خوفي على الكرة القطرية
•كل ما يهمني ويهم الآخرون الآن هو رغبة تأسيس (محيط تعليمي صحي) في دولة قطر يعتمد على أساسين مهمين هما (الإبداع) و(حل المشاكل) خلال فترة التدريب واللعب ففي آخر نتائج لبحوث عالمية تبين بان أكثر اللاعبين موهبة وإبداع هم من بلدان تكون فيها كرة قدم الصغار أقل تنظيما كغانا ونيجيريا والبرازيل وهنا يجب التأكيد بأن هذا الميل هو شاهد على أن تطوير كل القابلية الفنية والخططية وحتى البدنية والنفسية عند صغار السن يأتي من خلال (كمية اللعب) وليس من خلال (كمية التدريب المنظم) فكمية اللعب هي المحيط (الأمثل) للتعلم وكمية التدريب المبرمج هي المحيط (الأسوأ) للتعلم فنسبة الذين وصلوا للعب في كل المستويات المتقدمة سواء في البرازيل أو هولندا و انكلترا أو قطر أو العراق أو السعودية هم من اللاعبين الذين بدئوا حياتهم للعب في الشوارع وهم من مارسو اللعبة على طبيعتها وهم الغالبية مقارنة باللاعبين الآخرين ممن مارسوا كرة القدم تحت نظام ومنهج تدريبي صارم لقد تعلم الأطفال كيف يلعبون كرة القدم في الأزقة وعلى أي رقعة صغيرة من الأرض الفضاء فليس هناك (تدريب) في الأعمار الصغيرة بل هناك (تعليم) وليس هناك (مجهود بدني) بل هناك (متعة) لان المتعة هي مفتاح التعلم وليس هناك (وحدة تدريب) بل هناك وحدة (لعب) وليس هناك (تدريب بدني) بل هناك (تطوير حركي) وليس هناك منهج تدريبي بل هناك مباراة يومية ومهرجان أسبوعي فلقد صنعت الرمال أعظم لاعبين في التاريخ في دولة البرازيل ومن الشوارع والفرجان تخرج عباقرة الكرة الأوربية ومن رحم الساحات الشعبية ولد عتاد اللاعبين العراقيين و العرب وإلى يومنا هذا يهرب اللاعبون الصغار من الأندية ويتجمعون قرب منازلهم للتمتع باللعب لأنهم يتعلمون من اللعب ويتطورون أكثر مما يحصلون عليه من النادي ومناهجه التخريبية.
•أن أكبر تحدي يواجه الكرة في المنطقة العربية هو قلة المواهب التي تنمو في ساحة اللعب الحقيقة لأن مناهج التدريب المعقدة في الأندية تسلب من اللعبة جمالها فينشأ جيل كروي لا يلعب الكرة الجميلة بل يلعب الكرة المعقدة التي يعقدها المدربون والمشرفون الفنيون وهكذا ترى كل يوم مسرحية للذبح المنظم لأحسن الطاقات الكروية والرياضية اليانعة ومع ذلك يتساءل البعض عندنا لماذا يهرب الأطفال للعب في الفرجان والشارع؟ إنهم يهربون من الأندية لأن مناهج التدريب العقيمة وكرة قدم الطابور ومحرمات كرة القدم هي السائدة والحاكمة في الأندية وعندما يسأل الأب طفله لماذا لا تذهب للنادي وتبقى تلعب في الشارع؟ فتكون الإجابة بأننا لا نلعب الكرة في النادي! لقد تألمت وغلبني الحزن وأنا أرى لمدة أسبوع كامل تدريب لمجموعة من الفئات السنية ينفذ فيها اللاعبون الصغار(براعم) دحرجة الكرة من خلال نقل الكرة من طوق دائري لطوق دائري آخر وخلال ثمانية أطواق ولمسافة (10-15) ياردة نعم هذا ما رأيت انه ذبح للموهبة وللتطور وأول حجر عثرة في طريق بناء الكرة القطرية لأن أول خطوة لبناء الطفل كرويا تبدأ بكلمة واحدة فقط هي (ارفع رأسك) فكيف للطفل الصغير أن يرفع رأسه ومطلوب منه نقل الكرة من طوق دائري لطوق دائري آخر انه تدعيم لعادات اللعب السيئة لقد لاحظت الأطفال وعيونهم مسمرة على الأرض طوال نصف ساعة والمدرب يصيح بأعلى صوته