الإستهزاء بعقائد البشر وديانات السماء

الدنمارك بلدا جميلا راقيا وكريما و مضيافا، على عكس ما تعكسه الأزمة التي فجرها رسام دنماركي ويتقلب مواطنية في نعمته الاسكندنافية، ونحن نحب هذا البلد ونعتبره افضل البلاد الإسكندنافية. واليوم نعجب لهذه المملكة الصغيرة الحجم والسكان ، كيف انتقلت للعالمية من اظلم ابوابها. ماذا اصابها ولماذا هذا التحول السلبي تجاه ضيوفها من العرب والمسلمين ، وكنت أعتقد أنها بمنأى عن صراعات العالم السياسية والأثنية والثيولوجية. هذه الجزيرة الوادعة والهانئة ستبقى بعيده عن غباء جبروت قياداتها .. ولم يكن لديهم مبرر واحد أن يعتقدوا غير ذلك.

أن تجلس اخي على قارعة الطريق هو الأذى بعينه ويمسك الأذى شئت او ابيت، والأدهى والأمر أنك تزاحم المواطن الأصلي الذي يدخل مكتب الإعانات على استحياء في نهاية الشهر ، وتقف على باب الإعانات وأنت تجر خلفك خمسة اطفال صغار لا يستطيع الفرد منا تميز اعمارهم لشدة تقاربهم بالسن، وتخرج حامل شيك بمبلغ يعجز مهندس مثلي الحصول عليه ، صدق أو لا تصدق 4 الآف دولار ، لعائلة من 6 انفار، لا يجد رب العائلة ولا يشقى و يحصل على الإعانة المالية كحق قانوني له و كان لزاما عليه شكر النعمة ومن لم يشكر الناس ، لا يشكر الله. هل تتوقع اخي القارئ عكس ذلك ، طبعا لا والإبتسامة تعلو محياه وهو يغادر قابضا على الشيك بيده و يتراكض خلفة الصبية بفرح وسرور و تسير ام الأولاد خفيفة الضل و السعادة لا تسعها و تكاد تطير من الفرح و تجر الأبناء على عجل... وأخيرا تقول لزوجها: حصلت على الراتب .. ماذا ستفعل به. و هنا يقطب الجبين و يغضب من سؤالها و يصب جام غضبه على الدنماركيين واليوم الي جاء به الى هذا البلد اللعين. هل هذا هو شكر النعمة؟

ناهيك اخي عن الحديث السياسي في المقاهي التي لا تكاد ترفع يدك لتراها من دخان السجاير و شرب الشاي و قراءة الصحف و تناول التسالي. كم ساعة ضاع من عمرك في هذه المقاهي ؟

اخي الحبيب ..رويدك لا تضنني عدو او إنسان حاقد ، فانا انت.. وانت انا.. ولا عبرة بالمسميات وإنما هو واقع ملموس نعيشه باسكندنافيا. نحن من ألب علينا جيراننا. كيف لا وانت اتيت لهذهى البلاد وحيدا ، طريدا، وآووك و نصروك و قدموأ لك كل شئ ورغم ذلك تعض اليد التي تمتد بالطعام لك ولعيالك وهل هذا من شيمنا كعرب ومسلمين ؟

الدنمارك اليوم تملك اقتصادا قويا مدعوما من الإتحاد الأوروبي و هو إقتصاد متوازن، وأن ميزان التجارة لديها يميل بوضوح إلى جهة الصادرات عن الواردات , و تجدر الإشارة إلى ان غالبية صادراتها للدول الأوروبية والأمريكية، وأنها من أكبر الدول الدائنة في العالم بالنسبة لعدد السكان، فمعظم منتجاتها الزراعية والصناعية موجهة للتصدير لدول الغرب بالمقام الأول ، ومنح الله هذه البلاد واحدة من أكبر معدلات الحياة الراقية في العالم وتعلم اخي اطال الله في عمرك ، ونحن من المقدرين جدا لك ولما تتعرض له اليوم من تضيق في العيش الكريم، أن مملكة الدنمارك تتمتع بواحد من أرقى نظم الدنيا في الحكم الذي يوفر العدل و الرفاهية والخدمات الاجتماعية الممتازة.. وكان بامكان المهاجرين من العرب والمسلمين الإستفادة من هذا النعيم كجزء بنائي، تعليمي و تثقيفي وليس من المكسب الإستهلاكي المادي.

