"العشائر الفلسطينية".. الترياق "الإسرائيلي" لحماس
أحمد الغريب
تناول موقع أوميديا البحثي الإسرائيلي في تقرير له إمكانية الاستعانة بالعشائر الكبرى في قطاع غزة بهدف إسقاط حركة حماس وإنهاء سيطرتها.
وذكر أودي جولان مراسل الموقع للشئون السياسية أن تقريرًا صادرًا عن مجموعة حل الأزمات الدولية (ICG - International Crisis Group) وهي منظمة غير حكومية مستقلة تعمل في العديد من دول العالم للبحث عن مواطن الصراع والأزمات وتقدم توصياتها للحكومات وللدول ويترأسها "جرانت أفينس" وزير الخارجية الأسترالي السابق وهناك هيئة استشارية عليا تضم شخصيات بارزة مثل "بيجنيف بيجنسكي" مستشار الأمن القومي الأمريكي إبان فترة حكم الرئيس كارتر ووزير الخارجية الإسرائيلي السابق شلومو بن عامي والجنرال الأمريكي وسلي كلارك أحد المرشحين في سباق الرئاسة الأمريكي منذ عدة سنوات, حيث تناولت المجموعة في تقريرها حول الأوضاع الأخيرة في قطاع غزة ونشاط حركة حماس وصعوبة التأثير عليها لتبنيها خط ديني أيديولوجي, إلا أن هناك عنصرًا هامًا يمكن الاستعانة به وهو وجود العشائر في قطاع غزة, وأشار "جولان" إلى أن باحثي مجموعة الأزمات الدولية توجهوا لقطاع غزة والتقوا هناك ببعض زعماء العشائر الفلسطينية، وكذلك عناصر من أجهزة المخابرات الإسرائيلية لبحث مستقبل الأوضاع في غزة.
وتناول تقرير مجموعة الأزمات الدولية بعض التفاصيل الهامة عن قطاع غزة ومنها أن عدد السكان كان في عام 1948 يقدر بنحو 80.000 شخص وفي أعقاب قيام دولة إسرائيل وصل لغزة نحو 200.000 لاجئ فلسطيني فيما يصل عدد السكان الآن لنحو 1.4 مليون مواطن منهم 75 % لاجئون.
أهم قبائل وعشائر غزة:
وبحسب التقرير فإن سكان غزة الأصليين هم من القبائل البدوية وأشهرها قبائل العزازمة والترابين وجلالين وعشائر كبرى كل منها تضم المئات والآلاف في بعض الأحيان مثل عشيرة المصري ودغموش وكفرانة وأبو حسين وعشائر أخرى, ونوه كاتبوا التقرير إلى أن حكام غزة منذ الخلافة العثمانية ومن بعدهم البريطانيين ثم المصريين قاموا بالاستعانة بالعشائر والقبائل من أجل إحكام سيطرتهم على غزة وتوطيد علاقاتهم مع السكان وكانت كل فترة تشهد صعود عشائر بعينها, ومن أوائل العشائر التي تم الاستعانة بهم لشغل مناصب هامة مثل رؤساء القرى وبعض الوظائف الأخرى التي حظوا بفضلها على قوة سياسية واقتصادية, كما أن إدارة الحاكم العسكري الإسرائيلية في قطاع غزة استعانت بهم ووطدت العلاقات معهم بهدف الحد من تأثير قوة منظمة التحرير الفلسطينية, ويرى تقرير مجموعة الأزمات الدولية أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 لم تشكل انتفاضة فلسطينية ضد إسرائيل فقط ولكنها كانت ضد رؤساء القرى وقيادات العشائر الفلسطينية حيث جرى إعدام أكثر من عشر قادة عشائر بتهمة التعاون مع إسرائيل وجرى إحلالهم بلجان شعبية تم تشكيلها من قادة العمل الميداني للمنظمات الفلسطينية وتم إحكام السيطرة على قطاع غزة.
