آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 21 إلى 30 من 30

الموضوع: مع الأديب الكبير وديع فلسطين

  1. #21
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    البط والأوز في ديوان العرب (1)

    بقلم: وديع فلسطين
    ......................



    دمياط مدينة ساحلية تقع في مواجهة بور سعيد، وتشتهر بصناعة "الموبيليا" التي تُصدَّر إلى بلدان كثيرة، بل إن الصنّاع المهرة في هذه المدينة عرفوا طريق الهجرة إلى الخارج للانتفاع بكفاءاتهم وخبراتهم. وتشتهر دمياط بأكلات شهية منها صواني السمك والجبن الدمياطي والحلوى التي تُعرف باسم "المشبك"، كما تشتهر بالبط الدمياطي الشهير الذي يختلف عن البط البلدي بأنه أصغر حجماً، وأقلُّ دسماً، وأسرع طهياً، وأشهى مذاقاً، وأسهل هضماً.
    ويُشاع عن الدمايطة أنهم يعرفون قيمة القرش، فلا يُنفقونه في غير وجهه الصحيح، ومن هنا قيل عنهم إنهم أبخل من بخلاء الجاحظ!
    وقد أنجبت دمياط عدداً غير قليل من الأدباء والشعراء، منهم الدكتورة بنت الشاطئ، والشعراء محمد الأسمر، ومحمد مصطفى الماحي، وعلي الغاياتي، وحسن كامل الصيرفي، وعبد اللطيف النشار، والأديب نقولا يوسف مؤرخ دمياط وأعلامها، وقد نزح معظم هؤلاء الأدباء والشعراء من دمياط إما إلى القاهرة وإما إلى الإسكندرية.
    وكان صديقنا الشاعر محمد مصطفى الماحي يدعو أصدقاءه من الأدباء والشعراء إلى ندوات أدبية يعقدها في داره ـ ومن المصادفات اللطيفة أن بيته يقع في شارع يحمل اسم البحتري ـ وكنت من جملة هؤلاء الأصدقاء الذين يغشون ندواته في العصاري، فإذا وافت الساعة الثامنة مساء تفرّقنا، كلٌّ إلى وجهته!
    وذات يوم اتصل بي الماحي لدعوتي إلى ندوته، ولكن في الساعة الثامنة مساء. فقلت له: إن هذا موعد متأخر، لأننا اعتدنا الانصراف في الثامنة، بعد أن تكون الندوة بدأت في الخامسة، فقال: إن ظروفاً خاصة هي التي حدت به إلى تحديد هذا الموعد المتأخر.
    وعندما وصلت إلى داره، وجدته مجتمعاً في حديقته الصغيرة الخلفية مع صديقنا الشاعر أحمد رامي ـ وهو جاره ـ وسرعان ما انضم إلينا الشعراء: محمود غنيم، والعوضي الوكيل، وحسن كامل الصيرفي، ومختار الوكيل، وعامر بحيري، وعبد السلام شهاب. ولما اكتمل النصاب دعانا الماحي إلى داخل المنزل، فإذا الموائد العامرة ممتدة، تتصدّرها ألوان من البط الدمياطي المشوي والمقلي والمسلوق والمُحمّر والمحشوّ! فقلت للماحي: إننا لم نتفق على هذا، فقد لبيت دعوتك إلى ندوة "بريئة" ليس فيها "رشاوى" من البط ومشتقاته! فقال: هي فعلاً زيارة بريئة، وأنا في انتظار حكمك بالبراءة، ولم أفهم ماذا يعني بهذه العبارة!
    وجلسنا إلى المائدة، وكلُّنا على الطعام عاكف، مع إبداء إعجابنا بمهارة الطُّهاة وشهية الألوان، ولاحظت في أثناء ذلك أن الماحي ومحمود غنيم كان يتبادلان نظرات لا تخلو من معنى، وإن لم أفطن إلى سر هذه النظرات الماكرة.
    ولما فرغنا من غذاء البطون، دعانا الماحي إلى صالون الأدب والشعر، وافتتحه بقوله إنه تعرّض لحملة شعرية شرسة من زميله غنيم يتهمه فيها بالبخل الشديد باعتباره من أهل دمياط. ولهذا فكّر في أن يدعونا لكي نكون شهوداً على تهافت هذا الاتهام، فنصدر حكمنا بعد سماع الاتهام ودفاع المتهم. وعندئذ ألقى محمود غنيم قصيدة ساخرة طويلة تضمّنت اتهام الماحي بأنه يحتكر البط الدمياطي لنفسه، ولا يُشرك فيه أحداً، وبأنه يُحكم إغلاق أبواب بيته حتى لا يشم الجيران رائحة الشواء التي يحتكرها هي بدورها. وظل غنيم يسوق عبارات الاتهام ونحن نضج بالضحك من سخرياته ومبالغاته، حتى لقد قال: إن نابليون ـ بكل جحافله ـ لا يستطيع أن يقهر روح البخل لدى الماحي!، ولما ختم قصيدته ردّ عليه الماحي بقصيدة، وتحدّى "غنيم" بأن يولم وليمة تُحاكي مآدب الماحي في ترفها وبذخها، وعاد غنيم يُفنِّد حجج الماحي، والماحي يرد عليه، ونحن نستمع إلى هذه المساجلات الشعرية الطريفة، ولا نملك إلا الإغراق في الضحك. ثم فُتِح الباب أمام الشعراء الحاضرين فخاضوا في هذه المعركة الشعرية ارتجالاً، فمنهم من سفّه غنيم، ومنهم من قال: إن الماحي سخي، ولكنه مقل، لأنه لا يُقيم أمثال هذه المآدب إلا مرة في كل قرن! وكان مسك الختام أرجوزة من الزجل أنشدها عبد السلام شهاب طائية القافية، تنتهي أبياتها بعبارات مثل: الدمياطي، وبنت الشاطي، والحفلاطي، وطاطي طاطي وهلم جرا. وقضينا سهرة ماتعة في سماع هذا الشعر، ثم طلب الماحي الحكم في هذا الاتهامات الجائرة، فقلنا له: إن مائدة البط المفتخرة هي البرهان على أن "غنيم" مفترٍ، وقد حكمنا ببراءتك من هذه الاتهامات.
    ولأنني لست شاعراً فقد كان دوري هو دور المستمع لا المشارك، ولهذا حرصت في اليوم التالي على كتابة تعليق فكه على هذه المناظرة الشعرية وبعثت به إلى الماحي الذي جمع كل ما قيل في هذه الندوة ورغب في نشره في كتيب، ولكن وفاة زوجته حطّمته تماماً، فلزم الفراش، ولحق بها بعد ذلك، ومؤكّد أن حصيلة هذه الندوة تُعدُّ من المستطرفات الأدبية الجميلة.
    هذا عن البط، أما عن الأوز فقد درج الشاعر التونسي محمد الشاذلي خزنه دار (1881-1954م)، ويطلقون عليه لقب "أمير شعراء الخضراء" على أن يقتني في بيته سرباً من الأوز، فلمّا تعرّض للسجن على أيدي الفرنسيين بعث برسائل إلى زوجته يوصيها بالأوز خيراً، ومما جاء في قصيدته الموجهة إلى الأوز:
    كــوني معي قُرْباُ وبُعْداً إنني أهْـوى عفَافَكِ فالعفافُ رِدائي
    فيك الفضائلُ كلُّها جُمِعَتْ، فما حسْنـاءُ فيهم شَابَهَتْ حسْنائي
    صـــوني الأوزَّ وبشِّريهِ بأنَّهُ في يومِ إطْــلاقي منْ الطُّلقَاءِ
    وهكذا يتسع ديوان العرب للبط الدمياطي والأوز التونسي!
    ــــــــــــــــ
    (1) المصدر: جريدة "الراية" القطرية، في 12/4/1997م.


