فلسفة الفكر التدريبي الهولندي بكرة القدم (1)

[د. موفق مجيد المولى]

هذا هو الباب الاول لكتاب قيم جدا ينتظر دار للطباعة والنشر لطباعته وتوزيعه
ما هو التدريــــــــــــب الأحســـــــن؟
إن المتطلب الأولي للاعبين الصغار وبشكل عام هو كمية معتبرة من اللعب المستمر(غير المقاطع) لان ذلك اللعب يسمح لهم باختبار كرة القدم ولهذا يجب منحهم الفرصة لاكتساب الخبرة والتجربة ومع هذا يأتي النجاح والفشل وإن الهدف طويل الأمد للمدرب هو تهيئة اللاعب لتمييز النجاح وحل التحديات( المشاكل) التي تواجهه باللعب وسيكون ذلك حاسما حينما يضع المدرب ذلك في البال فهنالك أفكار أساسية توضع بالاعتبار عند تدريب اللاعبين الصغار.إن أهم مهارة أساسية في كرة القدم هي التعامل الفردي مع الكرة والابتكار التي تأتي مع هذا التعامل مما يوجب أن يكون هذا من أولويات التدريب واللعب وعلى الخصوص في السنين الأولى من العمر وحينما يتم إتقان هذه المهارة فان بقية اللعبة يكون سهل من ناحية التعليم والتعلم.إن من المهم بناء التمارين حول مفهوم تطوير المهارات الضرورية لتحرك الكرة والسيطرة عليها وحينما تصبح هذه المهارات الفردية والإبداع حية إثناء اللعب وسوف تتطور لمستوى المنافسة وعندها يمكن التدريب أولا على مهارة التمرير وأخيرا على تنظيم الفريق وإن واحدة من المشاكل الكبيرة في كرة القدم تكمن في عدم وضع المدربين من أصحاب الخبرة وممن يمتلكون إدراك(قيم فنون التعليم) مع المستويات الصغيرة بكرة القدم وعلى الخصوص في فترات العمر الأولية وتعتبر شخصية المدرب بنفس أهمية اختيار المدرب فتدريب اللاعبين بأعمار(6- 14) سنة يتطلب الصبر والعطف والاحترام ولقد تغير التدريب بكرة القدم بشكل دراماتيكي بسبب تطور اللاعبين من ناحية المهارة والقابلية البدنية وعند تدريب اللاعبين الصغار واليافعين فمن المهم وضع مجموعة من الأفكار في الذهن:-
1)تنظيم الوضعيات التي تمكن اللاعب من التعلم من خلال اللعب فهو أفضل مدرب.
2)يمكن للمدربين تقديم العون الكبير في تطوير اللاعبين عن طريق التنظيم القليل والكلام القليل والسماح للاعبين باللعب الكثير كل ما على المدرب تهيئة اللعب وترك اللاعبين يلعبون واترك اغلب تعليقاتك لما قبل التمرين أو بعده أو خلال فترة الراحة لشرب الماء وعليك أن تجعل هذه التعليقات بسيطة وقصيرة جدا وعدم تعقيد تنظيم التدريب واجعله بسيط جدا.
3)تعليم وتعلم لعبة كرة القدم عبارة عن طريقة فاجعل هدفك موسمي كما هو الحال يومي وأسبوعي ففي الأغلب وفي الأعمار الصغيرة لا تظهر جهود التطور خلال موسم واحد وحتى بعض الوقت من الموسم التالي.
4)تكون الأهداف الموضوعة مناسبة للأعمار المعنية مما يتطلب منك معرفة ما يمكن لأي لاعب فعله في أي مرحلة من المراحل.
5)تعتبر المراحل العمرية المبكرة,من وجهة نضر التطور,الأفضل في تعلم المهارات وعليه يجب صرف الوقت الكبير لدعم هذا النمو لأن في الأعمار(17) تقل قابلية القبض على المهارات الحركية الجديدة بينما تقابلها زيادة في مفاهيم تنظيم الفريق والتكتيك والإستراتيجية وعليك كمدرب أن تعمل مع تلك القوى وليس ضدها.
6)لا تتوقع إن تكون التمارين والمباريات مثلها مثل كرة المحترفين فإن كانت لديك الرغبة باستخدام مستوى كروي عالي كأداة فنية فعليك التركيز على المستوى الفني الفردي للاعبين المحترفين وليس على نظامهم.
