( 1) مفارقات آخر زمان .......... !
ويلات الحروب وتداعياتها تعصف بالملايين هنــا وهناك دون هوادة .
تأتي على الأخضـر واليابس ، كما تأتي على الحرث والنســـل ،
قالبة الأمور عاليها سافلها ، آتية بمفاهيم ما كنا لنسـمع عنها لا في
قديم الزمان ولا حديثه ، كأننا نعيش أضغاث أحلام.................. :
رجل في السـبعين يهرول ، بلا كسل ، إلى محكمة الأحوال الشخصية
طالبا تسـجيل طلاقه من زوجته ، ليبدأ من جديد مشـواره بعد عشرة
دهر مع نصفه الآخر ، أم البنات والبنين ، غير آبــه بما تنطوي عليه
هذه التصرفات الصبيانية من تبعات ، وهو في خريف العمر ......... ،
وغير مكترث لرد فعل القاضي عندما يستمع إلى الأسباب الواهية التي
سوف يسوقها ( دون جوان) الألفية الثالثة ............................ !
وشاب مفتول العضلات ، كامل الأوصاف : طولا ووزنا وسحنة وقيافة ،
تتوازى مع طباع سوية : تفكيرا وسلوكا وتصرفات ، تتناسـب مع دخل
يفيض عن حاجته .
تطرز جدران غرفته شـــهادات من كل الأحجام . تتجســد فيه كل
مواصفات الفحولة والمعرفـــــة والمثالية ، ترفضه بنت الجيران
خطيبا لها بتبرير : أنه بلدي المسحة ................................ !
صغار ، بعمر الزهور أو أكثر بقليل ، ينغمســـون في عالم الانترنت
بحثا عن ............ ويخوضون غمار مواضيع تخطت أعمارهم بكثير .
نضجهم الفسيولوجي جاء مبكرا على غير المعهود ، وسعة ذاكرتهم أكثر
من الـ normal بكل تأكيد ......................................... !
صور منوعة ، أعمق من ذلك بكثير ، مســـتلة من أرض الواقع ، هنا
وهناك ، معروضة للبيع بالمجان ، تصلح لعوالم سيناريو القص والروايات .
ومع هذا يهيم القاصون في دياجير الوهم والخيال بحثا عن عقد أدبية ،
تلفت نظر المتصفحين . فلو كنت قاصا لأثريت الحديث عن هذا المانشيت
السقيم على سبيل المثال لا الحصر :
(2) ((( عندما يتوقف نبض الكهرباء ))) !
أطفال أبرياء كثيرون يعثرون بالمواقد ، إن كان فيها ثمة محروقات ،
وتحترق أجسادهم الغضة في بحر ثوان تاركة فيها تشوهات بليغة ،
تلازمهم لحين انتقالهم إلى الرفيق الأعلى ...........................
حوامل ، مرضى ، مسنون ، شيوخ ، معوقون يتدحرجون من على
السلالم ، مضرجين بالدماء ، بعظام مكسرة ، ونفوس وجلة محطمة ،
لاعنين حظهم العاثر لتزامن مرورهم مع فخ انقطاع التيار الكهربائي .
في الثلاجات أدوية تفسد ، وأطعمة تجيف ، وسوائل ســــرعان ما
تغدو سموما ، ومقتنيات منزلية سريعة التلف ، ولحوم بيضاء وحمراء
وبكافة ألوان طيف الخطــر المحدق : البرتقالي والأحمر والأخضر ،
تتسابق نحو التفسخ السريع .................................
يجلس المرء القرفصاء في العتمة متأقلما ، سـارحا ، هائما ، مذهولا ،
والأنين قد أقض مضجعه متسائلا ................................... :
أما لهذا الليل من انبلاج ............................................. ؟
في الشـوارع المعتمة تهاجمك الكلاب السائبة بغتة ، تاركة فيك ما لا
تحمد عقباه من هواجس ومخاوف وجروح ، وتنتظرك حفر الدروب التي
نخرتها القذائف العمياء ، وكأن لسان حالها يقول :
أيــــــــــــــن المفــــــــــــــــــر ؟
وفي صالات العمليات الجراحية ، يندهش الجراح وهو يرى مريضه الراقد ،
وقد أفلت من قبضة التخدير بمعجزة ، مطلقا صرخة مدوية :
هذا جناه أبي علي وما جنيت على احد
صور أليمة تدمع العين ، وتفطر القلب لأن جل دافعي الثمن هم أبرياء ،
لا ناقة لهم بكل ما جرى ويجري ولا جمل ..............................
صور تبتر الأوردة والشرايين ، وتشل عمل الذاكرة كي لا تؤدي وظائفهـا .
لم يسلم أحد من تداعيات هذه المشاهد المفزعة مهما إمتلك من مواصفات .
فقد أضحت جزءا من سلوكنا الروتيني المعتاد بحيث غدونا نحس بأن عودة
الكهرباء هي ضيف يفسد علينا خلوتنـــــــــــــــــا !!!
(3) مولدة ابن الجيران .............................. !
دخل (س) غرفته الفارهة والابتسامة تعلو محياه فيما تتراقص علامات
الاستفهام بكثافة في ذاكرته ، وكأنها تواقة لان تبوح بسر دفين أينع قطافه :
غدا تتم مناقشة أطروحتي بعد إسدال الستار على أشهر من السهر والمتابعة
والمعاناة .................................................. ............... .
أمام اللجنة سأكون خطيبا مفوها ، محاورا لبقا يجيد ، بمهـــارة فائقة ،
إنتزاع إعجاب الحاضرين ....... بعدها سأكون ضمن الكادر التدريسي في
الكلية ...................... فكل شيء جاهز الآن :
أجري التدقيق اللغوي والعلمي عليها ، وتم ضبط الهوامش والترقيم وكل ما
يتعلق بالـ finishing . وجيء بعدة النشر من ورق وأغلفة ولولبيات مطاطية
يابانية الصنع وباقي المستلزمات الضرورية .
أذن ، ردد مع نفسه ، الحاسوب جاهز ليلفظ صفحات الأطروحة الـ 217مـع
الرسوم والمخططات والصور .
لا أحتاج سوى الضغط على مفتاح print وينتهي كل شيء . ستأتي القهوة
والملحقات ..... أنا في ليلة العيد . أحمدك يا رب . بعد سويعات ستغدق علي
الهدايا والتهاني وووووووووو ..................................................
وأخيرا ضغط على المفتاح بيدين مرتجفتين من فرط الفرح .
وشاء حظه التعيس أن يتزامن ذلك مع انطفاء غير متوقع للتيار الكهربائي آنئذ .
هنا قامت الدنيا ولم تقعد . ضرب كفا بكف ، صارخا ، لاعنا ، مغلوبا على أمره
مناجيا :
رباه ................................... ! ما هذا ؟
لقد ولى التيار الكهربائي الأدبار ! الساعة الآن التاسعة مساء .
حظر التجوال سار الآن . ماذا أفعل ؟ وأين أذهب ؟
بدأ يهذي ويتفوه بكلمات سوقية كأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب من فرط الانفعال !
عم السكون المكان . وفجأة سمع دوي سقوط كؤوس على الأرض وهي تتكسر .
وساوره الظن أن زوجته أحضرت له القهوة والملحقات . الظلام يلف المشهد
المأساوي . فجأة ، يسمع صراخا آتيا من الداخل . أدرك بأن الزوجة عثرت ،
لا محالة ، بســـبب الظلام . اكتمل المنظر البانورامي . فامتزج الصوتان
المنكوبان....................................... طفقت عيناه تدمعان ، كأنها
زخات مطر ربيعي .
تدحرجت قطرات الدمع على شاربه ، جاعلة منه طفلا صغيرا انتزعت منه
مقتنياته قسرا .... أطلق هو الآخر صرخة ، وكأنها حشرجة الموت ،
يستنجد بمن يسمع صوته ، في الأروقة والحجرات ، أن ينير المكان .
بقدرة قادر ، هرع حفيده نحوه ، وسط الظلام الدامس ، مشعلا عود
ثقاب .
مضى الاثنان ، بصعوبة ، نحو الفانوس وأشعلاه . فبان الدمع وقد طلا
شاربه . وتملكته حالة هستيرية لا فكاك منها ، ضاربا أخماسا بأسداس .
ثم التفت حفيده إليه يهدئ من روعه قائلا :
لماذا لا نجلب مولدة جارنا (ع) ونحل كل الإشكال ؟
ولكن الوقت ، يا حفيدي ، ليس معنا الآن . حضر التجوال قائم ، ولا
مبرر للمجازفة . أنت تعلم أن إطلاق النار هنا على أي مخالف للتعليمات
أسهل بكثير من شرب فنجان قهوة !
أنا ، يا جدي العزيز ، لا أهتم . المهم أننا جئنا إليك لنساعدك ليلة
مناقشتك أطروحتك . وأمامك ساعات محدودة لإنجاز المهمة .
مضى الحفيد بسرعة البرق إلى دار الجيران ثم طرق الباب مع عبارة :
أنا حفيد ................ أريد المولدة على الفور .
أجابه صوت من الداخل ، وهو يرتعش من هول المفاجأة . لك
ما أردت . مهلا .
كان مشهدا دراميا لا يمكن وصفه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .
وبعد مناورات بطولية تفوق التصور ، جيء له بها بمعاونة الجار
للحفيد ، سالمة لبيته ، مع توصية بملئها بالوقود وتغير القابس .
وصلت المولدة , وتفرغ الكل لتشغيلها . مضت 90 دقيقة كأنها
90 سنة . ثم بدأ تشغيلها وسط زغاريد أدهشت الجيران . توزع
النور في كل مكان . وتجمهر الكل حول الحاسوب وهم يقرأون
التعاويذ والبسملة كي يعيد البسمة إلى شفاههم ، ويمكن صاحب
الأطروحة من انجاز أطروحته قبل طلوع الخيط الأول للفجر .
فماذا كانت النتيجة ؟
تلف كامل لجميع الملفات دون استثناء .
وهنا انطلقت مراسيم اللطم على الخدود ،
والبكاء على الحليب المسكوب ،
والعويل تحت أنوار .................................
مولدة ابن الجيران .
المفضلات