الأبعاد الأخلاقية في حقوق اللاجئين!
الدكتور عادل عامر
في معرض حديثه عن ألبان كوسوفو، وفي تفسيره للتدفق البشري الهائل والمفاجئ للاجئين، قال آرنولد كولر، وزير العدل والشرطة السويسرية: إنهم يهربون من تدمير وصراع مسلح ووحشي، ولو كنّا مكانهم لكنّا فررنا أيضاً. ثم ناشد الشعب السويسري (المضيف) أن يبدي تفهماً لحالة الأشخاص الذين يتلمسون الحماية. ومثل هذا القول ينطبق اليوم على اللاجئين العراقيين والصوماليين والسودانيين وغيرهم، مثلما ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين وجميع الذين فرّوا من أوطانهم لأسباب الاضطهاد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، أو بسبب الحروب والنزاعات المسلحة أو التطهير القومي أو الديني أو غير ذلك. كم كانت أوضاع اللاجئين الأكراد مأساوية يوم فرّوا جماعياً العام 1991، الأمر الذي اضطر المجتمع الدولي، في سابقة خطيرة، إلى إصدار قرار من مجلس الأمن برقم 688 في 5 أبريل 1991 قضى بوقف القمع الذي يتعرض له سكان المنطقة الكردية وبقية مناطق العراق، واحترام الحقوق السياسية لجميع المواطنين، واعتبر ذلك تهديداً خطيراً للسلم والأمن الدوليين.
ولعل أوضاع اللاجئين والنازحين العراقيين حالياً -إذ يبلغ العدد حسب إحصاءات الأمم المتحدة نحو 4 ملايين و600 ألف لاجئ ونازح في الداخل والخارج، أي بنسبة تزيد عن %15 من المجتمع العراقي- تلقي مسؤوليات كبيرة على عاتق المجتمع الدولي لا بدّ له من الاضطلاع بها، خصوصاً بعدم التصرف بازدواجية وانتقائية في المعايير، بل على أساس الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، لا سيما الاتفاقيات الدولية بشأن حقوق اللاجئين، علماً أن أوضاع هؤلاء اللاجئين شكّلت وتشكّل خطراً على سِلم وأمن المنطقة ومستقبلها وتنميتها، خصوصاً أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية وغيرها.
وقد انعكست أوضاع اللاجئين المأساوية على دول الجوار على نحو شديد، ما زاد من مشكلاتها بالأساس، وفاقم أوضاعها القاسية، الأمر الذي يمكن استخدامه وتوظيفه على نحو سلبي، بخاصة في ظل الفقر والأمية والتخلف وانعدام الأمل، بحيث يمكن استغلال بعض هذه الأوساط وتوريطها في أعمال إرهابية أو غيرها.
لقد عبّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار لها صدر العام 1998 بخصوص معاناة اللاجئين عن دور النزاعات في تفاقم ظاهرة الهجرة، فقد أشار القرار إلى أن: الصراعات الدولية المحتدمة (بما فيها النزاعات الداخلية) هي السبب وراء التحركات القسرية للسكان لا سيما من طالبي اللجوء الذين يضطرون إلى مغادرة أوطانهم قسراً. ولعل ذلك خير عبرة لأوروبا وأميركا ودول الشمال عموماً التي عليها الاضطلاع بمسؤولياتها بشأن إطفاء بؤر التوتر، ومساعدة بلدان الجنوب في القضاء على الأمية والتخلف وتحقيق التنمية الإنسانية المستدامة، إذ إن حل المشاكل بالطرق السلمية، فضلاً عن مساعدة دول الجنوب الفقير، يساعد في تقليل أعداد اللاجئين، ويخفف من موجة العنف والإرهاب على المستوى الدولي، ويوفر أرضية صالحة لتحقيق خطوات وإجراءات إصلاحية مناسبة.
