_الشرق الاوسط الايراني الكبير

.................................................. ....................................
يكمن نجاح ايران في اختراق المجتمعات(الاخرى) باعتمادها بصورة أساسية على القاعدة الذهبية لولوج الابواب المغلقة. المتمثلة بالانخراط في الاوساط الثقافية لتلك المجتمعات وتجنيد كل الوسائل الدعوية اللازمة عن طريق تمويل الملحقيات والمكاتب الثقافية التابعة كخطوة أولى لاستمالة الطبقة المثقفة ذات النفوذ المؤثر والقبول الفطري الواسع لدى العوام.وتعمل المؤسسات الثقافية الايرانية على تخصيص( جزء) من منتوجها الفكري المتلائم مع متطلبات ذلك المجتمع محيطة اياه بهالة من المثالية باعتبراها اليد المخلصة ورائدة الثورة البيضاء لانتشال تلك المجتمعات من مستنقعاتها والسمو بها نحو التكافل العادل والكمالية المنشودة.ولايستطيع احد الان غض البصر عن تلكم النجاحات السريعة والانتشار السرطاني في العـديد من المجتمعات العربية والتي كانت - مسبقا- مطعمة ضد مثل هذا النوع من الافكار.
فبعد ان استتب الحكم الايراني للعراق بفضل الغباء او غض الطرف الامريكي وانتعاش الاقتصاد الايراني بالفضل السابق ذاته،مـُنحت ايران الاهلية لاستعادة دورها - الذي ماانفكت ان تحوم حوله- كشرطي للخليج وباعناق مشرئبة لحكم هذه المنطقة المغرية من العالم،مستغلة حالة الفراغ الفكري المحيطة بكومات الجوع والفقر واللامصير السائدة في المنطقة،بالاضافة للاضطرابات الامنية المتمثلة بسقوط قلعة الاسود(بغداد)وماساقته على الاخرين من الشعور بالامن المفقود والحاجة الى وصي جديد لم تتضح صورته حتى الآن وخصوصا بعد فقدان الهوية القومية للمنطقة العربية.
اذا من المخجل ان نلوم ايران او امريكا او حتى اسرائيل ونحن كيان فاقد الاهلية وقاصرعن المطالبة بحقه في الموروث الحضاري المهلهل.ولكي نصف الدواء علينا بتشخيص الداء أولا،مهما كان هذا المرض مخجلا،ومهما كانت نسبة العجز لدينا جراءه.
علينا ان نكون واضحين وجادين في كشف المعضلة لاسيما ونحن نعيش عصر التهتك الثقافي وفقدان الهوية سقوطا الى عصر الجاهلية الاولى.
ان ايران تستخدم السلاح الصحيح في تسويقها الى شعوب المنطقة العربية المدقعة الفقر او فاحشة الثراء،وخصوصا بعد ان كسرت رأس الحربة العربية في العراق.
الخليج مثلا وبعد اكتشاف ثرواته البترولية امسى(رغما عنه) مفتقرا لعنصر الثقافة العربية المغمسة برغيف القومية.وارتماءه باحضان المصالح الغربية والتسويق لثقافته- ثقافة الغرب-افقده الكثير من هويته العربية والاسلامية،مكللة بالثراء الفاحش والمفاجئ الذي سربل راكب البعير بمقود المارسيديس والرولسرايز،ملجماً عينيه بطريق الشهوات والملذات ونوادي القمار.وهنا تكمن خطورة الثروة المفاجئة.
ونتج عن تلك الثروة مساحة فراغ فكري وثقافي لدى الكثيرين من الشباب الخليجي متناسين الماضي قافزين الى خطى المستقبل الجاهزالمستورد دون فهم آليته مثله مثل معظم الأشياء هناك.كما خدم الخليجيون تسويق الاعلام الغربي -المغاير لاخلاقنا- في المنطقة بشكل كبير،فلا تكاد تجد قناة فضائية (هدامة) فيها من هذه البرامج الا وبدعم خليجي مساهم،اثمرت عن جيل من المتشبهين بالقشور الغربية البعيدة كل البعد عن الاعلام التربوي الصحيح.
