شلال الإبداع يتفجر في مدينة أكادير
شلال الإبداع يتفجر في مدينة أكادير
طُلِب مني التواجدُ في مدينة أكادير ،لتحضير ووضع آخر اللمسات على ورقة المهرجان الأول للقصة القصيرة والشعربجهة سوس ماسة درعة ،ولبّيْت ،وهكذا اعتقلتني آخر حافلة يوم الأربعاء 15/04/2009،على الساعة 12ليلا لتخطفني إلى هناك
،كانت الظلمة شديدة ،تنقرها أضواء الشوارع الخافتة ،والغبش يقف جدارا في وجه العيون،فلاتصطاد بفراستها الأشياء كما هي ،رمَتِ الحافلة المدينة خلفها،لتصارع جيش الكيلومترات المهاجم،فغرستْ مقدمتها في جذع الطريق الطويل مصرة على منازلته ..الأضواء منطفئة تماما ،والرؤوس منتصبة كالأشباح ،حين تكَل تميل وتنحني في غفوة مُعذّبة ...وصلتُ بسلام ،،واستُقبِلت بحفاوة كبيرة من طرف الجهات المنظمة ..أخيرا قصدت فندق فرح أزج في حلقه أمتعتي وآخذ قسطا من الراحة ...بعد ساعتين توجهت إلى الخلية المشرفة على تنظيم المهرجان ،لأدلي بدلوي ،كان جنود الخفاء يتحركون في إصرار ،يتكبدون عسر اللحظات الحرجة ،وتقلبات العواصف ليحقق المهرجان خطاطاته ،وفعلا كانت الأشياء تتلاحق ،وتُنَفّذ على مهلها ...
استقبال ياسر طويش
صباح يوم العرس الثقافي بتاريخ 17/04/2009 كانت زيارتي إلى فندق إفني ،لأستقبل ضيفنا العزيز ياسر طويش ،سوري الأصل والمقيم بالمملكة العربية السعودية ،هذا الطيب الذي أقبل بمهجة تفيض بكل ألوان الحب،ولأن القلب يدرك في الظلام محبيه تَعرّفَ على كل المغاربة من أول نظرة ،إلا أنا ،لاأدري، هل سقطتُ سهوا من جرابه ،أم أنا تعيسة الحظ ... قدمتُ له نفسي باسم مالكة عسال ،فاندهش وأجهش بالبكاء ،أدركت حين قطعت دمعاته أوصالي ،أن السيد ياسر طويش رقيق المشاعر إلى حد لايوصف ،ويتحلى بنفس طيبة ،ترفل في آيات اللطف والرقة والأدب ،وكم تأثرت لموقفه الحزين المبلل بالدمع....
الافتتاح
أمام باب قاعة بهية مطرزة بباقات الورد الطبيعي ،ومرتبة على أعلى مستوى ، كان فرسان الشعر ،
ينتظرون اقتحام البيداء ، حيث تشابكت سواعد المبدعين والمنظمين والمدبرين وضيوف الشرف ،ليفتحوا شرنقة الصبيحة ،عن لحظة تفوح عشقا وجمالا ،وبعد التحيات افتتح المجال لتداول كلمات الترحيب:
**- كلمة مدير الأكاديمية جهة سوس ماسة درعة ،من طرف لطيفي
**- كلمة النيابة للتربية والتعليم ،بالمنطقة ...
**- كلمة مدير المهرجان السيد زكرياء الشراط .
وقد طُعّمت الكلمات بنصوص شعرية ،حيث كان القبض على الشاعر الكبير السيد ياسر طويش،الذي استهل بهاء الأجواء بقصيدة حب وإجلال شيقة عن مدينة أكادير وساكنتها، تلاه الشاعر المقتدر السيد إسماعيل زويريق ،الذي شنف أسماع الحاضرين بروائعه الخالدة ،كما قدمت مالكة عسال ،قصيدة للترحيب بالرفاق ، ورحل بنا الشاعر إبراهيم بولكيد ،عبر الأجواء الأمازيغية لنرشف من اللون الأمازيغي بقصيدته المميزة ،لتُختَتَم القراءات مع المتميز عبد الله الحاوفي بحولياته العاشقة ،وتشتد اللحظات حدة ،مع السيد عبد الرحمان الخرشي الذي توجه بكلماته الطيبة إلى ضيف الشرف ،حيث شكر بحرارة السيد ياسر طويش الذي تجشم عناء السفر ،وجز رأس المسافات الطويلة ليعانق أهله المغاربة في وطنه الثاني / المغرب ،مُصِرا أن يبسط له مظلة على صهريج التاريخ ،ويجعل نسائمه تقحم الدروب الضيقة...شاكرا الله الذي جعله يكحل عينيه برؤيته .....كما رد السيد ياسر طويش بكلمة تتدفق بكؤوس الحب ،أبهرت الحاضرين .....
الفقرة المسائية
بعد تناول وجبة الغذاء في ميناء أكادير ،والالتذاذ بأطباق السمك المتنوعة ،عدنا إلى جنونا البهي ،لنرحل على أجنحة الحرف الشامخ،إلى عالم الكلمة الطيبة ،حيث تناثرت القصائد على ضفاف الروح ،من أفواه نخبة من المبدعين ،لتحط باقات ورد على جدار القلب ،تآخى فيها الأمازيغي بالعربي، والكبير بالصغير فتتلاقح التجارب وتثمربالبهاء ،وهكذا سرقنا من عيون الزمان حقول البنفسج ...حين أحس الشعراء بالتعب ،انعطفت بهم الأجواء إلى الفرجة، ليكسروا على صخرها شوكة الملل مع مسرحية "معزوفة غضب "من قبل نخبة من الشباب ،التي كانت بركحها البسيط وتحركات ممثليها، تستفز المشاعر بألوان إبداعية رفيعة المستوى ،أغنتها أغنية حول غزة ...عمل إبداعي باذخ من إخراج وإعداد الفنان فارس سرور، رئيس جمعية الفنانين الجدد للإبداع والتكوين ،مكنني على الفور من الإدراك ،أن هذا القطر المقذوف بين أطراف الجنوب ، يخزن تحت ضلعه طاقات ثمينة ،لايخص سوى نبش الرماد عنها ،والنفخ في جذوتها لتتفجر كوامنها المعتقلة...غادرنا القاعة وفقرات الأمسية،
تومض في الأذهان ....
في حضرة الصالون الشعري لضيفنا ياسر طويش
كما هو معهود لدى مجانين الشعراء ، حتى في أوقات الراحة ،الارتكان في سكون الليل إلى زوايا مظلمة ،لاستعادة الأرواح ، بلا استئذان ،أزاحوا أقنعتهم عن حمقهم الوارف ،لتخفيف سعرات الحرف المشاغبة ،وإسكات هدير طفله المتواصل،فأخذت شياطينهم تتراقص، لتمطر على رؤوس الحاضرين شلالا من القصائد،خلخلت وجدان عشاق الكلمة الطيبة ،وما بعث الاندهاش الممتع في صفوف المتتبعين ،هو سجال الأسدين ،الشاعر المصطفى فرحات ،والمبدع محمد فري ،في مبارزتهما الشعرية وهما يتحركان في الميدان الشيء الذي أثلج الصدور ،لقد كانت حلقة واسعة من سوق عكاظ بطقوسها المدهشة ،لايخصها غير الغدير ،وقطيع من الإبل ....
