باتريك سيل
كاتب وصحفي بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط
8/29/2008
http://www.alhaqaeq.net/?rqid=200&secid=8&art=87063

الحماقات الإجرامية لسياسة بوش في الشرق الأوسط


لو كان للعالم أن يصوّت في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لربح باراك أوباما من دون شك، فثمة رغبة سائدة في أنحاء المعمورة، وعلى وجه الخصوص في أوروبا والعالم العربي، بأن تستعيد الولايات المتحدة عافيتها وسلطتها وسمعتها. إلا أن العالم لن يصوّت.

كما لا يمكن الاعتماد على الناخبين الأميركيين المنشغلين بالانكماش الاقتصادي الحالي، والواقعين تحت تأثير مجموعات المصالح الخاصة والجاهلين بشكل كبير لما يجري في العالم، لإيصال أوباما إلى البيت الأبيض، رغم أن استطلاعات الرأي تُظهر أن معظم الأميركيين يشعرون بأن بلدهم يذهب بالاتجاه الخاطئ.

أمام أميركا فرصة تاريخية لتقلب صفحة الحماقات التي ارتكبت خلال السنوات الثماني الماضية. لكن هل سيتم انتهاز هذه الفرصة؟

يبدو واضحا، على الأقل بالنسبة إلى المراقبين الخارجيين، أنه من المرجح أن تدفع رئاسة جون ماكين، التي تضم محافظين جددا أكثر تطرفا من أولئك الذين رسموا سياسة إدارة جورج بوش الابن في الشرق الأوسط، بالولايات المتحدة إلى الوقوع في شرك الاستعمار الجديد المتعجرف والحروب الخارجية.

وبالعودة إلى الوراء، تنبثق معظم أخطاء بوش الكارثية من القراءة الخاطئة لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية. فلماذا شعر 19 شابا عربيا برغبة جامحة لضرب أميركا، إلى حدّ أنهم كانوا مستعدين للتضحية بحياتهم لتحقيق ذلك؟

أقرّ قلة من السياسيين والمعلّقين الأميركيين بأن الإجابة تكمن في السياسات التي اعتمدتها أميركا في المنطقة، ومنها:

• فبعد أن أُجبرت القوات السوفياتية على الانسحاب من أفغانستان عام 1998، تخلّت الولايات المتحدة عن عشرات الآلاف من المسلمين الذين جنّدتهم وزوّدتهم بالسلاح والمال إلى جانب حليفتها باكستان، من أجل أداء هذه المهمة.

• تم نشر نصف مليون جندي أميركي في المملكة العربية السعودية بغية إخراج العراق من الكويت في العام 1991.

• بعد حرب الخليج الأولى، استمرت الولايات المتحدة في معاقبة العراق وعزله والحاق الشلل باقتصاده عبر فرض العقوبات عليه على مدى 13 سنة وشن غارات جوية متكررة عليه.

• سمحت الولايات المتحدة لإسرائيل أن تحتل الأراضي الفلسطينية بوحشية وتقيم فيها المستوطنات بشكل غير شرعي.

وبدل إعادة النظر في هذه السياسات وتصحيحها، تقبلت الولايات المتحدة حجة المحافظين الجدد القائلة بأن اعتداءات 11 أيلول لم تكن بمثابة جواب غاضب على السياسات الأميركية، بل هي ناتجة عن العنف والتشدد اللذين يسيطران على العالم العربي. وأعلن المحافظون الجدد بالتالي أنه يجب إصلاح المجتمعات العربية وإعادة هيكلتها بالقوة إن لزم الأمر، بدءاً من العراق، كي تعيش الولايات المتحدة وإسرائيل بأمان.

هكذا، تم شن حرب عالمية متهورة على الإرهاب، وعوضا عن أن تنجح في القضاء على الإرهاب، ساهمت في ولادة جيل جديد من المجاهدين الغاضبين. ونظر عدد كبير من العرب والمسلمين إلى سياسة بوش على أنها حرب على الإسلام.

لم تكن للعراق في عهد صدام حسين أي علاقة باعتداءات 11 أيلول، ولم يكن هذا البلد يملك أسلحة الدمار الشامل كما تأكد بعد ذلك. إلا أن إسرائيل وحلفاءها في إدارة بوش رأوا في العراق تهديدا محتملا للدولة العبرية. وتم بالتالي اعتماد سياسة بناء على معلومات استخباراتية ملفّقة بهدف الإساءة إلى العراق واحتلاله وتدميره في العام 2003. فقُتل مئات الآلاف من العراقيين وتم تهجير بين أربعة وخمسة ملايين شخص عن منازلهم أو أجبروا على النزوح عن وطنهم.

وتسببت حرب العراق بضرر كبير في صفوف القوات المسلحة الأميركية وبإفلاس الخزينة الأميركية وبتدمير سلطتها المعنوية والسياسية في معظم أنحاء العالم. والآن يدرك باراك أوباما الحاجة لإنهاء هذه الحرب الاستعمارية غير المجدية ولإعادة القوات الاميركية إلى بلادها.

