وديع فلسطين يري أن الترجمة أنقذته من الوقوف بابواب المسئولين:
الـقـارئ لـم يعـد مـوجـودا
أجرت الحديث: تهاني صلاح
............................
احد العمالقه الذين ملاوا الدنيا ابداعا وشغلوا الناس بنضالهم الثقافي, الف وترجم العديد من الكتب الشامخه منها قضايا الفكر في الادب المعاصر, ومختارات في الشعر المعاصر, واسهم في اعداد بعض الموسوعات العربيه. نلمح في كتاباته خفه الظل غير المتكلفه مع الوقار والجديه في صياغه متينه وهو يرسم بقلمه ملامح لشخصيات في الادب والشعر والثقافه والصحافه والسياسه والفكر, شخصيات من كل الاقطار العربيه ومن كل مهاجر الدنيا. صدر عنه وعن شخصيته العديد من المولفات والدراسات, ويعرفه الكثيرون من الادبائ والمستشرقين في جميع انحائ العالم, وبحسبه هذه الشهره الذائعه, والسمعه الطيبه, والفكر واسع الافق الشاسع والاحاطه بالكثير من المعارف والثقافات.
انه ««وديع فلسطين»» الذي يحيا حياه مناضل بقلمه في سبيل اعلائ كلمه الاديب وحريه الفكر, فهو من اقدم خريجي قسم الصحافه بالجامعه الامريكيه وعمل بها لاكثر من عشر سنوات كاستاذ, ورغم انه عضو بالمجمع اللغوي في كل من سوريا والاردن, الا انه لم يحظ حتي الان بعضويه مجمع الخالدين بالقاهره, وعلي الرغم من تكريمه في عدد من البلاد حيث كرمته الحكومه الاسبانيه بمنحه اكبر نيشان ثقافي وكرمته السعوديه في دورتها الاثنينيه التي يقيمها الشيخ عبدالمقصود خوجه كل اثنين, الا انه في مصر لا يشعر به احد وتتجاهله الجوائز المصريه.
ورغم كل ذلك ورغم تجاوزه الثمانين من العمر, الا انه مازال يثري حياتنا الثقافيه, حيث صدر له اخيرا كتاب ضخم من جزاين بعنوان وديع فلسطين يتحدث عن اعلام عصره ويرسم من خلاله صورا شبه حيه لـ95 علما من الاعلام الذين عرفهم في مسيره حياته وكان لهم اسهام في الحياه الفكريه المعاصره وهو بذلك يعطي صوره لعصر كامل من عصور الادب والفكر, ولهذا ولغيره كان حوارنا مع الاديب المبدع وديع فلسطين.
البعض يعتقد ان لك جذورا شاميه, فهل هذا صحيح؟
ولدت في اخميم بصعيد مصر, من ابوين مصريين, ولكن قد يكون ذلك الاعتقاد بسبب عملي في الصحافه منذ الاربعينيات مع الشوام سوائ في جريده الاهرام, ثم بعد ذلك في المقطم.
اليوم اين انت من الحياه الثقافيه ولماذا ابتعدت عنها؟
بصراحه احسست اني خارج الهيئه الادبيه, ففضلت الاعتزال بنفسي قبل ان تقال لي, فمنذ عام1942 وانا اعمل بالادب والصحافه, وكنت في خضم الحياه الادبيه, وبعد قيام الثوره1952, وبالتحديد في اكتوبر اعتقلت ـ دون سبب ـ ولم استطع بعد ذلك العوده مره اخري الي العمل بالصحافه وابتعدت وبدات اكتب خارج مصر في لبنان وتونس وغيرها, ومنذ ذلك الحين وانا معتزل الجهات الرسميه ولا اريد الانخراط في الانشطه الخاصه بالثقافه خاصه بعد اختلاط العمل الثقافي بالعمل الرسمي واصبحت بلا وظيفه, ففضلت ان اكون نبتا شيطانيا.
انت تعد شاهد مالك علي احداث ثقافيه كثيره حدثت خلال فتره طويه من الزمن, تري ما الفرق الان بين مثقف القرن العشرين ومثقف القرن الحادي والعشرين؟
الفارق كبير, فاليوم مع انتشار وسائل الاعلام المتعدده اصبح المثقف يلتقط الثقافه التقاطا بمعني لا داعي لقرائه نجيب محفوظ مثلا او غيره ويكتفي بمشاهده اعماله في السينما او التليفزيون, فاصبح اليوم هناك استخفاف بالثقافه من جانب المثقفين ويريدون التقاطها التقاطا عجلا وهذا ما الاحظه في كتاباتهم.
