كل من طغى يفضي إلى عدم
قلدتني الساكنة الفاسية , أن أواصل فضح سلوكيات الرجل التغلب المضرة بالشأن المحلي ومصالح عموم المواطنين , لأنهم يرون في صرخاتي كمستشار جماعي , المنطلقة من داخل المعمعة , تنويرا لهم , تفيدهم في تحديد اختياراتهم قريبا , حتى لا يكتوي أحد بناره ونار أمثاله من جديد , تذرعت أول الأمر بأن الاستمرار حاليا في الفضح , يؤول أنه بدافعية اقتراب موعد الانتخابات , لكن الساكنة ترى أن السكوت عن المنكر تحث أي ظرف يعتبر شيطانا أخرس – وهذا مؤشر على وعي المجتمع المدني – لكن الرجل لا يظهر تأثرا بالفضائح التي تلاحقه كأنه غير مكترث , بل يعيش حالة من التظاهر والغرور أو حالة من يشك في أنك تعرف عنه سرا ويبعدك عن إمكانية البوح به , والتي تحسسه بورطة هو في غنى عن افتضاحها كجرم جديد . ربما هذه الحالة تسجل له لا عليه ,لكن كم يلزمه من الصمت ليقاوم انتقادي , وكم يلزمه من السب والشتم والتهديد والوعيد ليحرف انتباه الرأي العام , وكم يلزمه من الهروب ليقاوم المحاسبة الآتية , التي يتحسس موعدها ويوليها ظهره تطبيقا لشعاره " اليوم خمر وغدا أمر"
كل ساكنة المدينة عرفته على حقيقة أمره , فلا داعي لترويج اسمه من جديد , لأن ذلك يزيده شهرة لا يستحقها , وكل السكان يتهمونه بالذكاء , ولكنه محنط يؤكد أنه بريء من هذه التهمة , فهو ليس إلا مزيفا , هيئوه وأعدوه لمرحلة يؤدي فيها دوره خدوما مطواعا , ولكنه استغل كرم ضيافة المدينة له كوافد عليها من زمن سحيق , أيام .كان غارقا في مشاكله وأوهامه , يعيش في ظلمة الكون لحد أن يتألم الوجع لأوجاعه – كما قال عنه أولياء أموره النقابيون والسياسيون - وبدون مقدمات وجد نفسه في واقع لا يصدق نفسه فيه , ويفاجئه ما أصبح عليه من حال في هذه المدينة , وقد أصبح من المسئولين عن تدبير أمرها وبدل أن يخلص لها , جاء رد الجميل بربطه الاستبداد بالجهل خشية أن تنهار تقاليد تنكره أو أن يفرط في سطوه على بعض ضعاف النفوس , خاصة وقد وجد ضالته في كل من يقتسم معه التسلط على الرقاب , فتبددت أحلام الديمقراطية وشعارات التنسيق والتحالف , بل حتى مصداقية التعيينات التي أعقبت ذلك في هرم الوصاية وتفريعاتها , انساقت وراء الثقة بوعوده الانتخابية وانضافت إلى أخطاء السكوت عنه أثناء الانتخابات - وقد كانت الطعون وصدر الحكم على أية حال - وأصبحت المشكلة في أفكاره النخبوية ونرجسيته في المشاريع وفي نفاقه وخذلانه لأصوات من وثقوا به , وتجلى ذلك في سلوكه كما في مخلوط كلامه وخطبه في كل المجالس , بل أصبحت المشكلة أعوص منذ سيطر المصلحيون على عقليته الهشة التي تطبق قوالب مملاة وقرارات قاصرة , فصار الرجل الذي إن رأيته أخلص يوما فلأنه تعب من الخيانة وصار ممن تنطبق عليه ثلاثية اللاأمان : المال وقد كسبه , والسلطة وقد ضلعت لديه , والوفاء وهو منه كوفاء القط للفأر
