من المحرر:
الدين .. والشخصية المصرية

بقلم: محمد جبريل
.....................

الثابت - تاريخياً - أن الشعور القومي لمصر أي الشعور بالانتماء الوثيق إلي هذا الوطن ذي المقومات المعروفة المحددة بكل أبعاد هذا الانتماء ظل ممتزجاً امتزاجاً قوياً بالشعور الديني أي بالانتماء إلي دار الإسلام الواسعة بكل ما يفرضه هذا الانتماء من التزامات وهو انتماء بمعني المواطنة دون أن يفرق بين مسلم وقبطي عاني المصريون حكم العثمانيين علي امتداد أربعة قرون ولم يخرجوا عليهم بثورات جماعية لا لتقاعس ولا لغياب إرادة المقاومة وإنما لأن مصر كانت جزءاً من الدولة العثمانية وفي المقابل فقد تلاحقت ثورات المصريين - لاعتبارات معلنة! - ضد الاحتلال الفرنسي ثم الاحتلال الانجليزي.
أنت تجد الدين في كل مكان في الأذان الذي يصلك - في مواعيد الصلوات الخمس - في أي مكان تصادف وجودك فيه مدينة أو قرية أو حتي الصحراء في الآيات القرآنية والتعبيرات المأخوذة من الكتاب المقدس والدعوات الملصقة في وسائل المواصلات بدءاً بالسيارة الملاكي وانتهاء بالعربة الكارو في المصحف الذي يتصدر واجهات المحال والمكاتب والسيارات الأمر نفسه بالنسبة لصور العذراء وفي بدء الحديث أو الكتابة أو المشوار باسم الله الرحمن الرحيم.
ولجوء الإنسان المصري إلي الله بالقسم وبالدعاء وبالاتكال علي الله والإيمان بالغيب وبالأمل في حل ما يطرأ علي حياته من مشكلات.. هذا اللجوء يعكس عجز الإنسان المصري عن مواجهة ما لا قبل له بمواجهته فهو يرجع إلي الله كل تلك المشكلات هو العليم الخبير ومالك القدرة علي تحقيق النصفة.
واللافت أن الكثير من الأمثال ذات مصدر ديني مثل: اسع يا عبد وأنا أسعي معاك ملك منظمة سيدة اللي يجيبه ربنا كويس. كلنا ولاد آدم وحوا. الخيرة فيما اختاره الله. دع الملك للمالك. ربنا بيرزق الدودة في الحجر. ربنا خلق الدنيا في سبع تيام. ربنا عرفوه بالعقل. ربنا يطعمه خيرهم ويكفيه شرهم. شفاعة النبي تبلع الذنوب. الشكوي لغير الله مذلة. شربة الميه للعطشان تتحسب بقيراط في الجنة. الشيطان شاطر. عين المؤمن تشرف قبة السلطان.
مع ذلك فإن السماحة في مقدمة السمات الأصلية التي تميز الشخصية المصرية وهي سمة حضارية تستمد مقوماتها من الديانات التي اعتنقها الشعب المصري في امتداد تاريخه وأذكر أنه كان من بين جيراننا في شارع إسماعيل صبري بحي بحري بالاسكندرية: أسر قبطية. وأسرة يهودية وكان الصغار يلعبون في الشارع الخلفي أمام جامع سيدي علي تمراز. لا تشغلنا ديانة أي منا وإن كان المسلمون يترددون علي الجامع لأداء الصلاة أو لاستخدام دورة المياه أحياناً أما الأقباط فكانوا يتحدثون إلينا عن زيارات القساوسة إلي بيوتهم والصلاة التي تقيمها الكنيسة المرقسية صباح كل أحد.
يتصل بظاهرة الاستغراق الديني ظاهرة أخري مناقضة هي ظاهرة الانفصام الديني التي تعد في مقدمة سلبيات الشخصية بذلك الانفصام ما تنسحب عليه التسمية في أمور حياتنا نحن نرفع الشعارات ونمارس نقيضها نتحدث عن النظام ونتصرف في فوضي وعن العدالة ونمارس التفرقة وعن رفض الفساد والشللية والمحسوبيات ونغض الطرف عن ذلك كله ربما مسايرة لمقولة جحا الشهيرة عن العيب الذي لا يشغله مادام بعيداً عن بيته!
من المهم أن نمارس ما نؤمن به. ما نعلنه. وندعو الأخرين إلي ضرورة تطبيقه.
..................................
*المساء ـ في 20/3/2010م.