عندما يضيع الحق.. نضع أصابعنا في الشق!!بقلم : محمد أبوكريشة
Mabokraisha@yahoo.com
Mabokraisha@Hotmail.com
قال الحارث بن حوط الليثي للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بعد وقعة الجمل الشهيرة ومقتل الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما: أتظن ياأمير المؤمنين أننا نظن أن طلحة والزبير كانا علي ضلال وهما من العشرة المبشرين بالجنة؟ فقال الامام علي قولته الخالدة علي مر الزمان: ياحارث.. انه لملبوس عليك "أي أن الأمر ملتبس عليك وغير بين بالنسبة لك".. ثم قال: الحق لايعرف بالرجال.. وإنما يعرف الرجال بالحق.. فاعرف الحق تعرف اهله.
"ياسلام .. هوده الكلام" .. وذلك والله داؤنا العضال ومأزقنا الأكبر "والدحديرة" التي هوينا فيها.. نحن نعرف الحق بالرجال .. ولانعرف الرجال بالحق.. ومعني ذلك أننا لانعرف الحق بل نفصله علي مقاس من نريد من الشخوص.. فالحق عند من نحب ومن يروق لمزاجنا ومن خف ظله علي قلبنا.. والباطل عند من نستثقل ظله ونكرهه ولذلك لايوجد حق في أمة العرب.. وكل يوم عندنا حق مختلف ومنهج مغاير وحكاية جديدة طبقا للاشخاص الراكبين وحسب أمزجة المتحكمين في بطوننا وفروجنا ومقاعدنا ورقابنا.. فالحق منسوب الي شخوص.. ولاننسب الشخوص الي الحق.. والحق يتحرك ويترنح ويتنقل "ويترقص" تبعالميلنا وهوانا لذلك يسهل خداعنا والضحك علينا.. ونصدق القول ونقيضه تبعا لهوانا مع أو ضد القائل.. ونحن غير معنيين بما قيل ولكننا معنيون بمن قال .. ويتحكم في آرائنا رد الفعل والانفعال والمشاعر والحب والكراهية فنحن نخسف بالمنتخب الوطني الأرض إذا هزم من الجزائر ونرفعه إلي عنان السماء إذا فاز علي إيطاليا.. ولاتوجد لدينا منطقة وسطي.. ويتحدث خبراء الرياضة وكباتنها كما يتحدث جمهور المقاهي تماما.. فلم يعد هناك فرق بين النخبة والعامة وبين الصفوة والهفوة .. وبين اساطين الفضائيات ورواد الغرز والديسكو ونحن ملوك المناسبات.. نحن شعراء المناسبات الجدد.. نهجو اذا كانت المناسبة للهجو.. ونمدح إذا كانت المناسبة للمدح.. ونهتف إذا فرحنا "ونتف" إذا سخطنا.. والذي نهتف له اليوم.. "نتف عليه" غدا.. وفي كل الاحوال نقبض ونتقاضي الثمن.. نقبض لنهتف.. ونقبض لنتف.
ولأننا لانعرف الحق فإننا نتقلب حسب الاحوال وحسب الرجال والنسوان.. ولم تعد هناك قيمة لآرائنا التي نقولها أو نكتبها.. واذا أريد تسويق الباطل في أمة العرب يتم تجنيد النجوم والمشاهير "والحلوين" من أهل الفن وكرة القدم والاغنياء لمهمة التسويق لأننا نصدق النجوم حتي اذا كانوا علي الباطل.. ولأننا نعرف الحق بالرجال ولانعرف الرجال بالحق.. ولأننا لانعرف الحق فإننا نقع فريسة سهلة للاعلانات
المضللة والدعاية الكاذبة.. ولأننا لانعرف الحق يتسلل الينا الباطل من خلال الدهاة الجدد وعوالم الدين.. وفي عصرنا هذا يتم تسويق الباطل بقوة من خلال نجوم الدين .. وانت لاتجرؤ علي تفنيد "حكاوي" احد الدهاة الجدد لان الناس مفتونون بهم .. والناس لايعرفون الحق ولكنهم يحبون الدهاة الجدد.. ويقولون لك اذا اعترضت أو ناقشت أو تجرأت علي تفنيد اقوال هؤلاء الدهاة "وحكاياتهم".. "تروح فين ياصعلوك بين الملوك؟" ..
