الساحة الإقليمية الخارجية والتلويح بالعصا والجزرة من اجل وقف وإلغاء أي تجمعات أو مؤتمرات مناهضة له,وعقد المؤتمر وأعلنت الخطوط العريضة لانطلاقة عملية السلام بعد سبعة سنوات من الانغلاق والتجميد, بسبب الغطرسة والمماطلة والعدوان الإسرائيلي الذي يرى في عملية سلام حقيقية وجادة خطر داهم على الرؤيا الصهيونية للدولة العبرية(اليهودية) ورغم سعة هوة الخلافات الفلسطينية الإسرائيلية لتلك الخطوط العريضة في الثوابت, إلا أن إدارة بوش حرصت على حجبها, وقد تجلت مابين سطور بيان المؤتمر, والذي لم يرقى إلى وثيقة مشتركة(أمريكية_فلسطينية_إسرائيلية) كي تترجم جدية وإمكانية نجاح التسوية على يد بوش الابن, بل اقتصرت على ثلاث بيانات رغم أن بوش اسما بيانه انه وثيقة مشتركة وتحدث فيها عن الدولة اليهودية والدولة الفلسطينية, ولكن عندما تلا الرئيس الفلسطيني\ محمود عباس كلمته والتي تعتبر بيان الطرف الفلسطيني, والتي بدت واضحة الابتعاد عن خط البيان الأمريكي والذي سمي على غير حقيقته بالوثيقة المشتركة, كي يظهر للعالم أن ماجاء به نتيجة ومحصلة اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين, لكن بيان أبو مازن اسقط ورقة التوت حين أوضح حقيقة الدولتين من وجهة نظر إستراتيجية فلسطينية, وقال سلام من اجل قيام دولتين, دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية وركز على حق العودة لتأكيد رفض الدولة اليهودية, وكان المؤتمر عبارة عن إطلاق لعملية المفاوضات الشبه مستحيلة, في حال تمسكت إسرائيل بشروطها لاملاءات السلام.( وبهذا الخصوص لمن أراد الاستزادة, فقد سبق وان كتبت مقالة بعنوان" بيان وليس وثيقة مشتركة" ).
من اجل ذلك وفي نفس الاتجاه تم عقد مؤتمر باريس الاقتصادي وقد دُعيت إليه أكثر من تسعون دولة, وهذا بحد ذاته يظهر مدى الإقدام الأمريكي والحشد الدولي لدعم وتنفيذ مخطط إدارة بوش, ورؤيا الدولتين, ورغم أن طلب الجانب الفلسطيني اقتصاديا, وحسب خطة الحكومة المعدة للتنمية والالتزامات لثلاث سنوات, وكان المطلوب مبلغ(5,4 ) مليار دولار فتم الاستعداد بما يفوق تصور الآخرين للدلالة على جدية التوجه الأمريكي والدعم الدولي, فكانت حصيلة التبرعات الممنوحة للطرف الفلسطيني مبلغ وقدره(7,4) مليار دولار أي بفارق يزيد على ملياري دولار, وتتويج الجدية المرسلة كإشارة لم يتوقعها البعض أن مؤتمر باريس, تعامل بخطابه ومستنداته المانحة مع دولة فلسطينية وليس مع أراضي فلسطينية, كما ورد في اتفاقيات أوسلو.(وهنا كتبت مقالة تحليلية طويلة بعنوان"خطر الأمننة والأقصدة").
وعليه تم تنشيط الفعل السياسي في منطقة الشرق الأوسط بالكامل لخدمة ذلك التوجه(حل الدولتين) وحدثت العديد من ا لقاءات على مستوى القمة عربيا وإقليميا ودوليا, وترك للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عملية إحياء المفاوضات وبشكل مكثف حسب جدية السياسة الخارجية الأمريكية بهذا الصدد, وتم الاتفاق على لقاء قمة كل أسبوعين بين الرئيس الفلسطيني \ أبو مازن, ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي\ يهود ولمرت , كي يذللوا أي عقبات تعترض المفاوضات, ولكن من اللحظة الأولى كان واضحا أن الجانب الإسرائيلي يبحث في الشأن الداخلي الفلسطيني عن المبررات التي تمنع التزامه باستحقاقات المرحلة وإبداء حسن النية لإثبات جدية الإقبال على عملية سلام حقيقية, فزادت الأعمال العدوانية من اجتياحات واغتيالات واعتقالات تحد العديد من المسميات وبأعذار أقبح من ذنب, بل زاد مؤخرا باجتياز خطوط بوش الحمراء, حيث طالب الجانب الإسرائيلي بوقف بناء وتطوير المستوطنات, وإعلان النية على إنشاء مئات من الوحدات السكنية الاستيطانية في مناطق تقع في حدود الرابع من حزيران 67 وخاصة القدس الشرقية, مما أثار غضب الإدارة الأمريكية, وقد أرسلت العديد من الإشارات الأمريكية لوقف تلك الأعمال, والشروع بمفاوضات مكثفة وجادة مع الجانب الفلسطيني, إلا أن البدايات أثبتت أن انطلاقة (انا بوليس) وئدت في ختام المؤتمر, وقد كثفت إسرائيل من عدوانها ومحاولة إضعاف الرئيس \ أبو مازن , بل والتدخل أحيانا بالسلب في الأزمة الداخلية الفلسطينية_ الفلسطينية, واستخدام تلك الأزمة كمطية للتهرب من أي مفاوضات جدية.
