جنيـــــــــــــــــــــــــــة البئــــــــــــــــــــــــر

قصة قصيرة مترجمة من الادب الاسبانى بتصرف
(الحلقه الاولى )



زوار طليطلة الذين يزورونها لآول مرة يتبادر الى أذهانهم اسماء أماكن تقليديه عديدة ، وهى اسماء تبدو فى غاية الغرابة ليس بالنسبة للسياح فقط وانما بالنسبة لاهل طليطلة أنفسهم ، ومع غرابتها الا ان شيوعها بشكل كبير بين الناس جعل تصديقها اقرب من تكذيبها ، ومن أمثال تلك الاسماء الغريبة ( الاولاد الحلوين ) ، ( أبو نبوت ) ، ( الوكيل ) ، ( الثور ) ، ( الوخازين ) ، ( مسيح النور ) .... الخ الخ
لكن هناك شارع معروف لكل الناس يبدأ من ميدان مبنى الادارة المحلية ويطلق عليه شارع البئر المرة ، وقد اكتسب هذا الاسم الغريب لان فى احد بيوته تتوجد بئر اشتهرت بمرارة مائها .
يحكى أنه حدث فى الزمن البعيد ومنذ عدة قرون مضت على عهد الملك الفونس السادس الذى كان ملكا لقشتالة بعد استرداد المدينة من ايدى المسلمين انه كان يعيش فى طليطلة وفى تلك الدار التى توجد بها البئر رجل ثرى يدعى ليفى .
كان ليفى تاجرا ماهرا ذو علاقات تجاريه واسعة ومتعددة فى كثير من البلدان ، وكان همه الاول هو
تزويج ابنته الوحيدة راشيل الى ثرى مثله أو اكثر منه ثراءا ، وبجانب ليفى وابنته راشيل كانت تعيش الخادمه سارة وهى أمرأة عجوز تقوم بخدمة هذه الاسرة منذ زمن بعيد وقبل ولادة راشيل بوقت طويل .
كانت دار ليفى مثل باقى الدور فى طليطلة قد بنيت على نفس النسق المتبع والشائع فى البلاد وبها فناء يتوسطه بئر للماء العذب .
كانت تلك الابار تحفر بعمق حتى تصل الى الطبقات الصخريه العميقه فى التربه من اجل ان تأتى بماء صافى وصاقع وكانت مياه بئر ليفى عذبه ووفيره وبارده .
كانت راشيل تشارك سارة الاهتمام بالمنزل والعناية بالحديقه وكانت راشيل فى كثير من الاحيان تأخذ على عاتقها تنسيقها وازالة اوراق اشجارها الزابلة والتخلص من الحشائس الغير نافعة .
حين كان يأتى فصل الربيع كانت الحديقه تظهر فى اجمل مناظرها وأبهى صورها بألوان ازهارها المتعددة والمتنوعه ، وفى هذا الوقت بالذات كان اهتمام كل من سارة وراشيل بالحديقه يصل الى زروته، وكانتا تشعران بالبهجة والسرور اثناء جلوسهما بين الورود اليانعه والازهار المتفتحه ذات الروائح الذكيه والشذى الفواح .
فى مساء يوم من الايام مر من أمام دار راشيل فارس شاب يمتطى جوادا جميلا ويلبس ملابس فاخرة فسمع صوتا عذبا يطرب الاذان يأتى من خلال
جدران الدار ، اقترب من الدار حتى أصبح لصيقا بها ، ثم ترجل من فوق جواده وأمسك بلجامه يجره خلفه حتى التصقت أذنيه بالحائط بالقرب من الباب الحديدى الضخم . فلما انصت لم يستطع أن يفهم من الغنوة كلمة واحدة ، كانت بلغة لم يعهدها ولم يسمعها من قبل ، ورغم ذلك فقد أطربه الصوت العذب ووجد نفسه مشدودا اليه بقوه . قال لنفسه هذا صوت جميل عذب جذاب ، لابد أن تكون صاحبته اجمل وأحلى ! وبدافع الفضول حاول ان يفتح الباب ، لكنه لم يتمكن ، فاصطنع حيلة طرأت برأسه .
طرق الباب مرة بعد الاخرى بواسطة الكف الحديدى المعلق من الخارج فتوقف الصوت فورا عن الغناء ، وبعد برهة فتح الباب وظهرت من خلفه فتاة ذات وجه منير كالقمر فى ليلة كماله ، لم يشاهد الفتى مثله ، تسمر مكانه بغير حراك ، بهره جمالها .
ظل واقفا مذهولا ، غير متمالك للحركه ، ظن انه يحلم ، قال لنفسه أفى الدنيا حسن وجمال الى هذا الحد الفتان ؟
صغيرة السن ناضرة الوجه طاغية الجمال عليها مسحة من براءة الطفوله ، قوام ممشوق دافق بالحسن متحدر بالرقه ، يأخذ بالالباب ، يأسر الأنفس ، اشعر اسعود كثيف ناعم يتدلى حتى خاصرتيها ، بياض ناصع تشوبه حمره الورد ، عينان سوداتان بشع منهما بريق قلب صاف ، فم صغير تحوطه شفتين كقطعتين من عقيق كريم بادرته بابتسامه رقيقه أظهرت صفين من الاسنان البيضاء اللؤلؤيه الرائعة قطعة ساحرة من الجمال الفتان المتناسق فى كل جزء منه .
