[tabletext="width:70%;"]
الخميني والحاخام
د. فايز أبو شمالة | [/tabletext]
"حاخام" لفظة عبرية تعني حكيم، وعاقل، وفطن، وذكي، ومحنك، وقد تؤنث اللفظة في اللغة العبرية فيقال: "حاخامة" أي حكيمة، وغالباً ما تستخدم اللفظة للدلالة على رجال الدين اليهود، أي أن اللفظة تكسب رجال الدين اليهود صفات التقديس، وتباعد بينهم وبين باقي البشر العاديين، ويكفي أن يكون حاخاماً يهودياً ليصير متميزاً، ومنزهاً عن صفات العامة.
صباح ذات يومٍ اعتقاليٍّ مريضٍ التقيت
باثنين من حاخامات اليهود داخل مستشفى "سوروكا" في مدينة بئر السبع الإسرائيلية، كان ذلك في الرابع من يونيه 1989، وكان لكلا الحاخامين بسطة في الجسم، وطفح في الأطراف، ولكلاهما ذؤابتان، وكرش يتمدد، وذقن تتدلى، وكانت نبرة الصوت لكل منها تأتي من عميق. كلاهما مريض، وأنا مريض، كلاهما تم عزلة في غرفة خاصة عن عامة المرضى،
ولأنني سجين سياسي فقد تم عزلي في الغرفة ذاتها، ولأنني دخلت عليهما الغرفة وأنا أجرجر قيودي، ويئن بمعصمي حديد سلاسلي، فقد نظرا إلى بريبة، وازدراء، وعدم ارتياح لهذا العربي المسلم السجين المريض المحاط بالحراس، والمتهم بتخريب أمن الدولة العبرية، أما أنا فقد كتمت مشاعري، وأخفيت توجسي، وعدم ارتياحي للمكوث مريضاً في الغرفة ذاتها التي يتصاعد منها دخان الكتب اليهودية، حزنت، ونزفت حسرة وقد التقى علي جسدي السجن، والحراس، والقيود، والمرض، وحاصرت روحي الذاكرة الأليمة.
قبل عشرين عاماً؛ في
ذلك اليوم الخماسيني الحار جداً، لم أكن قد سمعت الأخبار، فقد أشغلني المرض عن متابعة الحدث، والإلمام بالمستجدات، ولكنني تنبهت بفضول إلى الرياح الساخنة جداً التي تعصف بالأجواء، وتقتحم المستشفى، وقد تغطت فيه الأشياء بالأتربة الناعمة، فذاب هواء ذلك اليوم بلفح الصحراء، فراح ينفخ ناراً، ويلهب الأماكن.
في هذا الجو الكئيب بادر الحاخام الأول بسؤال الحاخام الثاني: هل سمعت الأخبار؟
رد الحاخام الثاني: لا، لم أسمع الأخبار هذا اليوم، وتساءل في خبث: ما الجديد؟
قال الحاخام الأول وهو يقصد إسماعي: الخميني مات!!
اندهش الحاخام الثاني وهو يقول: بجد!! هل الخميني مات؟.
الحاخام الأول: نعم، هذا ما سمعته في الأخبار قبل قليل.
صمت الحاخام الثاني قليلاً قبل أن يبتسم، ويهز رأسه قائلا:، ها، ها، ها، الآن
فهمت أسباب الحر الشديد لهذا اليوم، ولماذا تصلنا هذه الرياح الساخنة!!!
الحاخام الأول متسائلاً: لماذا؟
الحاخام الثاني: هنالك في السماء فتح الملائكة أبواب جهنم!
المفضلات