الإرهاب بين الأسباب المتعددة والمفاهيم المتضاربة...؟
توفيقي بلعيد


إن القاعدة القانونية تأتي في غالب الأحيان لتحديد الفعل الإجرامي ولتعرفه ،( بعد أن يكون قد حدث من قبل بالعدد الكافي للفت نظر المجتمع لضرورة سن قانون لذلك ) من أجل تحديد العقوبة الزجرية . وهي في الغالب (القاعدة القانونية وفي أحيان أخرى حتى العقوبة ) ليست رادعة إلا بالنسبة للأشخاص (الماديون والمعنويون ) الذين لديهم رغبة واستعدادا للامتثال للقوانين... ويمكن أن ندعي ، بدون أن نخشى مجانبة الصواب ، بأن أغلب الذين ارتكبوا أفعالا يجرمها القانون ،أو أولئك الذين قادتهم الظروف للوقوف في قفص الاتهام .. لم يطلعو، من قبل ، على القوانين الزجرية التي أدينوا من خلالها أو فقط حكموا (بالإدانة أو بالبراءة) بواسطتها... السبب الأول في ذلك هو كون أغلبية الذين جنحوا أو ارتكبوا فعلا يجرمه القانون (وأتحدث هنا عن الأحياء الشعبية الفقيرة ).ليس بمقدورهم قراءة القوانين لانتشار الأمية والجهل في صفوفهم . و من جهة أخرى فإن الذي يقرر الإقدام على فعل يجرمه القانون، لا يجلس لقراءة القاعة القانونية ليكيف فعله مع ما يمكن أن توفره،القاعدة القانونية، من ظروف للتخفيف . وحتى أولئك الذين لهم دراية بالقانون فإنهم إذا ما جلسوا للإطلاع على فصوله فإنما يفعلون ذلك للبحث عن ثغرات، في هذا القانون ، للإفلات من العقاب، تطبيقا لمقولة سيئة وشائعة تقول بأن القانون وضع لكي يخرق ... فما بالكم اذا تحدثنا عن أفعال يختلف حولها الفرقاء بين من يؤمن بأنها جرائم وبين من لا يؤمن بذلك؟ ولنأخذ كمثال ضاج مفهوم الإرهاب الذي لحد الآن (بالرغم من ارتفاع عدد ضحاياه) لازال يدور حول مفهومه نقاش حاد لم يحسم بعد... (حتى بين من يجرمون أفعال المجموعات المسلحة). والأدهى ، من ذلك ، اذا كان هناك داخل المجتمع المحلي أو المجتمع الدولي من يضع نفسه فوق القانون ، باقترافه أفعال ينادي بتجريمها ، ضاربا عرض الحائط بالدساتير والقوانين سواء منها القانون المحلي أو القانون الدولي ...؟! ومتجاوزا سلطة المحاكم واختصاصاتها،أو متجاوزا اختصاص المنظمات الدولية،أو يمارس ضغوطا من أجل استعمالها أو تعطيل دورها..؟
مناسبة ما أوردناه ، حول القاعدة القانونية ، والقوانين بصفة عامة ، والتعريفات المقاربة للفعل الإجرامي... يمكن أن نعتبره مدخلا لملامسة ما تعرفه الساحة الدولية من عنف وعنف مضاد ، وهذا الجدل الدائر ، بين المؤسسات والأفراد، سواء عبر عقد مؤتمرات( كما حدث في المملكة العربية السعودية ) أو عبر عقد الندوات والموائد المستديرة لتعريف هذا العنف الدائر ، للوصول إلى تعريف موحد ( وهو أمر صعب في ظل اختلاف الرؤى والأهداف وفي ظل هيمنة مفهوم واحد يعتمد مكيالين في الممارسة) حول الذي يقع من أجل التفريق ما بين الفعل الذي يجرمه القانون ، سواء المحلي أو الدولي ، وبين العنف المشروع ، سواء كان عنفا تمارسه الدول أوعنفا تمارسه الشعوب ...
إن المقاربة السائدة اليوم ، والتي تقودها الولايات المتحدة وبحماس شديد إسرائيل ، تهدف إلى وضع جميع أنواع العنف الممارس (ضد مصالحهما) من طرف المجموعات المسلحة، في سلة واحدة وتسميته إرهابا،لا فرق بين فعل المقاومة المشروعة ، التي تقرها المواثيق الدولية ، ولا بين الأفعال الإرهابية ... وإن أصبحنا نلمس مؤخرا ذلك التحول الخجول في هذا الطرح (باتجاه نوع من التمييز بين الإرهاب والمقاومة) من خلال الدعوة لإجراء حوار مع المقاومة العراقية ، مادامت المواجهة المسلحة وحدها لا تكفي للقضاء على الانفلات الأمني بهذا البلد.
إن تعريفنا للعنف ، الذي تمارسه المجموعات المسلحة، بالأساليب الجديدة، عبر العالم( منظمة ايتا.الجيش الجمهوري الإرلندي .القاعدة ...) سواء تحت غطاء سياسي أو ديني ( في الأخير كل هذا الفعل يدخل في باب ممارسة السياسة من خلال الديناميت ، مهما كانت الإيديولوجية المتحكمة ) .. ومهما أعدنا تعريف هذا الفعل واجتهدنا فيه ، وسميناه إرهابا ، فان ذلك لا يغير من واقع الحال للحد الذي يجعلنا ننعم بالسلام والطمأنينة ، تماما كما لو سمينا النمر قطا أو العكس (وهومايدل على أن المشكل في الواقع وليس في التسمية) .. لأن الأهم هو الذهاب إلى الأسباب الحقيقية ، من أجل استنباط حلول تنأى بنا عن ممارسة مواجهة العنف بالعنف المضاد أو خلق أسباب نمو العنف... وهو توجه بدأ يطفو على السطح ، فبعد تفجيرات يوم الخميس7 يوليوز2005 ببريطانيا(هذه الهجمات التي استهدفت مدنيين آمنين، وفي هذا انتهاك واضح لحق الإنسان في الحياة وفي السلامة الشخصية)، صرح طوني بلير بكون : "الوسائل الأمنية ليست كافية وحدها لمحاربة الإرهاب ، ولكن يجب القضاء على أسبابه..."، نعم يجب معالجة الأسباب،والتي تدخل فيها قضية الشعب الفلسطيني الذي يعاني من إرهاب يومي للآلة العسكرية الصهيونية ..وهو مايعطي مبررا لممارسة العنف بنوعيه...و يدخل في الأسباب احتلال العراق ، وما خلفه هذا الإحتلال من ضحايا وتخريب بلغ إلقاء قنابل تزن الأطنان على رؤوس العزل الآمنين في منازلهم ..وهو فعل لو تم رصده بالتصوير البطيء لظهر أكثر تقززا من عمليات الذبح التي شاهدناها تمارس من طرف بعض المجموعات على الرهائن،مع التركيز على أن هذه الأفعال، من الطرفين معا، مرفوضة ومدانة وتعتبر إجراما في حق العزل... و تدخل في الأسباب،كذلك، نهب الثروة الوطنية لدول العالم الثالث،من طرف الدول الصناعية،مما اسقط الملايين في الفقر المدقع،ويدفع بالكثيرين منهم يوميا لتعريض أنفسهم للموت من خلال الهجرة السرية ،وهو فعل لا يختلف كثيرا عن تفجير النفس،سوى في كون الأول يريد جنة الدنيا التي في أوروبا والآخر يطمح لجنة الله التي في الآخرة ..مع اختلاف في الخلفية الفكرية لكليهما...
إن العملية الأخيرة في بريطانيا ، والتي ترافقت مع إعادة الولايات المتحدة تعريفها للإرهاب وتقديراتها الجديدة له ، ونشرها لنسبه وخارطة انتشاره ... أكثر من تزامنها مع اختيار لندن لاحتضان الألعاب الأولمبية لسنة 2012 ...تزكي أن القضاء على الإرهاب ، ووضع حد للمقاومة ، بعد الإعتراف بشرعيتها ، لا يكمن في التعريفات ، بقدر ما يكمن في معالجة الأسباب الحقيقية ، وعلى رأسها إرهاب الدول للشعوب ، وإرهاب الدول الكبيرة لدول وشعوب العالم العربي والإسلامي ، وعلى رأس ذلك احتلال فلسطين (ومحاولة فرض دويلة معاقة على الشعب الفلسطيني) والعراق (الذي تتم فيه مسح هويته بالقوة) وأفغانستان (الذي تديره حكومة نصبت بشن الحرب) ... هذا العنف الذي لايستثني (الأطفال والنساء والشيوخ) والذي يولد الكراهية ، مضاف إليه التحقير الذي تتلقاه هذه الشعوب سواء في غوانتنامو أو أبو غريب أوحتى بعرض صور الرئيس صدام حسين (الذي أطاح به الاحتلال بشكل غير مشروع ) ..إن جميع أنواع التحقير والإذلال التي يمارسها المحتل تنم عن جهل بالنفسية والعقلية العربية والإسلامية،التي تعطي أهمية للشرف الجماعي وأخوة الدم والتعلق بالمقدس لحد التضحية من أجله... وغالبا ما ينساق الغرب مع تحليلات بعض "الخبراء" المحسوبين عليه (المنعزلين في أوطانهم) لفهم عقلية الشعوب الأخرى...
إن مرور أٍربع سنوات على هجمات 11 سبتمبر ،التي صدرت بعدها الولايات المتحدة،للعالم،تعريفها للإرهاب،مصحوبا بحملتها العسكرية،التي أبانت عن فشلها في وقف العمليات العسكرية،المسنودة بعملية دمقرطة الدول التي تعتبر خزانا بشريا للعنف(كاعتراف ضمني بأحد أسباب الإرهاب الذي هو غياب الديمقراطية)،فهل سنشهد عما قريب اشتغالا على مفهوم جديد لمقاربة العمليات المسلحة للمنظمات والشعوب يستحضر الأسباب والدوافع الحقيقية التي تغذي هذا العنف..؟
لأنه بدون مقاربة حقيقية تنطلق من حل القضايا العالقة للشعوب،من احتلال وقهر اقتصادي وسياسي...فإن
موجة العنف ستستمر،ولن تتحمل مسؤوليته الجماعات الإرهابية أو المقاومة (مع تسجيل الفرق الشاسع بينهما)،بل سيعتبر داعما للإرهاب كل مسئول يتعنت في حل قضايا الدول والشعوب...
كاتب مغربي