أما الموروث الثقافي فادركه التلف والاضمحلال جراء سيول المفاهيم المستوردة واصبح هذا الموروث لاتقومه الى عصي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر،مما انتج جيل من الشباب عديمي المسؤولية لايفهمون معنى التضحية من اجل الوطن المرتبط بالمَلك او الاميروليس العكس،ومالهم الا ان يحزموا الامتعة متوجهين لقصورهم الاوروبية اذا ماداهمتهم نيران العدو كما فعل الكثير من الكويتيين ابان الاجتياح العراقي عام1991م.
ان هذا المنظار في الحكم على هيئة التركيب الخليجي بمختلف اشكاله لم يعد استثنائيا،وانما غدت تلكم النظرة الى المجتمعات الخليجية،نظرة شائعة وعامة نستقرئها في عيون العوام والمثقفين حتى لدى الاوساط الغربية المهتمة.
أما مصر فقد انخرطت في معسكرات كلها شاذة عن هويتها ودورها الريادي في قيادة العالم الاسلامي والقالب القومي للامة العربية،ابتداءا من كامب ديفيد والتطبيع مع اسرائيل على قدم وساق الى الارتماء في أحضان الاستثمارات الغربية والمفاهيم الراسمالية الامريكية،مع وجود طبقة واسعة سحيقة من الشعب يكاد لايبين لها شاخص،قابلة باي ثمن ينتشلها من الموت البطيء.
وقد ادركت ايران ذلك مطلقة اصابعها ابتداءا من (الصعيد الجواني)الفقير ذو الطاعة العمياء لرجل الدين مع موروث لايام العز القاهري ابان حكم الفاطميين.وخلال عدة سنوات استطاعت ايران اجتلاب الكثير من مثقفي مصر حتى وصل تعداد الطائفة الشيعية هناك لاكثر من مليون وبمنتديات ومجالس ودعم منقطع النظير في الوقت الذي يفتقر فيه المصريون الى رغيف العيش والذي كان من الممكن رأب صدعه بقليل من الريالات السعودية بدلا من انفاقها على برامج الحظ والمغامرة او صالات التعري ونوادي القمار.
اما في سوريا ولبنان فالنفوذ الايراني حدث ولاحرج،حتى ان الكاسب في مناطق عديدة لتلك البلدان لايجد بدا التحدث بالفارسية لتمشية أموره..!وقد امسى للنفوذ الايراني في سوريا سلطة مدعومة من قبل الدولة ذات الروابط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الوترية مع حكومة ايران.كذلك تستغل حملات التشيع هناك حالة الفقر والعازة لابناء الكثير من قانطي الريف الشامي والمناطق النائية بمعادلة ربوية قائمة على الصرف القليل والكسب الكثير.وبمعدل100$للفرد استطاعت ايران ان تشيع قرى بالكامل بعد ان كانت ذات هوية سنية مطلقة.
اما لبنان فلا يخفي عن الجميع دور حزب الله(القوة الميليشياوية الجاهزة) وحركة أمل والسبات السني في نشر التشيع هناك.
وفي الخليج (النائم)قنبلة(الخلايا الصاحية)والتي تلوح بها ايران بين الفينة والاخرى كلما علت اصوات (العروبيين) منددة بالاحتلال الايراني للجزر الثلاث،علما ان تلك الخلايا تعمل بشكل دؤوب في جمع المعلومات وكسب المؤيدين والمناصرين منتظرة (ساعة الصفر)التي يطلقها بوق( الولي الفقيه وامام الزمان)للبدء باعمالهم التخريبية كأوّل امرهم بـِدْءَ الحرب العراقية الايرانية،لما كان دورهم تخريب وزعزعة الامن في العراق لخلق حالة من الارباك تشغل اجهزة الامن العراقية وتفقدها تركيزها في الجزء الاهم من الحرب،الا ان نظام صدام حسين تمكن من سحق وتفتيت تلك البؤر وقتل الكثير من المناصرين وتشريدهم.