فنحن يا أصدقائي المهندس الاستشاري محمود خالد حلمي خليل والمنشاوي وصلاح شرابي وعماد سعيد حزين والشاعر محمد محمد علي جنيدي وعمرو محمد شمس الدين باحث الدكتوراه تأخذنا النشوة فنقضي بالعشوة ونقبل الرشوة ويمكن شراؤنا بغدوة أو عشوة.. وهناك فرق بين العشوة والعشوة.. فالأولي تعني التخبط وعدم وضوح الرؤية والثانية تعني مأدبة أو "عزومة عشاء".
***
وصديقي عمرو محمد شمس الدين باحث دكتوراه.. وانا اظنه باحثا عن دكتوراه.. والباحثون في زماننا ياصديقي أكثر من الهم علي القلب.. ولست ادري عن أي شيء يبحثون.. فالناس في أمتي يبحثون عن كل شيء الا الحق والحقيقة.. يبحثون عن لقمة.. أو عن "هدمة" .. أو عن شقة أو عن طقة.. عن مطالب البطون والفروج لكنهم لايبحثون عن الحق.. لأن البحث عن الحق في امتي هو بحث عن قطة سوداء لاوجود لها في غرفة مظلمة والباحث عنها أعمي ويجري البحث في الليل.. ظلمات بعضها فوق بعض حتي اذا أخرج المرء منا يده لم يكد يراها.
ولأننا لانعرف الحق فإنك تقلبنا ذات اليمن وذات الشمال بلا حراك منا وتحسبنا ايقاظا ونحن رقود.. وتحسبنا نتحرك ونحن ركود وتحسبنا احياء ونحن اموات.. وتحسب ان تحت قبتنا شيخا.. لكنك لاتجد بعد البحث والعناء إلا شبحا أو سيخا.. ولأننا لانعرف الحق فإننا أكثر الأمم جعجعة بلا طحن.. واعلي الأمم وأنكرها أصواتا.. ورزقنا الله كثرة الجدل وقلة العمل.. رزقنا الله حلاوة اللسان وروغان القلوب وعمي البصائر.. وغضب الله علينا فزين لنا سوء اعمالنا لنراها حسنة.. وجعلنا نحب ان نحمد بما لم نفعل.. لذلك فإننا لسنا بمفازة من النار.
ولأننا لانعرف الحق فإننا أكثر الأمم تبريرا وبربرة وثرثرة.. وأكثر الأمم بحثا عن فتاوي سابقة التجهيز وفتاوي تفصيل وفتاوي "دليفري".. ونأخذ من الفتاوي مايوافق الهوي لا مايوافق الحق.. ولأننا لانعرف الحق فإننا تديننا زائف وورعنا فاسد وتقوانا مصيدة للفلوس والنسوان.. واتخذنا هوانا ربا معبودا .. ونلوي عنق الدين ليوافق اهواءنا.. نخادع الله ورسوله ومانخدع الا انفسنا وما نشعر.. وان نقل تسمع لقولنا .. وأنا انذرك ياصديقي: نحن العدو فاحذرنا.. نحن الذين يزينون لك سوء عملك فتراه حسنا.
