لقد نزع الشعراء عامة في العصر العباسي للتزود بجميع ألوان المعرفة وما كانوا يجدون في ذلك من لذة عقلية .وقد مضوا يتمثلون كثيرا من هذه الألوان ويحيلونها غذاء شعريا بديعيّا،سواء منها الهندي والفارسي واليوناني،وما لم يحيلوه تأثروا به من قريب أو بعيد،ولنقف قليلا عند الثقافة الهندية في قول أبي نواس في بعض
قل لزهيـر إذا حـدا رشـدا=أقلل أو أكثر فأنت مهذار
سخنت مـن شـدة البـرودة=حتى صرت عندي كأنك النار
لا يعجب السامعون من صفتي=كذلك الثلج بارد حار
المغنيين هاجيا:
وهذا الشعر دليل على نظرة أبي نواس في علم الطبائع،لأنّ الهند تزعم أن الشيئ إذا أفرط في البرد عاد حارا مؤذيا...وكان تأثير الثقافة الفارسية في الشعر والشعراء أشد وأقوى من تأثير الثقافة الهندية ،إذ كان كثير من الشعراء يتقنون اللغة الفهلوية،وقد مضى الشعراء منذ ظهور كتابي الأدب الكبير والأدب الصغير لابن المقفع يتأثرون بما نقله فيهما من تجارب الفرس وحكمهم ووصاياهم في الصداقة والمشورة وآداب السلوك والسياسة ومن يرجع إلى بشار يجده يفرد للمشورة قطعة طويلة في إحدى مدائحه:
إذا بلغ الرأي المشـورة فاستعـن=برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة=فإن الخوافي قوة للقوادم
ولا ريب في أنّ الثقافة اليونانية كان تأثيرها في الشعر والشعراء أعمق وأبعد غورا،بما فتحت أمامهم من أبواب الفكر الفلسفي وأبواب المنطق ومقاييسه.
وأدلته ، وما بعثت فيهم من محاولات استكشاف دفائن المعاني واستخراج دقائقها
يتبع................
المفضلات