دولة مثل هذه، تعتمد محوريا على التصدير، يجب أن تكون دائما بعيدة عن الانزلاق في أي مسألة، ناهيك عن صراع أو خلاف حاد، مع أية دولة في الدنيا، لأن دول الدنيا إما زبائن للدنمارك وإما زبائن محتملون.. وهذا طبعا من الذكاء الذي جعل دولة كسويسرا واحدة من جنان الأرض (لأهلها طبعا قبل كل شيء!).

فلا يُجني احد من أي صراع إلا الشرر، إن لم تكن النار الحارقة التي تأتي على الأخضر واليابس. لماذا تترك هذه الفرصة وتتعامل مع اهلها بإنسانيتك وبما يأمرك به دينك وان تكون انت المبادر بمد الجسور مع جيرانك و تقديم هدية بسيطة مع رسالة تذكر بها انك الجار الجديد و اكد لهم على حسن الجيرة بالإسلام و بماذا يوصي رسول الأسلام ... بحديثه عن الجار. رسالة احترام وتقدير للمضيف و عهد على احترام الجيرة من المهاجر، تحدث اثرا لا يعلم حسن وقعه على الناس إلا الله ومدى تأثيرة على ضمير الإنسان وبدل أن نبادر بالتقارب ، انتقلنا لخانة الصدام مع من لا ينفذ ما نريد، كل هذا و لا نريد لهذا الشعب أن ينتقل لخانة المعادين لنا ولديننا ولنبينا؟

هل تذكر عندما كان الشباب الدنماركيين يخوضون صراعا سياسيا ضد الحرب في العراق و يتظاهرون ضد حكومتهم و يطالبون رئيس وزرائهم بالإستقالة ، كنت أخي تجلس امام جهاز التلفاز تتابع الأخبار و تهتف وتسب حسب السناريو الذي تشاهد.
كم منكم يشارك بهذه المظاهرات السلمية وكم منكم يبادر بدعوتهم للمشاركة بمظاهرة تضامنية مع قضاياهم.. أم نخرج لوحدنا عشرات...تجف حناجرنا و نحن نهتف بالعربية هتافات لو ترجمت للغة القوم لكانت كارثية.. مثل خيبر... خيبر... يا يهود... جيش محمد سوف يعود... هل نتظاهر لإقراغ شحنات كانت محبوسة بالفؤاد ام لإيصال رسالة لجيراننا و مضيفينا؟

كيف لا يا اخي وانت لا تشارك بصوتك بالإنتخابات ولا تشارك بالعمل السياسي في البلاد و جيرانك يقفون ليل ونهار وهم يروجون لمرشحهم وقد يكون اسمه خالد او محمد وانت ...تكفر خالد هذا أو محمد و حاشى نبينا ان نلوث اسمة بهذه العبرات ، ولكنها الحقيقة... التهمة : المشارك بالإنتخابات إما منافق او كافر او مصلحجي و تستهزء بهذه الديمقراطية...

أوروبا اليوم كلها تعرج وتضمد جراحات الحرب المهولة، على العراق وافغانستان و انت تضع الملح على الجرح.. وتستغرب ، لماذا..يكرهوننا... كانت الدنمارك توفر لنا المناخ لنبني معهم لبنات المجتمع الزاهر الذي تقطف انت منه ثمراته وترسلها الى بلادك عمارة سكنية او فيلا على البحر لتسكن بها شهرا وتعيش في شقة صغيرة مع اطفالك الخمس في قلب العاصمة ، تبحث عن البضائع التي تعرض بالتنزيلات وحتى الطعام الذي قاربت صلاحيته على الإنتهاء ، لا نشتري إلا ما رخص ثمنه و نوفر المال لنبني البيوت في مواطننا.