ان سقوط العراق كان بمثابة ناقوس الخطر الذي قرع اجراس الخوف وصار يهدد انظمة المنطقة بالزوال،وللاسف فان حكومات الخليج ذات الثقل الاقتصادي بالذات ادركت المسالة بعد فوات الاوان وكل مافعلته انها سلمت ملف امنها الى عرابها الامريكي ورجعت للنوم على وسادة الريش،بعد طمأنات معتادة من المارد الامريكي المزعوم.
وهنا تكمن مصيبة الفراغ الثقافي والعلمي لحكام الخليج المتمثلة بالاعجاب (الزائد)في القدرات الامريكية،وتخيلها بانه المارد الذي لايقهر متناسين الجار الابدي الغير قابل للرحيل(ايران)،ومتناسين تجارب التاريخ القريب في الغدر الغربي للعرب ومعاملتهم بدُونـِيـّة استغلالية صرفة لتحقيق مآربهم،وهو الدور الذي رفضته ايران بعد زوال حكم الشاه ورفضه العراق ايضا ابان حكم صدام حسين منتهيا بذي بدء بعبد الكريم قاسم.
ان حالة الضياع واليأس في الشارع العربي المسلم على وجه الخصوص،أوجد حالة من(اهتزازالايمان)بالقيم والمفاهيم والتي يظن الكثيرون بانها كانت عاجزة عن العبور بهم الى ضفة الامان،خاصة بعد ان فقد الدين(السني)موقعه القيادي وأصبح خادما مطيعا ومبجلاً لنزوات الحكام في تشريع قوانينهم الجائرة.
ومع تنامي الكره في العالم العربي للولايات المتحدة واسرائيل وحلفائهما جراء احتلال العراق ومشاهد القتل المريعة لابناء الشعب العربي المسلم في العراق وفلسطين وصولا لافغانستان،وهديل صوت محتضر لمراجع الاسلام(السني)،لاحظ الشارع العربي عبر وسائل الاعلام بان المقاوم الرسمي - ذو الصوت القوي- للدمار الامريكي هي إيران(بمفاهيمها الدينية)،خصوصا بعد ضياع المفهوم القومي المتمثل بسقوط بغداد آخر المعاقل للقوميين العرب.
اما الدور القومي السوري ظل ضعيفا نسبة للمنظور التاريخي للنظام الحاكم هناك ودوره المناوء للعراق في الحرب القومية مع ايران بقيادة صدام حسين بالاضافة الى هشاشة التاثير السوري الناجم عن هشاشة إقتصاده.
ومع تعطش الشعوب الاسلامية والعربية لمقاومة المحتل المتجبرقاد الاعلام العربي السني(بالنيابة)،حملة شعواء ضد التيارات الاسلامية السنية المقاتلة،واصفا اياها بالارهاب وقتل الابرياء (عمداَ).وخلق- بقصد او بدونه- لتيار المقاومة الشيعية هالة من القدسية والمثالية المتمثلة بحزب الله وحربه(الطاهرة) ضد إسرائيل الذي امسك الحزب فيها سلاحه ضد ابناء وطنه (حتى المعادين منهم)على خلاف التيارات الاسلامية السنية التي لاتعرف التـُقية السياسية في قتالها.
وعندما تحاول بعض الوسائل الاعلامية اظهار الصورة الخفية لحزب الله سرعان ماتستدرك قياداته السياسية هذاالامر محاولة توجيه الاقلام الى نصر جديد كصفقات تبادل الاسرى المكللة بالاسيرالعربي ذي السمعة الطيبة(سمير القنطار)،مشيرة في خطابات عديدة الى الصراع على السلطة في لبنان متهمة بعض الاطراف السنية دعمها (الارهاب السلفي) بمعارك نهر البارد بالاضافة للعلاقات المتينة التي تربط بعض رموز السلطة السنية بامريكا قتلة العرب والمسلمين ومحاولة الاستعانة العسكرية بهم لضرب المقاومة (العربية الشريفة)،وبهذا ظلت صورة حزب الله بذلك البهاء والبريق الذي لاتشوبه خرابيش الخونة.
قد يتساءل الكثيرون أنى لايران هذه الثروة الطائلة لدعم حلمها القديم لولادة عرجون الامبراطورية الفارسية من جديد؟
ان ايران اختارت اسهل الطرق واقلها تكلفة لتحقيق هذا الحلم المشروع،فالاختراق الثقافي الدعوي للمجتمعات (المنخورة) صار من ابسط الامور بفضل الانفراج العلمي والتكنلوجي المتحقق وسهولة التنقل بين البلدان و(شراء الذمم) الذي صار من اسهل الامورايضا،ولاننسى الغباء الامريكي الذي خدم ايران بشكل كبير وساعدها على انعاش اقتصادها باعتبراها دولة منتجة للغاز والبترول،بالاضافة للهدية الثمينة المتجسدة بعجز الولايات المتحدة عن ايقاف السيطرة الايرانية على مقدرات العراق وموارده،وانشغالها فقط بتعويض خسائرها المتتالية على ارض العراق وافغانستان وازماتها المالية القاصمة،ولاننسى ايضا المثل القائل(عدو عدوي صاحبي)وفي هذا المجال تمتلك امريكا الكثير من الاعداء الذين دعموا الجانب الايراني وخاصة روسيا المتشببة المتعافية وفنزويلا ذات البراميل الممتلئة.
مما تقدم من الممكن تلخيص المشكلة في بلداننا العربية بانعدام الثقة في الحكومات وقدرتها على مواجهة الازمات وتوفيرمتطلبات العيش الكريم لشعوبها،كما ان المادة الاساس لتكوين المجتمعات المتجلية بالانسان باعتباره القوة الرئيسية المنتجة وأساس كل تغيير اجتماعي واقتصادي قد اصابه الانهاك والصدأ جراء المعادلة الروتينية المملة مابين البيت والعمل-العمل والبيت.ناهيك عن فقدان الهوية الثقافية مع تراجع مستمر بالمفهوم ذاته لمختلف طبقات المجتمع،معجونة بحالة الفقر والجوع المطبقة على رقاب المجتمعات العربية،وعلى طرف آخر ثمة ثراء فاحش بسلة طعام سنوية قدرها(12مليار دولار)لمنطقة الخليج وحدها.فتبودقت الحالة العربية متمثلة كأكل الفتات في اناء من ذهب.
انا على يقين بان الكثيرين يخالفوني الراي وكعادة العرب يزمجرون ويهللون بقواتهم وجيوشهم وامكاناتهم التي لم تستطع ان تمنع العصابات الصيونية من ارتكاب مجازرها،والتي لم تستطع مجتمعة منع شرذمة من اليهود احتلال الارض المباركة.والتي ساهمت جزءا منها في دك قلاع بغداد والتي...والتي..والتي..هلم جرا بخيباتها.
كما يعلم الكثيرون ان المجتمع الايراني يرزح تحت طائلة الفقر،وقد لايكون محفـَزا على القتال مشابها بذلك مجتمعنا العربي،وبهذا تساوينا في نقطة وتفوق الاخرون علينا في أهم نقطة وهما (الامل والطموح) وهذان السلاحان مفقودان لدينا نحن العرب.
لذلك فانا لااراهن على القوة الايرانية ولكن اراهن على (الضعف العربي) ونظرة عدم الاحترام واللامبالاة للعدو التي كانت وصمة عار على تفكيرنا الساذج المتسطح طيلة عهود الظلام الجاثمة على أنفاسنا.
وأخيرا كلمتي الى اخوتي الشيعة العرب : ان ايران ابعد مايكون عنها هم الشيعة العرب وتشهد لذلك مآسي العرب الاحوازيين .وابعد مايكون عنها هو الاسلام. والزائر لايران يرى هذا بام عينيه الا عن قانون فرض بالقوة له شكلا وليس له مضمون
وان ايران تستغل الشيعة العرب لتحقيق اهدافها التوسعية في المنطقة ليس الا،وفي لحظة فراغ اليد لاتجد لهم الا السيف والتثقيب بالدريل وقلع العيون كما تفعل مع معارضيها في العراق.