القاص المغربي أحمد هشيمي يصدر خمس مجموعات قصصية للأطفال
عزيز باكوش
احمد هشيمي أديب مغربي صدر له :
1. حياة سلاحف" رواية 1990
2. السلال الممسوخ" مجموعة قصصية 1997
3. سلسلة حيوانات برية وداجنة 5 قصص 2003
4. سلسلة مغامرات ذئب وحيوانات أخرى 5 قصص م1 2005
5. سلسلة مغامرات ذئب وحيوانات أخرى 5 قصص م2 2007
6. سلسلة مغامرات ذئب وحيوانات أخرى 5 قصص م3 2008
عضو بيت الأدب المغربي .
إذا رجعنا إلى حكايات الأستاذ احمد هشيمي الخمس الصادرة أخيرا عن شركة الطباعة برانت شوب بمكناس ،والمصحوبة برسومات لفنان مصطفى بنعالية ،والمعنونة كالآتي : منام ذئبة 2 عرس الذئب 3 الأسد المصاب 4 حمامة وديع " قصة واقعية" الابن العاق الصالح "فإننا نلاحظ أن هشيمي استطاع أن يبلور محصلته الثقافية كمتتبع يقظ لكل ما ينشر حول أدب الطفل داخل وخارج الوطن ، وان يعصر تجربته التربوية في المجموعات التي وضعها رحيقا من اجل الطفل مبنى ومعنى ، فكرة وأسلوبا ، وذلك من خلال بناء جيد متماسك في الغالب ، وتقسيم مضبوط بين الجمل والأفكار ، بين الوقائع والأحداث ، وربط محكم بين أجزاء وعناصر القصة الحكاية .
" فسبق الذئب الثعلب إلى حضرة الأسد واظهر الطاعة والولاء واعتذر عن تأخره وادعى انه كان مشغولا بمشاكله الخاصة والأسرية ولما سمع الخبر أتى مسرعا للاطمئنان على صحته سيده لكنه في قراره كان الدافع هو الطمع في الجائزة " الأسد المصاب " ص7.

صحيح أن المؤلف أولى الطفل أهمية كبرى وذلك من خلال انتقاء عناصر بنية الثقافة البديلة التي أراد ه من خلالها أن يبحث لنفسه عن إمكانيات للانسجام ، ووضعيات تساعده على تنظيم شخصيته ورص بنائها الداخلي ، وذلك في أفق تحديد تواصل فعال ومتفاعل للطفل مع محيطه الخاص والعام ، لذلك نجد أحمد هشيمي لا يدخر جهدا وهو يشيد بناءه التربوي والأخلاقي في سياق خطاب بيداغوجي يمتح من التربية الخلاقة ، و يراهن على جعل الطفل مؤهلا عبر الانفتاح على عوالم متحررة لاقتحام عصر التكنولوجيا ومسايرا لركب الحضارة الإنسانية ، بإيقاعه السريع والمترادف ، حتى ينشأ طفلا خاليا من أية تركيبة نقص ، أو عقدة مرضية تشعره بالدونية أو الإحباط.
اللافت أيضا في صيرورة الحكي لدى هشيمي محاولته أن يمزج بذكاء بين السرد والحوار ، ولعله توفق بشكل كبير ، وهو يكسب الحيوانات ملامح إنسانية ، وهي سمة من السمات التي يجب أن تطغى في تجربة الكتابة للطفل ، و اعتقد أن من شان هذه الخصوصية أن تكسر الإيهام لدى الطفل وان تدفعه إلى التساؤل عن الكيفية التي تمت بها عملية التشخيص حتى يتسنى له التفاعل مع عوالمها الغريبة والعجيبة وهو مقتنع وليس مدفوعا تحت طائلة المتعة بلا معنى .
"وحينما كانت العائلة تجتمع لتناول وجبة الغداء ويبحثون عن وديع يجدونه داخل اصطبل الحيوانات يداعب الخراف والجديان والعجول الصغيرة ويتحدث معها كما لو أنها عاقلة" حمامة وديع ص 7 .