أمر طبيعي أن تنتج هذه العلاقة عناية مشتركة بالمصالح الشخصية , ممن تواطئوا معه على المدينة بتاريخها وحاضرها ومستقبلها , أمطرت فيها السماء مشاريع دلل صعوباتها الأوفياء الذين لم يرضخوا لأشكال التآمر التي سقط فيها بسهولة , فظلت مجمدة حتى يلزموه بإعادة دراستها في دهاليز منطقة أضوائهم , حيث الهدوء والطمأنينة والربح السريع , بينما لا يستطيعون دراسة أمر ما عن مناطق الظلام , هروبا من واقع سكانها المرير الذي امتطى على ظهرهم , ثم خذلهم وتجاهلهم , وهم اليوم ينتظرون يوم سقطته القاسمة , لأنه وسنده , أخطئوا الطريق , إذ لا يوجد ضوء إلا حيثما كان الظلام , حيث يقيم الذين أهملوا في منطقة العطالة والضجيج والعوز والجهل والانحراف . ولا زالوا متشبثين بالأمل ينفضون عنهم غبار إغفاءة أهل الكهف , فلا تنطلي عليهم لعبة عمليات تحويل اتجاه الضوء واستعمال المساحيق على المجسم المؤثث للفقر / شارع أو شارعي الملايير الذي أكد للمواطنين أنه ' ليس كل ما يلمع ذهبا "
إن مدينة فاس وبكل عراقتها وتداخلاتها وتمازجها , صارت تفتقد قوة الشعور بالانتماء إليها لأنهم جعلوها خاضعة لسلطة القيم المرفوضة ومنها : -- السعي لمزيد من كسب الأموال , واعتماد المشاريع والمخططات المتحيزة عن عمد ضد القطاعات الاجتماعية وتوسيع دوائر التفكك الاجتماعي مع الركوب على ظهر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية واستغلال المشاريع المدرة للدخل لأغراض انتخابوية
-- استهلاك المساحيق للرفاهية والتجمل واقتناء ما هو أبعد من الضروري , فتكون مردوديته أضعف مقارنة مع كلفته , والخاسر دائما ذلك الإنسان البسيط المغمور في مدينته
-- بالإضافة إلى هيمنة القيم الأفقية التي تغيب المساواة وتطفح بالزمالة والتعامل بمنطق " هات وخذ " مما يجعل السلم الاجتماعي مهددا باستمرار
-- سيادة ثقافة الصمت والرضوخ للأمر الواقع المفروض , مع النزوع إلى التبسيطية والاختزالية بشكل امتد إلى المشهد الثقافي والإعلامي
إن إيقاظ قيمة القدرة على المحاسبة والمواجهة , يبدأ من استجلاء حقيقة غموض المجريات في مختلف مستوياتها وعلاقاتها وتعقيدات الواقع المعيش , الذي لا يبدو منه للعيان إلا الفساد الإداري والذي بدوره يعيق النمو الاقتصادي ويبقي على الفقر فقرا ويزيده قفرا , يبدأ من البلورة الفعلية لمسطرة وأجرأة هذه المحاسبة , بدون تحايل أو تغطية أو تستر . يبدأ من عدم الاستسلام أو التمسك بتبريرات الحقائق الخاوية , ما دام هناك امتلاك للفعل النضالي المستحضر للقيم الاجتماعية . التي غيبها ويغيبها صاحبنا وجماعته . لتبقى مهملة في مناطق الظلام . حيث ما يزال الفقير / المعوز مع تفاؤله الدائم , يرى الشتاء في منطقة الضياع . بداية للصيف , ويرى الظلام . بداية للضوء والأمل , ويرى الأمل . بداية كل شيء . ومن حقه أن يحلم وكان من الواجب على المسئولين تحقيق أحلامه , لأنها أحلام دائما بسيطة , ولكنه وإياهم فضلوا تحقيره وإهماله
من حقه أن يحلم بحياة تعيد لمجتمع فاس حميميته , التي تتفاعل فيها العناصر وتنصهر ضمن المصلحة العامة , وتتعاون على نهضة المدينة وإعادة الاعتبار إليها . ومن حقه أن يتمتع بحقوق المواطنة بأبعادها المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية , وتتوفر له المساواة ليستطيع أن يشارك في الإنتاج ويزول عنه التهميش . من حقه أن يكون له عمل يدر عليه دخلا قارا يعيد له كرامته ويحفظها , ومن حقي بكل الصفات أن أستنكر ما دون ذلك وأضم صوتي وفعلي للرافضين اليوم وغدا وكما كنت دائما , حتى بفضي كل من طغى إلى عدم
محمد التهامي بنيس 15 – 2 – 2009