7)أعط فرصة للاعبيك لمشاهدة اللاعبين الكبار وكيف يتعاملون مع الكرة ولا حرج في دعوة بعض من هؤلاء اللاعبين المهرة للمشاركة مع الصغار في تمارينهم واستخدمهم كنموذج كنوعية للكرة الجيدة ولا تخف من أن تدع لاعبيك التعلم من مواجهة اللعب مع أو ضد هؤلاء اللاعبين وفي مثل هذه الحالات يمكن استخدام هؤلاء اللاعبين المهرة كلاعبين مجهزين أي اللعب مع الفريق الحائز على الكرة بشكل دائم مما يمنح الفريق الحائز على الكرة مفهوم معين لمبدأ حيازة الكرة لفترة أطول أي إعطاء صورة واضحة عن احتمالات اللعب.
8)تمييز وفهم الكيفية التي يتم فيها تعلم المهارات في كل مرحلة عمرية مهيئا اللاعبين للانتقال من مرحلة تطويرية لمرحلة أخرى واعرف ماذا سيكون مستوى اللعب في المرحلة الأخرى والأدوات العامة التي يجب أن يطبقها لاعبيك خلال تقدمهم من مستوى لآخر وساعدهم ليكونوا مستعدين.
9)اسمح للاعبيك بتطوير المهارات الأولية في محيط يكون الهدف الأولي منه التمتع مع الكرة والتعامل معها كصديق.
10)إن قيمة المباراة تكمن في منحها اللاعب الفرصة ليري الآخرون مهاراته المكتسبة ومواهبه الفردية صحيح أن الفوز جميل على أن لا يكون تركيزك على ذلك في المراحل العمرية (6-14)
11)خذ فكرة واضحة لما تريد انجازه خلال التمرين وعليك استحداث التمارين والألعاب التي تدعم وتكرر الحركات والوضعيات الموجودة في لعبة كرة القدم والتي تسمح للاعبين للنمو براحة تامة وبثقة مع الكرة بأقدامهم.
12)شجع اللاعبين على التحرك بالكرة والتعامل مع خطوط الساحة والخصم و الزميل والأهداف فلعبة كرة القدم سهلة جدا وستكتشف بعد تجربة طويلة من أن الأشياء الكثيرة الصغيرة التي تعمل هي بالحقيقة منوعات ومتغيرات تدور حول نفس المفاهيم الأساسية وستكون على الطريق الصحيح كلما كانت المفاهيم التي أسست لها خلال اللعب والتدريب قريبة من حقيقة كرة القدم (الأهداف للتسجيل فيها وبنفس الوقت الدفاع عنها) أو(حماية الكرة خلال الدحرجة) أو(خلق التحدي إمام لاعبيك لحل هذا التحدي) هي من واقع اللعب الحقيقي الذي يضعك على الدرب الصحيح.
الموســـــــــم الأول
هناك مثل إغريقي قديم يقول (انك لا تعرف ما لا تعرفه) قيل في العام 62 قبل الميلاد....بالنسبة للمدرب الجديد هنالك سؤالين يسألهما*** ما المفترض عمله وكيف أعمله؟*** إن التحول للتدريب يعني التطبع على مجموعة من (السلوكيات) لأجل انجاز العمل والتعامل مع اللاعبين وأهلهم والخصم والمسئولين ويمكن رؤية ذلك بطريقة التدريب والتي ترتكز على مجموعة من التوقعات لما هو عليه المدرب ولما سيفعله إلا أن من المهم التذكير بان اختيار الموديل لهذا السلوك يحدد بالخبرة وربما للمدرب الجديد تكون هذه الخبرات هي ذكرى لمعلم درس التربية الرياضية في الماضي البعيد ولكن المهم هو ما سيشكله ذلك من نضرة لرؤية اللعبة, الأطفال, والتعلم والذي سيكون نقطة البداية لكل قرار.