يبدع الأستاذ احمد هشيمي قصصا جيدة للأطفال حين تكون مضامينها ذات مغزى ، و بسيطة في أسلوبها ، عميقة في غايتها ، ولذلك
يستطيع القارئ الصغير فهمها ، والتجاوب مع خطابها ، مادام المعنى واضحا يمكن الوصول إليه مع توالي القراءة .
تتضمن جميع الحكايات أنساقا قصصية ذات مغزى وعبرة ، بمعنى أنها هادفة تحبب للطفل الخلق الرفيع منذ القراءة الأولى ، حيث يكون الصراع واضحا في ذهنه بين الخير والشر، على أن ينتصر للخير أخيرا ، في قالب لا يهادن ولا يساوم في أن الحياة عمل وجد وكفاح ، هي الجهد والاجتهاد ، هي الحاضر والمستقبل . " يابني عند كبرك ، ستقف عند الكثير من الحقائق ، وتكتشف بنفسك الكثير من الأمور"

لا سبيل إذن إلى اليأس والقنوط في عوالم القصص الخمس الصادرة أخيرا.
ولان الأطفال يحتاجون إلى الأمل ، ويطمحون إلى مستقبل باسم بفرح الآتي ، فإن عاصفة من التشويق ، ونماذج من الشخصيات والشخوص الكاريكاتورية التي تتمفصل بين الصفحة والأخرى ، كان لها الدور الأكبر في تحقيق الهدف.

تتمحور القصص الخمس حول قضايا الطفل، وتوضح في مجملها أخلاقيات يجب أن يتعلمها رجال الغد ، كالأمانة والصدق والصداقة الجيدة، اضافة الى قيم النبل والشهامة وبر الوالدين واحترام الكبار ....الخ ، وكأن شعاره في الحياة هو"لنبتعد عن هموم الدنيا ولنحبب طفولتنا في مباهجها أكثر"
ثمة دعوات مسموعة اليوم في علاقة بهذا الجنس الأدبي أي الكتابة للأطفال للابتعاد عن الغموض و اعتماد المفردات القريبة لمدارك الطفولة ، ومناولة المعاني المحببة إلى نفوسهم وأن تكون الحكاية أو القصة قصيرة واضحة المعنى دون لبس أو غموض ، مزينة بالرسوم الدالة والابتعاد عن كل ما يصور القداسة والأسلحة والبطولات المتسمة بالعنف وما من وراءه التفرقة . ولعل الكاتب من هؤلاء ، حيث تبدو الكتابة للطفل أو عليه ، رغبة نبيلة وهامة بالنسبة إلى قناعاته ، قد لا يفلح في انجازها الكثيرون ،
ولو أن الباحث المهتم تأمل ما حدث على مستوى هذا الجنس الأدبي والثقافي الرفيع في بيئتنا العربية منذ عقود خلت ، لا شك انه سيجد أن الطفولة العربية سرقت خلسة من هويتها ، حينما تمكنت ثقافات خارجية زاحفة في إطار العولة و جارفة في سياق تثاقف غير متوازن ، وتول "طوم وجيري" أو غران دايزر أو..." فعل ذلك نيابة عنا ، ولو "راجع الفرد منا شبكات التليفزيونات العربية على مدار هذه الفترة ستجد أن المحتوى كان دائما واحدا " لا يغادر العنف ، إلا ليحط رحاله بباب العدوان ، وما إن يقرر المغادرة ، حتى يذوب في الأنانية ، ....إلى غير ذلك من الأمراض المجتمعية الخطيرة .
إسهامات الأستاذ أحمد هشيمي عديدة على مدار هذه الفترة .وهو يحاول تنشئة أجيال لم تتشرب ثقافة مجتمعها وتراثه وقيمه وعاداته وتقاليده ، وكأني به يصرخ ، لا تتركوا أجيالنا تنهل من قسوة وعنف وأنانية الإنتاج الأجنبي الغازي بلا ضفاف ، يكفينا أننا بسياستنا
" تولينا تربية الأبدان ، وتركنا للغرب " تربية العواطف والقيم والوجدان" . وهو أمر لا يمكن أن يستمر.

مراحل طفولة التي يسعى الهاشمي في بائها "فيها الروح والنفس مفعمة بعالم الخيال الخصب ، أليس كل "مبدع في داخله الطفل الصغير الذي كان ".
"الكتابة للأطفال تحتاج هذا الطفل بخياله وحيويته ، الرحمة الشفقة العطف الوفاء حب الوطن الانتماء تقمص شخصية شهيد ....... الخ
القراءة فى أدب الأطفال الراقى وليس الشائع حاليا الذى يربى الحس على حساب الوجدان والقيم ، القراءة هى السبيل الأول" .
عزيز باكوش