الندوة
على ندوة باذخة حول شعار المهرجان ،"الثقافة والتربية في خدمة التنمية المستدامة " تَفَتّق صبح يوم
18/04/2009 من تسيير الدكتور المهدي لعرج ،والمتدخلين الدكتور مسلك ميمون والأستاذ إبراهيم أبويه،
فقدم الدكتور المهدي لعرج تعريفا للثقافة والتنمية، كمقدمة للموضوع ليفسح المجال للمتدخلين ،ويفتح بالتالي شهية الحضور للنقاش ،ثم انطلقت الندوة مع الدكتور مسلك ميمون ،بدءا بتعريف المفهومين بشكل موسع ،
مرورا بالخاصيات التي يجب أن يتحلى بها المبدع : كمعايشته للواقع ،والمرونة ،وتقبله للنقد ..وصولا إلى أغراض الإبداع :من معالجة للواقع ،والتفتح على الخبرات والانفتاح على الآخر ،مصغيا لفلول النقد بروح رياضية ...وبتسؤلاته المثيرة ،تدخل المبدع ابراهيم أبويه ليغني الندوة باستفهاماته ،حول المبدع إن كان فعلا ،ينخرط في الفعل الثقافي الآن،،ويحس أنه ينتمي إلى محيطه ،وهل المؤسسات الثقافية تساعد على تمرير أفكاره مُحَمّلا المسؤولية للمثقف ،حين يرتمي في أحضان السلطة بضغوطاتها ...بعد ذلك فتح باب النقاش ،حيث أثرت الندوة جملة من الاستفسارات والتدخلات ،فعمت الاستفادة ...
أكادير أوفلا :
في الشاطئ حيث البحر يعانق الأفق ،ليعقدا ملحمة الجمال على امتداد البصر ،أخذنا مقاعدنا في المطعم، على رنين الموسيقى الهادئة، وجلبة الأدباء الصاخبة نصغي لذواتنا ونحن نتناول الغذاء،وسحر الطبيعة خلف الزجاج ،يغازل أبصارنا ...حتى أطفئ شوقي في رحاب مدينة أكادير ،تركت الأدباء ، لأتيه في جولة سياحية في مرافقها وبالضبط في أكادير أو فلا ،المدينة التي ضربها زلزال لايرحم ،وعصف بمؤسساتها ومنشآتها،وتركها حطاما ..صعدت القمة التي مازالت تؤثثها أنقاض ،وأشلاء المنازل ،
المهدمة ،ومن هناك قذفت بصري على مدينة أكادير ،فوجدتها لوحة زيتية شكلها فنان بكل بدائع الجمال ،بأشجار نخيله المصفوفة ،وبهاء بساتينه وزرقة مياه بحره ،وطلاء منازله..تتلاحم الأشياء كلها لتشكل قطعة فنية رائعة ...
أخيرا قفلنا راجعين إلى القاعة لنواجه بأجسادنا نبال القصة الراشقة ،
القراءات القصصية
تجمعنا بالقاعة ننتظر رشفة من بهاء القراءات القصصية ،إذا بالخشبة تتحول إلى ركح مسرحي مع الأخوين الجميلين الحاج قدور السوالي ،وفريد لمكدر، نسينا لحظتها تماما ركن القصة وروادها ،والمسرحية كانت معنونة بمالكة عسال ،ونشأتها وطفولتها ،وعلاقتها بتلاميذها ،يقدمانها بطريقة هزلية ساخرة أمتعت اللحظات بطرائف ممتعة ،رصعاها بنوادر ونكت مضحكة ،أسعدت مَن في القاعة ...بدأت القراءات القصصية تتشكل مابين القصة القصيرة جدا والقصة القصيرة ، حيث تعاقب عمالقتها على المنصة ،تتهاطل نصوصهم كالمطر ،مطرزة بالرمزي والانزياحي ، شواظها الساحر من الصور الشعرية ،يخاطب في المتلقي وجدانه،وجانبيه التخييلي والرمزي ،ووعيه الحسي والعقلي ،يتدفق شلالها الناهض بالهموم الإنسانية ،ملامسا بحدة العقل والقلب ....ثم ننهي فقرة السرد القصصي ،لنلج باب التكريم ....
التكريم
لقد أقبل مهرجان أكادير للقصة القصيرة والشعر، بطقوس خالفت كل مراسيم المهرجنات السابقة ،
إذ كان التكريم لكل الأدباء ، بشواهد التقدير والهدايا ،الشيء الذي غَير المعهود طبعا ...وهذه نقطة محفزة للمبدع ،
على العطاء أكثر ،وتلبية دعوات المشاركة كيفما كان حجمها ..بهذه الفقرة أسدلنا على المهرجان آخر ستار ..لنعود إلى بيوتنا بحقول الفرح والمتعة ....
بتاريخ 20/04/2009
مالكة عسال
يتبع
رد مع اقتباس
المفضلات