الفلسفة كلمة بمعنى حب العلم والحكمة كانت تطلق سابقا على كل العلوم الحقيقية فكانت تشمل العلوم الطبيعية والرياضية والالهية والاخلاق والسياسة والمنطق وكان للبحث في كل مجال اسلوب خاص وان كان الخلط قد يحصل احيانا، فتدرس مسألة ترتبط بالعلوم الطبيعية بالاسلوب التعقلي في حين انها يجب ان تدرس بألاسلوب التجريبي، وقد اضيفت للفلسفة في القرون الوسطى علوم اخرى ليصبح معناها اوسع بحيث يشمل كل معلومات ذلك العصرالا انه بعد عصر النهضة الحديثةوخصوصا من القرن السابع عشرالميلادي فما بعد بدأت العلوم التي تبحث بشكل تجريبي تنفصل تباعا عن الفلسفة،واختفى اسم الفلسفة شيئا فشيئا بالعلم الذي تخرج مسائله عن دائرة (التجربة) وتدرس هذه المسائل بأسلوب عقلي محض، وكان هذا العلم هو علم الميتافزيق (ما بعد الطبيعة) أو الفلسفة ألأولى. كما أن لكلمة الفلسفة استعمالا آخر وهو عبارة عن بيان المبادىء التي تجب ملاحظتها عند البحث عن مسائل علم خاص مثل فلسفةالعلوم وفلسفة الاخلاق وكلمة العلم ايضا تعني لغويا المعرفة واصطلاحا تطلق على مجموعة المسائل التي تطوف حول موضوع واحد وطبقا لهذا المصطلح فان الفلسفة الأولى أيضا هي من مصاديقه، الا أنه وفي القرون الأخيرة اختصت كلمةالعلم بالعلوم التجريبية اصطلاحا وصارت في قبال الفلسفة ، ووفقا لهذين المصطلحين فان الفلسفة والعلم لهما موضوعان وأسلوبان مختلفان للبحث بمعنى ان الفلسفة تبحث في المسائل العامة للوجود وهي في العموم مسائل انتزاعية واسلوبها البحثي تعقلي اما العلوم فهي تبحث عن حالات موضوعات خاصة يفرض وجودها مسبقا واسلوبها البحثي التجريبي ، فالفيزياء مثلا تبحث عن العوارض الظاهرية للمادة ، والكيمياء عن العوارض الداخلية لها وتحليل المواد وتركيبها ،والفسيولوجيا عن اسلوب عمل أجهزة الموجودات الحية ،والبسيكولوجيا أو علم التحليل النفسي عن الخصوصيات والحالات النفسية ،ولا يتحدث أي منها عن موضوع العلم نفسه ومبادئه المفترضة مسبقا فلا الفيزياء ولا الكيمياء تبحثان عن وجود المادة،ولا الفسيولوجيا أو البسكيولوجيا يتكفلان البحث حول حقيقة الروح والنفس ولا أي من العلوم يتحدث عن مبدأ العلية وقوانينه الفرعية.أما الفلسفة فهي تبحث عن المسائل الكلية والانتزاعية للوجود مثل العلية والمعلولية، الثابت والمتغير، المادي والمجرد الواجب والممكن وأمثالها، ولأن هذه المفاهيم لا تتعلق بشكل مباشر بالادراكات الحسية فان المسائل المربوطة بها لا يمكن اثباتها او نفيها بالتجربة الحسية. وانما ينحصر مفتاح الحل فيها بالتحليلات العقلية والبحوث الذهنية ،ويشكل البحث في كيفية هذه البحوث وقيمة معارفها العقلية جزا هاما من الفلسفة الحديثة التي تسمى ب علم المعرفة أوالايستمولوجي ، وعلى هذا فلا معنى لان نتوقع رفع الاختلافات الفلسفية بعد تطور العلوم التجريبية وان يقوم العلم بحل النزاع بين الفلسفة الالهية والمادية فيقضى لاحدهم على الآخر وعندما نقول الفلسفة الالهية فان الاسلام يشكل النموذج الاعلى للمدرسة الالهية وانا لا اقصد ان الاسلام هو فلسفة من الفلسفات وانما اقصد ان اقول ان المبادىء الاعتقادية الاسلامية تشكل مسائل هي من نوع المسائل الفلسفية وبعبارة اوضح فان الاسلام يمتلك اساسا فلسفيا كما ان الماركسية تمتلك ذلك ولان الماركسية هي النموذج الواضح للمذاهب المادية ، والاسلام يجيب على كل المسائل الأساسية بالايجاب ويعتبر الايمان بها اساسا للسعادة الحقيقية للانسان ويحل على اساس منها سائر المشاكل ويعتبرها في الواقع كلها اوراقا واغصانا لشجرة جذورها هي هذه المسائل العقائدية الثلاث وهي الايمان بالله الواحد وبعودة الانسان الى الحياة يوم القيامة (المعاد)للحساب والعقاب وبما انزل الله تعالى على انبيائه وفي قبال ذلك تنفي المذاهب المادية وجود غير المادة ولا تقول للبشرية بحياة غير هذه الحياة القصيرة في الدنيا وتنكر سبيل الوحي المضمون .
الميتافزيق (ما وراء الطبيعة) لفظ ماخوذ من اصل يوناني هو (متاتا فوسيكا) كان يشكل قسما من اقسام بحوث الفلسفة التي تبحث عن الاحكام العامة للوجود ولكي ييسر الفلاسفة القدماء فهمه فقد جاؤا ببحثه منهجيا بعد البحث في (الطبيعيات) فأسموه لذلك ب(ما بعد الطبيعة) ومن المعلوم انه بعد انفصال سائر العلوم عن الفلسفة بقي هذا القسم تحت عنوان الفلسفة ، ولأنه يبحث من جملة ما يبحث عن الموجود غير المادي وما وراء الطبيعي (الماورائيات) فأنه حصل توهم مفاده ان الميتافيزيق يعني (ماوراء الطبيعة= ترانس فيزيك) وهذا التوهم بدوره أوجب ان تسمى المدرسة الالهية بالمدرسة الميتافيزيقية، هذا في حين ان مسائل ما بعد الطبيعة لا تختص بالمدرسة الالهية ولا تستغني المدرسة المادية عن البحث فيها .
ذلك لأن كل من يحاول البحث في الأحكام العامة للوجود والتي لا تختص بمجال علم خاص يضطر للدخول في مجال الميتافيزيق سواء وصل فيه الى نتيجة ايجابية ام لا فالبحث عن ( العلية ) مثلا بحث ميتافيزيقي فلسفي وان نظر اليه في العلوم كمبدأ مسلم به ولكنه ليس لأي علم ان يبحث عنه بمنهجه العلمي فيثبته رغم احتياج كل العلوم اليه وقيام نشاطاتها في ظله ولا يمكن الاقرار بقوانين علمية عامة الا في ظل مبدأ العلية ، بل حتى لو ان احدا سعى لرد (العلية) او احد فروعها فانه يكون بذلك قد بحث بحثا ميتافيزيقيا علما بأن الفلسفة لا يمكن ردها الا بالفلسفة ، الفيلسوف البريطاني( جورج كالينكوود) كتب رسالة حول الميتافيزيق موضحا انه مجموعة من الفرضيات المسبقة التي لا يمكن معرفة صحتها او عدم صحتها فقال (( ان هذه الفروض المسبقة تقبل تحت شروط خاصة وبشكل لا شعوري وترفض تحت ظروف أخرى)) ان هناك خصائص للمسائل الميتافيزيقية توجب احكاما مختلفة عليها وربما كانت هذه الاحكام متناقضة ورغم ان الفطرة الانسانية ظمأى للجواب عليها وقد أشرنا مسبقا الى ان كون الحياة انسانية رهين الحل الصحيح لبعض هذه المسائل رغم ذلك فان بعض المفكرين الاوروبيين يعتبرونها غير قابلة للحل ويرى البعض الآخر أنها بلا فائدة بل لاتملك معنى ابدا ، لما كانت الادراكات الأولية العادية للانسان تحصل بشكل مباشر بواسطة الحواس الظاهرة فان السطحيين العاديين من الناس يتصورون عدم وجود عالم وراء العالم المحسوس وبألاصح وراء نطاق الادراكات الحسية ، وان وجد فرضا فانه لا يقبل الاثبات وعلى أثر هذا التصور القاصر قال بنو اسرئيل لموسى( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)ومن هذا القبيل قول القائل(( ان الروح لا وجود لها لأنا لا نعثر عليها تحت مشرط التشريح)) وفي قبال هذه الأحاديث الضيقه الأفق يكفي ان نقول : ان هناك في هذا العالم المادي الكثير من الموجودات التي لا تقبل الادراك الحسي مثل: الكهربائية ،وأمواج الالكترومينيتك وسائر الأشياء التي أثبتتها العلوم فعلى هؤلأ الذين ينكرون ما وراء الحس ان ينكروا هذه الحقائق أو يصدقوا أن سبيل المعرفة لا ينحصر بالآدراك الحسي المباشر وأن العقل الانساني يستطيع عن طريق الآثار أن يصل الى المؤثر االلامحسوس ، والنتيجة هي ان معارف الانسان لا تنحصر بالمدركات الحسية والتجريبية ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب ، بل أن قوانين العلوم التجريبية بدورها محتاجة الى المعلومات غير الحسية والمبادئ الميتافيزيقية .