نظرت اليه فوجدته جميلا ، ممشوع القوام ترتسم عليه ملامح النبلاء ، راحت تنظر اليه فى إعجاب دون ان تشعر كم من الوقت قد مضى على تطلعها إليه ، فلما انتبهت الى انها تقف امام شخص غريب ، انتفضت ، بادرها بقوله : عفوا يا آنسه .. اسمحى لى أن القى عليك تحيه الصباح
- ردت الفتاة : صباح النور
الفتى : هل هذه الدار هى دار السيد رودريجو البرادو ؟
الفتاة : لا ايها الفارس .. ثم استطردت تقول : ان الدار التى تبحث عنها تقع فى نهاية هذا الشارع ، ويمكنك ان تتعرف عليها بسهولة لانها اكبر واجمل دار فى هذا الشارع بل وفى الحى بأكمله.
الفتى : أحقا هى اجمل دار فى هذا الحى بأكمله ؟
الفتاة : لن أكون مبالغة اذا قلت لك انها اجمل دار فى طليطلة بأسرها ..
رد الفتى بشىء من الدهاء ، لكن لمن هذه الدار اذن ؟
الفتاة : انها دار ليفى التاجر .. ولو انك من أهل طليطلة لعرفت من يكون ليفى
الفتى : فى دهاء .. نعم نعم وهل أحد لا يعرف التاجر المشهور ليفى انه حقا اكبر واشهر تاجرفى قشتاله بأسرها .
الفتاة : حقا هل سمعت عن ليفى التاجر ؟
الفتى : طبعا طبعا ولكن الذى لم اكن اسمع به ان له ابنه بهذا الجمال الرائع .
الفتاة : كانت تلك هى أول مرة تسمع فيها راشيل اطراء عليها واعجابا بجمالها فلم تكن قد تحدثت مع شاب من قبل .، وقالت فى رقه طبيعيه جذابه : شكرا لك ايها الفارس قالت ذلك وقد احمر وجهها بشكل واضح ولم تعرف اين تدارى خجلها ثم قالت بعفويه ظاهره : ياه لقد سرقنى الوقت كثيرا ، لا بد من الدخول أن ابى يقول انه ليس من اللائق الحديث مع الغرباء . وهمت بغلق الباب ، لكن الشاب استوقفها وقال لها : شكرا على مساعدتك أنا اسمى الفارو جونثالث وعائلتى هى الاخرى معروفة فى طليطلة ، وها قد عرفتك على نفسى فهلا عرفتينى عن شخصك الكريم ، قالت فى خجل بالغ : اسمى راشيل .. راشيل ليفى
الفتى : يا له من اسم رائع وجميل
اسرعت راشيل باغلاق الباب وهى تقول اسمح لى أن اغلق الباب من فضلك ، فلوح لها الفتى بيده مودعا .
أغلقت راشيل باب الحديقه بهدوء حتى لا تسمعها سارة فتمطرها بوابل من الاسئلة الصعبة ، لكن سارة ذات الدهاء تلقفتها وهى تقول لها فى مكر ، مع من كنت تتحدثين عند الباب يا راشيل ؟ .. الم تعلمى بأن اباك قد حذرك من الحديث مع الغرباء ؟
راشيل : لقد كان رجلا يبحث عن دار آل البرادو .
سارة : وهل يستغرق الرد عليه كل هذا الوقت يا ابنتى ؟
راشيل : صراحة ان هذا الفارس لديه رغبة جامحة فى الحديث ولقد الهانى بحديثه الجذاب وكلماته الحلوة .
سارة : ما هذا الكلام يا بنيه هل جُننت ؟ الا تعرفى ان هذا لا يجوز فى تقاليد اسرتنا ؟ .. ان اباك لو علم بذلك فسوف يغضب علينا نحن الاثنتين .. يا بنيتى ارجوك الا تفعلى ذلك مرة اخرى .
راشيل : سارة انا لم اعد صغيرة السن ، فلقد بلغت عامى السابع عشر .. انا تعديت سن الرشد يا سارة ، الم تقولى لى ان امى قد تزوجت بوالدى وهى فى سن السادسة عشرة ؟
نظرت سارة الى راشيل بتفحص واهتمام ثم قالت : ياه .. كيف مرت هذه السنين بسرعه ، بيتنل مازلت اراك فى عينى طفلة صغيرة .. انت على حق يا ابنتى لقد بغلت سن الرشد ، ولكن بسرعة يا راشيل .. لقد اصبحت فعلا عروس فى سن الزواج .. لديك حق يا بنيتى .. لديك حق.. لقد غاب عنى ذلك . . لكن لماذا تريدين
الزواج مبكرا يا راشيل ؟ أتريدين أن تتركينى انا وابوك وحدنا فى هذه الدار الواسعة كما تركتنا امك ورحلت وكانت ما تزال فى ريعان شبابها وحسن جمالها .. لا تفعلى ذلك يا راشيل .. انا لا اتصور كيف يمكننى

تتبع فى الحلقه القادمه ان شاء الله