جرائم شرف أم جرائم تخلف؟
في الاَونة الأخيرة بدأ النقاش يتم بصوت عال حول ظاهرة ما تعرف ب’’ جرائم الشرف ’’ ما بين مؤيد ومعارض ،خاصة أن بعض تلك الجرائم قد أخذ صدى واسعاً إما بسبب قسوة وقبح الجريمة، أو لتمكن الكثيرين من مشاهدة تنفيذها على أجهزتهم الخليوية .
فالمؤيدون يعتبرون مثل هذه الأعمال هي حفظ للكرامة والشرف . . . الخ هذه الأسطوانة التي لا تنتهي والتي بشكل أو باَخر عمادها الأول مجموعة من التقاليد الاجتماعية البالية، وهذه الفئة تسمح لنفسها وتؤيد استخدام كل وسائل العنف ضد المرأة ابتداء من التعذيب والحجر وصولاً للقتل ، والمؤسف أنها غالباً ما تتم على أساس الشك أو الشائعة، بينما ترى الفئة الثانية المعارضة أنه لا بد من ثورة على الكثير من نصوص القانون والمفاهيم الاجتماعية البالية ، التي تبيح قتل المرأة وتصويرها بأنها هي نقطة الضعف وهي الشرف وهي من تصون وهي من يجلب العار. بين الحين والاَخر يتبادر إلى السمع الكثير من الأخبار عن جرائم ترتكب باسم الشرف والحفاظ عليه ، وغالبا ما يكون ضحاياها من صغيرات السن،اللواتي في الكثير من الأحيان لا يكن قد امتلكن القدر الكافي من الوعي أو المعرفة إما لصغر السن أو عدم وجود حد أدنى من التعليم والتثقيف (هذا إذا كان ما أقدمت عليه الضحية يعتبر عملاً مخلاً بالشرف والفضيلة فعلاً)، أما الضحية الأخرى التي يخسرها المجتمع فهي في الأعم الأغلب عبارة عن شاب أو فتى مراهق في بداية حياته يتم اختياره كأداة لغسل ما يسمى( شرف العائلة)، وليهرب من العقوبة بأي طريقة ممكنة وتكون إحدى هذه الطرق الاستفادة من صغر سنه للحصول على أكبر قدر من التخفيف الممكن،حيث يصبح مثل هذا المغبون بديلاً للشرائع والأديان والمحكمة والجلاد في الاقتصاص ،ويصبح بنظر عائلته وقناعته البسيطة بطلاً اجتماعياً ، وإن كان في حقيقة الأمر عبارة عن مجرم صغير اعتاد القتل باكراً . المؤسف في الأمر أن دولة مثل سوريا بشعبها الواعي والخلاق وحضارتها التي تضرب جذورها في عمق التاريخ، تشير الدراسات وتؤكد أن نسبة ما يسمى ب’’ جرائم الشرف ’’ فيها قد ارتفعت وتيرتها في السنوات الأخيرة لتصبح الرابعة عربياً والخامسة على مستوى العالم! إن الملاحظة الأولية عندما تتم دراسة الكثير من هذه الحالات أن مسرحها الريف في الأعم الأغلب ، وهذا في حقيقة الأمر يرتبط بمفهوم اجتماعي معين، فيه الكثير من الأمور التي تدعو للفخر والاعتزاز ولكن في قسم منها يفسر على أنه هناك خطوطاً حمراء مرعبة والأخطر في هذه الخطوط أن هناك الكثير من الأمور أيضاً التي تجير وتعتبر روافد لا بد أن تصب في اتجاه هذه الخطوط. وأي شيء منها يعتبر داء علاجه الوحيد البتر.
الأمر الثاني المخيف في الأمر هو أن هناك بعض النصوص في قانون العقوبات التي أصبحت تحتاج لتغيير أو توضيح ، وخاصة المادة 548 من القانون المذكور والمادة 240 واللتين تمنحان القاتل تدرجاً في العقوبة بحيث لا تكون في حدها الأقصى تتجاوز الثلاث سنوات في حالة الاشتباه أو القتل على أساس الشائعة! وهنا نورد على سبيل المثال لا الحصر أحد تلك الجرائم التي ذهب ضحيتها فتيات بعمر الزهور نتيجة أسباب لا علاقة لهن بها سوى أنهن تواجدن في مجتمع جاهز للقتل قبل أن يتأكد: 1- في أحد المدن السورية اصطحبت عائلة ابنتها ذات ة شهيرة بعد أن شعرتال’’17 ’’ربيعاً لعيادة طبيبة نسائي باَلام في البطن، وكان تشخيص الطبيبة أن الفتاة حامل، وما أن قالت الطبيبة هذا حتى أقدم أهلها على قتلها مباشرة كونها غير متزوجة، ولكن المفاجأة المحزنة والكارثية أيضاً والتي ضاعفت من عذاب كل من سمع بها، أن نتيجة التشريح التي قام بها الطبيب الشرعي لجثة الفتاة الضحية قد أتت لتفيد أن الفتاة مصابة بورم في البطن وليس حملاً كما ادعت الطبيبة (القاتلة)! والذي حصل بعدها أن الطبيبة أوقفت في السجن لفترة من الزمن، ثم خرجت وعادت لتمارس نشاطها وكأن شيئاً لم يكن! واستفاد أهل الفتاة من العذر المحل! وخسر المجتمع فتاة بريئة.