موديل معلـم التربية الرياضية (The PE teacher)
إن معلم التربية الرياضية كموديل هو المثال الأوضح والمسيطر على اللعبة في هذه الأيام فهم يقسمون اللعبة إلى مراحل محددة ومنفصلة – التكنيك – القواعد – والإستراتيجية الأساس فهذا النوع من الموديل ينضر للعبة كمركبات منفصلة من الممكن تعلمها منفصلة في التمرين وإظهارها بعد ذلك في اللعب, انه أشبه بدرس التربية الرياضية التقليدي من إحماء ثم تدريب مهارة ثم لعب مباراة ودية فقوة هذا الموديل تكمن في إن كل شيء يقع تحت السيطرة والمعرفة حيث يمكن تقييم كل شيء طبقا للهدف الأساسي وهذا هو ما يعله مدرسو التربية الرياضية انه السيطرة على المحيط والتلاميذ لكي يقومون بالدرجات وان الدرجة سترتكز على الكفاءة الفنية ومعرفة القواعد والإستراتيجية الأساس فيتعلم اللاعبون كيف يقفون في صف بانتظار دورهم ومتابعة تحركاتهم فهم يتعلمون القليل عن (حل المشاكل) أو عن العمل الفرقي وليس هنالك أي وقت للنتائج النهائية (الفوز/الخسارة) كجزء من التقويم بهذه الطريقة من السهولة تقويم النشاطات عندما يعزل التقويم من الصورة الكبيرة الأكثر تعقيدا فيختلف النجاح بالنسبة للمدرب بالمقارنة مع النجاح بالنسبة لمدرس التربية الرياضية فيكون تركيز المدرب على نتائج المباريات وإن الطريقة التي يتضمنها التعلم في درس التربية الرياضية ( المواقف الثابتة, الوقوف في صف) ستتواجد بشكل قليل في الساحة وللحظات قصيرة جدا (لعب الكرات الثابتة) فيطبق مدرس التربية الرياضية كل الأهداف المسيطر عليها وعلى سرعة الدرس فيعتمد الطلبة على المعلم كمحفز ومقوم خارجي ولكن لاعب الكرة هو النقطة المركزية للنشاط فيحتاج الصغار لتطوير مصادرهم من التحفيز الداخلي والتقويم الفني ويحتاج لاعبو كرة القدم كذلك أن يتعلمون بأنفسهم كيفية السيطرة على سرعة وأهداف اللعبة وكذلك على أنفسهم وعليه يمكن القول بان الضعف في موديل مدرس التربية الرياضية يكمن في تهيئة الأطفال للتمرين (Drill) وليس للألعاب (Games) عن طريق التركيز والطرائق.
موديـــــــل كـــــــــــــرة الشارع(Street Soccer)
يركز على كيفية تعلم لعب المباراة أو أي شكل معدل منها فهي تتخذ طريقة هولستيكية (holistic) للتعلم وتتلخص هذه الطريقة بأنه مع التركيز على اللعب فان الأطفال لا يتعلمون كيفية لعب كرة القدم بل كذلك كيفية اللعب فاللعب مع الآخرين من دون مشرف يسارع في تهذيب اللعب فلا يتعلمون المهارة فقط بل يتعلمون كذلك إعانة أنفسهم, تحمل مسئولية أفعالهم والعمل مع بعضهم في جو تنافسي وان واحدة من الانتقادات التي توجه لهذا الموديل أن أكثر السيطرة تعطى للأطفال مما قد يؤدي لذهابهم في الاتجاه الذي لا نرغبه فقد يختارون حلول مختلفة أو يتجاهلون المشكلة معا فسيتعلم الأطفال بالسرعة الخاصة بهم وليس سرعتك أنت كمدرب لأنك بالحقيقة أنت من تقرر ما هو مهم وان هنالك (عنصر من غير المؤكد) في التدريب والذي يتطابق مع (غير المؤكد) للعبة نفسها.
ماذا سأفعل كمــــــــدرب؟ تحديد هدف أول موسم!
•تعتمد الخطة العامة في درس التربية الرياضية على تحسين الحقول المهمة وهذا ينظمن قائمة الأهداف المشابهة لقائمة التسوق أو المتجر ففي التكنيك هنالك التمرير والتصويب والدحرجة أما في التكتيك فهنالك مفاهيم الانتشار والإسناد المناسب وزوايا الدفاع أما في القانون فهنالك رمية التماس المناسبة وضربات الجزاء وغيرها ومع (قائمة المتجر أو البقال) تصبح الدروس عناوين يلتصق فيها المعلمون والتلاميذ ويصبح مقياس النجاح لكمية تحسن التلميذ في تلك العناوين على الرغم من عدم اهتمام الأطفال أنفسهم بذلك ومع إمكانية تقدم التلاميذ في عناوين قائمة المتجر إلا أن ذلك لا يكون ضروري ليكونوا لاعبي كرة قدم جيدون.