لكن السلطة الفلسطينية خاصة رجال منظمة التحرير الفلسطينية القادمون من تونس في أعقاب توقيع اتفاق أوسلو استعانوا مرة أخرى بقادة العشائر ووطدوا العلاقات معهم وتم من أجل ذلك تشكيل قسم خاصة في السلطة لإدارة شئون العشائر وتم الاستعانة بهم في مناصب هامة ومنها مناصب في مجال القضاء وفض النزاعات بين العشائر وإنهاء الخصومات.
كما استعنت أجهزة الأمن الفلسطينية على كثرتها والتي تم إنشاؤها على يد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حيث جرى تجنيد العشرات من أبناء العشائر حتى أن بعض العشائر أصبحت على علاقة قريبة جدًا مع أجهزة أمن فلسطينية بعينها مثل عائلة أبو سمهندة التي ارتبطت بعلاقة وطيدة مع جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني الذي كان يتبع في ذاك الوقت محمد دحلان.
وأطلقت السلطة الفلسطينية يد أبناء العشائر الكبرى ومنحتهم الحرية الكاملة وكم من مرة قاموا بتنفيذ نشاطات غير قانونية مثل جرائم سرقة وابتزاز والحصول على رشاوى, فيما تنافستا حركة حماس وفتح على الحصول على التأييد السياسي من العشائر خلال الانتخابات, بل قامتا بالاستعانة ببعض أفراد العشائر للترشح عنهما للفوز في بعض المناطق, وذكر التقرير أن انتفاضة الأقصى الأخيرة وكذلك انهيار السلطة الفلسطينية أدى إلى دعم قوة العشائر في قطاع غزة.
وعلى ضوء الضائقة الاقتصادية التي يمر بها القطاع اعتمد الكثير من سكان قطاع غزة على الدعم الاقتصادي الذي تقدمه العشائر الفلسطينية, كما تسبب انهيار بعض مؤسسات السلطة الفلسطينية وتوقف عملها مثل القضاء, إلى التوجه من أجل طلب العدل من العشائر, كما نجح أبناء العشائر في جمع عتاد عسكري كبير وبات لديهم القدرة على استخدام القوة المسلحة بشكل أكبر, وبحسب أحد أبناء العشائر الذين جرى استطلاع رأيهم فإنه حينما قامت إسرائيل بقصف مقر أجهزة الأمن الفلسطينية قام أبناء العشائر بسحب سلاحهم والعودة إلى منازلهم.
حماس والعشائر:
ونوه كاتبو التقرير إلى أن سيطرة حركة حماس السريعة على قطاع غزة في يونيو 2007 أجبرتها على التعامل مع ظاهرة العشائر, وبشكل أساسي فإن حركة حماس تعمد على الإسلام والولاء لها يجب أن يكون على أساس إسلامي وليس عشائري وقبلي, وفي أعقاب قيام أبناء العشائر بإطلاق الرصاص على قوة من حماس انتقامًا على مقتل ضابط من حركة فتح من أبناء العشائر وهو الضابط ياسر بكر قامت حماس بفرض حصار على المقرات التي اختباء فيها أبناء العشائر وقاموا بقتل تسعة أشخاص وفر بعض أبناء العائلة إلى مصر وقامت حماس بفرض سيطرتها على عشيرة بكر, وبحسب التقرير فإن الصدام العسكري بين حماس وبين أبناء عشيرة بكر بمثابة إشارة إليهم بأنه لا يجب الدخول في مواجهة مع حماس، وحينها أعلن مستشار إسماعيل هنية أن حماس لن تسمح للعشائر بالتدخل في السياسة، وقامت حماس بفرض سيطرتها على غزة، ولم تلتفت للعشائر وجرى منع حمل السلاح بشكل علني ومنعوا من إقامة الحواجز وتم الضرب بيد من حديد على من يرتكب الجرائم.
وبالفعل تمكنت حماس من إحكام قبضتها على غزة وانتهت الفوضى وعاد النظام والأمن للشوارع الأمر الذي حظي برضا من قبل الجماهير الفلسطينية لكن كان ذلك بفضل استخدام القمع العنيف, مثلما حدث مع متظاهري حركة فتح.
