مفهوم الاستشراق:
كلمة عربية على وزن إستفعال ويعني بصورة عامة تخصص باحثين غربيين في دراسة كل ما يتعلق بالشرق، ويطلق على هؤلاء الباحثين مصطلح المستشرقين.
كما يعرف الاستشراق بأنه« مجموعة المباحث التي تتناول بالدراسة الشعوب الشرقية ولغاتها وتاريخها وحضاراتها، أو هو تذوق أشياء الشرق. »
ويفهم مما سبق أن الاستشراق كلمة مشتقة من الشرق الذي أصبح يعني خاصة الشرق العربي الإسلامي.
ولهذا قدم الاستشراق نفسه دائما على أساس أنه منهج موضوعي لدراسة قضايا الشرق، كما أكد على التمايز بين الشرق والغرب، في الفكر والمنهج والممارسة والانتماء الديني والأديولوجي، وانطلاقا من هذه المعطيات تطور كذلك مفهوم الاستشراق وأصبح يعرّف بأنه: « أسلوب من الفكر قائم على تمييز إنطولوجي (وجودي)، وإستمولوجي (معرفي) بين الشرق والغرب، والتمييز بينهما بوصف هذا التمييز نقطة الانطلاق لسلسلة محكمة الصياغة، من النظريات والملاحم، والروايات والأوصاف الاجتماعية، والمسائل السياسية التي تتعلق بالشرق ... »
والنظرة الاستعلانية الغربية أساس الاستشراق حديثا الذي هو أساس دراستنا إذ أن: « جوهر الاستشراق هو التمييز الذي لا يمكن استئصاله، بين تفوق غربي ودونية شرقية.»
ولذلك يتعامل الاستشراق مع الشرق ككيان ستاتيكي ثابت، وكظاهرة تثير اهتمام وشهية الغرب لإثبات تفوقه، ويصبح الاستشراق عملا منظما، يقوم به الغرب لدراسة واكتشاف كل ما يتعلق بالشرق، من لغات وثقافات ودين وتقاليد، وعائدات ومميزات فكرية، وذلك لتحقيق أهداف كثيرة دينية تبشيرية، أو سياسية استعمارية، أو اقتصادية تجارية، أو عملية علمية.
وإذا كانت التعريفات لا تحدد في الاستشراق سوى الماهية، دون الأهداف فإن فحص الاستشراق كفعل أو ممارسة في الواقع، يكشف عن أهداف ضمنية أو صريحة، تكشف لنا عنها دراسة تاريخ ظهور الاستشراق وارتباطه بالمؤسسات التبشيرية والاستعمارية، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا إذا كانت: « رغبة التبشير بالمسيحية في الشرق، فاستلزم هذا دراسة اللغة العربية على أيدي المستشرقين، ومن هذا تلاقت وجهة الاستعمار ووجهة التبشير ووجهة الاستشراق،« حيث لم يكن يتسنى للمبشر أداء عمله، إلا إذا كان يحسن آداب الشرق.»
وقد ازدادت أهمية الاستشراق بالنسبة للمراجع السياسية والدينية الأوربية في القرن التاسع عشر، وذلك لما وجدته المؤسسات التبشيرية، وأوربا الاستعمارية من أهمية كبرى للمستشرق كسند في سياستها لتسهيل عمل البعثات التبشيرية والعسكرية لاستغلال وغزو الشعوب العربية.
يتبع...