إن محنة اللاجئين المتفاقمة على المستوى الدولي تطرح مسؤولية المجتمع الدولي، لاسيما في زاويتها القانونية والأخلاقية، إذ تترتب مسؤوليات جسيمة على عاتق الدول الكبرى خصوصا الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي يعتبر من واجباتها الأساسية حفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيق التعاون والإنماء الدولي، الأمر الذي يطرح تساؤلات مشروعة بشأن مستقبل العلاقات الدولية في ظل ازدواجية المعايير، واستشراء ظاهرة الفقر، وغياب العدالة الدولية على المستوى العالمي لاسيما بازدياد أعداد اللاجئين على نحو غير مسبوق.
لقد أنشأت عصبة الأمم هيئة خاصة باللاجئين في العام 1921 باسم «المفوضية العليا لقضايا اللاجئين»، وقد وسّعت مهماتها لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية فتشكّلت «المنظمة الدولية للاجئين» العام 1946، أي بعد تأسيس الأمم المتحدة، خصوصاً وقد أفرزت الحرب ذاتها نحو 20 مليون لاجئ. وعندما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948، ومن ثم اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 اعتبر الأمر تطوراً مهماً في قواعد القانون الدولي الإنساني (في الحرب والسلم)، وذلك لكونه امتداداً طبيعياً لاتفاقيات لاهاي لعام 1899 و1907. ثم تأسست المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وذلك بعد صدور اتفاقية جنيف حول حقوق اللاجئين العام 1951، وملحقها العام 1967.
وحسب النظام الأساسي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين: يتم تقديم العون لكل شخص يشعر بالفعل أو يتعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو رأيه السياسي، موجود خارج الدولة التي يحمل جنسيتها، والذي لا يستطيع أو لا يريد، سواء بسبب المخاطر أو لأسباب شخصية أخرى، أن يطالب بحماية دولية له عند وجوده فيها.
إن القوانين المقيّدة لحق اللجوء التي سعت بواسطتها بعض دول الشمال إلى التضييق على اللاجئين أو التملّص من بعض الالتزامات التي ترتبها الاتفاقيات الدولية، تعكس (القوانين) تراجعاً في فسحة الحقوق والحريات المدنية والسياسية في دول أوروبا وأميركا، وتأثرها لأسباب سياسية، لا سيما كردود أفعال لما حصل بعد 11 سبتمبر 2001 بشكل خاص.
ولا بد من الإشارة إلى أن هناك علاقة عضوية بين ما جرى في بلدان الأصل «الطاردة» وبين ما يجري في البلدان المضيفة «المستقبلة»، خصوصاً ويلات الحروب وأعمال العنف والإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، وبين الاستلاب والاستتباع ونهب الثروات التي تعرضت لها شعوب البلدان الفقيرة والمنهكة. ولذلك، فإن المعيار القانوني والأخلاقي لدول الشمال والمؤسسات الدولية يقضي باحترام الاتفاقيات الدولية وإعمال نصوصها وتفعيل دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتوفير أفضل أنواع الحماية للاجئين بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو معتقداتهم السياسية أو جنسهم أو لأي سبب آخر. كما تقضي المسؤولية القانونية والأخلاقية لبلدان الجنوب توفير المستلزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها، بما فيها الإصلاحات الضرورية وتأمين فرص العمل والحياة الكريمة، وكذلك متابعة أوضاع مواطنيها في بلدان المنافي واللجوء والدفاع عن حقوقهم في البلدان المضيفة، وإقامة علاقات إيجابية معهم للاستفادة من إمكاناتهم وطاقاتهم وشدّهم إلى الوطن الأصلي.
وهنا لا بد من إيلاء اهتمام خاص لأوضاع النساء والأطفال، لا سيما في البلدان الوسيطة التي بسببها لا يستطيع اللاجئ الوصول إلى بلدان اللجوء، الأمر الذي يزيد من أوضاعه التباساً وبؤساً.