مرافعة ديكِ الجِنّ

شعر : د . شاكر مطلق

ماذا يَتصاعدُ
_ في غبَش الوَعي المَشروخِ- إلينا
كالثور البري ّ الآتي
من كهفٍ للحلُم الذكَريْ
أو قبرٍ للحب ّ العَدَميْ
مدفوعاً كالنار العُظمى
في روحي من دون استــئذانْ ؟

ملَكٌ هذا الآتي
في شكل الثّور الأبيضْ
من مَرج الذاكرة الأولى
من فيضٍ في الغَـمْر الأبعدْ
يدنو بوشاحٍ من نورٍ
بالبُشرى يدنو والغُـفرانْ
كي ننسى قُـبّرةَ الأحزانْ
أَم ظـِلٌ للــرّوح السَّرْمــدْ ؟
أَمْ هــذا وجــهُ الشَّـيـطـان الأسودْ
قَــدْ مـَـلَّ العَـــتـْمـَــةَ في كـهــــفٍ
من وِديان الكــون الآخــرْ
من عالمنا السُّفـليْ
مــلَّ التَّعذيـــبَ و أرواحــاً حـَـــيـــْـرى
تُسقــى من نبعِ الشَّــــــكِّ
كــــؤوسَ الكـِبريـــت الحَــجــريِّ
و تُـــوشــــَمُ بالنَّــار الكـُـبــرى
يــأتــــيـــنــا الآنْ ؟
يدعو الأرواحَ الــجَّــوالـــهْ
كي تَرمي عنها أثــوابـــاً مــن ذَ نــْــبٍ
أو تــيـجانــاً من عشقٍ قُدسيْ ...
هل تـَـلـبـَـسُ من ريــــش الشـَّـــهـوةِ
ما يستــرُ عَـــورَتـــهــا
و يـَـليــقُ بمائــدةٍ من ياقــوتٍ مَسفوحٍ
مَنذورٍ ، دوماً ، للوقــت الدَّامـــي ؟
أمْ تُــســقــى ، من ثـَــدي الأفــعــى
خـَـمــرَ النَّــســـيــانْ ؟

* * *

نـــورٌ للكــشـــف يــجــىءُ إلى الأشــبــاحِ
خــلاصــاً من كــابــوسٍ ورديٍّ
أَمْ هـــــذا هَــذْيُ الشــَّـــــيـــطــا نْ ؟
و لأَيٍّ من بـوَّاباتِ العــشـــقِ الــجَـذْلـى
يمشي الشعراءُ المَخلوعونَ
بقافلة الحب النَّشوى
نـــاءتْ بحرير الوهمِ و مِسْك الغِزلانْ ؟

أشباحٌ تسعى
لا تدري بخراب الفِردَوْس الأوَّلْ
وبأنَّ الأفعى بوَّابٌ
والسَّمْتُ سَرابْ
فـمـتى
- من مملكةِ الظِّل المــَنسِيِّ -
يعو د الأحبابُ المقـتـولونَ
و في أيّ الأزمانْ ؟
ومتى تأتي للرّوح المَصلوب البُشْرى
يأتي طـــيـــرُ الغُـــفــرانْ ؟ ...

هل ننــسى وشْمَ اللَّـعـنةِ
بعد زمان الجنَّةِ
عَلَّ النورَ يجيءُ
لندخلَ من بوَّابةِ وقْتِ الشَّكٍّ
إلى اليَـنبوعِ الأوَّلْ
يغلي في بُستانِ الأمِّ الأفعى
نغدو شهداءَ النُّــورْ
نتعافى من أوهام العشقِ
و في نارٍ نــــَــطْـــهُـــرْ ؟ ...

وهـنــاكَ ...
عـلى جـبل الـنـار الـقُـدســيِّ
و من مِيزاب الشّهوةِ
في محرابِ الربَِّةِ " عــشـــتـــارَ " الســّــوداءْ
ســـالَ الإ ثـــمُ إلينــا
و الــنَّـــفْــسُ تــئــنُّ بـــبــئــرِ الــرَّغــبةِ
تَذوي في صمت ٍ و تَنوسْ
متسائــلــةً عن سرِّ القُـدُّوسْ
وعـلامَ تُـحَـمَّـلُ آثـامُ التَّــكوينِ
لـطـــينٍ هَــشٍّ لا يــدري
شــــيــئــاً عـن ناسوتِ الــمـَـلَكــــوتْ
لا يَلقى في الألــواحِ الأولــى
مــعــنـــى الــمــعــنـــى
أو يــدرى ســـرَّ النَّاموسْ
إبــَّان ، على لوحِ الرّوحِ الَمشروخِ ، يَــســيــلْ ؟ ...

و السِّــرُّ الأعــظَــمُ يــنــأى
في دَهَــش الصّمــت الأزرقْ
لا يعطي شاهدَه الـوَلــهانْ
إلاَّ ظلاً لحضورٍ لا يَتــجـسـَّدُ
في مــرآةِ الرّوح الَمبتور الأحلامْ
و هو الرّائــي ، أبــداً ، من دون عـَـويــلْ
يــرضــى بالآتـي من غَـمْر الفـَيْـض الأوّلْ
يــدنــو بـرغـيـفِ الــحَــمــد ِ من الأوثـــانِ
يُــسـائــل كيف يُـــــدانْ
طـــيـــنٌ لا يــدري أن الـتُّـــفــاح الــمــُـغــري
أمــســى لَــعَــنـا تٍ في الــخَــلــْق الــمـَشْــؤومْ
و الوردُ الطّاهر إكــليلاً
و صليباً في روح الإنــســانْ ...

و الــنـّـارُ تــصــيــر حـَــرامـاً
في ليل الأنـثـى الـقَـمـَريْ
إنْ فــاض الـخِصــبُ و نادى
عـشَّـاقَ الأفــعــى لـطـقـوس الـنَّــار ِ
بــلــيــلٍ مَــجـوسْ
و الــطّـيـنُ الــصَّـــادي ظـِــلٌ
في قــاع الـبـئــر الـمـهـجــورْ
يـبـغـي قَـطـْــرَ الـغُــفــرانِ
و لا يــأتــي لـلـبـئــر ســوى الـطـّوفـــانْ ...

فــعَــلامَ الأفـعــى تُـلـقـي
في روح الـعـشــَّـــــاق الـمَـفـجـوعـيـنْ
سُــمَّ الــتُّــفــاح الــبــريِّ الـحـامـضْ
تَــــسـقـيـهـم مَــاءَ الـنـِّســيـانِ الـنَّــاريِّ
فــلا يـَنْـسَــوْنْ
و الــظـّلُّ يُــســائــل عن أنــهـار الــفِــردَوْس الـمـَفـقـودِ
قـطـيـعَ الـغِزلانِ
و لا يَـــلــقى غـيـرَ الــكُــثـبـانْ
يـمـضـي في خَـدَر الـوَهـم الـمـائــــيِّ وحـــيــداً
فـــــــلأَيّ مـــكـــانْ ؟!
* * *
لـتـراتـيـلِ الـمـوتـى
نــُصـغـي في لــيــل الإثــمِ
و لا نــدري
أنّ طــيــورَ الـلَّــيــلِ
ظـــلالُ الــعُـشَّــاق الــمَـقـتـولـيـنَ بــحـبٍّ
تُـنـشـدُنـا في عَــتـــْــم الــوَعــيِ
نــشــــيــدَ الــعـشق الـقــاتـــلِ
كـــي يـبـقـــى شـــبــحُ الــورد الــجـُــوريِّ
على الأجـفـان شهـيـداً
في أغــصـان الــرُّوح ولـــيــــداً
يـتـدلـــَّى نـاقـوســاً للإثــمِ
بـمـعـبـد حــبٍّ كــانْ ...
* * *
و قـطــاةُ الــــرّوحِ
عـلــى الــوِرْدِ الـمـَسـمـومْ
عــانــتْ ظــمــأً
هــزَّتْ بـجـنـاح الــوَجـد الــدَّ امــي
لا مــاءٌ تـُـســقــى بَــلْ جــمــراً
من كــفّ حـبـيـبٍ في الأحــزانْ
و الأَفـعـى تَـســـقـي عـاشـــقَــهـا
أوهـامـاً من حـلْــمٍ رَعَـــويْ
تَــــسـقـيـه الـنَّــشــوةَ و الــنِّــســـيـانْ ...

هــل يـَنـسـى وعــيٌ مَــخـْـدورٌ
أنـهـارَ الــفِـردَوْس الـمـأمـــونْ
و الـعـشـبةَ في بــئــر الأحـــلامْ ؟
فيهيم ُ وحيداً في الــوِديانْ
يحكي للرّيــح عن الألــواحْ
للشّــعـر و للــزّمن الآتـــي
عن حــبّ الأفـــعــى للــشَّـــيطانْ
فـمـتـى كــان الجوريُّ " رســولَ عــذابٍ "
في حـلُـم الشـّـعـراءِ
و كان الــسَّـيـفُ الــمـيـزانْ ؟ ! ...
وَردٌ ... وَ ردٌ
يـــا وردةَ روحٍ مَـحْـمـومٍ
مَــرصـودٍ للـموت الــثَّــانـــي
أبـكـيكِ قَطَـاةً في شَرَكــي
تـمـثــالاً للـعـشق الــفـانـي
ومـلاكـاً خَـضَّبَ أحلامـي
بالإثـم و باللَّــون الـقـانــي
و أراكِ ، على كـفـّي ، وَشـْـمـا
بَـلْ كـأسـاً أجَّــــجَ أحـزانــي
يـدعونـي الـحبُّ لـمـأدُبةٍ
ويسـمّـم ُ حـولـي نـــُدمانـي
فـعلامَ أتيـتِ إلى وِرْدي
وشـربتِ من الـنّبع ِ الـدّامـي
وغـدَوْتِ ، بـوعيـي ، مِــحرقـةً
للـعشـق الـرّوحـيِّ الـسّـامـي
ومـنـارةَ وهْـمٍ تـغـرينـي
في لـيـل الـعـاصـفـةِ الـكـبرى
بـخلا صٍ كـانَ يـُـخـادعـنـي
فـأرى أشـلائـي طــافيةً
وأرى عــيـنـيـكِ تـرجِّــحــُـنـي
في مـوج الـغَـدر وتُـغــرقــنـي
والــرّوحُ يَــهــيـمُ عـلى الـشُّـطـآنْ ؟ ...
أمـَلاكٌ أنتِ أمْ الـشـيطانْ ؟
أمْ أنّ كــلَـيـْنا لا يدري
مــا لـعـبـةُ آلــهـــةِ الإنـسـانْ ؟
فـعـلامَ قـتـلـتـُكِ في حـلُـمـي
لـتـعـودَ و تـحـيــيـك ِ الـجُـدرانْ
يـكـفـيـني ، بَــعْــدَكِ ، أن أبــقـى
وحـْـشــاً يـتـجـدَّد في الأزمــان ْ
يُـضـنـيـنـي الــشّكُّ يــعـذّبـنـي
يـمـضي بالــرّوح و بالإيــمــانْ
عــبــثــاً كـفـَّنــتـُـكِ في وَعـيـــي
و الــكــأسُ يـــعــيــدُكِ للأَذهــــانْ
لا أدري ســِحـراً يـُطـلـقـنـي
أو أدري دربــاً للـنِّـســيـانْ …

هل أغسلُ سيفي في" الـعـاصي "
لـيـكـونَ خَلاصي من ماءٍ
أَمْ أَرفعُ شعري مـِقصلةً
فالـوقتُ مُـواتٍ للــعـِصيانْ ؟
مَن يُــقـصي عن عيني ظــلاً
مِن وردٍ مَسمومٍ أحـمـرْ
ألــقى أشواكاً في روحي
و تساكَبَ حلْمـاً من عَنبرْ
و غدا كــدمــاءٍ في كـأسي
و أفـاعٍ من شكٍّ أصـفـرْ
تـنـهـال لــتــنــهــشَ ذاكــرتــي
و تصبَّ على عيني الــقَـطـرانْ ؟

هَلْ أَبــتــُرُ كـفِّـي أَمْ روحي
كـي أدفــنَ نـعـشَكِ في روحي
و تُراقَ ، على فـمــكِ ، الــعــيـنـانْ ؟
مرصوداً كـــنتُ لـمـجزرةٍ
وفداءً للــعـــشــق الــمـمـنـــــوعْ
كــي أُرضي ربَّ الأنواء الـمَـخدوعْ
أَلــقــى في عيني عاصفـةً
سَلبـَتـنــي أبـهى صلَواتي
صاعقـةً من شَكٍّ أَمــسَـتْ
و لهيباً صارتْ آهاتي
و يريدُ فِـــداءً عن روحي
أَنْ أسْفَحَ وردي أُضْحيةً
و خلاصاً من غَدْر الأُ نــثـى
من حبٍّ مَوْهومٍ فاسِدْ
كـــي يـــنــســى
خِدعةَ " عشتار َ " الأفعى
في الــمعبدِ تــمـشي عــاريةً
سادِرَةً عن دمــع الــعـشَّاقْ
حــجَــرُ " اللآّزَوْرَد ِ " في الــسُّــرهْ
كـالشَّامــةِ في البطن الأبــيــضْ
نجمٌ يَتهادى في رِفـــْقٍ
في أُفْقِ الصّفصاف الـباكـي
يدعو للدَّهشَة والإخْــصابْ
عشَّاقَ الأفعى في خَدَرٍ
و يخطُّ على ألواح الشٍّعرِ
وجوهَ العشَّاق الـقَـتـلى
يـحـكي عن آثــام الحبَّ الــقـاتلْ
و زواجِ الأفعى بـالشيطانْ …

أتـــَـرى ينسى ربُّ الأ نـــواءِ
الــثَـــَّـورَ الـبــريَّ يـُلـَحَّـبُ
كــي يــَفـدي نــزَواتِ الـــسـَّـيدة الأفــعــى
و على كفَّيها _ من دمهِ _ الحِـنّاءُ الآنْ ؟

يــا نــهــرَ " الــعــاصي " قاضيني
كُــنْ شاهــدَ عـشــقٍ صــار هَــلاكْ
و اذكــرْ شــعــراءً مـن قَـــبْــلــي
أو بــَعــدي تـــاهــوا عَــبْــرَ رُؤاكْ
و اغــســلْ بــمــيــاهِكَ أحــزانـــي
أوهــاماً عن شــعــر الــنـُّـســَّــاكْ
يـــَـهـــوون الــــوَردَ فــيــقـــتـــلــُـهـمْ
سُــــمٌّ من وردٍ ، كــان هـــواكْ ...

مَن يُــلــقــي قلبي يـا " عـاصــي "
في بــطــن الــطّـــاحــونِ الأســودْ ؟
يــرمـيــنــي في كـــونٍ آخــــرْ
كـــي أغـــدو خــبــزاً للــعــشــاق ْ
و غــيــومــاً فــي زمــنٍ أجــــردْ
أو أنــجـــو من ســــِـحـــرِ الأنــْــواءْ
لأعـــودَ مــلاكـــاً للــمــعــبــدْ
أفــدي شــعــراءً لا يـــدرونْ
عــن وقــت الــتَّــنــيــن الآتـــي
مــن مـمـلـكـةَ الــرغــبــاتِ الأولــى
أدعــوهــم يــَــنــــسَـــــوْنَ الآ ثــــامْ
و الســيــفَ ويــَـنـــســَـوْنَ الــغُـفــرانْ
يــمــشــونَ عـــراةً في الــطـــّرُقــاتْ
في حُــلْــمٍ أزرق َ من كــلِمــاتْ
فــعــســى يـأتــونَ إلى قــبــري
أحــراراً من شـــوكِ الــرَّ غَـــبـَـاتْ
يــأتــونَ بــــــدَنٍّ من خَـــمـــرٍ
لــعــشــاءِ الــرُّوحِ معَ الــنُّــدمــانْ
لــٍــطــقــوسٍ الــخـِــصـْـبِ مــتــى صــرنــا
كــإآــــهٍ ، في شــكــل الإنــســـانْ ...

يــا نــورَ الــغـَـمْــرِ
غَـــدَوْتَ صـُــهــارى
فـي بركــان الــشَّــهَــــواتْ
تــنـصَـبُّ جـحـيـماً
في أرواحِ الشــعـراء الــجَّــوالـينْ
لا تــعــطــي نـُـسْــــغَ الـــعـَـذراواتِ إلــيــنــا
أو تــعــطــي خُــبـزاً و أمـــانْ
نتساءلُ عن عــشــــقٍ
في الــمـطــلقِ يــعــلــو ، لا يَــــذْبــُـلْ
و نــــرى " الــــدِّيـــــــــكَ "
على نــهــد الأفــعــى مــَصــلوبــاً
يــرضــى و يــقـيــمْ
لا يــشــكــو للــَّريــحِ الـبـَلـْـوى
أو يــــشــكــو ربَّ الأنْـــــــواءِ الــقــاتــلْ
و الـــسّرُّ الأعــظــَــمُ يــنــأى عــنّا
من دون رثــــــاءْ
لا يــرنــو للــعــشَّــــــاقٍ
على أبــوابِ الــهــيــكــل ِمَـــنــبـــوذيــــنْ
يـــرمـــــون قــصــائــدَهــمْ
في نــعــش الــيــاقــوتِ الــخـَــاوي
للــجـــيــل الآتـــــي و الأحــزانْ
آنَ الــعَــــنْــــقــاءُ تــقـــومُ
و تــطــلــقُ من قـَـبـْـر الــقــامــوس الــبــاردِ
أرواحَ الــشــُّـــعــراءِ
و تـُـلــقــي في نـــار الــشّــعــر الــمُــتــَجدّدِ
عــــذراءَ الــحـــرْف الــوَرديِّ
فـــداءً للــعــقــل الــبـشــريِّ
خلاصــاً من رَصَــدِ الــعــشــقِ الــدَّامــــي
في طــقــس الــنـُّـور الأزلــــيْ
لــيــصــيــرَ الــقــاتــــلُ مــقــتــولاً
و الــمــوتُ ولادتـَـنــا الأُخــــرى
في شــكــلٍ حُـــرٍ يــَـتــمــدَّدْ
و يــصــيــرَ الــقـُـدســـيُّ ســـؤالاً
و الشــعــرُ الأزلـــيُّ الــخــالــدْ
نَـــــدَّ اً و بـَـديــلاً للــنـَّـامــوسْ
و أُواراً فــيــنــا لا يَــخْــمَــدْ …
------------
حمص - سورية د. شــاكر مـطـلـق
كتابة أولى: 25/7/1996
كتابة نهائية: 21/6/ 1998
E-Mail:mutlak@scs-net.org