مرَّ على كتابة هذه الخاطرة أكثر من ثلاث عشرة سنة، ولأني لم أستطع نشرها في كل الوطن العربي "المعمور" بالحكام والتصفيق، نشرتها حينها في قارة بعيدة أسمها استراليا، عبر صفحات جريدة "النهار" التي كان يصدرها الصديق العزيز الأستاذ بطرس عنداري؛ الذي ما زلت أحييه لشجاعته وانسانيته العالية جداً، رغم أننا كثيراً ما كنا نختلف، لكن كثيراً ما زلنا نحب؛ ونحترم.
والآن أعيد نشرها عبر أثير هذا الصرح الحضاري، علني أتعلم منها أكثر.
الأرض الثورة والقائد سلمى
لم يبقَ إلا سلمى، نخلةً شامخةً لا تؤبرها إلاَّ الأرض ...
كل القبائل شاخت ...
وشاخ كل الرجال والحروب شاخت ولم تولد الثورة.
وبقيت سلمى فتيّة ... على الدهر عصيّة .. على العمر، وعلى الرزنامات والأشهر العربية.
شاهدة على" نيسان" و"تشرين" و"الفارس" و"الحارس" و"الكنّاس" .. وعلى دفن العقول والطاقات. مدركة منطق "التحرير" و"ذات الرسالات" .. ووعيت سلمى التطهير والتخدير للعقول والنساء .. وما زالت تراقب حرب السيف والرقبة.
إيه يا سلمى .. كم سهرتِ في الليل العربي ترقبين خفافيش السماء والسلطان والأعين السحرية .. والتقنية في جسّ النبض وتطوّر حركات الفكر .. وكم من نهارٍ عليك أصبح سماؤه نسوراً وبخوراً يحمي العرش من كيد الحاسدين، وكيف غنّى المحيط خليجه وسط (الأم) و(العاصفة)، وأبو الشباب يروي الهجير بماء الشيخ بن الشيخ حفيد الشيخ .. فكل الأنساب والأسباب والأسراب تعرفها سلمى.
سلمى تفهم الأصنام، وتعرف الرقعة والشطرنج، والبساط الإفرنجي تعرف مساحته سلمى.
سلمى؛ وكم من المربعات لسموّ اللات والعُزّى.
سلمى الموعودة لا يخفى عليها شيء.
سلمى تعرف الأرض ولا تغضب أمها ..
سلمى بنت الأرض ووحيدتها ..
كل الأبناء ماتوا ..
وبقيت سلمى نخلةً .. شاهدةً .. مدركةً معنى الأرض، تُلقح التراب والرميم بالرطب والنواة.
تعيد الحياة .. بعنف الخطاب عن "جماعة الواو" .. وواو الجماعة .. بالرطب بالنواة تخبر عن زناة الليل؛ لتصبح الأرض كلها نخيل .. عندها تمور الأرض وتموج، وتقذف من بطنها كل الفخامات والملوك، ويخاطب الطفحان الكيل؛
خطاب سلمى للأرض.
حينذاك نثور .. خلف الرفض .. خلف الأرض .. فالأرض الثورة، وأنت القائد يا سلمى.
المفضلات