إن العنصرية التي أشعلتكم بنارها وداس العنصري على كرامتنا في مملكتهم الوادعةو من خلالها انطلقت الإساءات تترى، وحولت البلطيق الذي يحضنكم بسواحله إلى طوفان يفتك بكم، وخسرتم الكرامة.. ، بل اكثر من ذلك و كان فظيعا ودفعتم الثمن غاليا.

والدنمارك قالب من الزبدة يا اخي الحبيب، وتعرف جيدا، طبعا، كيف يمضي بسهولة السكينُ في قالب الزبدة.. لم نكن نريد لكم هذا الموقف، ولا نريده لكم الآن وقد عادوا، ولم تعودوا... و تفاقمت الأزمة... وهي تراكمات...

ولا في مستقبل مشرق لنا في هذه الأيام..إلا بإعدة ترتيب الأوراق و العودة للذات والنقد الذاتي و لكن أنتم أردتموه، وأردتموه صراعا... بإصرار عجيب وبلا داع، وقوضتم العهد بينكم وبين حكومة هذه البلاد وهو ان تقفوا على الحياد واحترام سياستهم الخارجية ولو كانت على حساب ارض محتله.

والتغير السياسي لا يتم إلا من خلال المشاركة السياسية الفاعلة ولو كانت تصريحات قادتهم على حسابنا، كان الأجدر بنا أن نكتب لهم كلمات نشكرهم على إبداء الإهتمام بقضيتنا ولكن نعتقد أنهم جانبهم الصواب في هذه المسألة و نمدهم بوثائق تجعلهم يعيدون ترتيب اوراقهم وحساباتهم .

كيف تكسب تعاطف.. جارك.. بإلقاء النفايات امام بيته..أو بتطاول ابنك على ابنه...أو بأخذ العاب تركت بالحديقة... وأن تقوض انت بلا داع ولا ضرورة ولا مناسبة ركنا مكينا حيويا في استقرار الأقلية المسلمة، هو الكارثة و لا نرى لهذا الفعل وصفا سوى الجهل ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وأنا أود أن اقول : امسك عليك هذا... وقد يكون اللسان...أو غير ذلك... ولكنها الحقيقة الدامغة الوحيدة الآن.. لماذا تعنف ابنك و تظلم زوجك و تقول علمني الإسلام ان اعتني بالقوارير...قوارير بيتك ام قوارير جيرانك...

و لن ننسى توجيه العتاب الى من أثار عواصف البلطيق تنطلق من جديد لتضرب قلب هذه البلاد على اثر عاصفة أثرتموها أنتم، وكان بودي أن لا نسئ لمن آوانا و اكرمنا ولكن يبدو أنها ستجرفكم في عين إعصارها.. فهي اليوم نتاج 11 سبتمبر 2001 وقانون الوقاية من الإرهاب مسلط على رؤسنا..لماذا نضع انفسنا في مثل هذه المواقف ومن كلفكم بأن تثأروا لحبيبنا بالمطالبة بسفك دماء المسئ و غيره. لماذا يتحول الجهاد لترف فكري نتشدق به و قد يكون افتراء على الشباب ولكننا نرى شبابا يتشدقون بالجهاد وهم لا يحسنون الإمساك بقلم رصاص.