  2. #22
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    سلامة موسى في مرآة وديع فلسطين

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد
    ......................


    ولد سلامة موسى (1887-1957م) في الزقازيق. عرف بدعوته إلى التجديد في اللغة والأدب. والى الأخذ بالثقافة العلمية والأفكار الاشتراكية. عمل في حقل الصحافة وأسس مجلة "المجلة الجديدة" التي تخرج منها أبرز الأدباء المصريين كنجيب محفوظ مثلا. ومن آثاره: "هؤلاء علموني"، تربية سلامة موسى"، "نظرية التطور وأصل الإنسان"، "حرية الفكر وأبطالها في التاريخ"، البلاغة العصرية واللغة العربية"، "المرأة ليست لعبة للرجل."
    تحدث العلامة وديع فلسطين عن سلامة موسى كثيراً في رسائله التي أرسلها إليَّ:
    يقول الأستاذ وديع فلسطين (في رسالته المؤرخة في 9/6/1976م):
    " ... وسؤالك الثاني خاص بسلامة موسى ومتى عرفته، وجوابي أنني عرفته وأنا بعد طالب في الجامعة حوالي عام 1940م. إذ أننا أردنا في جامعتنا أن نبتدع حركة اجتماعية بين الطلاب والطالبات فأعلنا في مجلة "القافلة" ـ وكنت رئيساً لتحريرها ـ أننا سنجري انتخاباً لاختيار الفتاة الجامعية المثالية، وقمنا بإجراء الاستفتاء فأسفر عن فوز طالبة يونانية بهذا اللقب، فنشرنا صورتها في "القافلة" وفي مجلة "الاثنين" التي كان يُحررها صديقي القديم مصطفى أمين مع توأمه علي أمين وفي بعض الصحف الأخرى". وكان سلامة موسى يصدر وقتها "المجلة الجديدة"، فاتصل بالجامعة واستعار "كليشيه" صورة الطالبة الجامعية وكتب عنها موضوعـاً في مجلته. وأردنا استرداد "الكليشيه" منه، فسألت عن عنوانه فقيل لي إنه في شارع ميخائيل جاد في أول الفجالة. وقصدت العنوان ثم دققت الجرس، ففتحه رجل بسيط يرتدي جلباباً أبيض فحسبته الخادم. وسألته: هل الأستاذ سلامة موسى في هذا العنوان؟ فأجاب: أنا سلامة موسى! فتلعثمت ووجمت وتعـاظم خجلي ـ وهو مازال طبيعة مركبة فيّ إلى هذا اليوم ـ فقلت له إنني منـدوب "القافلة"، وقد جئت لاسترداد "كليشيه" صورة فتاة الجامعة المثالية. فغاب سلامـة موسى دقائق، ثم عاد ومعه الكليشيه، فتناولته منه وانصرفت. فكان هذا أول لقاء بيننا، وإن كنت لم أُفصح له عن اسمي، ولا كان لاسمي أهمية في ذلك الحين، لأنني كنت مجرد طالب بلا شُهرة".
    "وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، افتتحت السفارة الأمريكية مكتباً للاستعلامات كانت مهمته الاتصال بالصحف والإذاعة ومدّها بالأخبار والتعليقات، هذا إلى جانب إصدار نشرات علمية وكتب مختلفة. وكانت لي زميلة جامعية تزوّجت بمجرّد تخرجها من أمريكي يعمل في هذا المكتب. وحدث أنني زرتها في بيت الزوجية، فقدّمتني إلى زوجها الذي أخبرني أن المكتب يُعدُّ بعض الأحاديث لمحطة الإذاعة المصرية فيذيعها أحمد رشدي صالح، وسألني إن كان لديّ وقت لمساعدته في ترجمة نصوص هذه الأحاديث. فرحّبت بالفكرة، وبتُّ أتردّد على المكتب مرّتين في الأسبوع، مرة لتسلُّم النص الإنكليزي، ومرة لإعادة النص المُترجَم، وفي المرتين أنصرف إلى داري مباشرة دون أن أتحدث مع أحد من موظفي المكتب، بل دون أن أعرف منهم أحداً. وبينما كنت أهم بالانصراف في إحدى المرات ناداني رجل متقدم في السن باسمي، وسألني إن كان لديَّ وقت للجلوس معـه. فدهشت مَنَ يكون هذا الرجل؟ وكيف عرف اسمي؟. ولكنني لمْ أكد أتأمّل وجهه، حتى عرفت فيه سلامة موسى".
    "وجلست معه وقتا طيبا فهمت منه أنه يعمل في هذا المكتب في مراجعة الترجمات، وأنه عندما قرأ ترجماتي أعجبه أسلوبها ودقتها، فرغب في أن يزداد معرفة بي. ومع أن عملي في هذا المكتب ـ وهو طارئ، كما قدمت ـ لم يتجاوز عامين، فقد أُتيحت لي في خلال فترات ترددي عليه أن أتصل بسلامة موسى عن قرب. وبانتهاء عمل المكتب، فوجئت بسلامة موسى يزورني بنفسه في "المقطم" ليهديني أحد كتبه ـ ولعله "تربية سلامة موسى" طبعة دار الكاتب المصري لطه حسين ـ وظل يُواليني بالزيارة ويهديني كتبه، كما كنت أتردد عليه في الحين بعد الحين على جمعية الشبان المسيحية حيث كان يعقد منتديات فكرية أسبوعية. وطلب مني أكثر من مرة أن أكون المتحدث الرئيس في هذه المنتديات فلم أرفض له طلباً".
    "وعندما اعتقلني العسكر عام 1952م، ولزمت داري، وعزفت عن الدنيا جميعاً، فوجئت برسالة كريمة من سلامة موسى يستفسر فيها عن صحتي ويملأني حيوية وتشجيعاً".
    "ولا أطيل عليك، فقد ظللت على صلة وثيقة بسلامة موسى رغم اختلافي معه في كثير من نظرياته السياسية إلى أن زرته لآخر مرة في المستشفى القبطي قبل وفاته فيه بيومين".
    "وهو قد كتب عني كثيراً، كما كتبت أنا عنه كثيراً، فأغضبت أنور المعـدّاوي الذي شتمني في "الرسالة"، وأغضبت حبيب الزحلاوي الذي شتمني في كتابه "شيوخ الأدب الحديث"، مع أن المعدّاوي والزحلاوي كانا صديقين لي".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في13/1/1989م):
    "سلامة موسى كان صديقا حميماً لي سنوات طويلة، وقد كتب عني غير مرة، بل دخل معي في جدل نُشِر وقتها في الصُّحف، ودعاني غير مرة للحديث في "جمعية الشبان المسيحية". وعند وفاته كتبت فصلاً طويلاً نُشر في مجلة "المجلة"[العدد 22-أكتوبر 1958م]، وفصلاً آخر نُشر في "الأديب"، كما أصدرت عنه كتيِّباً بتكليف من "جمعية الشبان المسيحية" دون أن يظهر عليه اسمي كمؤلف.
    وبعد وفاته راجعت عدداً من كتبه المخطوطة والمنشورة، كما قمت "بتطهير" كتابه "الصحافة حرفة ورسالة" الذي نُشر بعيد وفاته وتضمن تلفيقاً من الناشر للدعاية لإحدى دور الصحف والعاملين والعاملات فيها. فحذفت كل هذا التلفيق، وأضفت فصولاً أخرى عثرت عليها كان قد كتبها حول نفس موضوع الكتاب. وقد كان رجلا عقلانيا مستنيراً، والذي يفكر بعقله يُغضب كثيرين من الذين يُفكرون بعواطفهم، والناس اليوم فريقان: فريق يلعن سلامة موسى ويصب عليه نار جهنم، وفريق يعده من أعظم المستنيرين في عصرنا، وأنا من الفريق الثاني ـ وإن كانت لي تحفظات على كثير من آرائه أبديتُها في حياته في تعليقاتي على كتبه".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 3/8/1975م):
    "تسألني عن كتب الذكريات، فأنصحك بتلاوة كتاب "تربية سلامة موسى" وكتاب "رجال عرفتهم" للعقاد"، وكلاهما عملاق في الفكر المعاصر. وقد اضطر كلاهما إلى محاربة المناوئين في ميـادين شتى، وأُطلقت عليهما الاتهامات بالزندقة والكفر وبما من شأنه أن يشيـنهما حتى في حياتهما الخاصة. ومع ذلك فقد ثبتا، وأدَّيا الرسالة إلى منتهى العمر. وقد كتبت عن سلامة موسى غير مرة، في حياته وبعد وفاته، وجرت لي معه مجادلات بعضها في الصحف، وبعضها في الندوات، ولكن الودّ بيننا ظل نقيا، والاحترام بيننا بقي مصونًا، ومهما قيل في سلامة موسى فإن كتبه كفيلة بإقناع أي قارئ محايد أنه كان رجلاً من أكبر مُفكِّرينا، وأشدهم بصراً بالعلوم والحضاريات".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 12/9/1994م):
    "نعم، اطلعت على مقالات الدكتور [محمد] عمارة عن سلامة موسى، وعلى رد الدكتور رؤوف سلامة موسى عليه. وسلامة موسى قد شبع ذمًّا و"تكفيراً" في حياته وموته، ومهما اختلفنا من حوله فالمؤكّد أنه كان من مستنهضي هذه الأمة، وأنه سبق عصره بعشرات من السنين. وقد شرع ابنه ـ وهو صاحب دار ومطابع المستقبل ـ في نشر كتاب دوري عنوانه "حوليات سلامة موسى" ينشر فيه كل جديد وقديم عن أبيه، ليُحيي صورته في الأذهان. وقد صدر عدد من هذه الحـوليات والثاني في المطبعة، واتخذ للحوليات مجلساً استشاريا شرفيا يُمثل بلداناً عربية شتى، وحشرني في عضويته".
    و(في رسالته المؤرخة في 12/6/1995م) يقول:
    "لم يصدر من "حوليات سلامة موسى" عدد ثالث، فصاحبها حريص على جعلها كتاباً غير دوري حتى لا تُعامل معاملة المجلات التي تخضع لقيود صارمة تجعل إصدارها مستحيلاً".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 30/3/1992م):
    "… قد عرفت ثلاثة من الأربعة الأوائل الذين استوردوا لنا الشيوعية وهم محمود حسني العرابي ومحمد عبد الله عنان وسلامة موسى، أما الرابع فاسمه علي العناني وهو الذي لم أعرفه. وقد صارحني الثلاثة الذين عرفتهم بأنهم كفروا بالشيوعية بعد الذي رأوْه من تطبيقها ولاسيما في عهد عبد الناصر … ، وسلامة موسى قال لي هذا بالذات، وهو على فراش موته. ومع ذلك بقي تجار الشيوعية في الميدان".


