تأملات في الجَعْجَعَة والعَجْعَجَة
يقول المثل العربي: (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا)، والمعنى: (اسمع صوت الرحى ولا أرى دقيقا). ويضرب هذا المثل في سماع جلبة لا يعقبها نفع، وفي الجبان يوعد ولا يوقع، والبخيل يعد ولا يفي.
والجعجعة في اللغة صوت الرحى، وتطلق أيضاً بمعنى الحبس والتضييق، كما في كتاب أبن زياد: جعجع بالحسين رضي الله عنه! إلى غير ذلك.
وفي بلادنا الشام يقولون: (لا تجعجع ع الفاضي)، والمعنى: لا تتكلم كلاما فارغا لا يسمن ولا يغني من جوع، ورأيي أن فيها (الجعجعة) قلبا مكانيا (الاشتقاق الكبير)، وأن أصلها (عَجْعَجَة) وهي لغة عرف بها عرب قضاعة الذين يجعلون الياء المشدَّدة جيماً، فيقولون (تميمِجّ) بدلا من (تميميّ)، كقولهم: (المطعمون اللحم بالعشجّ)، وقد سهل إبدال الياء بالجيم اتحادهم في المخرج وهو الغار (تجويف الفم) وكونهما مجهورين والفارق بينهما أن الجيم انفجاري احتكاكي والياء لينة.
ونظرا لصعوبة فهم كلام عرب قضاعة من قبل العرب الآخرين، فقد ارتبط معنى (العجعجة) بالكلام الفارغ وغير المفهوم، ثم انسحبت هذه اللفظة على كل كلام غير مفهوم أو فارغ من المحتوى، ثم انقلبت اللفظة مكانيا بعد ذلك إلى (جعجعة).
ومن العجيب الغريب أنك تجد عكس هذه الظاهرة (العَجْعَجَة) في (العَيْعَيَة)، وهي لهجة معظم سكان دول الخليج، حيث يتم فيها إبدال الجيم ياء فيقال صهريّ بدل صهريج، ودياية بدل دجاجة.
والله أعلم،
منذر أبو هواش
المفضلات