أمام أربعة وزراء.. القواص تحول الفن الى ركام لفظي؟!
إذا كان للنقد وظيفة فهي إبراز جماليات العمل الفني ومدى القوة فيه من حيثيات بناءه اللوني وإيقاعه الحركي ككتلة نحتيه أو تشكيليه.. وإن تنوعت سبل النقاد فلابد من قواسم مشتركة يحددها العمل الفني, لو اختلفوا على تقيمه. ولأن الجمال مفهوم فلسفي اجتماعي وعلمي في الآن ذاته فهو قابل للقياس والمقارنة وبالتالي للحكم! وليس بالضرورة أن يكون الجمال في الفن هو جمال الشكل المرسوم بل يمتد الى جمال الفكرة وطريقة التنفيذ ومدى تميزها"فالجوكندة" ليست جميلة! بل يكمن جمالها في جملة التساؤلات التي تطرحها ومدى الإشكالية التي أوجدتها مع أنها ليست أكثر من عمل! لم يتحقق له هذه الشهرة لولا صراعات الفنان ووجداناته أثناء عملية الإبداع أو ما يسبقها, ودراسات النقاد! والحال كذلك مع"الغرنيكا". وهنا يبدو ضروريا وجود المقدم الجيد للوحة ناقدا كان أو غير ذلك بشرط قدرته على القراءة الصحيحة, هذا إذا سلمنا ضرورة أن يوجد مثل هذا القادر ليرافق المتلقي ويشرح له اللوحة! مع أن اللوحة التي لا تستطيع أن تقدم ذاتها لا تستحق أن تكون لوحة, والتي لا تحقق الإدهاش لا تستحق أن تكون لوحة جميلة مع مرعاة تشعب ما تعنيه هذه الكلمة!
ما أن افتتح المعرض السنوي حتى انبرت السيدة مها القواص لتشرح اللوحات للسادة الوزراء( وزير الثقافة, التربية, السياحة, ووزيرة المغتربين) حارفة فكرة اللوحة عن سياقها ومتجهة بها الى استعراضية العنفوان العربي! ففي لوحة نشأت الزعبي "دون كيشوت يصحى من أوهامه" ركزت السيدة مها القواص على الحصان العربي المتوثب للانطلاق والخروج الى غد مشرق بينما الحصان في اللوحة حصان منهك خائر القوى عاضا على لسانه ودون كيشوت العاري يجثو على ركبتيه ويديه كحلزون. بينما في أفق اللوحة من يجر حماره مطأطىء الرأس كمن يجر الهزيمة بينما تنتصب في وسط اللوحة صبية لها امتداد الوطن والتساؤل!؟ وبدل أن تصورها السيدة قواص وفق معطياتها كجرح وخيبة صارت الحصان العربي الذي..!؟ في اللوحة التي تليها للفنان خالد المز, والمز هو بامتياز فنان الأثر التأثيري للون ذاك الأثر المتأرجح بين الموت والحياة. وفي لوحته غير المعنونة"وهذا أفضل" نجد عدة نساء وبعض الفتيات الصغيرات باستعراضية لبرودة ورطوبة المشهد الذي يبرز هذه الصور الذاكرية عن الجسد وكأن الأمر في حمام للنساء؟ لكن القوة في هذا العمل تكمن بالتوازي مع الفكرة ببعد أثرها المرضي المترسب في نفسية الفنان واللون الذي يوغل به الى حدود الألم والرغبة, بين توناته الحارة والباردة مصورا تلك الحالة بتميز يسجل له, وليس كما شرحت السيدة قواص بأنها مشهد الولادة العربية!؟ ثمة فرق بين المكبوت الجنسي والمكبوت العربي الذي لا يفارق عيناها والذي تحاول قواص تعميمه! اللوحة الرابعة لنذير إسماعيل والتي تمثل بناء تعبيرا من الوجوه الورقية المتكسرة أو المستلبة أو الجامدة حتى أن الطير يقف على تلك الرؤوس في إشارة الى الموت المعمم وعبر كولاج من ورق الجرائد نستطيع أن نحدد ما يريد الفنان قوله؟! لكن قواص رأت أن هذا العمل يقترب من مسلة, كون معمار اللوحة عموديا؟! والذي اعرفه عن المسلة أنها تنتصب لتسجل مواقف المجد وليس الذل! فالذل وصمة نحملها على حبيننا لا نزال, ونظن أنها مسلة؟! بعد هذا الشرح المقلوب للمعنى.. كان الأجدر بالسيدة قواص أن تنظر لبعد مترين لتشاهد الفنان صاحب اللوحة واقفا فتدعيه ليقدم لوحته بدلا عنها فليس أفضل من الفنان لشرح عمله! وهذا ما جعل البعض من الفنانين يرددون بالخلف نحن هنا! أو عن ماذا تشرح السيدة قواص؟! وهنا لا عجب أن يبقى مسؤولونا يظنون أننا نغني فرحا بدل أن يعرفوا أننا نغني ألما؟! حاولت أن استمر بالاستماع الى شرح السيدة قواص لكني لم استطع احتمال هز رؤوس وزراؤنا الكرام وأنا اعرف عن وزير الثقافة سعة إطلاعه وقدرتة على قراءة اللوحة, وليس باقل منه في التذوق الدكتور علي سعد الذي تعلمت على يديه بداية القدرة على تحليل العمل الفني كأثر نفسي قبل أن يكون فني, وان الفن وسيلة التعبير للتخلص من أزمة نفسية أو وسيلة من وسائل الدفاع عن الشخصية الفردية أو الجمعية!؟ والفنان اذ يعبر بالفن فلأنه يتسامى على أن يكون جزء من المشكلة بل ناقوس الخطر أو ميزان حرارة الأمة فهل يعقل أن يحوله شرح قواص الى ميزان تعلو فيه كفة الشعارات التي لم تطعمنا كرامة في يوم!؟ الذي استغربه بل واستهجنه أن يكون الوزراء بحاجة الى شرح اللوحة! فماذا تركوا للمتلقي العادي؟! وهل يعقل أن ُيستخف الى هذا الحد بقدرة الوزراء على التلقي الجيد حتى ُينصب وصياً على عيونهم وذائقتهم؟! اللوحة هي ذلك الصدام البصري والمعرفي جماليا كان أم ثقافيا وحصيلة الأثر الفني المترسب فينا هو ما استطاع الفنان إيصاله وهذا كل ما في الأمر. فهل نشاهد وزراؤنا العام القادم يشاهدون اللوحة بمفردهم ويتقدمون من لوحة الى أخرى وفق إيقاعاتهم المعرفية والنفسية, وليس على إيقاع التحرك البروتوكولي ككتلة بشرية وحسب؟!
¬عمار حسن
منشور بجريدة الثورة السورية