  3. #23
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    الشاعر محمود أبو الوفا في مرآة وديع فلسطين

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد
    ............................

    في حوار أجريته مع وديع فلسطين في مجلة «صوت الشرق» (أبريل 1976م) قال:
    "وأرشح محمود أبو الوفا للجائزة التقديرية لامتيازه المطلق في ميدان الشعر وارتضائه مستوى رفيعاً حرص عليه في جميع شعره، منفرداً في قصائد، أو مجتمعا في ديوان. وإن الإنسانية الفريدة التي تشع من خلال شعر أبي الوفا ناشرةً الحب والحنان في الأفئدة قبل الأذهان، لترشح أبا الوفا للخلود الآبد، حتى وإن غالظته في حياته أسباب النُّكران والكنود. ومن الظلم المُفحش أن هذا الخالد العظيم يُترك للإهمال، مع أنه أهل لكل تكريم إن لم يكن لشعره الملائكي الأنغام، فلشخصه الحافظ لجميع المفاخر الإنسانية".
    ويقول الأستاذ وديع فلسطين (في رسالته المؤرخة في 2/3/1976م):
    "كنت أزور الشاعر محمود أبا الوفا ـ وهو رهين المحابس الخمسة: شيخوخة، وساق واحدة، وعُشر عين، وقلب واهن، وفقر مدقع ـ فسألني:
    أتعتقد أن شعري سيهتم أحدٌ بجمعه؟
    فقلتُ له: اطمئن. فبعد ألف عام سيقوم محقق ثبت متمكن ويجمع شعرك المنشور في دواوينك ويُضيف إليه قصيدة أو اثنتين عثر عليهما في بعض المجلات، ثم يقوم بشرحه متوسعاً في الهوامش والذيول، ويتقاضى عن تحقيق كل ملزمة مئة جنيه! فضحك أبو الوفا قائلا: أنا مستعد أن أقوم "بتحقيقه" اليوم مقابل خمسة جنيهات فقط للملزمة! فقلتُ له: ولكنك لن تجد ناشراً".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 25/10/1997م) عن شعر المديح وسوقه الرائجة الآن عند بعض الحكام، مُشيراً إلى موقف لأبي الوفا: "التقيت أمس بشاعر عراقي يزور القاهرة، وأخبرني أن صدّام (حسين) يدفع مليون دينار عراقي (وهي تُساوي ألف دولار بسبب انحطاط العملة) لكل من ينظم قصيدة في مدحه، ويوصف الشاعر صاحب القصيدة بأنه "ملتزم"! وقلت لصديقنا العراقي: إن شاعرنا البائس محمود أبا الوفا طُلِب منه أن ينظم أبياتاً في مدح الطاغية إسماعيل صدقي باشا حتى يُوافق على إيفاده إلى باريس لتركيب ساق صناعية له. فقال لمن طلبوا منه ذلك: لو أصدر صدقي باشا قراراً بسفره، فهو في هذه الحالة ينظم أبياتاً في شكره. أما أن يمدحه ملتمساً شموله بعطفه، فإن كرامته تأبى ذلك".
    ويقول الأستاذ وديع فلسطين (في رسالته المؤرخة في 9/4/1976م):
    "الشاعر محمود أبو الوفا أصدر طائفة شتى من الدواوين في الأربعين سنة الماضية، منها "الأعشاب"، و"أنفاس محترقة"، و"النشيد"، و"عنوان النشيد"، و"شعري"، و"أناشيد دينية"، و"أناشيد عسكرية". وكان قبل مرضه الحالي يُفكر في نشرها مجموعة كاملة، كما كان يُفكِّر في نشر كتاب عنوانه "أبو الوفا في رأي معاصريه"، وفعلا قدّم هذه الأوراق إلى يوسف السباعي ليأمر بنشرها، ثم خرج يوسف السباعي من الوزارة قبل أن يتحقق هذا المشروع، ويُخشى على هذه الأوراق من الضياع لأن أبا الوفا لا يملك صورة منها. أما رأيـي في هذا الشاعر، فهو أنه أعظم شعرائنا الأحياء بلا منازع، وأن شعره ببساطة ألفاظه ومعانيه وقدرته الإعجازية على التعبير يكتب له الخلود الآبد. وحسبك أن تسمعه يقول عن نفسه:
    أحبُّ أضحكُ للدُّنيا فيمــنعُني*** أنْ عَــاقَبَتْني على بعضِ ابتساماتي
    وقوله:
    حُبِّي إذا الحبُّ أضناني فمتُّ هوًى *** إن يذكرونيَ قالوا: كانَ إنسـانا!
    وقوله:
    يا صاحِبي إنْ تسَلْ عنِّي أنا، فأنـا *** يا صاحبي لسْتُ شيْئاً غيرَ إنسانِ
    "إنه شاعر خالد بكل المقاييس. ولولا فقره، وشيخوخته، وساقه المبتورة، ونظره الذاهب، وأمراضه المتأشِّبة، لكانت له في حياتنا الأدبية وجاهةٌ شعرية لا تقلُّ عن وجاهة شوقي. وشوقي ـ كما تعرف ـ كتب في وصيتهِ ألاّ يقوم على نشر شعره إلا أبو الوفا، فنشر جُزءاً من "الشوقيات"، ثم "اغتصب" صديقُنا [محمد] سعيد العريان بقية الأجزاء، بل سائر مسرحيات شوقي".
    ويقول الأستاذ وديع فلسطين (في رسالته المؤرخة في 4/4/1977م):
    "… تلقيت رسالة من زميل لك … يقول فيها إنه يعتزم إعداد أطروحة ماجستير للأزهر عن الشاعر أبي الوفا، ثم طلب مشورتي في هذا الأمر، فكتبت إليه رسالة مطوّلة لا أدري هل وصلته أو لا، كما نصحته بالاتصال بالشاعر لأن الصلة الشخصية قد تكون ميسورة اليوم، ولكنها تغدو مستحيلة غداً. فلم أسمع منه شيئاً، ولا هو اتصل بأبي الوفا".