لك دراسه نقديه عن الشعر المعاصر تدعو فيها للعوده الي عموديه القصيده وتحرير الشعر من الغموض فما رايك فيما يسمي بالشعر الحر او قصيده النثر؟
لكل شيئ قواعد ومنه الشعر وهذه القواعد استقرت عبر سنوات طويله, ثم جائت جماعه تريد التجديد, وهم متمسكون بلفظه الشعر, وانا اقول كل كلام حلو يعد ادبا فلماذا نطلق لفظ شعر علي شيئ ليس له صله بالشعر كما عرفناه ودرسناه, واطلق عليه ديوان العرب انا لست معترضا علي هذا الشعر باعتباره ادبا, مي زياده كانت تكتب هذا النوع من الادب, ولم تطلق عليه شعرا وكانت تسميه خواطر او سواغ, حتي بيرم التونسي كان يقول انه زجال وليس شاعرا, اما الان اي زجال يطلق علي نفسه شاعرا, فهولائ يتمسحون بلفظه الشعر في حين انه يمكن ان يطلق عليها ايه صفه اخري تندرج تحت الادب طالما استقامت له المعايير الادبيه, وانا اقرا اشيائ كثيره لا افهمها ويكتنفها الغموض, فالحكمه في الادب التفاعل بين الكاتب والقاريئ, فاذا لم يستطع الكاتب ان يحقق التواصل بينه وبين المتلقي, فلم يحقق الرساله المطلوبه من الادب.
««وديع فلسطين»» لمحرره المجله : الخصومات الموجوده بين البلاد العربيه تنعكس علينا كمثقفين
وهل تعتقد ان الشعر مازال ديوان العرب, ام ان الروايه تصدرت لتصبح ديوانا للعرب؟
الشعر ديوان العرب حقيقه تاريخيه لا سبيل الي تغييرها, اما اذا كان هناك فن اخر اصبح له الغلبه, فمعني هذا انه لا يحل محل الشعر, فاليوم لا يمكن ان نلقي البحتري او المعري او المتنبي, ولكن لماذا لا يكون هناك ديوانان احدهما للشعر والاخر للروايه.
ما رايك في الاتجاهات النقديه الحديثه؟ وهل النقد اليوم يقوم بدوره تجاه المبدع؟
الاتجاهات النقديه الحديثه اغلبها مستورد من الخارج, وهذه المذاهب يستخدمها البعض وانا اري انها ليست ملزمه لاي شخص ولماذا نستخدمها, ولا نستخدم منهج محمد مندور وهو متعلم في فرنسا وعندما كتب عن النقد المنهجي عند العرب تحدث عن الاصول العربيه في النقد, يقال ان هناك تقاربا بين اللغات, فهل اخذ الغرب عن العرب القواعد النقديه والشعريه في كتاباتهم بالتاكيد لم يحدث ذلك, فلماذا ناخذ نحن عنهم خاصه وان اغلب هذه المذاهب انتهت في بلادها ولم تعد تطبق اطلاقا, اما النقد الادبي اليوم فاصبح مجاملات, ولم يعد هناك ناقدا محترف في قامه محمد مندور او سيد قطب او انور المعداوي.
قمت بترجمه العديد من الاعمال الشامخه منها قضايا الفكر والادب المعاصر, تري ما دور هذه الترجمات في اثرائ الحياه الثقافيه, وهل المشروع القومي للترجمه يكفي وحده؟
للترجمه اهميه كبري في التواصل بين الشعوب ومن خلالها يتعرف الانسان الي الاخر, ولهذا فهي تحتل مكانا متميزا, وقديما علي ايامنا كانت الطريقه المتبعه في الترجمه حينما اقرا كتابا واعجب به اقوم بترجمته ونشره, وبذلك كانت تعتمد علي شخصيه المترجم فقط, بعد ذلك قامت بعض الهيئات لتشجيع الترجمه مثل موسسه فرانكلين في مصر وكانت تختار الكتب والمترجمين وتقوم بعمليه النشر ولانها كانت موسسه امريكيه, فكانت حريصه علي ان تكون كل الكتب المترجمه امريكيه, ثم اختفي دورها بوفاه موسسيها واليوم اقامت الدوله المشروع القومي للترجمه, ولا ادري من هم ورائ هذا المشروع وهل هناك لجنه متخصصه وخطه موضوعه لاختيار الاعمال المترجمه, وعلي اي اساس, انا لا استطيع ان اقيم هذا المشروع ولكن اعتقد ان المشكله الاساسيه بالنسبه للترجمه والتاليف ايضا هو القاريئ الذي لم يعد موجودا.