لذا أعلن الرئيس الأمريكي بنيته لزيارة المنطقة ومحيطها السياسي, في إشارة واضحة لجدية تنفيذ الإرادة الأمريكية وبضغط على مستوى عالي, ولعل تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية, حول تردد وجبن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي, لها دلالات بان الضغط الأمريكي هذه المرة ربما يتجاوز نظرية الانحياز التقليدية الإستراتيجية العلنية, ليس من اجل الإيمان بعدالة التسوية, بل لان عرقلة المفاوضات والمماطلة إنما هي موجهة للإضرار برؤية وإصرار الرئيس الأمريكي ومصلحته في إخراج تلك الرؤيا بتسوية تاريخية, وعليه بدئنا نسمع بعض الأصوات السياسية العالية والخافتة, والتي تتحدث بضرورة وقف الاستيطان بل والاستعداد الجاد من اجل تفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية قبل وصول الرئيس الأمريكي إلى تل أبيب.
من هنا فإنني وفق تلك المعطيات, ومن منطلق حسابات خاصة تنطلق من أهمية التسوية بالنسبة للرئيس الأمريكي وبشكل شخصي ربما, وانطلاقا من بدايات لم تخضع للابتزاز اليهودي في انتخاب الرئيس بوش, ونهايات تمكنه من إمكانية الضغط الغير مسبوق, على اعتبار أن تاريخ آل بوش متعلقة بنجاح فارسهم في دك حصون التاريخ لدخوله من أوسع أبوابه( تسوية صراع دام مائة عام مع الصهيونية وستون عاما مع الاحتلال الإسرائيلي المباشر) وليس له أي طموح سياسي بسبب انتهاء ولايته الثانية, لذلك فإننا إذا ما تعاطينا مع جدية في توجه بوش, فلن نعتبر قدومه للمنطقة, زيارة عادية تحمل المودة, بل ربما تحمل بين طياتها تهديد وضغط جدي, وإدارة الأمور ميدانيا وإحداث اختراق في كسر حواجز الثوابت لدى الطرفين.
ولعلنا نقرأ بعض ما يدعم هذا التصور, من خلال التصريحات السياسية حول أجندة تلك الزيارة, وتوجيه رسائل للطرفين بان قدومه ليس كزائر بل كآمر , كان أولى تلك الإشارات من الأجندة( إلغاء عشاء الشرف لدى الجانبين) ليخرج تلك الزيارة من حيز المجاملات والتقيد بالبرتوكولات الدبلوماسية التقليدية الزائفة وعدم مضيعة الوقت, لان مشروعه التاريخي في سباق بل صراع مع الزمن, كذلك نلمس إشارة أخرى مفادها ( إلغاء الاجتماع الثلاثي) والذي من المقرر أن يجمعه بالرئيس الفلسطيني ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي, بل ستكون اللقاءات ثنائية وهذا مفاده إعطاء تعليمات وسماع حقيقة عوائق كل طرف على حدة, بعيدا عن التقيد بالأرضية الجغرافية لموقع الاجتماع الثلاثي, وذلك حرصا على عدم إسقاط أي مؤشرات انحياز يشعر بها الطرف العربي, وكذلك عدم إظهار ذلك الانحياز كي يوصل الرسالة بالضغط على الطرف الإسرائيلي, وربما الإشارة التي أثارت غضب الجانب الفلسطيني وهي ما أشيع بعدم نية الرئيس الأمريكي كالعرف البرتوكولي السياسي,( وضع إكليل الزهور على ضريح الزعيم الشهيد الخالد\ ياسر عرفات) , وبالتالي فهو مطالب بالمقابل من خلال مستشاريه بعدم زيارة أضرحة لقيادات الكيان الإسرائيلي, هذا من منطلق الحرص على إطفاء طابع الجدية وزيارة الضغط على الطرفين, ولكن نعتقد أن مالا يمكن تجنبه لدى الرئيس الأمريكي هو لبس القبعة اليهودية وزيارة ساحة البراق( المسمى حائط المبكى) لذلك فمن المتوقع أن يكون لقاءه مع الرئيس \ أبو مازن في بيت لحم لزيارة الأماكن المقدسة الفلسطينية.