    "وعلى ذكر أبي الوفا، لقد طلبت مني مجلة "الوعي العربي" الشهرية أن أكتب لها فصلا، فوافيتُها من يومين بكلمة عنوانها "خلاصة الخلاصة لحصاد الشاعر أبي الوفا"، وربما اندرجت في عدد مايو أو يونيو".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 2/6/1977م):
    "… أما أبو الوفا، فلعلك قرأت كلمة مصطفى أمين عنه في "الأخبار" الصادرة اليوم (2/6)، وكلمتي المنشورة في "الوعي العربي" الصادرة اليوم أيضاً. وقد اتصلت به صباحاً بالهاتف فأخبرني أن صحته شديدة السوء، ورجاني أن أزوره "ليستودع" مني، فوعدته بمحاولة زيارته غداً الجمعة".
    ويقول الأستاذ وديع فلسطين (في رسالته المؤرخة في 12/1/1978م):
    "شاعرنا أبو الوفا ابتسمتْ له الدُّنيا قليلا، ثم عادت فتجهمت له، لأن المال الذي ناله أطمع فيه أشقاءه وبطونهم وأفخاذهم، فاستغلوا ظروفه الصحية السيئة للاستيلاء على هذا المال، وتركوه نهباً للدّيون!. ثم إن الدولة دبّرت له شقة حديثة في مدينة نصر، فلا استطاع تأثيثها، ولا انتقل إليها. وترتّب عليه أن يُؤدي كل شهر إيجار بيتين، وهو عبء مُبهظ بالنسبة إليه. وهكذا ترى أن للثروة مشكلاتها، ولا سيما إن جاءت في الهرم، وصدق المتنبي القائل:
    أتى الزمانَ بنوهُ في شبيبتِه *** فسرَّهُم، وأتيْناهُ على الهرَمِ"
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 17/9/1978م):
    "لولا أن الصحافة تبنت قضية إنصاف الشاعر محمود أبي الوفا لما تحرّكت الدولة لتكريمه؛ ففضل الصحافة سابق على فضل الدولة. وإذا توهّمت أن لي فضلا في إيقاظ النائمين لتكريم أبي الوفا، فاعرف أنني واليت الكتابة مرة بعد مرة بعد مرة منبِّها المسؤولين إلى مأساة أبي الوفا، فلم يستيقظ أحد، ربّما لأنني كنت أتكلم كأديب بأسلوب الأديب. أما عندما جعلت الصحافة من قضية أبي الوفا موضوع حملة يومية منتظمة، فعندئذ ـ وعندئذ فقط ـ أحس المجتمع بالظلم الغليظ الواقع على الشاعر، وحاول رفعه عنه. فحملةُ الصحافة أفعل من منطق الأديب".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 13/6/1981م):
    "وهذا [عبد العزيز] الدسوقي كتب في مجلته وفي "آخر ساعة" أكاذيب فاحشة عن الشاعر المغبون أبي الوفا، ولم يكتف بذلك بل عيّرَهُ بفقره وكساحه ونفى عنه الشاعرية، واتهمه بالكذب على الحياة الأدبية. وأنا قد كنت لصيق أبي الوفا، وأعرف منه ومن كل عصره ـ وقد أدركت معظم أعلامه ـ أنه صادق. ومع هذا فلن أرد على الدسوقي، وأُرجئ ردِّي إلى يوم يصفو فيه البال، فأكتب عن أبي الوفا حديثا مستطرداً أنصفه فيه من "أباطرة" الثقافة في يومنا المعاصر".
    وفي رسالته (المؤرخة في 30/3/2003م) حدّثني عن طبع وزارة الأوقاف لديوان أبي الوفا، فيقول عن أبي الوفا أنه «كان صديقاً لشيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود، وأراد الشيخ أن يُساعد الشاعر فأمر المسئولين عن مطابع وزارة الأوقاف بطبع المجموعة الشعرية لأبي الوفا، كي يستطيع دفع مكافأة له. فاتصل الأوقافيون بأبي الوفا وطلبوا منه دواوينه لكي ينفذوا تعليمات الإمام الأكبر، ولكنهم تبيّنوا أن لأبي الوفا شعراً في الغزل لا يليق نشره في مطابع الأوقاف، كما أن له شعراً «كفريا» كقوله في إحدى قصائده «آهِ يا يوم لقاها *** ليتني كنتُ إلها»، أو كقوله في «عنوان النشيد» عن آدم إنه لم يخرج من الجنة مطروداً، بل خرج بإرادته لأنه سئم حياةً «ليس فيها غير حوّاء عمل»!، فقام الأوقافيون بحذف كل هذا الشعر وتنقية الديوان من جميع آثار الفسق والزندقة! وعندما ظهر الديوان «المُطَهَّر» أهداني نسخة، فقلتُ له: كان ينبغي أن يُكتب على غلافه أن الشاعر هو حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمود أبو الوفا!، وصرتُ أُخاطبه على الهاتف بقولي: يا صاحب الفضيلة! فكان يُجاوبني بقوله: يا صاحب النيافة!
    وتوافقت وفاة الشيخ عبد الحليم محمود مع صدور الديوان، فحفيت قدما أبي الوفا وهو يُحاول مع الأوقافيين الحصول على ملاليم من مُكا فأته، أما الديوان فلم يطلب نسخاً منه زهداً فيه!».
    و(في رسالته المؤرخة في 19/9/1997م) يقول: "في حياة الشاعر أبي الوفا نشرت هيئة الكتاب كتاباً ضخماً عنوانه : "محمود أبو الوفا: دواوين شعره وحياته بأقـلام معاصريه"، وهو يضم كل شعره تقريباً، لأنه استبعد بعض القصائد التي لم يُصبح راضياً عنها، وكنت سمعت عن رسالة الماجستير التي عقدها عليه الدكتور عبد الجواد المحص ـ ولا أعرفه ـ ولكنني لم أطلع عليها، ولم أسمع أنها نشرت".
    وقد كتب الأستاذ وديع فلسطين مقالين عن الشاعر محمود أبي الوفا ( 1-غربة الشاعر محمود أبي الوفا ، مجلة "الأديب"، أكتوبر 1970م. 2-الشاعر البائس محمود أبو الوفا، جريدة "الحياة" في 10/2/1995م).


