قراءة في ترجمة شكسبير
******************
ترجمة بعنوان "كيوم صيف" لسونيتة شكسبير Shall I Compare Thee to A Summer's Day
************************************************** **************
قام بالترجمة الطالب محمد الصارمي من مجموعة الترجمة بجامعة السلطان قابوس في مسقط.
نُشرت الترجمة في العدد الثاني من كتاب "شذى ونوافذ" لمجموعة الترجمة في عام 2004.
القراءة:
أولا يجب التنويه إلى أنني أناقش الترجمة من وجهة نظر التوجهات الوظيفية في الترجمة، تحت مظلة نظريات (فيرمير) و (هولز مانتاري) و (كاتارينا رايس).
مراعاة لطبيعة قراءة المواضيع في المنتديات، وحب الاختصار، سوف أسرد قراءتي على شكل نقاط:
1- من الطبيعي في قراءة "وظيفية" أن نستبين الوظيفة/الهدف من الترجمة. جاء في مقدمة كتاب "شذى ونوافذ" أن الترجمات المنشورة في الكتاب تهدف إلى تعريف القارئ العربي ببعض إنتاج الأدب الإنجليزي. إذن فوظيفة الترجمة هي تبيان إبداع أسلوب المؤلفين المترجم لهم.
نلاحظ أن الصارمي قد ترجم السونيتة وصاغها في قالب الشعر العمودي بدلا من الشعر المنثور كما هي العادة في الترجمات. إلى أي مدى كان هذا التصرف ناجحًا؟ من الصعب الحكم على ذلك!
من جهة، هذا التصرف حرمَ القارئ العربي من معرفة قالب السونيتة الجديد على العربية. الوظيفة من الترجمة هي تعريف القارئ العربي بالأدب الإنجليزي، فلماذا تم استئصال القالب الذي كُتب فيه هذا الأدب؟
من جهة أخرى، يبدو التصرف حكيمًا حيث ينقل الإحساس بعمر القصيدة ووقتها. كُتبت القصيدة في ما بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، وفي ذلك الوقت لم يعرف العرب شكلا آخر للشعر غير العمودي. باختصار، عندما نقرأ ترجمة "عمودية" لشعر شكسبير، ربما نشعر بوقت القصيدة أكثر مما لو قرأنا ترجمة "نثرية".
2- لأن اللغة الشكسبيرية قديمة، استخدم (الصارمي) ألفاظًا قديمة -إلا أنها ليست منقرضة- مما عزّز الإحساس بوقت القصيدة ومستوى لغتها. نلاحظ استخدام الصارمي لكلمات مثل "البصّار" و "التبر" و"تخبو" و "طور" و "تؤججه".
3- يقول عدد من النقاد أن شكسبير لم يكتب هذه السونيتة لامرأة، بل لرجل شاب. وبالأخذ في الاعتبار هذا الاحتمال، يبدو من الأفضل للمترجم أن يبقي على حالة الغموض الموجودة في النص الأصلي، حيث لا يوجد في القصيدة الأصلية ما يؤكد توجيهها إلى امرأة. ولكن يجب ألا ننسى صعوبة إخفاء جنس الضمير في اللغة العربية مقارنة باللغة الإنجليزية. على أية حال، يحدث في الشعر العربي أن يخاطب الشاعر محبوبته بصيغة المذكر، كقول أحمد شوقي:
علَموهُ كيفَ يجفو فجفا
ظالمٌ لاقيتُ منهُ ما كفى
في البيت الأول من الترجمة، ينجح (الصارمي) في الإبقاء على هذا الغموض عن طريق استخدام الضمير المذكر :
إقتباس:
كيوم صيفٍ بديعٌ أنتَ يا قدري
بل أنتَ أبهى فأنتَ البدرُ في السحرِ
القارئ هنا سيظنّ أن القصيدة تخاطب امرأة رغم وجود الضمير المذكر، إلا أن المترجم لم يجزم بذلك، وهذا يُحسب له. ولكن للأسف يعود الصارمي ويناقض (وينقض) ذلك في البيت الأخير عندما يوجه الخطاب إلى الضمير المؤنث:
إقتباس:
شِعري سيصبح عقدا وأنتِ درته
وسوف تحيين في شعري مدى العمرِ
4- وظيفة الترجمة في ظل النظرية الوظيفية تحدد استراتيجية الترجمة من حيت التوطين أو التغريب. وعندما يكون هناك مزيج بين الاستراتيجيتين، قد يشير ذلك إلى عدم وعي المترجم بوظيفة الترجمة.
