غــــــزة الباسلة.... وعروبة اليوم

لا بد أن يعرف القاصي والداني ــ الجاهل والعارف ـــ والعربي والأعجمي والمؤمن والكافر, بأن ما نحن فيه من ذل ومهانة ما هي إلا أكسية لبسناها عنوة وقسرا من بعض قادتنا الذين اعتادوا الخضوع والانكسار ومطأطئة هاماتهم لغير الله... ورغم أن هذه الأسمال هي أسمال بالية أتى عليها الدهر وقصرت وتمزقت وأصبحت كأنها محنطة تتكسر وتتطاير مع كل هبة ريح ... إلا أن أمتنا في أرجاء وطننا العربي الكبير تثبت للعالم أجمع من أقصاه إلى أقصاه بأننا لحمة واحدة في جسد واحد إن ألمت به المحن والشدائد تداعت وشائج اللحم والدم بين أوصال هذه اللحمة تأن وتأن وتصرخ بأعلى صوتها بأننا أمة واحدة بما يجمعها من أواصر في الدين والأرض الأخوة والنسب لا تقبل الذل والمهانة والطغيان والاستبداد.
يكفينا فخرا كشعوب عربية بأننا اسمعنا صوتنا كل أنحاء المعمورة معبرين عما يجيش بأنفسنا وقلوبنا كراهية وحقد لهذا العدو المحتل لأرضنا ولكل من يقف وراء هؤلاء المرتزقة اللئام الذين جلبوا من كل بقاع الأرض بمزاعم واهية يدحضها التاريخ فهم إمعة التاريخ وحثالاتها قتلوا انبيائهم إثماُ وعدوانا وعاثوا في الأرض فسادا.
إن ظروف العيش القاسية التي يمر بها أهلنا في غزة ـ من تقطعت بهم السبل فلا نجدة ولا نصير ـ شعب أعزل ينام تحت نار القصف لأشد الأسلحة فتكا ودمارا تتطاير من بوارجهم وطائراتهم ومدافعهم وآلة حربهم الصهيونية
فليكن الله معهم جنبا إلى جنب بنصره وبقوته وعزته وجبروته وقهره لهؤلاء الشرذمة المجرمة... (( إنهم فتية أمنوا بربهم ) وليعلم الساسة الصهاينة بأنهم قد فتحوا باب جهنم بمصراعيه بأيديهم ،،، وأن غزة الباسلة ستكون محرقتهم الثانية بإذن الله تعالى .. اللهم آمين اللهم آمين .. وأنهم ليسوا في نزهة ولن يجدون إلا نسورا واسودا... يحبون الموت استشهادا لملاقاة ربهم يهبوا أرواحهم ودمائهم الزكية الطاهرة فداء لأرضهم وعرضهم ... وليتذكروا ويستحضروا الأمس القريب لهؤلاء الفدائيين بدخولهم إلى العمق الإسرائيلي حبا في الاستشهاد ....
النصر والعزة لأهلنا ومقاومته الباسلة في ميادين القتال والخزي والعار للصهاينة
لذلك فإن ما نحن فيه من ضعف وانكسار ومهانة ما هي إلا وصمة عار وخزي في جبين كل قائد عربي يستجدي لقمة عيش له ولبطانته ولأذياله من ساداته في الغرب..