انت تعد من القلائل بل المصدر الوحيد في مصر الان لادب المهجر, فلماذا لا تقوم باحيائ هذا النوع من الادب وذلك التراث المهمل الذي لا يعرف الكثيرون عنه شيئا؟
ادب المهجر اخذ مني اهتماما كبيرا, ومع الاسف هو مهمل تماما الان في مصر, حتي اساتذه الجامعه لا يعرفون عنه شيئا ولا يدرسونه, فهذا التراث الضخم الذي تركه ادبائ المهجر يجب الا يهمل هكذا خصوصا انهم كانوا يتبنون القضايا العربيه في المهجر, وكان لهم صوت مرتفع في مناصره جميع القضايا العربيه, وكل الظلم الذي لحق بهولائ الشعرائ ان شعرهم موزون مقفي, والان اصبح ليس لهم سوق ما وانا في كتابي الاخير اعلام عصر تحدثت عن معظمهم في فصول كامله.
ولماذا لم تكتب كتابا مستقلا يتحدث عن ادب المهجر واعلامه؟
اذا وجدت ناشرا وطلب مني هذا ساقوم فورا بكتابته, خاصه وان هذا النوع من الادب مراجعه قليله جدا بل نادره ونفدت من المكتبات ولم يتم طبعها مره اخري, وكثير من الباحثين الذين يريدون التخصص في هذا النوع من الادب لا يجدون له مراجع في دار الكتب ولا في مكتبات الجامعات ولا حتي لدي اساتذتهم.
كيف تري واقع الثقافه العربيه الان في ظل الظروف الراهنه؟
ساطع الحصري كان يدعو للقوميه العربيه حيث دعا الي قيام وحده عربيه فوريه من كل الجهات, قلت له نبدا من حيث نتفق وليس من حيث نختلف, لذا يجب ان نبدا بالثقافه والادب, والان الخصومات الموجوده بين البلاد العربيه تنعكس علينا كمثقفين بمعني ان التواصل الثقافي اليوم بين الدول العربيه اصبح صعبا حتي تبادل الكتب اصبح عسيرا بسبب الجمارك, فالتواصل بين المثقفين يقوم علي الاتصال الشخصي فقط من خلال الندوات والموتمرات, اما الاجهزه الرسميه فهي خارج هذا التواصل وعليك ان تحكمي علي هذا الواقع في ظل هذه الظروف.
هل معني هذا ان المثقف اليوم ليس له دور فيما يحدث في العالم العربي؟
اذا اتيحت له الفرصه يستطيع ان يقوم بدوره ولكن اين هي الفرص؟ علي ايامنا كان هناك العديد من المجلات مثل الثقافه والرساله والمقتطف والاديب, وغيرها وكان المثقف يقوم بدوره من خلال هذه المجلات بالتعبير عما يجول بخاطره بصراحه وامانه, واليوم بعد اختفائ هذه المجلات واصبحت المجلات والصحف حكوميه تصدر عن الدوله وتتحكم فيها معايير ومقاييس كل دوله, وبالتالي فالمثقف الذي يريد ان يعبر عن نفسه ويقوم بدوره عليه ان يتكيف اولا مع الجهه التي يكتب فيها.
سؤال اخير كيف يعيش وديع فلسطين الان؟
مررت بظروف مختلفه كما قلت, وفي النهايه وجدت خلاصي في الترجمه بكل انواعها, فالترجمه هي التي انقذتني من الوقوف بباب اي شخص, وبالتالي فعملي الاساسي هو الترجمه وان وجدت متسعا من الوقت اعمل في الادب ونشاطي الادبي مرهون بالطلب بمعني اذا كلفت من دور نشر بعمل ادبي معين, اقوم به واذا لم اكلف افضل العمل بالترجمه.
وماذا يدخر وديع فلسطين للقاريئ من اعمال ادبيه في طريقها للنور؟
اكتب مقالا شهريا في مجله الهلال عباره عن ذكريات او خواطر, وهناك ناشر يلح علي في جمع هذه المقالات لنشرها في كتاب وانا لا امانع من حيث المبدا باعتباره امتدادا للكتاب الاخير, ولكن قد يختلف عنه في المنهاج, وانا الان في سبيلي لجمع هذه المقالات*
...........................
[نقلاً عن "الأهرام العربي"]
المفضلات