  4. #24
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي

    نقولا الحداد في مرآة وديع فلسطين

    بقلم: د. حسين علي محمد
    ............................


    يقول الأستاذ وديع فلسطين (في رسالته المؤرخة في 26/12/1975م):
    "وسؤالك الثالث عن نقولا الحداد وهل هناك من كتب عنه؟ فأفيدك أن وداد سكاكيني كتبت عنه في "الأديب" فصلاً في حياته، وكتبتُ أنا عنه بعد وفاته في "الأديب" وفي "العلوم"، كما أن نقولا يوسف كتب عنه في "الأديب"، فكان لي على مقاله تعليق نشر في نفس المجلة. والذي أعرفه عن يقين أن كاتباً لبنانيا ـ نسيت اسمه ـ أصدر كتاباً طبع في بيروت، ولم أطّلع عليه عن نقولا الحداد وسلامة موسى بوصفهما رائدين للفكر الاشتراكي. وقد كان نقولا الحداد وزوجته روز أنطون حداد (شقيقة فرح أنطون) صديقين لي، كما كانت ابنتهما الكبرى (لورا)، وابنهما (الصيدلي فؤاد) صديقين لي، وضمن أوراقي رسائل خاصة من الحداد، وصورة فوتوغرافية مهداة منه، كما أن زوجته أهدتني بعض كتبها النادرة … وعندي طائفة من كتب الحداد مهداة منه، وعندي كذلك آخر محاضرة ألقاها بعنوان "جاذبية الأكوان وجاذبية الحسان"، وهي المحاضرة التي أُصيب وهو منصرف منها ببرد شديد، تحول إلى التهاب رئوي أجهز عليه. وقد نشرتُ المحاضرة في عددين متتابعين من مجلة "العلوم" اللبنانية المحتجبة".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 16/1/1976م):
    "كتاب "نقولا الحداد" للدكتور رفعت السعيد لم أعرف بصدوره، ولا اطلعت عليه. والعجيب أنه بعد يوم من وصول رسالتك التي أشرت فيها إلى هذا الكتاب جاءتني رسالة من نقولا يوسف يقول فيها: "نزلت من المعادي إلى ميدان التحرير لحجز تذكرتين للعودة إلى الإسكندرية بالصحراوي، وفي طريقي بباب اللوق مررت مصادفة بمكتبة صغيرة تعرض في واجهتها بعض الكتب، ووقع بصري على كتاب صغير عن "نقولا الحداد"، لمؤلفه الدكتور رفعت السعيد ـ 1971 في سلسلة "طلائع الفكر الاشتراكي، رقم 2"، واشتريته وتصفحتُه، لعلك رأيته من قبل ـ ويدور حول دعوته الاشتراكية".
    وسأحاول قي "مشاويري" القاهرية، التعريج على باب اللوق عساي أقع على تلك المكتبة، وأتمكّن من اقتناء الكتاب، وإن كنت أرحب بالقراءة عن نقولا الحداد، أما الاشتراكية فقد "شبعنا" من قرفها، وأنا زاهد في أي مطالعات جديدة أو قديمة فيها.
    وتحت يدي ترجمة كتبها نقولا الحداد بنفسه عن نفسه، واعتمدت عليها حينما كتبت فصلاً مسهباً عته في مجلة "العلوم" اللبنانية، وقد جاء في الترجمة أنه من مواليد 25 ديسمبر 1872 (لا في عام 1870م كما ورد خطأ في كتاب "مصادر الدراسات الأدبية" ليوسف أسعد داغر)، أما وفاته فكانت في عام 1954م، ولا بد من مراجعة أوراقي ـ وهي أطنان ـ للاستيثاق من اليوم والشهر اللذين وقعت فيهما الوفاة.
    أما ثقافة نقولا الحداد فلم تعْدُ الدراسة الابتدائية فالثانوية ثم الصيدلة متخرجاً من جامعة بيروت الأمريكية. وكانت له في القاهرة صيدليتان، واحدة في شبرا تحت عيادة المرحوم الدكتور إبراهيم ناجي (على ناصية شارع ابن الفرات)، وقد سمعت أنها مازالت تحمل اسمه إلى هذا اليوم، رغم أيلولتها إلى سواه من الصيادلة، وعسير عليّ التثبت من ذلك لعدم غشياني حي شيرا من سنوات طويلة. وأما الثانية فكانت في عمارة بحري بشارع قصر النيل، وكانت باسم ابنه (الصيدلي الدكتور فؤاد)، وهذه قد أُغلقت لهجرة صاحبها إلى لبنان، وتحوّلت إلى حانوت للأحذية!
    أما المؤثرات الثقافية لنقولا الحداد فهي بنت مطالعاته المختلفة، وأسفاره في أمريكا وسواها، واتصاله بنسيبه فرح أنطون وبأعلام عصره".
    ويقول (في رسالته المؤرخة في 25/5/1976م):
    «نقولا الحداد مازال في حاجة إلى مزيد من الدراسة لآثاره ليعرف القراء الدور الكبير الذي قام به في نهضتنا الفكرية. أما مقالاتي عنه في «الأديب» و«العلوم» فهي ليست قرية المنال، وأظنني نشرتها في إثر وفاته ونُقلت يومها في الصحف المهجرية بتعليقات من محرريها. كما أنني كبتُ كلمة في «الأديب» تعلقاً على مقال لنقولا يوسف عن نقولا الحدّاد نبّهتُ فيه إلى أن الحدّاد كان شاعراً، وأتيْتُ بنماذج من شعره».
    وكنتُ قلتُ للأستاذ وديع فلسطين إنني صورتُ بعض مقالات نقولا الحداد عن قضية فلسطين من مجلة «الرسالة» عام 1948م، فعلق على ذلك (في رسالته المؤرخة في 12/6/1995م) بقوله:
    «نقولا الحداد كتب مقالات كثيرة عن قضية فلسطين في «الرسالة» و«المقتطف» و«منبر الشرق»، ولم يُجمع منها شيء. وأعتقد أن ما آلت إليه القضية اليوم يجعل هذه الفصول غير ذات موضوع. وأنا شخصيا كتبتُ مئات من الفصول حول هذا الموضوع، وأوثر أن أطويها. بعد ما كنا نُطالب بالكل فقنع أصحابها بالفُتات».