اليوم ، اليوم تحضرني أحد القصائد العروبية لشاعرنا وأديبنا العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني قصيدة باكيا وململما أوصال لحمتنا فلتكوني معي في قصيدته المعنونة بـــ أبو تمام وعروبة اليوم
مـا أصدق السيف! إن لم ينضه الكذب وأكـذب السيف إن لم يصدق الغضب
بـيض الـصفائح أهـدى حين تحملها أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها الـغلب
وأقـبح الـنصر... نصر الأقوياء بلا فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم كسبوا
أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن إلى أنـصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا
قـالوا: هـم الـبشر الأرقى وما أكلوا شـيئاً.. كـما أكلوا الإنسان أو شربوا
مـاذا جـرى... يـا أبا تمام تسألني؟ عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما السبب
يـدمي الـسؤال حـياءً حـين نـسأله كـيف احتفت بالعدى (حيفا) أو النقب)
مـن ذا يـلبي؟ أمـا إصـرار معتصم؟ كلا وأخزى من (الأفشين) مـا صلبوا
الـيوم عـادت عـلوج (الروم) فاتحة ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب والسلب
مـاذا فـعلنا؟ غـضبنا كـالرجال ولم نـصدُق.. وقـد صدق التنجيم والكتب
فـأطفأت شـهب (الـميراج) أنـجمنا وشـمسنا... وتـحدى نـارها الحطب
وقـاتـلت دونـنا الأبـواق صـامدة أمـا الـرجال فـماتوا... ثَمّ أو هربوا
حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى اقتحموا وإن تـصدى لـه الـمستعمر انسحبوا
هـم يـفرشون لـجيش الغزو أعينهم ويـدعـون وثـوبـاً قـبل أن يـثبوا
الـحاكمون و»واشـنطن« حـكومتهم والـلامعون.. ومـا شـعّوا ولا غربوا
الـقـاتلون نـبوغ الـشعب تـرضيةً لـلـمعتدين ومــا أجـدتهم الـقُرَب
لـهم شموخ (المثنى) ظـاهراً ولهم هـوىً إلـى »بـابك الخرمي« ينتسب
مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل كذبت أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه الذهب؟
عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على وجـودها اسـم ولا لـون.ولا لـقب
تـسـعون ألـفاً (لـعمورية) اتـقدوا ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا الـشهب
قـبل: انتظار قطاف الكرم ما انتظروا نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها التهبوا
والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا بلغوا نـضجاً وقـد عصر الزيتون والعنب
تـنسى الـرؤوس العوالي نار نخوتها إذا امـتـطاها إلـى أسـياده الـذئب
(حـبيب) وافـيت من صنعاء يحملني نـسر وخـلف ضلوعي يلهث العرب
مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا أبتي؟ مـليحة عـاشقاها: الـسل والـجرب
مـاتت بصندوق »وضـاح«بلا ثمن ولـم يمت في حشاها العشق والطرب
كـانت تـراقب صبح البعث فانبعثت فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو وترتقب
لـكنها رغـم بـخل الغيث ما برحت حبلى وفي بطنها (قحطان) أو(كرب)
وفـي أسـى مـقلتيها يـغتلي (يمن) ثـان كـحلم الـصبا... ينأى ويقترب
»حـبيب« تسأل عن حالي وكيف أنا؟ شـبابة فـي شـفاه الـريح تـنتحب
كـانت بـلادك (رحلاً)، ظهر (ناجية) أمـا بـلادي فـلا ظـهر ولا غـبب
أرعـيت كـل جـديب لـحم راحـلة كـانت رعـته ومـاء الروض ينسكب
ورحـت مـن سـفر مضن إلى سفر أضـنى لأن طـريق الـراحة التعب
لـكن أنـا راحـل فـي غـير ما سفر رحلي دمي... وطريقي الجمر والحطب
إذا امـتـطيت ركـاباً لـلنوى فـأنا فـي داخـلي... أمتطي ناري واغترب
قـبري ومـأساة مـيلادي عـلى كتفي وحـولي الـعدم الـمنفوخ والـصخب
»حـبيب« هـذا صـداك اليوم أنشده لـكن لـماذا تـرى وجـهي وتكتئب؟
مـاذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟ إنـي ولـدت عجوزاً.. كيف تعتجب؟
والـيوم أذوي وطـيش الـفن يعزفني والأربـعـون عـلى خـدّي تـلتهب
كـذا إذا ابـيض إيـناع الـحياة على وجـه الأديـب أضـاء الفكر والأدب
وأنـت مـن شبت قبل الأربعين على نـار (الـحماسة) تـجلوها وتـنتخب
وتـجتدي كـل لـص مـترف هـبة وأنـت تـعطيه شـعراً فـوق ما يهب
شـرّقت غـرّبت من (والٍ) إلى (ملك) يـحثك الـفقر... أو يـقتادك الـطلب
طوفت حتى وصلت (الموصل) انطفأت فـيك الأمـاني ولـم يـشبع لها أرب
لـكـن مـوت الـمجيد الـفذ يـبدأه ولادة مـن صـباها تـرضع الـحقب
»حـبيب« مـازال فـي عينيك أسئلة تـبدو... وتـنسى حـكاياها فـتنتقب
ومـاتـزال بـحـلقي ألـف مـبكيةٍ مـن رهبة البوح تستحيي وتضطرب
يـكـفيك أن عـدانـا أهـدروا دمـنا ونـحن مـن دمـنا نـحسو ونـحتلب
سـحائب الـغزو تـشوينا وتـحجبنا يـوماً سـتحبل مـن إرعادنا السحب؟
ألا تـرى يـا »أبـا تـمام« بـارقنا (إن الـسماء تـرجى حـين تحتجب)


ناظم جعفر علي
مترجم ـ اليمن
أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدى