أين الصراع المذهبي؟
وكالة أخبار الشرق الجديد
تصاعد الكثير من الصراخ عن الصراع المذهبي في لبنان، وفي الأحداث الأخيرة حاولت جهات محلية وعربية سياسية وإعلامية تكريس الانطباع بأن مشكلة شيعية سنية تحكم الواقع السياسي للأزمة اللبنانية وتحيط بالأحداث الجارية، فهل ذلك صحيح ويتصل بالواقع الفعلي أم أنه محاولة بائسة لتصنيع انطباع بالحملات والأكاذيب لشحن قطاعات شعبية معينة بعناصر الاحتقان والتوتر لغاية في نفس يعقوب؟
مصدر سياسي معارض يورد المعطيات والقرائن التالية:
أولا: المشهد السياسي اللبناني هو تعبير عن انقسام وطني عابر للطوائف والمناطق، والثقل السني في تركيبة المعارضة اللبنانية لا يمكن لأي مراقب موضوعي أن يتجاهله ويقبل الرواية المذهبية للأزمة، والدليل بسيط، فهل يمكن لأي كان إنكار أوزان سياسية وتمثيلية للرئيس سليم الحص وعدنان عرقجي وخالد الداعوق وبهاء عيتاني وكمال شاتيلا وفؤاد مخزومي وعمر غندور وإبراهيم قليلات وغيرهم العديد من القوى والكتل الفاعلة في الشارع السني بالعاصمة بيروت.
وهل يمكن لأي عاقل التنكر لأوزان الرئيس عمر كرامي والدكتور فتحي يكن والشيخ هاشم منقارة وحركة التوحيد الإسلامي في طرابلس أم لجهاد الصمد وكمال الخير ووجيه البعريني ومحمد يحيى وغيرهم من سنة الشمال؟
وهل يمكن لأحد أن يتنكر لما يمثله الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي ومجموعته النيابية من واقع سياسي يميل نحو الوسط بين الموالاة والمعارضة؟
وهل يمكن إنكار المكانة التمثيلية للنائب أسامة سعد ورئيس بلدية صيدا عبد الرحمن البزري المحور الذي يمثل مرجعية سنية أولى في صيدا برهنت على ثقلها الشعبي والتمثيلي الانتخابات والأحداث؟.
هل يمكن التنكر لوزن النائب زاهر الخطيب ومجموعة الرموز والقوى التي تتحلق حول خط المعارضة من سنة إقليم الخروب؟ وهل يمكن تجاهل أن أمين عام الحزب الشيوعي خالد حدادة هو ابن بلدة برجا السني وأحد المرجعيات التمثيلية في المنطقة؟
هل يمكن تجاهل مكانة الوزير عبد الرحيم مراد والعديد من الشخصيات السياسية والحزبية السنية في البقاع والتي تتراصف في صف المعارضة بكل وضوح؟
هل يمكن إسقاط مواقع إسلامية سنية على مستوى الحركة السياسية الإسلامية والتكتلات والمرجعيات المعروفة لرجال الدين السنة الذين هم أقرب إلى المعارضة؟ وهل يمكن تجاوز حقيقة أن الجماعة الإسلامية أميل إلى الوسط بين الموالاة والمعارضة، وتنظيم الأحباش أقرب إلى المعارضة؟.
إن جميع هؤلاء وغيرهم الكثير ممن لم يتسن ذكرهم بالتسمية يعبرون عن حيثيات اعتبارية سنية مهمة، وهم شكلوا في الأحداث الأخيرة حالة اعتراض صريحة على أي محاولة لمذهبة الصراع السياسي في البلاد. ويكفي أن تكون قد ظهرت كلمة قوية وحاسمة لمرجع ديني كالشيخ ماهر حمود ومعه العديد من رجال الدين السنة الكبار والمرموقين فقهيا، يتقدمون المناصرين لفكرة المقاومة تاريخيا في وجه حملة المذهبة التي حركها تيار الحريري وتورط فيها بعض رجال الدين.
وهل يمكن تجاوز ما تمثله المجموعات السنية من وزن في أحزاب وطنية علمانية وطنية تنتمي إلى المعارضة وتشارك في معاركها.
ثانيا: إن هذه الجردة السياسية تبين بوضوح وجود تلاوين سياسية بارزة على مستوى الطائفة السنية في لبنان لا يمكن تجاوزها أو طمسها، في الواقع لا ينتقص ذلك من حقيقة الوزن التمثيلي الذي يحظى به تيار المستقبل عموما، ولكن أيضا لا يمكن اختزال السنة في لبنان تمثيليا، وشطب ما تجسده المعارضة والوسط من ثقل حقيقي على الصعيد الشعبي داخل الطائفة السنية وجمهورها في جميع المناطق اللبنانية عموما، وبالتالي ما يجسده الانحياز إلى المقاومة على مستوى هذا الجمهور.
ثالثا: لا يحمل الصراع السياسي في لبنان أي شبهة مذهبية في الواقع، فالنزاع الحقيقي بين الموالاة والمعارضة يتصل بموقع لبنان من الصراع العربي – الإسرائيلي ومن المشروع الأميركي، والدليل انه يتركز حول مصير المقاومة وسلاحها أي حول العنوان المركزي لحركة المحور الأميركي – الإسرائيلي في لبنان والمنطقة.
أما على مستوى تركيب السلطة السياسية والمعادلات الطائفية للسلطة، فيتركز مطلب المعارضة على تحقيق المشاركة والتوازن من غير أي تعديل لمعادلات الطوائف ومواقعها في تركيبة النظام. وقد سقطت بالتجربة محاولات تصنيع تعبئة مذهبية تحت عنوان مزعوم، هو المثالثة الطائفية فحركة أمل وحزب الله لم يطرحا أي مطلب شيعي في تركيبة الحكومات أو على مستوى مواقع القرار في الدولة كما رسمتها صيغة الطائف، بل إن ما تعهد به السيد حسن نصر الله لجهة تمثيل قوى المعارضة السنية والدرزية في أي حكومة جديدة ولو من حساب حصة كتلة حزب الله، يشير إلى أن الصراع في جوهره وحقيقته هو صراع سياسي حول الخيارات الكبرى.
وإذا كان يحلو لبعض المتفذلكين في الإعلام السعودي واللبناني استعارة توريات من الواقع العراقي، فالأمور معكوسة تماما ولا تصلح للقياس لأن في العراق نزاعات تتصل بمعادلات التوزيع الطائفي لمواقع السلطة والقرار، ولكن في لبنان تشير مواقف وسلوكيات حزب الله إلى أن السقف الفعلي لتطلعاته التغييرية في النظام محكومة بمضمون الطائف، وهو لا يتطلع إلى أي حصة شيعية إضافية في السلطة، بل أكثر من ذلك لقد حولت الجهات الدولية الداعمة للموالاة شعارها الشهير حول انخراط حزب الله في العمل السياسي، إلى مشروع مقايضة عُرضت على حزب الله تلميحا وتصريحا من خلال معادلة التخلي عن سلاح المقاومة مقابل حصة ثقيلة في تكوين السلطة السياسية على حساب الطوائف والمذاهب الأخرى في لبنان، ومصدر كلمة المثالثة ( شيعة – سنة – موارنة ) التي رددها أنصار الفتنة، كانت عرضا فرنسيا بهذا المضمون، ولكن قيادة حزب الله رفضت هذا المنطق جملة وتفصيلا، وهي كرست وزن المقاومة لموجبات الدفاع الوطني حصرا، وحرصت على تجسيد التزامها بإنصاف جميع الطوائف والمذاهب على ميزان اتفاق الطائف الذي يتشدق به خصوم المقاومة ليل نهار.
رابعا: شكلت مجزرة حلبا التي نفذتها ميليشيات المستقبل نموذجا حيا لسقوط التلفيق المذهبي، وهي كشفت سلوك طرق القتل والسحل المنافية لأبسط القيم، وكرست طبيعة الانقسام بين التيارات السياسية في قلب الطائفة الواحدة، فالسنة الذين جرى اغتيالهم من قبل مسلحي سعد الحريري في حلبا بأبشع الوسائل وأشدها وحشية، هم مناضلون من الحزب القومي كما رأى اللبنانيون بالصورة التلفزيونية المرعبة.
أما ما جرى في بيروت، فقد كان نتيجة غزو مسلح للأحياء قام به الحريري بحشد المسلحين في مكاتب تيار المستقبل وشركة الأمن الخاص التي أسسها معاونوه، والعملية السريعة التي جرت، شارك فيها أبناء المدينة من جميع الطوائف، وهم ينتمون إلى تنظيمات المعارضة على الصعيدين الوطني والمحلي، وقد ظهرت رموزها في اليوم التالي ترد على حملات المذهبة الحريرية السعودية، وتركز على رفض الانقلاب الإسرائيلي الذي نفذته حكومة السنيورة ضد المقاومة.
خامسا: لا يقلل ما تقدم من أهمية قيام المقاومة والمعارضة من حولها بعمل سياسي خاص ومركز يستهدف التصدي للتزييف المذهبي، الذي تصر عليه وتمعن فيه قوى الموالاة وخصوصا أدوات التحريض الحريرية السعودية.
ومن الضروري بمكان أن تلاقي الدعم والاحتضان الاتجاهات الإسلامية السنية المقاومة على الصعيد الفكري والثقافي لأنها القادرة على استمالة الشباب الساخط إلى خيار الصراع ضد العدو الإسرائيلي والمشروع الأميركي بدلا من وقوعه في فخ الفتنة الذي تريد اصطياده إليه أدوات سعودية حريرية معروفة، تعمل لاستنزاف المقاومة في خدمة الأجندة الأميركية، وهي تحاول إلصاق تهمة أفعالها بالقاعدة، التي تتبنى أولويات مخالفة للمنطق الأميركي – الإسرائيلي، مهما كانت درجة الاختلاف معها سياسيا وعقائديا.
المفضلات