ويزبد ويرعد ليسمع الإداري أنه حريص على الأطفال وعلى النادي والمصيبة الثانية كانت انتقال المدرب مباشرة لتمرين دحرجة الكرة من بين صف من الأقماع المرتبة بشكل مستقيم حيث ينتظر كل لاعب دوره وهم يقفون في طابور طويل مكون من (12) لاعب ولقد شاهدت البلادة والضجر في وجوه الصغار وحين انتقل المدرب واللاعبون للعب تقسيمة شاهدت فرحة عارمة واحتفالية مبهجة على اللاعبين وكأنهم طيور صغيرة أطلق سراحها من قفص حديدي والحقيقة فنحن لا نطور الكرة بل نقتل التطور بهذه المحرمات الكبيرة ولقد همست في إذن الإداري الذي كان يجلس بجانبي بتوجيه المدربين لتقليل الأدوات المساعدة التي كانت تملأ الساحة وتقليل التمارين(Drills ) وزيادة زمن اللعب((Game....نعم اللعب ولا غير!!
لقد عملت هولندا لسنين عديدة ضمن إطار برامج التدريب المنظمة وفشلت في إيجاد بدائل لكرويف ونسكنز ولادروب وبعد ضياع الجهد والمال توصل الهولنديون إلى حقيقة مهمة بأن الشارع هو المصنع الحقيقي لتطوير اللاعبين وانه منجم لا ينضب من المواهب فنقلو لعب الشارع إلى الأندية وسموها (كرة الشارع المنظمة) وابتدعوا بذلك شعارهم الشهير بأن (اللعب أحسن معلم) وهنا أشير لناحية مهمة جدا يجهلها الكثير من المدربين بأن الاستعداد للتعلم عند أطفالنا أكبر وأوسع منه عند الأطفال الأجانب لأن الطبيعة البشرية للطفل العربي من صناعة الشارع وهو المدرسة التي يقضي طفلنا العربي فيها معظم وقته فالمسألة لا تتعلق بنظرية تدريب ولا بنسخ مناهج تدريبية وتطبيقها على أطفالنا بل في خلق (محيط التعليم) الملائم لأطفالنا ولعل من الخطأ القاتل أن ننقل محيط تعليمي أجنبي ونطبقه على الأطفال لان مفردات الحياة اليومية وثقافة طفلنا تختلف كليا عن مثيلاتها عند الطفل الانكليزي أو الفرنسي وحينما نبدأ بالبحث عن أحسن محيط تعليمي للطفل فيجب أن نسأل الطفل نفسه ماذا تريد؟ماذا ترغب؟ وصدقوني لو سألتم مائة طفل قطري يتجمعون بساحة كرة القدم عن ما يريدون فستكون هناك مائة إجابة تقول (نريد أن نلعب) ولو سألتم ألف طفل هندي نفس السؤال فستكون هنالك ألف إجابة (نريد أن نلعب) وكذلك الحال لو وجه السؤال لأي مجموعة من الأطفال مهما كانت جنسيتهم فالطفل لا يحب كثرة الأقماع والعلامات المنثورة في الساحة ولا يحب كثرة الأطواق والإعلام المصفوفة بمختلف الخطوط ولا يحب الانتظار طويلا ليصل على تصويبه على المرمى لأن اللعب هو همه الوحيد ومتعته التي لا يعادلها شيء فالكرة هي(اللعبة أو الدمية) التي يبغي امتلاكها وكلما زادت العلامات والأقماع في الساحة كلما خلقنا عادات سيئة عند اللاعبين وحولنا اللاعبين إلى عميان كما يقول الهولندي الطائر(يوهان كرويف) الذي لا يؤمن بتحويل اللعبة (لمركبات) يتم تعلمها منفصلة خلال التمرين لان المهم أن يتعلم الطفل هذه المركبات مجتمعة بتسلسلها الحقيقي وفصل هذه المركبات خلال التدريب يخلق ما يعرف(بعقد التعلم) التي تعيق اكتساب المهارات الفنية لأي لعبة كانت وهكذا يقال بأن وضع الكثير من الحواجز والعلامات والأقماع أمام اللاعب الصغير والتي تعتبر موانع غير واقعية خلال لعب الكرة أمر غير منطقي يقودنا لإنتاج لاعبين بمستويات فنية ضعيفة تظهر على الملأ حينما يقابل لاعبونا فرق أجنبية بمستويات فنية عالية عند بلوغهم سن الاحتراف.
