فاس . وفأس القهر

تقديم
هي خاطرة لا بطل مكشوف لها , هي تأملات في بيت كان عتيدا عبر تاريخه, وغدا رهيفا ضائعا في تدبير لا مستقبل له
بعد نهاية الصراع الانتخابي بين التيارين الحاضرين في فاس في أول انتخابات جماعية مطلع الألفية الثالثة , تأكد للرأي العام الوطني والمحلي أن قيما كثيرة ستسير إلى زوال ولو من مدخل عسير في تدبير صعب , بسبب غياب من كان يراعي الوضوح والتقنين والعمل سويا من أجل التنمية والنمو العضوي للفرد , والتماسك بين السكان رغم تنافر فئات هذا المجتمع وتفككهم وارتباكهم وفوضويتهم أحيانا في مخاض ينتج الثقة في المستقبل ويجسد ابتعاد المدينة عن العبثية واللاجدوى , والاستفادة الجماعية من كل خلل في علاقة السكان بعضهم ببعض , وعلاقتهم بالمحيط للإبقاء على الانسجام والوحدة مهما اتسعت القاعدة السكانية واختلفت العلاقات الاجتماعية وتعقدت الوضعية الاقتصادية
غياب تفسخت من جرائه الأيديولوجية السائدة وتهلهلت الأبنية الحزبية والاجتماعية , وتوارت عن الأنظار أبنية ثقافية , مما أثر بجلاء على السمات والأوصاف التي كانت تميز المدينة كعاصمة ثقافية , وبهت عطاؤها وحضورها وهو ما كان ملموسا في سنة 2007 سنة اختيارها عاصمة للثقافة العربية
أصبحت المدينة , مدينة اللامبالاة , بحساسية جديدة تشيئ المواطن وتؤثث به الفضاء , وتؤله المكسب الشخصي على المنفعة العامة لدرجة أن الإنسان العادي الذي تغرب فيها وأحس الغموض يعتريه ما يقع فيها جراء تمزق المبادئ وتمييز الفئات وتشظي المنطق والقانون , فأصبح المسئول فيها اليوم , يتباهى بالتفكك ويقدس جمالة التسطيح – تسطيح الأمور وتسطيح الإصلاحات
لقد فقدت مدينة التاريخ والتراث الإنساني العالمي , أهم خصائص الزمن الذي جسد التضامن في أبهى صوره بين السكان , بين الغني والفقير , بين السليم والمريض , بينهم وبين الوافد والضيف . إن من يدبر شأنها المحلي اليوم , يمارس تجربة لا يعرف هويتها ولا يستطيع أن يتنبأ بنهايتها , ويقف عاجزا أمام ما يواجه به من حزن المدينة ومرارة السكان مما يعانون وقد شيأهم ولا يزال ينوي الإبقاء عليهم مجرد أسماء وأرقام وأصوات انتخابية
إنني وبولائي لهذه المدينة وعبق تاريخها الحي , أعلن تمردي على المحاباة والمجاملة أولا ثم التمرد على الذاتي وانتزاع قناعتي الطويلة بمقولة : لا تعطي السفيه أهمية حتى لا تدخله دائرة الضوء – وسأتمرد على الصمت , لأن من يسيء للمدينة , يستحق الفضح ولا أرصد إلا ما هو سلبي فيما أنجزه أو لم ينجزه , ولكن في نقد بناء , لا أهتم بما يجري داخل دهاليز مخططاته , وفي ما سببه صدفة أو عمدا , للمجتمع الفاسي من تفكك ولا توازن لهذا قد لا أعرض صورا متماسكة وقد لا أعبر بطريقة مترابطة , لأن ما أنتقيه للسرد والوصف , يعتمد انتقالات مباشرة وغير مباشرة , من أجل الوصول إلى قيمة ما هو مفتقد
محمد التهامي بنيس
2 / 10 / 2008
فاس . وفأس القهر

كان يقال : فاس والكل في فاس , وكانت الحقيقة والأمر الواقع يؤكدان ذلك لأن مدينة فاس ظلت وحدة موحدة , يتكامل فيها الاقتصادي بالاجتماعي بالسياسي بالثقافي , مهما حاولت المتغيرات الجغرافية أو المخططات والاستراتيجيات أن تخلق من مفارقات وتمايزات
فاس التي يحن إليها الإنسان وهو مقيم فيها أو بعد عنها جسديا , نزل فيها صديق عزيز ضيفا , وكله شوق لزيارة بعض المناطق التي غادرها منذ أزيد من 20 سنة . لاحظ ملامح التغيير التي مست بعض الشوارع بالمدينة الجديدة - والتي تندرج ضمن البرنامج الواسع لتأهيل المدن المغربية والذي رصد لفاس مبلغا تجاوز 14 مليون دولار وحتى لا تأخذه مساحيق التجميل التي تحاول أن تركب على أهداف تأهيل المدن وتجرد منها فاس أو تعطي لما أنجز فيها حالة استثناء أو تميز- بين الملاحظ والمسموع وما يروى وما يشاهد تكونت لصديقي أفكار متضاربة حول هذا التغيير ودرجاته وأهدافه وما هي عليه اليوم فاس . مدينة الضوء والظلام
أمارة الدار على باب الدار
فألح في البداية أن يقف على ما تغير في فاس العتيقة , فكانت أقرب الطرق ركوبا على متن السيارة , مدخلها من باب عجيسة , ولسخرية القدر لاحظ استمرار إهمال هذه الباب لدرجة التصاقها على الأرض وتراكم الأتربة المتحجرة على أسفلها والأتربة والأزبال تحيط بها في انسياب تصاعدي , مع أنها مؤهلة لتكون معلمة ثقافية كمعرض دائم للفنون , وخشي أن تبدأ الزيارة بتصديق قول : أمارة الدار على باب الدار , وفي أول الأزقة زلت قدمه في بقايا فضلات بهيمة - رغم أن المجلس فوت أمر تنظيف المدينة إلى شركة خاصة , يبدو أن مهمتها جمع النفايات في أماكن معينة وليس كنس الشوارع والأزقة - وما أن استجمع وقفته سالما وهم باستئناف السير حتى رأى مناظر تحسر لرؤيتها وشم روائح كريهة تنبعث من الجانبين وضايقته في المرور فئران وزاحمته بغال وحمير, كان المارة يقفون جانبا ليفسحوا لها طريق المرور كما لو أنهم يقفون إجلالا لها بالإكراه
يتبع
محمد التهامي بنيس