في السطر الأول من سونيتة شكسبير، نلاحظ أن الشاعر يشبه المخاطَب بيومٍ صيفي، بكل ما يحمله يوم الصيف المشمس من جمال ودفء وراحة في بلاد باردة مثل انجلترا. ولكن في السياق العربي، من المستحيل أن يشبه أحدٌ محبوبته أو من يعزّ عليه بيومٍ صيفي، لما فيه من حرّ شديد ورطوبة وعناء. ربما كان من الأنسب استخدام "يوم ربيعي"، إلا أن المترجم في البيت الأول من الترجمة فضّل الإبقاء على ما قاله الشاعر، ربما لنقل ثقافة النص الأصلي، وهذا تصرف جميل.
ولكن الإشكال يتجسد في البيت الثاني، حيث يقوم المترجم بتغيير الصورة الموجودة في النص الأصلي.
إقتباس:
Rough winds do shake the darling buds of May
تسطو رياح لهيب الصيف حارقة
على المروج فيذوي برعم الشجرِ
ما الذي حدث هنا؟ يقول شكسبير أن رياح الصيف تهزّ البراعم الجميلة، لا تحرقها. أما فكرة حرق الريح للبراعم فهي مستقاة من المناخ الحار في الجزيرة العربية. وهكذا، نرى أن المترجم قد "زجّ" بصورة من ثقافة النص المترجم، لا من ثقافة النص الاصلي، كما فعل في البيت الأول. وهكذا نلاحظ تداخل الاستراتيجيتين وعدم وضوح الوظيفة.
5- نظرًا لاستخدام قالب الشعر العمودي، اضطر المترجم إلى الحذف والإضافة كي يحافظ على الوزن والقافية. من الإضافات ما جاء في البيت التالي:
إقتباس:
Sometimes too hot the eye of heaven shines,
And often is his gold complexion dimm'd;
في عينه لهب شمس تؤججه
وفي عيونكِ الحسنُ في الحورِ
من الواضح أن الشطر الثاني من الترجمة إضافة من المترجم لم توجد في النص الاصلي. ولكن هل هي إضافة ناجحة؟ ماذا فعل الصارمي هنا؟
المترجم أضاف صورة من ثقافة النص المترجَم، فالعرب هم من يتغزلون بالعيون السود (والحَوَر طبعا هو شدة سواد الجزء الأسود وبياض الجزء الابيض من العين)، أما الإنجليز فلهم عيونهم الزرق والخضر! إن كانت وظيفة الترجمة هي التعريف بثقافة الأدب الإنجليزي، لماذا توجد هذه الصورة العربية "الدخيلة"؟
أقف عند هذا الحد، وأحب أن أنوه بأنني لا أقصد من هذا الموضوع "تقريع" المترجم وتقليل مكانة ترجمته، بل أهدف إلى قراءة "وظيفية" موضوعية نستفيد منها جميعًا. والحق يُقال أن الصارمي مبدع ولديه موهبة فذة نادرة جدًا في ترجمة الشعر. ولو لم يكن مبدعًا، ما استنزفتُ وقتي في قراءة ترجمته ونقدها. هذا وللعلم فأنا لم أنتقد الترجمة ككل من حيث المعاني والألفاظ، بل انتقدت الترجمة من الناحية الوظيفية فقط. ما أريد إيصاله للقارئ من خلال موضوعي هذا هو أن تحديد الوظيفة من الترجمة والوعي الكامل بها أثناء الترجمة يساعد كثيرًا في تحقيق تلك الوظيفة بنجاح.