ولأننا نعرف الحق بالرجال ولانعرف الرجال بالحق يسهل جدا ان تجمعنا طبلة ويفرقنا سوط .. ان تجمعنا فرخة وتفرقنا صرخة .. يسهل جدا بل هو واقع ان يكون اجماعنا علي باطل وزحامنا علي عاطل.. يسهل ان نتوه لاننا منقادون لمعتوه.. ودائما نصوم نصوم ونفطر علي بصلة.. ولاننا لانعرف الحق يستخفنا أي فرعون في أي موقع فنطيعه لأننا قوم فاسقون.. ولأننا لانعرف الحق فإننا ننساق خلف الشعارات والحناجر.. ونستجيب لكل ناعق .. ونخشي أي زاعق.. وقد عرف العالم كله تلك الرذيلة في العرب فباع لهم الترام علي انه السلام .. وباع لهم الاونطة علي أنها الحضارة والاستنارة.. وسقط العرب وهم ساهون لاهون في مستنقع الصهينة.. فصار اللوبي الصهيوني العربي اخطر ملايين المرات من اللوبي الصهيوني الأمريكي او الغربي.. واصبح صهاينة العرب.. أو العرب الصهاينة هم النخبة واهل الحل والعقد واهل القمة.. صاروا اصحاب القرار والقول الفصل.. حتي ان منهج الصهينة صار يحكم الدعوة الدينية وصار الدهاة الجدد والعلماء العوالم اخطر الصهاينة العرب الآن.
***
وليس من الصواب ان نصب جام غضبنا علي النخبة الفاسدة واللوبي الصهيوني العربي .. والأوفق ان نقول إن فساد النخبة تابع لفساد العامة والدهماء.. فالعيب ليس في المخادع ولكن في المخدوع.. والعيب ليس في النصاب ولكن في الطماع.. والعوار ليس في الظالم ولكن في المظلوم والعوار ليس في الحرامي أو اللص ولكن في المال السائب.. والعامة في أمتي مال سائب.. وتركة يرثها الاقوي وليس الذي تنطبق عليه شروط الشرع.. لذلك حكم هذه الامة بلا أي مقاومة منها العبيد والمماليك والمجلوبون والصيع واللقطاء والخصيان والمطاريد والمقاطيع والمجانين ورد السجون والمصحات العقلية.
ولأن العامة في أمة العرب لايعرفون الحق فقد ضلوا سواء سبيل .. ولم يكن لهم يوما ما رأي في اربابهم وآلهتهم من البشر.. سواء الذين فوق المقاعد والرقاب أو تحت الارض .. فالعامة يتبركون بمئات الأولياء الموتي والمدفونين تحت الارض وقد كانوا في واقع الامر حشاشين وافيونجية وحرامية وقطاع طرق وبلهاء ومجانين ومشردين.. بل ان هناك أولياء يهود واولياء زنادقة.. وهناك حمير في المقابر يتبرك بها الناس علي انها من الأولياء الصالحين.. وهذا هو اصل المثل العامي الشهير "احنا دفنينه سوا" واذكر انني رويت لكم حكايته حيث اتفق صديقان علي دفن حمارهما الميت وبناء ضريح وقبة له وسمياه الشيخ "ابوودان".. وابتلع الناس الطعم وتوافدوا افواجا الي ضريح الشيخ.. واصبح الصديقان من اغني الناس.. وسرق احدهما يوما صندوق النذور فعاتبه الآخر فقال: "وحياة الشيخ أبو ودان ماسرقت حاجة" .. فرد الصديق الاخر: "نعم يااخويا؟ ده احنا دفنينه سوا".
وقد صار لنا أولياء أحياء في هذا العصر وكلهم من "عينة الشيخ أبوودان" وهم أهل الفضاء والصحافة والاعلام واصحاب المال الذين يطعمون الفم فتستحي العين.. واهل القمة يستطيعون بأموالهم ودعايتهم واعلامهم ان يقنعونا بأن الشيخ أبو ودان الحصاوي صاحب كرامات ومعجزات.. بل ان اصحاب المال والسطوة الذين كانوا حثالة المجتمع استطاعوا ان يصنعوا لهم تاريخا مزيفا.. فهم من نسل الرسول اوهم من الاشراف أو من قريش أو هم أحفاد عمر بن الخطاب.. وأن آباءهم وأجدادهم وامهاتهم وامهات نسائهم و"سنسغيل أبو اللي جاب أبوهم" من أولياء الله الصالحين.
