نحن هنا لا نتنبأ باغتيال أوباما ..
إنما نحيط علما بوعورة الطريق والعقبات الكأداء.. وأن اوباما مهما يكن .. فإنه امريكي بامتياز

انتهت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بكل ما كانت عليه من صراع تنافسي محموم، لأنها وحسب كثير من التحليلات والتأويلات كانت تمثل الصراع أو التنافس بين التجديد في المنهج السياسي والتغيير في الرؤية والوسائل والأولويات، وبين ما هو اقرب إلى استمرارية نهج أذاق الأمريكيين بؤس السياسة التي قادت لحروب غير مفهومة أو مبررة بالنسبة للشعب الأمريكي،انتهت الانتخابات بما كانت عليه من حد بين زمنين وعهدين، وعالمين إذا ما صدق باراك اوباما وعده، وحقق عهده.
لن يكون أمامنا إلا أن نسترجع أميركا التي نحب بفضائلها على العالم في العلوم والتقدم والمدنية والابتكارات والاختراعات وجعل الحياة أكثر أمنا وأمانا وتيسيرا، أميركا القوة الحقيقية الموجهة لخدمة الإنسان في تطبيق العدالة والشرعية، نعم .. لن يكون أمامنا إلا أن نحب أميركا التي تنفتح على العالم في فضاء الحرية والديمقراطية وكل القيم التي ضج بها عالمنا من غير فائدة، وها هو اليوم يأتي اوباما الذي تسرب إليه بؤس الفقر والحرمان من كوخ صغير في كينيا، يأتي مليئا بحماسة الانتصار للقيم الإنسانية النبيلة ليعلن في خطاب الثلاثاء الرابع من نوفمبر للعام 2008 أن ( قوة أميركا في قيمها .. وليست في سلاحها وثرواتها ) وغطرستها وتحكمها بمصائر الشعوب.
إن العالم حين يكره أميركا لا يكرهها إلا لأنها قوضت أحلام العالم بالعدالة عبر ممارسات العنف والحروب وفرض السيطرة بالقوة، أما اليوم والحديث قد تحول لمدار مختلف بتحول أميركا نظريا – لهذه اللحظة الراهنة – لمدار القيم والسلوك السياسي الملتزم الرشيد، فإن الرهان على ربط النظرية بالتطبيق والممارسة العملية.
الجميع من زعماء ومسؤولين وحتى شعوب وأناس بسطاء يتحدثون عن فرصة تاريخية، بل فرص تاريخية لتعاون عالمي مشترك لوقف انزلاق العالم لجحيم الحروب والصراعات، لكن الأكثر أهمية للحديث عنه هو الإمكانية المتاحة لهذه الفرص كي تثمر على أرض الواقع.. صحيح أن الانتخابات كانت صعبة والمنافسة قاسية حتى آخر رمق فيها، إلا أن القادم من الأيام بالنسبة للرئيس الأميركي، وبين قوسين ( الإفريقي – الأسود )، ستكون أشد وأصعب، فإن ما هدمته القوة العمياء في زمن بوش، يحتاج لقوة مبصرة تتمتع بالحكمة والصلابة والارداة والقناعة أيضا، لأنه مهم جدا أن تتحول النظرية إلى قناعة لا إلى شعار، حتى تكون قابلة للتطبيق والممارسة.
هل حقا كان يعي باراك اوباما ما كان يصدره من شعارات ( التغيير والأمل )، بالتأكيد كان يعي ذلك .. لكن السؤال هل يدرك أن الطريق أمامه ما زال شائكا وخطير، فهو من جهة مثل قدوته ( مارتن لوثر كنج ) يؤمن بالعدالة والتغيير والأمل لكل الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها، وهو من جهة أخرى مثل جون كينيدي بتقدميته واعتداله، وما يواجهه اوباما من عقدة لون البشرة واجهه كينيدي أيضا في عقدة الدين لكونه كاثوليكيا، إلا أنهما استطاعا الفوز، لكن التحدي يبقى قائما وبقوة أكبر.
وثمة سؤال، هل كانت محاولات اغتيال أوباما أحداث عرضية في ذروة حماسة الناخب الأمريكي أم أنها لها ما بعدها من دلالات في أن الطريق أمام أوباما ربما تكون سالكة .. لكنها صعبة وشائكة ومليئة بالمغامرة والمخاطرة. ومع هذا فإننا لا نريد أن نذهب بعيدا لنغرق في استقراء المستقبل، ولا نضرب بالحصى ولا نزجر بالطير لنتنبأ أو لنعلم الغيب ( فلعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع )، لكنها محاولة للاستبصار عن بعد، كي لا نغرق بالأمل كثيرا وان لا يستبد بنا التشاؤم وتؤخرنا السوداوية.
العالم اليوم يمر بإرهاصات معقدة وكبيرة، في مجال هذا التحول السياسي وأيضا في المجال الاقتصادي المترنح. هذه الإرهاصات تتطلب قراءات واعية ودقيقة، وهو أمر سيكون أصعب بما لا يقاس من صعوبة إرهاصات العملية الانتخابية الأمريكية، نعم أيها الرئيس الأمريكي الجديد المليء بالحماسة والإرادة .. الإرث ثقيل والتبعات خطيرة والقادم أصعب.