2- في إحدى الدول العربية التي ارتفعت فيها نسبة هذه الجرائم في الفترة الأخيرة بشكل مخيف،أتت التصريحات من قبل المختصين والمتابعين لمثل هذه الجرائم لتبين أن 80% من اللواتي يقعن ضحايا لجرائم الشرف هن عذراوات! أما الظاهرة التي تدعو للقلق فعلا فهي أنه عندما أخذت تعقد في الفترة الأخيرة ندوات حول جرائم الشرف ، أو حملات انبرى البعض من كبار المثقفين السوريين( هكذا يفترض قياسا على مستوى المراكز التي يشغلونها، أو الشهادات التي يحملونها) على القول أنه من الخطأ التعامل معها على أنها أصبحت ظاهرة ، إذ لا تزال الأرقام بحدود 40 جريمة سنوية، وليس 300 حالة وسطيا في العام الواحد، وهنا حرياً بهؤلاء أن يعملوا على وأد هذه الحالات في مهدها قبل أن تتفاقم وتصبح ظاهرة ، وعسى أن يتذكروا أن ’’الجريمة’’ لم تقترن يوماً ب ’’الشرف’’، وأن العقل هو الذي يسفك ويراق عبر نحر أعناق الكثير من الفتيات، وليس الشرف بالذي يستعاد بهذه الحالة ، وقبل كل شيء إنها جرائم ترتكب برضا وتشجيع وحماية بعض مواد القانون التي أصبحت تحتاج لتعديل، وبمباركة الكثير من العادات الاجتماعية البالية التي بات ضروريا أن يتم استئصالها. ومن هؤلاء مع كل أسف من هو رجل دين ومن هو مدرس جامعي وغيرهم فعسى أن يمارسوا أضعف الإيمان بأقل تقدير ويلتزموا الصمت. وفي ذلك خير لهم وللمجتمع الذي يدعون الحرص عليه.
من سورية بقانونها ( 548 ) ، والأردن بقانونه ( 340 ) ، والكويت بقانونها ( 153 )، والعراق ب ( 409 )، ومصر ب ( 237 ) التي أفاد إحصاء صادر عن مركز الدراسات فيها منذ عامين أن نسبة هذه الجرائم بلغت 29% منها 70% قائم على أساس الشك أو الشائعات! والملاحظ في جميع هذه البلدان: إنه على الرغم من الدعوات الكثيرة وحملات التوعية التي تتم إلا أن الملاحظ أن الكثير من المجتمعات العربية لا يزال تطورها بطيئاً كسير السلحفاة،إذ لا يزال الدم يعتبر الوسيلة الأفضل لغسل الذنوب لدى الكثيرين، ولا يزال القتل هو الوسيلة المعتمدة والرئيسة لوأد الذنوب والمعاصي، ولا تزال هذه الأنواع من الجرائم تبيح للقاتل عن قصد أن يتحول لبطل بنظر الناس ، وأن يصبح وهمًا كاملا من الشرف والعفة،وعلى الرغم من التحولات الاجتماعية الكثيرة التي إما تغيرت أو تم استئصالها، وعلى الرغم من حملات التوعية الكثيرة والتي أتت ثمارها في الكثير من المناطق، لا تزال قناعات ما يسمى الدفاع عن الشرف متمثلة في أن الفتاة يمكن أن تكون عاراً يتم الخلاص منه.
لم تكن هذه دعوة للاستغناء عن ما يسمى شرفاً أو فضيلة، فالكثير من عاداتنا وقيمنا هي من تميزنا عن الكثير من دول العالم ، وتبقي على نوع من النسيج الاجتماعي المحافظ والذي يحقق الحد الأدنى من التعاطف والتواصل القائم على الاحترام، ولكنها كانت دعوى بسيطة وهي ألا تبقى هذه القضية المتعددة الجوانب بكل ما فيها من امتدادات اجتماعية وثقافية ودينية وقانونية وتربوية أسيرة أو رهن لحساسيات فكرية وأخلاقية مفرطة. والمسؤولية هنا تربوية وتعليمية لا يمكن أن تنحصر بفرد أو جهة واحدة بل هي واجب أخلاقي يجب أن تتكافل كل الجهود له من البيت للمدرسة لرجال القانون ورجال الدين. وعلى مواد القانون أن تكون أشد من ذلك في التعامل مع هذه الحالات، وتعمل على أنه حتى في حال الخطأ فالمجتمع هو من ينزل العقاب عن طريق مختصين ، سواء استناداً إلى نصوص الشريعة الغراء، أو نصوص قانونية واضحة، وليس أي شخص اَخر يدعي أن غسل العار هو المهم ،هذا الشخص الذي قد يكون هو مجرماً وهو التيمن يستحق العقاب قبل أن تحصل حتى الأسباب تجعل منه منقذاً للشرف ومتباهياً بفعل أقدم عليه .
بقلم : سمير اصطفان
المفضلات