[
تحديــــــــات .... و آفــــــــــــــاق



منذ عام 1996 يعيّن وزراء الثقافة العرب كل عام مدينة عربية لتكون عاصمة للثقافة العربية ، وفي هذا العام تم اختيار القدس لتكون عاصمة الثقافة العربية لعام 2009، ولقد شكل هذا الاختيار توهجا لدى ابناء الشعب الفلسطيني وكل مؤسساته الحكومية والخاصة ، فتم تشكيل اللجان وعقد المؤتمرات وورش العمل والمحاضرات والمهرجانات في اطار الاستعداد لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية والتي توجه اكثر من رسالة في نظر الشعب الفلسطيني لأنها تمثل التحدي لاجراءات الاحتلال ولمقاومة مخططاته الداعية لتهويد القدس وممارسة سياسة التطهير العرقي ، ولأنها تمثل ايضا مفتاح السلام للبشر وأمل كل الفلسطينيين والعرب ودرّة التاج وعنوان السلام ، كما جاء في خطاب الرئيس محمود عباس في اعلان احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية ، الذي القاه في مدينة بيت لحم توأم القدس.

ان محاولة سلطات الاحتلال مصادرة شعلة دمشق التي انتقلت الى القدس باءت بالفشل لأن ابناء القدس أقاموا احتفالاتهم وفق خصوصية فلسطينية في كل شوارع وأزقة وجبال القدس رغم اجراءات الاحتلال الصارمة وفشله في منعها ويدل ذلك على تصميم ابناء القدس على الحفاظ على عروية المدينة ومقاومة سياسة الاحتلال.

وترتبط الثقافة بالقدس بعلاقة جدلية تركز في فلسفتها على حوار الحضارات بين الشعوب بما يحترم مقومات الهوية الثقافية الوطنية ويراعي التنوع بين الحضارات على اساس وحدة القيم الجوهرية البشرية ، وشكلت الثقافة الوطنية الفلسطينية التي كانت القدس مركزها بؤرة اشعاع لمسيرة الشعب الفلسطيني النضالية ، فمن أزقتّها وحاراتها خرجت أهم الاصدارات الثقافية الوطنية ، وتأسست فيها الصحف والمجلات التي كانت صوتا وطنيا للحركة الوطنية الفلسطينية فهي مسقط الأديب المرحوم " محمد اسعاف النشاشيبي" و " اسحق الحسيني " و " اسحق البديري " و " أمين الحسيني " " وعبد القادر الحسيني " و ابنه فيصل .

انها مركز جمعية الدراسات العربية وبيت الشرق بيت كل الفلسطينيين ومنشورات صلاح الدين و أبو عرفة و مركز القصبة ، انها مدينة الأدب والادباء والفن ، وانها فوق كل ذلك تشكل الخريطة الفكرية الفلسطينية والعربية .

والقدس ليست مجرد مدينة أو عاصمة أو مكان جغرافي بل انها حياة الشعب الفلسطيني وتاريخه ومستقبله ، ولأن لها معان كثيرة في سفر النضال الفلسطيني الذي ولد من رحم ثقافتها والتي عطرّته برائحة الزمان وحضور المكان في كل زاوية وكل شارع وفي حي المغاربة وباب دمشق وفي سوق القطانين و درب الالام ومساجدها وكنائسها وبواباتها ، انها مدينة صلاح الدين الأيوبي الذي حررها من الصليبيين ووقفت عصية أمام كل مؤامرة متسلحة بثقافتها في وجه الغاصب ، انها مدينة السلام وسكانها ينظرون الى الأفق مطلين من مآذنها وكنائسها ملبين نداء الشهيد المرحوم ياسر عرفات برفع العلم الفلسطيني فوق اسوارها وكنائسها ومساجدها ، والرئيس محمود عباس يهزأبالذين يستخدمون التطهير العرقي ضد سكانها في الشيخ جراح وراس خميس وسلوان والبستان، وان ثقافة المناضلة " أم كامل الكرد " في تحديها للاحتلال تجسد قيم العزة والفخار وتقدم دروسا في اساليب مقاومة الاحتلال والصمود والتي عشقت القدس وحملت على كتفيها معاناة أهل القدس لأن أديم القدس من اجساد شهداءخالدين ما زالت أرواحهم تحوم في سماء شعبنا قناديل تضئ طريق الحرية والاستقلال.

لقد مرت القدس باحتلالات متعددة ولكنها صمدت في وجه الريح ونسجت ثوبها المقدسي المزركش بقيم السلام والعدالة والتسامح ، وعبرت عن ذاتها بكل صنوف الأدب والفكر وتناغمت فيها الديانتان الاسلامية والمسيحية في اروع صورة وطنية ، ولأن قدسنا هي درب من مرّوا الى السماء فان منها انطلق المشروع الوطني الفلسطيني وتأسست منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، ومنها انتشرت ثقافة الأمل بالتحرر وثقافة الرفض للاحتلال وانها كانت وما زالت مدينة الالتزام الخلاق بقضايا الشعب وأهدافه ومستقبله .

انها مدينة الماضي والحاضر والمستقبل ، انها الالتزام المبدع فنا وفكرا وأدبا وعلما وانها تنسج من خيوط شمسها أجنحة لمن يسعى نحو الحرية ، لأن الحرية شرط للابداع ولا ابداع بدون حرية.

القدس مدينة السلام عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة تعني أن تكون عاصمة للنضال والكرامة الفلسطينية والتي تمنحنا الاحساس القوي بالعزة القومية والانسانية ولهذا فانها عاصمة بوصفها سمة أصلية من سمات ثقافتنا الوطنية والعربية وهي العروة الوثقى والرابطة التي توحّد آمالنا وألامنا وانها عامل الوحدة وليست عامل تفرقة حيث بكت حجارتهاقبل ان يبكي سكانها لما حدث داخل الصف الفلسطيني ، انها القدس الضاربة جذورها في أعماق التاريخ وفي الحاضر وفي المستقبل، انها هويتنا الوطنية وعاصمة العواصم الثقافية.