حياة اسماعيل ياسين كتاب مفتوح رواها بصدق، وبلا خجل، عدة مرات.. ابصر النور في مدينة السويس في الخامس عشر من سبتمبر 1912، والتحق طفلا بأحد «الكتاتيب» ثم تابع في مدرسة ابتدائية مدة اربع سنوات، انتهت بعدها علاقته بالدراسة، ذلك ان احداثا مؤلمة قد وقعت، توفيت والدته، ودخل والده السجن اثر افلاس محل الصياغة خاصته مما اضطر الفتى للعمل مناديا امام محل لبيع الاقمشة (يقف على الرصيف ليحث الناس على الدخول والشراء.. معدداً مزايا الاقمشة المتوافرة في المتجر) كان عليه ان يتحمل مسئولية نفسه منذ صغره.


في أواخر الثلاثينيات، عندما وفد اسماعيل ياسين الى العاصمة كان شارع عماد الدين يتلألأ مجداً، مسارحه عامرة بجمهور نجيب الريحاني وعلي الكسار وفاطمة رشدي ويوسف وهبي، وصالات تعج بمعجبين وماري منصور وحورية محمد و، على سبيل المثال لا الحصر، فقد كان الشارع المزدهر فنياً يمتد الى العتبة شمالاً، وقصر النيل جنوباً حيث المزيد من المسارح والكازينوهات والفرق والصالات.

عمل اسماعيل يس في بداية حياته الفنية كمنولوجيست في الأفراح و لم ينسى أبدا طوال عمره تفاصيل العلقة الساخنة التي تلقاها في أحد الأفراح عندما غنى " أيها الراقدون تحت التراب " نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


قدم اسماعيل ياسين اكثر من ثلاثمئة فيلم واشترك عام 1949 في اربعة عشر فيلماً، ووصل الرقم في العام التالي 1950 الى سبعة عشر فيلما.


وتنقسم افلام اسماعيل ياسين الى قسمين: اولهما يمتد من عام 1939 الى عام 1950 حين كان يؤدي الدور الثاني، او الدور المساعد فيضفي على الافلام طابعا محببا من الحيوية والمرح خصوصا اذا كانت بطولة الفيلم لمطرب يعوزه التمكن في التمثيل. اما القسم الثاني فيقوم فيه بدور البطولة المطلقة وفيه حقق بعض النجاح.


فؤاد الجزايرلي، هو اول من قدم اسماعيل ياسين على الشاشة، في «خلف الحبايب» مع فوزي الجزايرلي واحسان الجزايرلي.. فلفت اليه نظر توجو مزراحي الذي رفض اسماعيل ياسين من قبل.. «وتندر» على وجهه الذي لا يصلح للسينما.. ومن الواضح ان مرزاحي عندما شاهد «خلف الحبايب» اكتشف ما يتمتع به اسماعيل ياسين من «سحر خاص» على الشاشة، لذلك سرعان ما قدمه في فيلمي «علي بابا والاربعين حرامي» 1942، و«نور الدين والبحارة الثلاثة» 1944 مع علي الكسار وليلى فوزي.


وفي «الآنسة ماما» لحلمي رفلة 1950 يقدم مع محمد فوزي وصباح نموذجا بديعا لفن «البيرلسك» او المحاكاة الكاريكاتورية الساخرة لمشاهد شهيرة.. والاسكتش هذا عنوانه «أبطال الغرام» ويتضمن ثلاثة مواقف «كلاسيكية» «قيس وليلى»، «انطونيو وكليوباترا»، «روميو وجولييت».


وفي «دهب» الذي اخرجه انور وجدي عام 1953 يقدم اسماعيل ياسين مشهداً صامتاً «بانتميم» فريداً، عندما يندمج في اكل «المعكرونة» الوهمية، وشرب الشوربة التي لا وجود لها.. فتتجلى قدرات اسماعيل ياسين كممثل متمكن من ادواته.. وفي الفيلم نفسه يقدم مع الطفلة فيروز عدة استعراضات غنائية تضاف الى الثروة الهائلة التي خلفها، في هذا المجال.


اما الافلام التي قام ببطولتها المطلقة فالكثير منها يكاد يخلو تماماً من الفكر والفن ويعتمد على شعبية اسماعيل ياسين وطاقته التي كانت تتطلب بالضرورة من يشحنها لكي لا تخفت. لكن هذا لا يعني ان كل الافلام التي قام ببطولتها هي بلا قيمة، على العكس منها ما يتميز بقيمة حقيقية تجعلها قادرة، حتى الآن، على مخاطبة الجمهور المتغير، الذي لا يزال يجد فيه ما يستحق المشاهدة مثل فيلم «انسان غلبان» المأخوذة عن «اضواء المدينة» لشارلي شابلن، والذي اخرجه حلمي رفلة عام 1954 حيث لا يزال المشاهد يتأثر بقوة، في مشهد النهاية عندما تنهمر دموع اسماعيل ياسين، بعد خروجه من السجن وهو يرى من ضحى لأجلها تزف الى صديقه.


وكذلك فيلم «الآنسة حنفي» لفطين عبدالوهاب 1954 الذي يكتسب قيمة فريدة سواء بكشفه عن سلبيات الرجل «الشرقي» المصر على حقه في الهيمنة على المرأة ـ اسماعيل ياسين قبل ان يتحول الى الآنسة حنفي ـ أو بكشفه عن اصرار المرأة على انتزاع حقوقها ـ اسماعيل بعد تحوله الى آنسة ـ وبلمسات اسماعيل ياسين الساحرة وبأدائه «الكاريكاتوري» خصوصاً في مشاهد الحمل والولادة، ما زال الفيلم قادراً على اثارة الضحك حتى الآن.


اسماعيل ياسين الذي رحل عن عالمنا قبل ان يتم الستين من عمره (في الرابع والعشرين من مايو 1972) يعود الآن ليولد من جديد مع كل طفل، فهو في شرائطه ما زال قادراً على اشاعة السعادة في النفوس البريئة لأنه يخاطبها بتلقائية وبساطة ويمنحها بسخاء قبساً مضيئاً من البهجة.. لذلك فإنه لم ولن يغيب ابداً ما دام هناك طفل عربي واحد في الوطن العرب