نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

السجن زنزانات ,أوفنادق فخمة
خلال هذا التأمل الثنائي , صدر ت عن صديقي حركة مفاجئة إذ رفع سبابته إلى خذه كما لو تذكر أمرا خطيرا , وأشار إلي بسبابته مؤكدا : إنه كذلك , هذا هو الوقت المناسب , فشدهت لحاله وقلت له : عم تتحدث ؟ وما هو هذا الأمر الذي يصادف وقتك المناسب ؟ ولكنه رد علي بسؤال غريب : قل لي بصراحة , هل لك أن تقبل حماقتي لبعض الوقت ؟ أنت تعرف أنني أفكر جهرا فمنذ دخلت باب المستشفى ورأيت ما رأيت وخاصة قسم المستعجلات الذي تغير موقعه وكأنه الإصلاح الأسهل الذي طرأ على المستشفى , حتى أخذ شريط ذكرياتي يتسارع في مخيلتي . إلا نقطة ظلت تتباطأ وتتوقف ثم تتباطأ ثم تلتحق بتسارع في مخيلتي بغيرها , إنها ذكرى إصابتي برصاصة قرب كليتي اليمنى خلال أحداث دجنبر 1990 وكيف دخلت هذا المستشفى ؟ وكيف كانوا يريدون إلحاقي بالمعتقل قبل إخراج الرصاصة وقبل معالجتي ؟ وكيف كنت تصيح في وجوههم في حالة هستيريا تحول دون التمكن من نقلي قبل العلاج ؟ وكيف نصبت لنا محامين مناضلين , وظللت وفيا لزيارتي في الاعتقال ؟ حماقتي يا صديقي هي رغبتي في دخول السجن , نفس السجن
احمر وجهي وشعرت بارتفاع حرارتي وارتفاع شعيرات رأسي ,واعتقدت أنه ينوي ارتكاب جريمة في حق أولئك المتهورين, لكنه وقبل أن أنبس بكلمة تعقيب واحدة , استعجلني بالموافقة على قيامنا بزيارة السجن, وهو واحد من معالم فاس التي تستحق الزيارة وخاصة ممن كان ضيفا نزيلا بها لمدة سنتين ولا أراكم الله كيف استطعنا تنفيذ هذه الحماقة , فصديقي أعرف بوسائل التعامل مع الذين يسهلون مثل هذه الزيارات , وهي الوسائل التي لاحظها وتعلمها طيلة السنتين التين قضاهما داخله , ويؤكد أنها لم تتغير, لقد أخذ يخطو خطوات الواثق من طريقه , يسرع في مشيه يريد رؤية أثر رسمه على جدار عنبر إقامته الانفرادية , ولم يسأل نفسه كيف يدخل العنبر أو كيف يخرج منه إذا دخله ؟ وبنفس الفجائية التي قادتنا لهذه الزيارة , فاجأني بعد قصر الزيارة الفعلية , بطلب العودة على عجل وهو يصرخ هذا مستحيل , حقوق السجين بلغت هذا المستوى بعد المصالحة الوطنية وجزاء سنوات الجمر والرصاص ؟ الاكتظاظ وسوء التغذية وجموع من البشر يعصرها الألم وهي محرومة من التطبيب , بل وفي السجن الثاني بفاس تحدث وفاة غامضة , لم تكن إلا تلك الوفاة التي كانت إحدى الجمعيات الحقوقية تستنكرها في ساحة المستشفى قبل قليل . في الوقت الذي أصبحت عنابر, شقة فاخرة كأنها في فندق خمس نجمات ينزل فيها ذلك السجين الغني مكرما يحيط به حراس السجن كأنهم الخدم والحاشية , بينما غيره من النزلاء البسطاء في عنابر مغلقة يتكدس فيها المجرم والقاتل ومعتقل الرأي , لا تسمع لهم شكاوى كما لم تسمع أناتهم وآهاتهم , لقد فعلت سلطة المال فعلها واستطاعت أن تخضع السجان ليجعل عنبرها مأوى يرقى إلى شبه قصر يفي بمتطلبات الراحة والعيش المترف , الآن فقط أدركت واحدا من أسباب إضراب بعض المعتقلين عن الطعام , وأدركت مدى صحة الاحتجاجات التي نسمع صداها يخرج من خلف الأسوار , فالمحسوبية وصلت إلى المعتقل , أليس هذا غريب ؟ كفانا ما شاهدنا فهي زيارة مؤلمة, وهيا بنا لنغادر , قالها وهو في حالة هستيريا
محمد التهامي بنيس