-2-
بدأت بمسح آثار الزمن عن مركبي،
كان الصدأ قد هاجم سطحه الخارجي
وبدا قديماً متعباً مهجوراً .. مركبي
بدأت بغسله بالماء وما تيسّر من مساحيق
وصابون.
تجمّع من حولي بعض المعارف
ولم تمضِ لحظات حتّى غاصت أيديهم في العمل المضني.
وأخذ الجميع يعملون على إستعادة النظارة التي كان يتمتّع بها مركبي
يوماً.
أشاروا الى عمق البحر فهززت رأسي موافقاً.
شعرت برغبتهم الشديدة بمرافقتي ولكن،
أنا ابن الضياع والتيه .. لا أدري وجهة أشرعتي
ولا أدري إذا كنت أنوي مخالفة الرياح.
أثق بالرياح والعواصف التي تهبّ دون إنذار
أترك لها القيادة وتحديد المصير.
من يقدر على احتمال المجهول فليصعد الى مركبي؟
صعد النجّار وكان يعلم مسبقاً بأنّي لا أملك شيئاً أقدّمه له.
صعدت راقصة كانت تحمل في الحانة الوحديدة الموجودة في الحيّ.
صَعِدَ الأعمى دون تردّد، وكان وقع عصاه يضرب سطح المركب باحثاً عن الطريق.
صَعِدَ قاتلٌ فرّ من سجنه قبل يومين.
وأخذ المركب يمتلئ بما هبّ ودبّ من البشر.
ولم أكن وقتها قادر على منعهم من مرافقتي.
ولو كانوا يعرفون حجم المغامرة لما بقي فوق مركبي سوى القليل.
في صباح اليوم التالي كانت عيناي مليئة بالقذى.
وكانت هذه إشارة لمغادرة المرفأ على عجل.
كانت عيناي مليئة بالقذى
شعرت بالغصّة تملأ جوانحي.
عدت الى مركبي لتحضيره للسفر.
وكان ضيوفي قد قضوا ليلتهم فوق سطحه الخشن
حين رأوني بدأت العمل مجدّداً
هرعوا لمساعدتي .. بدأ النجّار برتق حفرٍ ظهرت في جوانب المركب.
وأخذت الراقصة بتنظيف سطح المركب بماء البحر.
لم يمضِ وقتُ طويل حتّى أخذ أصدقائي الجدد بالغناء
كانوا يتحرّقون شوقاً للمضي في أعماق البحر المجهولة
وكنت أخشى عليهم ظلمة الليالي الباردة
ومجون الأمواج التي لا ترحم مسافر
كنت أخشى عليهم رغبة البحر بالحصول على ضرائبه الباهضة
ما بال الأعمى لا يهدأ؟
إنّه يحسن تحضير الطعام
إنّه طبّاخ ماهر.
ولم تمضِ سوى ساعات حتى كان الطعام جاهزاً
رائحة الخبز الساخن تدغدغ المعدة
وانقض الجميع على القدور الشهيّة
الأعمى كان صاحب بصيرة نافذة
لقد أنقذنا الساعة من جحيم الجوع
أصابنا النعاس بعد أن تناولنا كلّ ما جادت به
يد الأعمى
وغبنا في سبات طويل
وعندما استيقظنا من النوم ثانية
كان القذى يملأ عينيّ
لقد كان هذا نذير شؤم يا قوم
لقد كان هذا نذير شؤم.
المفضلات