  5. #25
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الأديب الكبير وديع فلسطين

    أربع مقالات من بواكير نقد نجيب محفوظ:
    ............................................

    نقدم هنا أربع مقالات للعلامة وديع فلسطين (وهو واحد من أبرز كتاب المقالة في عصرنا) كتبها عن بواكير نجيب محفوظ، ونشرها علي شلش في كتابه : نجيب محفوظ: الطريق والصدى).
    ***
    1-رادوبيس

    للأستاذ الكبير: وديع فلسطين(1)
    ...................................

    لستُ أدري أكان في تاريخ مصر الفرعونية غانية باسم «رادوبيس» أم أن خيال الأستاذ نجيب محفوظ ابتدعها في القصة الرائعة التي أخرجها أخيراً. وأيا كان الجواب، فإن القاص قد جعل لهذه الغانية كياناً ووجودا لا يُنكران. وما قرب الشقة بين الحياة والأسطورة أن حياة المرء تستحيل بعد موته إلى رواية تُروى شأنها شأن مئات القصص التي تُبدعها أذهان كتاب القصة الروائيين.
    كانت رادوبيس غانية تحوم حولها الغربان من بني آدم، وكان مستقرها في قصر شامخ أنشأته في جزيرة تتوسّط مجرى النيل. وبينما كانت تستحم ذات أصيل في بركة ماء قصرها حلق في الفضاء نسر كاسر، وهوى على حين بغتة فاختطف واحدة من نعلي الغادة رادوبيس وولّى هارباً، ولكن النعل سقطت منه في حضرة فرعون ساعة اجتماعه بكبار رجاله. ودار حديث فرعون وصحبه حول صاحبة هذه النعل، وعرف فرعون أن ما نزل عليه من فوق إنما هو خف يخص الغادة رادوبيس فاتنة أصحاب الجاه وغاوية ذوي الثراء.
    وأخذ فرعون يتسقّط أنباءها حتى فاجأها يوماً في قصرها، فكانت له منذ ذلك اليوم صلة بها لما تنقطع، يهرع إليها كل أصيل فيجد فيها مرتعاً لقلبه ومهرباً من تبعاته.
    وأوغل فرعون في هواه الجديد، فأولى «نيتو قريس» الملكة دبره، واسترد من الكهنة الأراضي التي كانت قد أُقطعت لهم كي يُنفقها على جارة قلبه، وشُغل بالحب عن أمور الرعية، وكاد له قائده الأول لأنه استلب منه رفيقته رادوبيس التي كانت تؤثره قبل أن تقع على فرعون.
    وكان لا مفر من أن تحدث فتنة، فرجال الدين ساخطون لتبديد أراضيهم، والوزراء متبرمون من مسلك فرعون غير الجدي، والملكة غاضبة لإغضاء فرعون عنها وولعه بغادة ليست بغير ماض. وفي غمار الثورة طاش سهم أطلقه مواطن من كنانته فاستقر في قلب فرعون، وأوصى فرعون بنقل جسمه المهيض إلى حيث تكون عشيقته ليلفظ آخر أنفاسه في محضرها.
    وقد كان، فمات فرعون، وشربت رادوبيس السم، وفجعت بموتها قلوب لا سبيل إلى تعزيتها وتأسيتها.
    ولقد أجهدت النفس وأنا أقرأ رواية رادوبيس لأقف على خطأ يُخرج الرواية من طابعها الفرعوني إلى طابع العصر الحديث، فخاب مسعاي، ذلك لأن الأستاذ نجيب محفوظ استطاع أن يمحو من ذهنه عقل القرن العشرين ليعيش بعقل آلاف السنين قبل مولد المسيح.
    ولكنه إن كان قد جانب خطأ السرد والصياغة فقد أفلتت من قياده بضعة أخطاء في النحو كتأنيث الرأس مع أنه مذكّر، وإضافة الياء إلى « ثوان » في حالة كسرها بكسرتين.
    ولكن القارئ رغم هذه الهفوات تأخذه روعة السياق، وجمال التعبير، وسلاسة التفكير، وقوة المنطق، وجودة الحبكة، فيُمسك بتلابيب الرواية حتى يأتي على خاتمتها.
    وفي اعتقادي أن هذه الرواية تستطيع أن تُزاحم روايات الغرب إذا هي وجدت من يُعنى بترجمتها إلى لغات الأعاجم. وهي شبيهة إلى حد كبير «بروميو وجولييت» للشاعر شكسبير مع تفاوت في كيفية العرض وتقاليد كل من المجتمعين.
    ـــــــــــــــــــــــ
    المصدر: نشرت في «الرسالة»، العدد (641)، في 15/10/1945م، وفي «منبر الشرق» في 19/10/1945م، والمقالة هنا منقولة عن «منبر الشرق»، وأُعيد نشرها في كتاب د. علي شلش: نجيب محفوظ: الطريق والصدى)، ص211 ، 212.


  6. #26
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الأديب الكبير وديع فلسطين

    2-خان الخليلي(2)

    للأستاذ الكبير: وديع فلسطين
    ..............................

    أوتي الأستاذ نجيب محفوظ خيالاً خصباً وعيناً ناقدةً وقلماً طيعاً ومادة وفيرة، فسخَّر هذه جميعاً في كتابة القصة وتصوير الحياة الواقعية.
    ومن أحدث ما جاد به قلمه كتابه «خان الخليلي» وهو مأساة أصاب فيها من التوفيق قدحاً مُعلّى.
    والقصة مقسمة إلى نيف وخمسين فصلاً، كل منها صورة أُجيد رسمها، فلم تغب في إحداها خفقة قلب، أو طرفة عين أو زفرة نفس، لأن الأستاذ لا يقنع بالقشور وإنما ينفذ كذلك إلى اللباب.
    ويخيل لقارئ «خان الخليلي» أن مؤلفه أمضى ـ أو يُمضي ـ جانباً كبيراً من وقته في هذا الحي؛ لأن وصفه لشخوصه ولدروبه يكشف عن معرفة الأستاذ محفوظ للحي وأهله معرفة عن قرب، وملازمته له لزوم الظل، واستطاع بقدرته الفنية أن يربط بين فصول القصة بإحكام، كي لا ينفلت أحدها عن القلادة المتعددة الحلقات التي وصلت بينها، وجعلت من جملتها صورة نابضة بالحياة تنطق سسافرة بأحوال حي من الأحياء القديمة لا يزال يحتفظ بطابعه الوطني الصرف.
    إنها قصة عائلة مصرية متوسطة فزعت من الغارات فانتقلت من السكاكيني إلى خان الخليلي، وأمضت فيه دورة كاملة من دورات الفلك شهد أفرادها فيها عجباً، فالابن الكبير الذي كان يركن إلى مكتبته يُقلب كتبها ويدرب نفسه عبثاً على درسها وهضمها، طابت لـه عشرة أهل الحي والسهر معهم في قهوة «الزهرة»، وخفق قلبه بالحب وهو كهل ولكن المقادير شاءت ألا ينعم به، والابن الأصغر شاب حديث العهد بالحياة، ينقاد وراء دوافع بدنه فيغترف من اللذاذات ما طاب له، حتى تهالكت صحته تحت ثقل الضغط الشديد. ولم يكتف بالحب الآثم بل سطا على الفتاة التي كادت تصبح من نصيب أخيه، وظل مع ذلك سادراً في غيه حتى أصيب بالسل وقضى نحبه، ولم يستطع أبواه أو أخوه كما لم يفلح الطب في دفع الموت الذي تسرب إليه، وسرعان ما غيّبه بين أطباق الثرى.
    وقصة الأستاذ محفوظ تمتاز بمزيتين عدا مزية الرواية نفسها. ففيها وصف رائع لليالي رمضان الزاهرة في حي خان الخليلي، وفيها وصف للغارات الجوية التي تعرّضت لها القاهرة من ثلاثة أعوام.
    والمؤلف قدير على جلاء المعاني، خبير بخوالج النفس، استطاع أن يجعل من كتابه تزاوجاً بين السخرية والجد، وجماعاً بين اللهو والعِبر. وهو في هذا وذاك لا يخلو من فكاهة مستملحة ودعابة طريفة.
    ـــــــــــــ
    (2) المصدر: نشرت في «الرسالة»، العدد (641)، في 15/10/1945م، وفي «منبر الشرق» في 19/10/1945م، والمقالة هنا منقولة عن «منبر الشرق»، وأُعيد نشرها في كتاب د. علي شلش: نجيب محفوظ: الطريق والصدى)، ص211 ، 212.


  7. #27
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الأديب الكبير وديع فلسطين

    3-القاهرة الجديدة(3)

    للأستاذ الكبير: وديع فلسطين
    ............................

    صحاب أربعة متباينو المشارب متعددوها ضمهم فصل واحد في جامعة فؤاد. أولهم توّاق إلى الانصراف إلى الدين والدعوة له، والثاني يضرب بالدنيا بأسرها عرض الحائط فلا يُبالي بتقاليد مرعية أو عادات متواضع عليها، وتتلخص فلسفته في الاستهتار و"اللا أبالية"، والثالث هدفه ومقصده زواج فتاة ربط الحب قلبه بقلبها، والرابع يهوى الصحافة ويعشقها.
    يتحفّز هؤلاء الزملاء لمواجهة موجة الامتحان النهائي ويخوضونها غير هيّابين، ويخرجون منها معقودي الظفر مرموقي العيون. ولكن البهرة الأولى للفوز سرعان ما تتبدّد، ويصحو الشبان على مستقبلٍ مبهَمٍ، وغدٍ مجهول.
    وترمي الحياة كل شاب من هؤلاء في عمل، فيبدءون عراك الحياة، وهو عراك يتمخّض عن جرحى وعن قتلى، فيسعف الحظ أول الزملاء، ويوفد في بعثة إلى فرنسا، ويعين الثالث في وظيفة بمكتبة الجامعة، ويُقبل الرابع على الصحافة يُشبع نهمه منها. أما الثاني ـ وهو أعسرهم حالاً وأضيقهم عيشاً ـ فيتخيَّر لنفسه في الحياة طريقاً معوجاً، ويقبل أول وظيفة تُعرض عليه حتى لو كان ذلك على حساب الشرف والفضيلة. ذلك أنه رضي أن يكون سكرتيراً لكبير بشرط أن يُشاركه ذلك الكبير في زوجه، ويختلي معها في أحايين دورية.
    ولكن هذا الوضع الشاذ سرعان ما افتضح أمره وتلطّخت سيرة الكبير بالعار، ونقل سكرتيره إلى أسوان بعد ما جُرِّد من ترقياته الاستثنائية.
    ذا مجمل القصة البارعة التي ساقها الأستاذ نجيب محفوظ في كتابه «القاهرة الجديدة»، وهو إيجاز مبتور مشوه، وهيكل عظمي يفتقر إلى مظاهر الحياة ودلائلها، وهي قصة تنتهي بعبرة ما أحوجنا إلى استيعابها ووضعها نصب أعيننا في السبيل الذي نسلكه في حياتنا، فإن الغواية والإثم يبهران البصر ويخلبان الألباب ويستهويان الشباب والمتكهلين. ولكن الخاتمة المؤسية حتم لا مهرب منها.
    فهاك قصة شاب ابتسمت له الحياة في مطلع عهده به لأنه فابلها « باللا أبالية » والاستهتار، ولكنها سرعان ما تجهّمت له وأدارت له ظهرها بعد ما مرّغته في حمأة العار، وسامته الخسف والهوان.
    أما ربيبه ذلك الموظف الكبير، الذي كان يرتشي من شرف سكرتيره فقد سقط من عل، مهلهل السيرة، غير معذور من أحد.
    ولنا على هذه القصة مأخذان:
    أولهما أن الأستاذ نجيب محفوظ عني بواحد من شخوص روايته الأربعة وأدار القصة حوله ولم يعن عناية مماثلة بقرنائه وخلانه. وحبذا لو كان المؤلف أسهب في روايته قليلاً، وجلا لنا بعض نواحٍ من حياة بقية الصحاب.
    أما المأخذ الثاني فهو بعض السهوات النحوية التي لمحناها في القصة، ونرجو أن تكون المطبعة ـ لا المؤلف ـ مسئولة عنها.
    والقاص جدير ـ عدا ذلك ـ بالثناء، لأن أسلوبه شائق، وحواره ممتاز، وتسلسل حوادثه ممتع، وجرأته لا يعوزها دليل.
    ـــــــــ
    (3) نشرت في «منبر الشرق»، في 30/4/1948م، وأُعيد نشرها في كتاب د. علي شلش: نجيب محفوظ: الطريق والصدى)، ص ص264-267.


  8. #28
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الأديب الكبير وديع فلسطين

    4-زقاق المدق(4)

    للكاتب الكبير: وديع فلسطين
    ..............................

    لم أسمع بهذا الزقاق من فبل، ولا أُتيح لي أن أراه، لأني قليل التردد على معالم القاهرة القديمة.
    ولكني رأيتُ الزقاق وعشتُ فيه قرابة نصف شهر في صحبة الأستاذ نجيب محفوظ القاص الملهم، فأوقفني على ألوان شتى في مسالك المعيشة فيه، وأرشدني كدليل مجرب إلى مواضع الفتنة الفطرية في هذا الحي الوطني الصميم.
    زقاق المدق، زقاق ترى فيه ثري حربٍ أُتخم طعاماً ومالاً فما عرف قناعة ولا حَرِصَ على مال. تستهويه مباهج الدنيا وتغره أضواؤها فيسير صوبها كطفلٍ غريرٍ لا يسلمُ من العثرات.
    وأنت ترى في الزقاق حلاقاً محدود المورد، مسدود باب الرزق، يجد في «الأورنس» البريطاني جاذبية لا يسعه أن يُقاومها فيُسافر إلى التل الكبير ليعمل مع القوات، ويُدبِّر جنيهات تُعينه في افتتاح صالون أنيق وعلى الزواج بأثيرة الفؤاد.
    ومن صور الزقاق ذلك التمرجي الذي ادّعى التطبيب، وراح يُعالج المرضى بما حصّله من تجريب، فكان يسرق أسنان الموتى الذهبية وأطقمهم ليجد عند الأحياء سوقاً لها وهو مطمئن إلى الرسالة الإنسانية التي ينهض بها، سعيد بلقب «الدكتور» الذي أردف به اسمه للتشريف والتمييز.
    وتلك عجوز جاوزت الخمسين، ولكنها مع ذلك متطلعة إلى الزواج من شاب حديث السن. وكيف لا، وعندها من المال أكداس، وعندها من شباب القلب معينٌ لا ينضب، ولا بأس أن تدّعي أن الهموم كست شعرها بياضاً وأكدار الدنيا جعّدت غضون وجهها.
    أما هذه المرأة اللعوب فإنها «خاطبة»، تكتسب عيشها من «فتح البيوت وتعميرها» ومن «جمع الرؤوس في الحلال»، وأساليبها تتفاوت حسب تفاوت العملاء والزبائن، فإذا كان العميل شيخاً أوهمته أنه شاب ذو دلال وفتنة، وإن كان حديث السن زينت له أن حداثة العمر هي الأوان المُواتي للزواج، ولن يعيا منطقها، فقد اكتسبت من كثرة الممارسة دربةً واقتداراً.
    وهذا أسطى في فن ابتداع المتسولين وذوي العاهات، يأتيه المرء سليماً فيخرج من لدنه وقد تمتع «بنعمة» العمى أو العرج!، وكيف لا تكون تلك العاهة أو قرينتها نعمة مادامت تُدِرُّ على صاحبها أموال السذج من الخيرين والرحماء؟
    والفرانة وزوجها لا تعذب لهما الحياة إلا إذا كانت السياط وسيلة التفاهم، فهما منحرفان، والبيئة الفقيرة التي نشآ فيها جعلتهما ينحوان هذا المنحى المعوج.
    عشرات من هذه الشخصيات تترادف في رواية «زقاق المدق» التي كتبها الأستاذ نجيب محفوظ ليصور صورة حي من صميم المجتمع المصري، وليجلو عادات توارثها المصريون أو اقتحمت عليهم حياتهم بسبب ما ضُرِب عليهم من جهالة وأمية.
    وهذا النوع من الكتابة الروائية جديد في اللغة العربية، لأن القصة لا تدور أحداثها حول بطل أو بطلين، بل ينهض بدور البطولة فيها سكان زقاق المدق بأسرهم، لكل نصيب يؤديه، ولكل رسالة يُحققها، فتجتمع من أعماهم وأقوالهم صورة تتدفّق الحياة في جنباتها، وتسري فيها دلائل الحيوية الحقيقية.
    أما الطابع الغلاب على رواية «زقاق المدق» فهو طابع المرح المقترن بالسخرية، ففي كل بضعة أسطر ملحة أو فكاهة، ولكنك تدرك على الفور أن الأستاذ محفوظ لا يقصد بها إلا السخرية والازدراء. يذكر لك عادات تأصلت بين أفراد الطبقة الدنيا، ولكنه لا يكتم عدم رضاه عنها، ويحملك معه على أن ترثي لحالة أولئك السادرين في غي الجهالة!
    ويحسن الأستاذ محفوظ تصوير نوازع النفس البشرية، وما ذاك إلا لأنه ينتمي إلى المدرسة الواقعية التقريرية. فهو يرى أن من مهمة القاص أن يُصوِّر، وحسبه هذا العمل. أما أن يُلقي مواعظ ودروساً ويسوق عبارات الحكمة والقول المأثور فذا افتعال ينأى عن حياة الواقع، ويُبرز للقارئ ناحيةً تغلب عليها الكلفة والصنعة.
    وعلى الرغم من كثرة الرجال والنساء الذين زج بهم الأستاذ نجيب محفوظ في هذه الرواية، لم تخنه الملكة الفنية مرة واحدة، فلم يجعل أحداً منهم يتصرف تصرفاً يُناقض فيه نفسه، ولم يجعل هذه «الزحمة» تُفلت منه زمام الوحدة القصصية، فقد رُبِطت الرواية من أولها إلى نهايتها ربطاً محكماً، وسُلسلتْ حوادثُها تسلسلاً عاديا واقعيا. ومن ثم جاءت رواية مصرية بحت، عليها طابع قومي غير مقلد ولا مشوش.
    إن نجيب محفوظ يسير إلى الأمام، وروايته الجديدة تسبق سابقتها بخطوات واسعة.
    ـــــــــــــــ
    (4) المصدر: نشرت في «منبر الشرق»، في 30/4/1948م، وأُعيد نشرها في كتاب د. علي شلش: نجيب محفوظ: الطريق والصدى)، ص ص264-267.


  9. #29
    عـضــو الصورة الرمزية د.محمد فتحي الحريري
    تاريخ التسجيل
    25/06/2009
    المشاركات
    4,840
    معدل تقييم المستوى
    19

    افتراضي رد: مع الأديب الكبير وديع فلسطين

    شكرا للدكتور الفاضل حسين
    مع الامنيات الفائقة .


  10. #30
    أستاذ بارز الصورة الرمزية د. حسين علي محمد
    تاريخ التسجيل
    03/12/2006
    العمر
    73
    المشاركات
    394
    معدل تقييم المستوى
    18

    افتراضي رد: مع الأديب الكبير وديع فلسطين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.محمد فتحي الحريري مشاهدة المشاركة
    شكرا للدكتور الفاضل حسين
    مع الامنيات الفائقة .
    [a7la1=00FF00]
    شُكراً للأديب الدكتور
    محمد فتحي الحريري
    على المشاركة بالتعقيب،
    مع موداتي
    [/a7la1]


+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •