فاس وفأس القهر

مسيرات احتجاج غاضبة وحواجز أمنية مانعة
كانت وجهتنا الأولى نفس المنطقة التي يتوجه إليها إدريس , وبعد أن رفض سائق سيارة نقل الأمتعة مؤقتا
بحجة الخوف من أن تتعرض سيارته لأدى , وبعد إقناعه بإمكانية تغيير المسار عند الضرورة , انطلقنا في اتجاه عين هارون , وكلما اقتربنا منها نلاحظ زيادة عدد سيارات الشرطة وترجل رجال أمن يصدون المسيرة ويمنعون عنها دخول الشارع الرئيسي , بينما أصوات المحتجين ترتفع بالاحتجاج على الأمن الضائع المؤدي إلى افتقاد السيطرة على الإجرام مما سمح بتناميه وبشكل ممنهج في مختلف الأحياء الشعبية التي ظلت مناطق منسية من كل شيء حتى دوريات الأمن , على عكس هذا الحضور القوي اليوم لمنعهم من حق استنكار ما يتعرضون له من إجرام من قبل لصوص لا فرق عندهم بين واضحة النهار أو غروب الشمس أو ظلمة الليل , وهم يسلبون سكان الحي بعض ممتلكاتهم المحمولة أو ينشلونها منهم , وكل من امتنع كان عرضة لاعتداء بالسلاح الأبيض , فأدخلوا الرعب في نفوس الأطفال والتلاميذ منهم بشكل خاص في الوقت الذي لم يفتأ رئيس الجماعة ووالي جهة فاس أن يفتخرا في أكثر من مناسبة بأمن المدينة واستقرارها , ولم يسمح لنا رجال الأمن بتوجيه أسئلة على بعض المحتجين , رغم أنها تتعلق بمعرفة كيف تم تجمعهم وانطلاق مسيرتهم وهل صحيح أنهم انطلقوا من داخل المسجد , وهل لهم رسالة موجهة إلى المسئولين ؟ , ورغم أننا رفعنا صوتنا بالأسئلة إلا أن الأجوبة لم تصل إلى أسماعنا , ومما هون علينا الموقف وجعلنا نتراجع أن رأينا مراسل جريدتنا يقوم بواجبه كتابة وتصويرا , وعلمنا أن اجتماعا طارئا قد تقرر في مقر الولاية مع مختلف المتدخلين , شعورا منهم أن السكينة المتحدث عنها ليست سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة وقناعة منا أنه ليست للصوص هدنة , إما لأنهم يغيرون المواقع أو لتعدد اختصاصات سرقتهم , فهم يقتحمون المتاجر عنوة ويستولون على الصناديق , وهم يكسرون الأبواب ليلا ويسرقون حتى المدارس , وإن شح الموقف وصعب الموقف عليهم مؤقتا سرق بعضهم بعضا في انتظار هدوء العاصفة لتعود حليمة لعادتها القديمة
ولم ننتبه إلى غياب إدريس عن أنظارنا وقد اختار طريقا آخر يبعده عن فزع الفئران ومنع مسيرة الاحتجاج , وكان علينا أن نغيب بدورنا عن الموقع في اتجاه المسيرات الأخرى ,حيث كان نفس المشهد في نسخة ثانية وثالثة ورابعة في المناطق الأخرى , وفرض علينا الواجب جمع المعطيات ووصف المشاهد وإرسالها على عجل للنشر في الجريدة كحد أدنى للنهي عن المنكر ونقل مضمون الاحتجاجات الشخصية إلى الرأي العام , حتى لا يتم السكوت عنه وترك الحبل على الغارب دون معالجة جذرية وتطهير الأحياء من سلوك اللصوص وممارسة الإجرام , وحتى يشعر المواطنون بالطمأنينة الحقيقية التي هي من مهام رجال الشرطة الذين يوفرون الأمن إذا أخلصوا لمهنتهم وجعلوه من بين أولوياتهم وأولويات مسئوليهم
تركنا آخر نقطة احتجاج , متجهين إلى مقرات بعض المنظمات الحزبية والنقابية رغبة في معرفة ردود الفعل وصدى ما تركته هذه الانتفاضة الشعبية لدى مؤسساتهم , فكانت صدمتنا لا تقل حزنا إذ أن جل هذه المقرات مغلقة وقليلها لا زال يجمع المعطيات لتقييم الوضعية , ولكن في الطريق بين هذا المقر وذاك لاحظنا ما يزيد الوضع الاجتماعي قلقا , فهؤلاء عمال شركة للخياطة يعتصمون ضد القهر والاستعباد , وهؤلاء عمال داخل مقر نقابة رئيس بلديتهم يرفعون أصواتهم محتجين على عدم توصلهم بأجورهم ولا يصل بهم الأمر إلى الاعتصام أو الإضراب , لأن نقابة الرئيس هي المؤطرة لعمال و ن ح ف للحافلات , وهؤلاء عمال معمل التاج اشتروا استمرارهم في العمل , بالاكتفاء بنصف حصة واقتسام يوم العمل , وهؤلاء ضحايا شركة النجاة لا زالوا معتصمين قرب " لانابيك " بحت أصواتهم وملت عيونهم تفرج المارة ورميهم بنظرات الشفقة على حالهم يوميا وبدون جدوى , وهؤلاء سواق سيارات الأجرة كبيرة وصغيرة متوقفون عن العمل في ساحة قرب مقر النقابة الحزبية وقد اكتفوا برفع اللافتات ولا قدرة لهم على رفع شعارات , وعلى بعد أمتار كانت هناك هالة ضوء واحدة سجلتها زيارتنا لهذه الأحياء من المدينة , رغم أنها أخذت طابع الانتقائية ولم تركز على مظاهر الظلم والإهمال والاضطرابات النفسية التي تحتل نفوس معظم الأيتام ما دامت جمعية الزاوية المحتفلة , لا ترى في التربية والثقافة التي تمارسها متسعا للأيتام المشردين والمتخلى عنهم
محمد التهامي بنيس