ورغم كل المعيقات الإستراتيجية, نجد أن الرئيس الأمريكي\ بوش الابن يستبق قدومه إلى المنطقة, بتصريح الواثق الجازم, بان هذا العام سيشهد نهاية الصراع الفلسطيني_ الإسرائيلي, وبات واضحا لبوش الابن وحسب الخبرات والتجارب السابقة عند الاقتراب من بؤرة هذا الصراع الملتهب والمعقد, أن لا إمكانية لإحراز أي تقدم إلا بالإفلات من مقصلة اللوبي اليهودي الأمريكي أولا, وممارسة الضغط تحديدا على قيادة الكيان الإسرائيلي, كي يشرع في مفاوضات جادة لتسوية في إطار حدود الرابع من حزيران 1967, مع إمكانية تجاوز بعض خطوط تلك الحدود بما يسمى بتبادل الأراضي, لكسر معضلة الأحياء اليهودية, والانفجار السكاني بقطاع غزة, وبالتالي تصبح مفاوضات التسوية استنادا لمرجعية القرارات الدولية(_242, 338) والأرض مقابل السلام, وليس تطبيقا حرفيا لها, وهنا يكمن الضغط على الجانب الإسرائيلي عندما نعلم أن قضية اللاجئين لن تحل كترجمة حرفية بناء على القرار التاريخي الدولي(194) لان تنفيذ العودة حسب القرار يعني لديهم نهاية الكيان الإسرائيلي, وهنا يكمن الضغط في تجاوز الإقرار الفلسطيني أو الدولي بيهودية الدولة, والاكتفاء باعتبار إسرائيل وطنا قوميا لليهود كما ورد في الوعد المشئوم (بلفور) 1917 , لان المفهوم السياسي ليهودية الدولة, إطفاء الصبغة القانونية الدينية على مواطنيها, مما سيجعل مليون ومائتي ألف عربي مسلم ومسيحي مصيرهم في مهب الريح, وإقامتهم مؤقتة غير شرعية لدى تلك الدولة اليهودية, وهنا لن يتنازل الإسرائيليون عن يهودية الدولة, إلا إذا ضمنوا تصفية قضية اللاجئين اقتصاديا وإعطاء الضمانات الأمريكية الدولية بتوطينهم, مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إقرار القيادة الفلسطينية بالموافقة الرسمية على التوطين, فتلك المهمة سوف يتم تسويتها مع الدول المضيفة للجاليات والمخيمات الفلسطينية, مع إمكانية نقل العديد من التجمعات الفلسطينية من دول لأخرى, واعتبار أن السواد الأعظم من النازحين الفلسطينيين لن يصمدوا أمام الإغراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, في ظل استحالة عودة تلك الأجيال من منطلق أيدلوجيات سياسية غربية.
لذلك فان رحلة بوش الابن للمنطقة, اعتبرها البعض المقرب من القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية أنها برسترويكا جديدة , وشبح امني وسياسي قادم في الأفق, وكل طرف سيقدم حججه بان الطرف الآخر ليس جادا في عملية السلام, ويقدم براهينه حسب رؤيته وقوته جماهيريا بالقوة أو الضعف, لإمكانية تخويله وتفويضه جماهيريا بصناعة السلام, لذا فان قدوم الرئيس الأمريكي سوف نلمس على إثره وبشكل سريع, تغيرات كبيرة ميدانيا وعسكريا وسياسيا, وبتوجيهات أمريكية لا تقبل التأجيل ولا التأويل, اعتقد أن كثير من المعطيات على الأرض ستتغير, هذا من منطلق القراءة لجدية بوش المتعلقة بمصيره السياسي التاريخي, ونجاح ذلك مرتبط أولا بفرض التماسك في التجمع السياسي الإسرائيلي والائتلاف الحاكم, أو حتى بإسقاط اولمرت وتولي براك رئاسة الوزراء, دون الحاجة لانتخابات مبكرة, وكذلك على مستوى الكيان السياسي الفلسطيني, من المؤكد أن الأسابيع أو الأشهر القليلة القادة ستشهد تغيرات تخدم ذلك التوجه والاستعداد للدولة الفلسطينية بثوبها السياسي الجديد, بل وكثيرا من الإحداثيات السياسية الميدانية, ستخضع للبرسترويكا الأمريكية ورياح التغيير القادمة مع الرئيس الأمريكي الذي سيبدو غاضبا ومكشرا عن أنيابه ليحدث اختراقا استراتيجيا يكسر جمود الثوابت لدى الطرفين, وبالتأكيد سنسمع يوميا وخلال الأيام القليلة المتبقية قبل قدوم رياح بوش الابن, بالعديد من الخطوات إما صوب التعقيد أو الانفراج, وذلك من اجل كبح جماح تفاؤل بوش وتعقيد مهمته, أو بالعكس حدوث انفراجات ملموسة, كل هذا يحدده أدوات الضغط والجدية القادم بها بوش إلى بؤرة الصراع الملتهبة.
فهل سيكون مصير بوش كمصير( الكونت برنادوت أم كمصير جيمي
كارتر ؟؟)
المفضلات