•كم من الوقت صرفنا في تعليم أبنائنا على حركات تعرف بحركات (كوفر) أو طريقة كروفر في التدريب فمنذ العام (1995 ) والى الآن ولكن المصيبة بأنني لم أشاهد من خلال بحث مسحي ميداني أجريه لما يقارب من (1000) مباراة في مختلف المستويات في الساحة الكروية القطرية تطبيق لأي من هذه الحركات خلال اللعب لا في مستوى الصغار ولا في مستوى الكبار باستثناء لاعب معين و الذي ينفذ ما يعرف بحركة (دبل مقص) من حين لآخر فهذه الحركات لا تعلم بطريقة (الستريو تايب) بل تعلم عن طريق ترك اللاعب يكتشفها ويتعلمها في محيط اللعب الحقيقي فحركة كرويف لم يتعلمها كرويف نفسه من خلال طريقة كوفر بل هي(بذرة طبيعية) نشأت مع اللاعب وتطورت وتهذبت طبيعيا من خلال اللعب(طبيعة بشرية) فلم يكن المدربون مسئولين عن تطويرها بل اللاعب نفسه طورها من خلال خياله الخصب وتجربته الميدانية لأن الحقيقة العلمية أثبتت استحالة نقل هذه المفردات من محيط تدريبي غير صحي إلى محيط اللعب الحقيقي وهنا لا أنسى مطلقا ما قاله لي احد المدربين الأجانب الكبار وهو صديق قديم من نادي مالمو السويدي (بأننا صرفنا وقت ومال كثير في تطبيق طريقة كوفر وعندما وضعنا لاعبينا في محيط اللعب الحقيقي لم نجد شيئا من حركات كوفر) انه مجرد إهدار في المال والوقت وحينما وصل العالم لحقيقة عدم جدوى هذه الطريقة أصبحت الآن تدعى بطريقة الست دقائق الإحمائية فلا تستخدم لأكثر من ستة دقائق!!!!! تصوروا (6) دقائق للإحماء بينما صرفنا نحن في قطر وحتى في الإمارات سنين طويلة(20) سنة دون أن تثمر عن شيء.
•من المهم جدا التفكير بالتحديات التي تواجه اللاعب الصغير عند لعب الكرة !!!!! وعند البحث عن هذه التحديات فسوف لن نجد هناك عند فريقين يلعبان كرة قدم في الساحة الصغيرة أو الساحة الكبيرة غير العناصر أدناه:
1)الكــــرة
2)المرمــــى
3)الزميــــل
4)الخصـــم
5)خطوط الساحة
6)الحكم(القانون)
7)الجمهور
•وهكذا سيكون الأمر حين يلعب براعم نادي السد مع براعم نادي الريان ونفس الحالة تنطبق حين يلعب أشبال الغرافة مع أشبال الوكزة آو ناشئين الجزيرة الإماراتي مع ناشئين نادي العين الإماراتي وهي نفس الحالة حينما يلعب شباب نادي مانجستر يونايتد مع شباب نادي ليفربول وهي نفس الحالة عندما يلعب فريق ريال مدريد الأول مع فريق برشلونة الأول وهي نفس الحالة في كل مباريات كأس العالم فهذه هي التحديات في كل مكان وفي كل زمان وفي الساحات العامة وفي الساحات الرسمية وفي الشوارع أو في الحدائق ولا يوجد غيرها وعند البحث عن (المحيط الصحي) لتطوير كرة الصغار فلابد أن تؤخذ تلك التحديات بالاعتبار وسوف لن نجد محيط تعليمي صحي لتطوير لاعبي كرة القدم الصغار يلم بكل تلك التحديات غير (اللعب) الذي يوفر التحديات السبعة أعلاه. ولكن لماذا يجب التفكير بهذه التحديات السبعة؟ إن الجواب بسيط جدا وهو أن هذا النوع من التدريب هو الوضعية الواقعية والحقيقة لكرة القدم سواء كان اللاعبون بأعمار البراعم أو بأعمار لاعبي كأس العالم فحتى (رونالدو وميسي ورونالدينو) سيهربون من الأقماع والعلامات والتمارين مع الأدوات المساعدة إلى اللعب النقي ( مجموعة ضد مجموعة) حينما يمنحون الخيار بين الاثنين فكرة القدم تلك اللعبة الجميلة كما يقول (بيليه) يجب أن لا يفسد جمالها الحواجز والمعوقات غير الطبيعية لان الأخيرة هي معوقات للتعلم وبالتالي معوقات للتطور.لأعود لأول كلامي في التقرير وأركز على أن المحيط الصحي لتطوير اللاعبين الصغار يؤسس على قاعدتين (الإبداع) و(حل مشاكل اللعب) فأما جانب الإبداع فيرتبط بترك اللاعب الصغير يعبر عن مكنونات نفسه ويخرج الطاقة التي يحملها بالطريقة التي يختارها هو لا بالطريقة التي يختارها المدرب لذلك يكون دور المدرب (التوجيه) وليس (التدريب) وهنا أكرر القول لا للتدريب الكثير في المراحل السنية الصغيرة ونعم (للتوجيه) البسيط ففي عالم كرة القدم لا يوجد مكان للكشف عن المواهب غير وضعية اللعب (الشوارع والساحات الشعبية والمدارس وأي تجمعات سكانية) فلا يمكن اختيار لاعب موهوب من خلال تنفيذ الدحرجة من بين الأقماع ولا من خلال الاختبارات الفنية ولا من خلال مجموع تنطيط الكرة لأكبر عدد ممكن ومن هنا أنصح كل المهتمين بكرة القدم وكل الأندية بالعودة لظاهرة الكشافين الذين يجوبون القرى والقصبات والمدن النائية حيث المحيط الصحي للعب كرة القدم والتحول الفوري من التدريب المنظم إلى اللعب المنظم؟أما فيما يتعلق بناحية(حل المشاكل) خلال التدريب واللعب فهو الأساس الثاني لتأسيس محيط تعليمي صحي فعندا نضع اللاعب الصغير في محيط اللعب فأننا في الحقيقة نجبر اللاعب على استخدام عقله أكثر من استخدام عضلاته أي إننا نمنح الفرصة للاعب الصغير لتطوير ذهنه واستخدامه في اختيار (حل المشاكل) التي ستواجهه أثناء اللعب أي إننا نوفر للاعب محيط تعليمي يسمى (بالتعلم الشخصي) فيتقدم الطفل باللعب ليتجنب ويلغي الفعاليات الخاطئة ويكرر الفعاليات ويدعم الفعاليات الناجحة ويوم بعد يوم ومباراة بعد مباراة يحدث التطور فمتى ما حصلنا على لاعبين مبدعين قادرين على حل المشاكل التي تواجههم إثناء اللعب متى ما اكتشفنا منصور مفتاح جديد وعادل الملا الشبيه لنبني قاعدة التطور الكروي من الآن بأن نجعل صغارنا المواهب تلعب بعقولها لا بعقول غيرها من مدربين ومديرين فنيين فكم هو الكم الهائل من المدربين الغير مهيئين لتعليم الصغار وكم من المدراء الفنين الذين لا تحتاجهم كرة القدم ممن يتحكمون بمصائر اللاعبين الصغار وكم من المدربين الجيدين في ملاعبنا ممن يركنون على الجانب لرغبات ضيقة من قبل رؤساء أجهزة كرة قدم ممن لم يركلوا الكرة في حياتهم.