•في موديل كرة الشارع فان أهداف الموسم تجدها في الحصول على الشكل الجيد للعب لمساعدة اللاعبين لزيادة سرعة لعبهم وهذا يأخذ في الحسبان المستوى(Level) والتحفيز (Motivations) وهذا يعني بنفس الوقت تعديل المقاومة لملاقاة الحاجة للمتغيرات والوضعيات فهي تسمح للاعبين المواجهة المستمرة لواقف اللعب الحقيقية تحت مختلف درجات الصعوبة وكلما تقدموا في تنفيذ شكل معين فان سرعة لعبهم تزداد أكثر. ستزداد سرعة اتخاذ القرار وقابليتهم على تنفيذ تلك القرارات (Decisions) ففي هذا الأسبوع على سبيل المثال سنعمل على العاب التصويب فربما لا نكون الأحسن بالتصويب ولكن علينا أن نكون لاعبي كرة قدم أحسن لأننا نلعب كرة قدم. لا تكمن الغاية إذن في تطوير أدوات اللعب فقط ولكن في تطوير نوعية اللعب(Quality) نفسها لذلك تكمن مشكلة التربية الرياضية كموديل في أن هنالك قائمة للشراء من المتجر ولكنها قائمة لا تنتهي وهي في الحقيقة تدفع الكثير من اللاعبين لاعتزال اللعب قبل العمر (18) سنة فالوقوف في صف وتمرير الكرة ذهاب وإياب أو الدحرجة دون هدف داخل مربع محدد مسبقا تكون ذات علاقة قليلة باحتياجات اللاعبين الصغار أما في كرة الشارع فالتركيز يكون أكثر على المخاطبة والمسئوليات وعمل الفريق مع الجانب الفني والخططي والتي ستحدد بنفسها حاجات اللاعبين فيكون اللاعبون جيدون كما يريدون وليس كما يريد غيرهم.
ماهي كــرة القـــدم؟
•قد يبدو السؤال بسيط جدا لان الإجابة ستكون بان كرة القدم هي لعبة وهذا صحيح فأينما تذهب وترى مجموعتين من الصغار يلعبون ضد بعضهم في اغلب الحالات فان كل جانب يسعى للفوز وتجنب الخسارة على الأقل فالأطفال متواجدون هناك لأنهم يرغبون أن يكونوا هناك لكي يلعبون ولأجل أن تلعب كرة قدم فأول ما تحتاجه هو كرة قدم وخصم وساحة للعب وأهداف مع بعض من المواد القانونية فقد يكون اللعب (1ضد1) أو (2ضد2) أو (11ضد11) فهنالك في الغالب خصم وهنالك زملاء وبهذه المجموعة من المتطلبات يكون بالإمكان لعب الكرة يوميا فهذه هي عناصر لعبة كرة القدم والتي تجعل اللعبة تبدو كما هي وان حذف أي من تلك العناصر سيغير من اللعبة إلى غير كرة القدم وإن اللعب بكرتين أو ثلاثة سيكون ممتع ولكنه لن يكون كرة قدم فكرة القدم تتطلب كذلك تحرك لاعبين وخصومهم والكرة في مختلف الاتجاهات وهنالك حالة من الصياح بين المتفرجين واللاعبين والمدربين وهي ظواهر تمنح اللعبة صفة متميزة عن بقية الألعاب إذن كرة القدم لعبة فيها عناصر خاصة فهنالك الكرة الزميل والخصم والساحة المحددة الإبعاد والأهداف المتقابلة وقوانين اللعب وان مدرب الكرة يدرب كرة القدم وليس شيء آخر وهذا الكلام هو القلب النابض للرؤيا الهولندية لكرة القدم فإما أن يكون التدريب تدريب كرة قدم وإما أن يكون كرة قدم شبيهة (soccer like) أو كرة قدم غريبة (soccer strange).