لم يكن مسلم واحد في الأرض يتمنى للدنمارك هذا الحال.. الذي وصلت اليه في عدائها للعرب والمسلمين من خلال الرسوم المسيئة و اعتقد ان للعداء بعدين ثقافي و ديني، وهو بلغة المفاضلة انصر اخاك ظالما او مظلوما، خصوصا لدولة قائمة بكل فعالياتها التجارية والصناعية والمالية على زبائن العالم، وأعتقد جازما ان المواطن الدنماركي ليس في قلبه كراهية عميقة لأمة المليار ونصف من الأنفس ولا يعرف اصلا عنا إلا القليل.. ولا يعرف عن نبينا سوى ما يكتبه المنصرون وهذا اعذروني ان قلت هو الغباء الإنتحاري ، إن كان ذلك كذلك، يكون... هو.. غباء انتحاري! من الطرفين...

إني اتحدث اليوم من اجل مصلحة الدنمارك بجميع شرائحها من خلال وضع الإصبع على مكمن الألم ، فهلا وضعتم انت اصابعكم على المواضع التي تشتكون منها... البلد التي نتعايش فيه يتسع للجميع، وما سبق كله و ما يجري اليوم يفصح عما سيحيق بهذه الدولة الهانئة والمستقرة بفعل عمل شنيع، وشنيع جدا قام به رسام هزلي يبحث عن شهرة و تقوم الصحافة بالترويج لبضاعته الساقطة ونقوم نحن بتأجيج النار على المجتمع، لم يكن لفعلة الرسام والصحف مبرر إطلاقا إلا الغباء والتكبر والتعجرف واحتقار لأمة تدين بدين سماوي كل فرد فيها سيقدم دمه سعيدا من أجل احترام قيمها ورموزها.. قد يكون سلاح المقاطعة قد استهلك كما استهلك من قبله سلاح البترول والذي حيد اليوم تماما عن تأثير أي مقاطعة بتحول نتاج صناعاته للأوروبية.

لم تعد منتجات الدنمارك خاصة بها و ملكيتها موزعة على عدة دول وشركات عالمية وهناك تكافل اوروبي بتحمل الخسارة الناجمة عن المقاطعة. وكان الأجدر بنا ان نطلب من كل اسرة مسلمة بالدنمارك بزيارة عشرة عائلات في حييها، تبليغ اجتماعي وتعارف جيراني وتفاهم اسري في حملة يطلقها صانعي القرار بالمؤسسات الإسلامية: زيارة العائلات المسلمة المقيمة على تراب الدنمارك لمائة الف اسرة دانمراكية واهدائها كتيب يحمل روائع حضارتنا و مختصر لسيرة حبيبنا و تعريف بنا كأقلية و حبذا لو كان هناك ميثاق من عدة اسطر نقطع به العهد أن لا تؤتى هذه البلاد من طرفنا... عشرة اسر و عشرة ساعات تؤتي اكلها...

وأقول فليكن منك يا رئيس التحرير الأمر بالنشر، فإني لست كلي استياء فالرسول اكبر واعظم من ان يمس بالإساءة ولكن في قلبي جرح ، كنت من أوائل من أطلع على فحش جريدة جايلاند بوستن في نشر رسوم مسيئة لنبينا العظيم.. وعصرني قلبي حتى كدت أفقد الهواء..


وأرى اليوم أن على كل المسلمين ان يلتفوا حول نبيهم و دينهم، وأن يذودوا عن كرامة نبيهم.. من خلال تطويع الحضارة الغربية والتقنية العالية لتحمل درر وروائع حضارتنا وأن نتعاون لنخرج مئات الكوادر القيادية الشابة ليكونوا سفراء الكلمة الطيبة و إذ نكتب بهذه الحدة من جلد الذات وهو الإتجاه الصحيح، ولا يفل الحديد إلا الحديد ونحن علينا الرقي باعلامنا لنصل به الى مرحلة التكافئ و نحول كراهيتهم المرسومة، إلى ما نحب.. أرجو أن نرى مجددا أن الإسلامَ نوراٌ و ليس نارا تحرق الأخضر واليابس.. الأسلام كان وما زال وسيكون بعون الله شعلة الأزل! نور على نور..

محمود الدبعي