في هذا الوقت، لم تصل عملية المطاردة التي كان هدفها العثور على أسامة بن لادن وقتله مع معاونيه في تنظيم «القاعدة» إلى نتيجة، بسبب انشغالها بحرب العراق. وعوضا عن ذلك، جرّت الولايات المتحدة نفسها وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي إلى حرب ضد «طالبان» تحولت في الواقع حرب ضد 30 مليون رجل من قبيلة الباشتون موجودين على الحدود الأفغانية - الباكستانية، ومصمّمين على إخراج الأجانب وحماية عائلاتهم وطريقة عيشهم ودينهم.

تخسر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هذه الحرب أيضا. فالعاصمة الأفغانية كابول تقع تحت حصار حركة «طالبان»، كما تعاني باكستان من عدم الاستقرار، ويتم التفريط بحياة الغربيين والأفغان والباكستانيين، كما حصل عندما قضى عشرة مظليين فرنسيين في فخ نصبته لهم حركة «طالبان» في الأسبوع الماضي.

ولا يحتاج الغرب إلى جهد عسكري أكبر بل إلى وقف لإطلاق النار مع «طالبان» يليه حل متفاوض عليه، يشمل الولايات المتحدة والهند والصين وباكستان وأفغانستان بغية إعادة الاستقرار إلى المنطقة التي تعاني من الحرب.

كما يجب إشراك إيران في ذلك. فأكبر حماقة ارتكبتها إدارة بوش من بين حماقاتها كافة، هو فشلها في إقامة علاقة جديدة مع طهران، بعد ثلاثين سنة على الإطاحة بالشاه وعلى ولادة الجمهورية الإسلامية. ولا تزال المصالح نفسها التي دفعت بأميركا إلى الدخول في حرب ضد العراق تضغط بالزخم نفسه لشن حرب على إيران، فتساهم في الإساءة إلى هذا البلد وتهديده معتبرة إياه «خطرا وجوديا ليس على إسرائيل فحسب بل على العالم بأكمله!»

تطرّق أوباما إلى رغبته في الدخول في حوار مع إيران رغم أن لغته باتت أكثر قسوة في إطار تنافسه مع ماكين. يبدو أنه أدرك الحاجة الملحة إلى إعادة بناء جسور أميركا مع العالم الثالث ومع العالم الإسلامي بشكل خاص. كما تعهد أن يعطي أولوية للنزاع العربي-الإسرائيلي الذي أهمله بوش، والذي سمح له أن يبث السموم في علاقة العالم الإسلامي مع الغرب.

زارت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس هذا الأسبوع إسرائيل وهي زيارتها السابعة غير المجدية منذ انعقاد مؤتمر أنابوليس في شهر تشرين الثاني الماضي. فشلت الولايات المتحدة بالكامل في منع إسرائيل من نهب الأراضي الفلسطينية أو إنهاء سيطرتها الخانقة على الاقتصاد الفلسطيني وحصارها الوحشي لغزة. إلا أن قيام الدولة الفلسطينية لا يزال سراباً.

عشية زيارة رايس إلى إسرائيل، تم إطلاق سراح 198 معتقلاً فلسطينياً، قضى أحدهم 32 سنة في السجن الإسرائيلي فيما قضى شخص آخر 29 سنة، فهما فلسطينيان على غرار نلسون مانديلا، يقدمان شهادات عن وحشية نظام السجون في إسرائيل. ومن بين 11 ألف سجين فلسطيني قابع في السجون الإسرائيلية، هناك حوالي 9 آلاف منهم سجناء سياسيون، بينهم 326 طفلاً.

في شهر كانون الثاني (يناير) 2006، أظهر تقرير أعده مندوب خاص للأمم المتحدة أن «الإتهامات بممارسة وسائل التعذيب والمعاملة غير الإنسانية لا تزال مستمرة، كالضرب والتكبيل في أوضاع مؤلمة والرفس وعصب العينين لمدة طويلة وعدم السماح بتلقي العناية الطبية والتعريض لدرجات حرارة عالية وعدم توفر الطعام والماء بشكل مناسب».

قال أمين أبو ستة وهو في الثالثة عشرة من عمره وسجين سابق: «تم تقييدي على كرسي وتم إبعاد رجلي عن بعضهما البعض. أنهال علي خمسة جنود بالضرب، حاولوا أولاً ضربي وكسر أسناني، ومن ثم أمر أبو رامي (رئيس وحدة شين بيت في المنطقة) بضربي فانهالوا بالتالي علي بالضرب. ضربوني بقسوة إلى حدّ أن خرجت صابونة الركبة من مكانها وتسببوا بكسر في رجلي، وقد استمروا على هذا النحو على مدى ساعتين ونصف الساعة».