وكل ذلك ليس لعيب في النخبة ولكن لتخلف وغباء العامة وغيبوبة الشعوب التي صارت مثل الزوج المخدوع آخر من يعلم.
***
والادهي والأمر ان هذه الشعوب العربية أدمنت الغيبوبة.. وتكره من يوقظها ولاتحب ان تفيق.. وحتي اذا هدمت ضريح الشيخ أبو ودان ونبشت قبره واخرجت جثة الحمار وأريتها للناس فإنهم سيهجمون عليك ويفتكون بك ويقولون لك: ياكافر.. يازنديق.. نحن نعرف أنه حمار.. لكنك جاهل لانك لاتعلم أنه حمار مقدس وولي صالح لانه حمار سيدنا عزير الذي اماته الله مائة عام ثم بعثه.
الشعوب العربية مال سائب يُعَلِم السرقة والنصب والاحتيال.. والشعوب العربية "هبل يحكمها مجانين" والذي يتولي اي مسئولية في الأمة العربية ليس مؤهلا لأن يكون نادلا في مطعم غربي.. ولكن الشعوب العربية سلسة وطيعة ويسهل حكمها علي أي نكرة سواء كان عدوا أو وكيلا عن العدو.. لأن هذه الشعوب تعتاد بسرعة وتألف وتتآلف بسهولة.. وهي شعوب بلا ذاكرة لذلك تلدغ من الجحر الواحد ألف مرة..
والبغاث يستنسر في أمة العرب والعصفور يتصقر ويتوحش والفأر يتنمر والصرصور يستأسد لان المناخ العربي صالح لتكاثر الهوام ولان التربة العربية صالحة لزراعة النكرات..
ولأن الشعوب العربية لاتعرف الحق ولاتبحث عنه.. ولان الانسان العربي ليس له قلب منيب وليس له عقل أرب لبيب.. وجسمه كله عبارة عن "قفا".. واخشي ان تكون قد اصابتنا اللعنة.. لأننا رفعنا المبني ووضعنا المعني.. ونادانا الحق فلا سمعنا ولا أطعنا.. وأمرنا الله بالوصل فقطعنا.. ودعينا الي كلمة سواء فتنطعنا.. وقد أعياني وأعياكم البحث عن الحق.. حتي وضعنا أصابعنا في الشق!
نظرة
ما أشبه الليلة بالبارحة في المساوئ والتدهور والانحراف وأما المحاسن والانجازات في أمة العرب فهي كبيضة الديك.. وهي رمية من غير رام وتحدث بالصدفة فالمساوئ والموبقات عندنا منهج.. والمحاسن والانجازات صدفة.. وهذه القصة التي وقعت في عهد السلطان المملوكي قنصوة الغوري تتكرر بفصول وشخوص اخري الآن في أمتنا وعنوانها.. المناصب لمن يدفع لا لمن ينفع ففي عام 911ه عزل السلطان الغوري قاضي قضاة الشافعية جمال الدين القلقشندي وعين بدلاً منه محيي الدين بن عبدالقادر بن النقيب لأن القلقشندي دفع في المنصب ثلاثة آلاف دينار بينما دفع ابن النقيب خمسة آلاف.. وكان ابن النقيب هذا أكثر انحرافا من سلفه وكان سيئ السيرة حتي فاحت رائحته وقيل فيه الشعر المقذع والفاحش ومن ذلك قولهم:
قاض اذا انصرف الخصمان ردهما
الي جدال بحكم غير مكتمل
يبدي الزهادة في الدنيا وزينتها
جهرا .. ويقبل سرا بعرة الجمل
وقيل فيه أيضا :
ياأيها الناس قفوا واسمعوا
صفات قاضينا التي تطرب
يلوط .. يزني .. ينتشي .. يرتشي
ينم .. يقضي بالهوي .. يكذب !!
نقلاً عن جريدة الجمهورية
المفضلات