مقر عملاقة الغاز الروسية "غازبروم" في موسكو

أعادت أزمة الغاز بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتها المحتملة على ألمانيا مشروع مد خط أنابيب الغاز عبر بحر البلطيق ودور المستشار السابق فيه إلى واجهة الأحداث من جديد.

قرار الحكومة الروسية بتعليق تزويد أوكرانيا بالغاز لم تظهر أثاره بشكل واضح على إمدادات الغاز في ألمانيا بعد. فالمخزون الاحتياطي الألماني الحالي من الغاز يكفي لسد حاجة البلاد لمدة خمسة وسبعون يوما، حسب ما ذكرت كلاوديا كيمفرت، من المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، ولكن الازمة واردة في المستقبل على ضوء حساسية العلاقة الروسية ـ الاوكرانية، حسب تعبير الخبيرة الاقتصادية، لاسيما وان ألمانيا تستورد ثلث احتياجاتها من الغاز من روسيا والذي يمر بدرجة أساسية عبر الأراضي الاوكرانية.




السؤال المطروح في ظل النزاع الروسي الاوكراني الأخير الذي انتهى بشكل مفاجئ ـ دون أن يعني ذلك عودة الوئام الى علاقات البلدين ببعضهماـ هو الى أي حد يعكس قرار الحكومة الألمانية السابقة مصالح ألمانيا بعقدها اتفاقا مع روسيا لمد خط أنابيب الغاز عبر بحر البلطيق وكذا حرص المستشار السابق جيرهارد شرودر على تنفيذ هذا المشروع ثم تولي منصب في الشركة المنفذة بعد خروجه من الحكومة؟



لاشك ان توصيل الغاز مباشرة من روسيا الى ألمانيا عبر بحر البلطيق يقلل من تبعية ألمانيا ومن أية انعكاسات محتملة قد تنشأ على خلفية أي خلاف بين روسيا و أوكرانيا أو بولندا إذا ما كانت الأنابيب تمر عبر أراضي هذين البلدين أو أي منهما. وصحيح ان وضع ألمانيا كان يبدو حتى الان أفضل في حالات الخلافات التي تحدث بين روسيا ودول وسط أوروبا. لكن مد أنابيب الغاز الى ألمانيا عبر بحر البلطيق، من قبل الشركة التي من المزمع ان يتولى رئاسة مجلس إدارتها المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر، لا يعني بالضرورة ان ذلك سيصب في مصلحة ألمانيا تماما.



فهذه الخطوط لن تعوض استمرار تدفق النفط الروسي على المدى الطويل في حالة انقطاع الإمدادات التي تمر عبر اليابسة. إذا ان حاجة أوروبا من الغاز سوف يرتفع بحلول عام 2020 الى 150 في المائة وبالتالي فان استيراد الغاز الروسي ـ حتى في ظل وجود خطوط الإمداد عبر بحر البلطيق ـ لن يكفي سوى لسد جزء من هذا الاحتياج المتزايد. وهذا يعني ان تامين الطاقة لأوروبا وبالذات الغاز لن يتحقق فقط من خلال إنشاء خطوط إمداد جديدة بين روسيا وأوروبا ولكن من خلال تنويع مصادر الحصول على هذه المادة مثلا من دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط وبالتالي ضرورة مد خطوط الى موانئ هذه الدول.



كما أن مصالح ألمانيا لا تقتصر فقط على تأمين احتياجاتها من الطاقة بل إنها تشارك في تحمل مسؤولية استقرار الاحتياطي الأوروبي من الطاقة سواء في دول الاتحاد الأوروبي بما في ذلك الدول المنضوية حديثا في الاتحاد أو في أوروبا عموما. كما انه ليس من المقبول مثلا ان تغض ألمانيا النظر عن مسؤوليتها تجاه بولندا ودول البلطيق وأوكرانيا عندما تغلق موسكو محبس أنابيب الغاز الى هذه الدول.



إذا الاتفاق السريع الذي حدث بين روسيا وأوكرانيا كان بالتأكيد من مصلحة ألمانيا. ولكنمن المؤكد أيضا أن تولي شرودر لمنصب رئيس مجلس إدارة شركة الغاز الألمانية ـ الروسية المسئولة عن مد أنابيب الغاز عبر بحر البلطيق يفقده الحيادية المطلوبة للقيام بدور الوسيط في أية خلافات قد تحدث مستقبلا بين روسيا وجاراتها من دول المعسكر الشرقي السابق.