كل التقدير والتشجيع للصارمي.
أحمد حسن المعيني
النص الأصلي
Shall I compare thee to a Summer's day?
Thou are more lovely and more temperate:
Rough winds do shake the darling buds of May,
And Summer's lease hath all too short a date:
Sometime too hot the eye of heaven shines,
And often is his gold complexion dimm'd;
And every fair from fair sometime declines,
By chance or nature's changing course untrimm'd:
But thy eternal Summer shall not fade
Nor lose possession of that fair thou ow'st;
Nor shall Death brag thou wander'st in his shade,
When in eternal lines to time thou grow'st:
So long as men can breathe, or eyes can see,
So long lives this, and this gives life to thee
الترجمة
كيومِ صيفٍ بديعٌ أنتَ يا قَدَري
بل أنتَ أبهى فأنتَ البدرُ في السحرِ
تسطو رياحُ لهيبِ الصيفِ حارقةً
على المروجِ فيذوي برعُمُ الشجرِ
وفتنةُ الصيفِ لا تبقى إلى أبدٍ
أمّا جمالُكِ لا يفنى مدى العُمْرِ
في عينهِ لهبُ شمسٍ تؤجّجهُ
وفي عيونكِ الحُسنُ في الحَوَرِ
يزولُ سحرُ جمال الصيفِ مختفياً
وينتهي كلّ حسنٍ فيه بالكَدَرِ
هي الطبيعةُ دوماً في تغيّرِها
طوراً نعيماً وطوراً تَرْمِ بالشَرَرِ
لكنّ صيفَكِ لن تخبو مَفَاتِنُهُ
فقد وُهِبْتِ بهاءَ التِبر والدُرر
لا لن أرى الموتَ مختالاً بأرضكِ أو
أراهُ طيفاً تَباهى فيكِ بالظَفَر
فطالما ظلّتِ الأنفاسُ صاعدةً
واسْتَمْتَعَت أعيُنُ البُصّارُ بالنَظرِ
شِعري سيُصبِحُ عِقْداً وأنتِ دُرّتهُ
وسوفَ تَحيين في شِعري مدى العُمْرِ
محمد الصارمي (مجموعة الترجمة-جامعة السلطان قابوس)
يقول المترجم الدكتور " سليمان العطار " الذي انجز ترجمة
( دون كيشوت - دون كيخوتي دي لامانشا - الشهير بدون كيشوت عند العرب )
بعد 7 سنوات من التمحيص والتدقيق
في هذا الكتاب يقول :
أنت عندما تترجم لا تترجم جملاً أو كلمات
إنما تترجم الفعل الجمالي الذي قصده المؤلف الأصلي
الذي يقوم بفعل جمالي خارق ، وهذا الفعل الجمالي
يؤدي إلى اختيارات معينة في اللغة
من هنا تتحدد أهمية الترجمة من الناحية الوظيفية
التي حاول صديقنا " أحمد المعيني " أن يوصلها لنا
عبر انتقاده لـ ترجمة " الصارمي "
بـ صدق أعجبتني القراءة التي كشفت عن أخطاء عديدة
وأولها ترجمة النص ( الشكسبيري ) والمسمى ( سونيتة )
في قالب شعر عمودي ، وهذا شكل مستهجن
ولا يتفق مع شعر شكسبير المنثور
لا يجب أن يكون المترجم خائناً للنص فـ يغير من كلمات النص الأصلي
تجاوزاً روح النص وألقه ونَفًسه ، إنما يكون المترجم مقلداً بـ الوعي
والثقافة الكافية ويملك دربه وخبرة ومراس طويل في الترجمة
ولـ تحقيق الفعل الجمالي في ترجمته يجب أن تتوافر لدى المترجم
الموهبة فضلاً عن إجادة كاملة للغتين
هو اجتهاد من الطالب " محمد الصارمي "
يستحق التشجيع والقراءة
نور القحطاني
منقول للفائدة
http://shrooq1.com/vb/showthread.php?p=34875
المفضلات