ونوه التقرير إلى أن معظم العشائر في غزة تضررت من سيطرة حماس على غزة، لكنها ظلت ممتنعة عن الدخول في مواجهة معها كما رفضت التعاون معه.
وهناك بعض العشائر المسلحة التي قامت بتشكيل مليشيات عسكرية مثل عشيرة دغموش التي أسس أحد أفرادها وهو ممتاز دغموش مليشيا مسلحة قامت بخطف الصحافي البريطاني أيلان جونسون ورفضت الاستجابة لمطلب حماس لإطلاق سراحه فقامت قوات حماس بحصار المكان الذي يشتبه في وجود الصحفي المختطف بداخله وتم إطلاق سراحه.
وذكر التقرير أن مليشيا عشيرة دغموش مثالاً على قدرات العشائر المسلحة , منوهًا إلى أن ممتاز دغموش كان ضابط أمن فلسطيني سابق حيث عمل بجهاز الأمن الوقائي حتى عام 2000 ثم قدم استقالته مع باقي أفراد عشيرته وتقرب من حماس, وبحسب التقرير فإن أبناء العشيرة كانوا شركاء في عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 2006 ثم ابتعد عن حماس مرة أخرى وقام بتأسيس جيش الإسلام مستخدمًا الخط الديني الإسلامي متأثرًا بتنظيم القاعدة .
وفي الجزء الأخيرة من التقرير تم التطرق إلى مسألة إمكانية استخدام العشائر كأداة لإضعاف حركة حماس وإنهاء سيطرتها على قطاع غزة.
حيث يرى معدو التقرير أن أكبر خطر قد تواجهه حماس هو تحالف بين فتح والعشائر لكن العشائر ذاتها منقسمة ولا تتعاون مع فتح منذ فترة طويلة فبعد فترة طويلة من السيطرة على غزة أبدت حماس بعضًا من التوجه البراجماتي تجاه العشائر, وقامت القوة التنفيذية التابعة لحماس بالاستعانة بالعشائر الصغيرة وامتنعت حماس عن الدخول في مواجهات مع العشائر الكبرى.
وفي أكتوبر من عام 2007 اندلعت مواجهات بين عشيرة حلس المقربة من فتح وبين حماس وبعد عدة أيام من القتال الساخن استعانت فيها عشيرة حلس بعشائر أخرى انتهت بمواجهات مسلحة بين الجانبين بانتصار حماس .
رؤية عناصر مخابراتية إسرائيلية:
وبحسب اعتقاد عناصر سابقة في المخابرات الإسرائيلية تم استطلاع رأيها فأن هناك تجربة رائعة لاستعانة الولايات المتحدة بالقبائل المحلية في أفغانستان من أجل قتال تنظيم القاعدة في العراق, وهو ما يؤكد أن قبائل وعشائر غزة قادرة على شغل دور مماثل لإضعاف حماس.
ويرى الدكتور متاي شتينبرج الخبير الإسرائيلي في شئون الشرق الأوسط ومستشار رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي الشاباك سابقًا أن الأفضل وجود وضع تكون فيه سلطة حماس مستقرة من وضع يستشري فيه الفوضى.
وأنهي "أودي جولان" معد تقرير موقع أوميديا الإسرائيلي الإخباري تقريره بالقول: "إن إسرائيل قامت في السابق باستخدام عناصر محلية ضد أنظمة معادية ونجحت في ذلك بعض الشيء مثلما فعلت بمد يد العون للأكراد في العراق وقامت بمساعدة الماورنة في لبنان لكن انتهي ذلك بتورط إسرائيل في لبنان, وعلى الساحة الفلسطينية كان هناك محاولات في الثمانينات لاستخدام العشائر ضد منظمة التحرير, وكذلك هناك محاولات سابقة لاستخدام وتقوية فتح وأجهزة السلطة الفلسطينية ضد حماس.
وعلى الرغم من وجود بعض التحفظات على إعادة احتلال قطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي فإن إمكانية استعانة إسرائيل بعنصر آخر مثل عشائر غزة يبقي الحل الأفضل لإضعاف سلطة حماس.
المفضلات