المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد اسحق الريفي
للتنويه فقط: العلمانية أو العالمانية (secularism) تعني فصل الدين عن السياسة، والتي صاغها العالمانيون بقولهم "لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين"، وهذا بالنسبة لنظام الحكم السياسي في الدولة. أما على المستوى الفردي، فإنها تعني أن الشخص متحرر ومتحلل من سلطة الدين ومن التعاليم الدينية. وفي كلا الحالتين، فإن العالمانية هي الكفر بعينه، ولا يصح لنا نحن المسلمين أن نتقبل أفكار من لا يقبل الدين وينحيه عن الحياة، لأن غرضه في تلك الحالة هو هدم الدين والطعن والتشكيك فيه.
تحية إسلامية
إن كان هذا رأي العلمانية في فصل الدين عن الدولة ، فنقول لهم : لماذا لم يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي بن سلول في حكمه ، وقد جاء إلى المدينة ووجد العرب ينظمون له التاج ليجعلوه ملكاً عليهم ؟! لماذا لم يقره على حكمه للعرب ، ويكتفي هو بوعظ الناس وإرشادهم في أمور عبادتهم و آخرتهم فقط !!
والحق الذي أخبر به القرآن ، وزخرت به كتب الحديث وكتب التاريخ ، أنه كان رسول الله إلى النـاس ، وحاكمهم وولي أمرهم ، فقد كان يسن القوانيـن ويقيم الحدود ، و يأخذ حق الضعيف من القوي ، ويوضف الناس حسب مراتبهم وكفاءاتهم ، ويقسم الأموال فيعطي ويمنع ويكافئ ، ويراسل الملوك والقياصرة ، ويحارب ويحاصر الحصون ، فهل يفعل هذا إلاَّ حـاكم وقائد للجيش ، وسياسي مخضرم ، ولا يماري في هذا إلا جاهل متعنت !
أما القرآن فهو يزخر بالآيات التي تبين أن الإسلام دين ودولة وما يقوله العلمانيون الآن هو تماماً ما قاله المنافقون في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فالكفر ملة واحدة ، إذ رسمت الآيات صورة المنافقين وموقفهم من شرع الله وحكم رسوله ، قال تعالى :
(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) ونفت - بشدة - الإيمان عمن لم يحكم رسول الله في حياته , ويحكم بسنته بعد مماته . ولم يكتف بذلك فاشترط الرضا والسلم بهذا الحكم , فهذه هي طبيعة الإيمان وثمرته :(ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) فمن أعرض عن هذه النذر كلها , وأصم أذنه عن هذه الآيات,وتلقى شرائعه وقوانينه ونظمه وتقاليده , وقيمه وموازينه ومفاهيمه وتصوراته عن غير طريق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ورضي بأن يحكم في هذه الأمور الخطيرة فلاسفة من الشرق أو الغرب، أو علماء أو حكماء، أو مشرعين -سمهم كما تشاء- فقد ضاد الله فيما شرع، وناصب الله ورسوله العداء، ومرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ولا غرو أن حكم كتاب الله بالكفر والظلم والفسوق على من لم يحكم بما أنزل الله، فقال في سياق واحد من سورة المائدة: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)
فهذا كلام الله في حق من لم يحكم بما أنزل في كتابه ، ولهذا تناصب العلمانية العداء للإسلام وأهله ، كما أن الإسلام يناصبها العداء أيضا، لأنها تنازعه سلطانه الشرعي في قيادة سفينة المجتمع، وتوجيه دفتها، وفقا لأمر الله ونهيه، والحكم بما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويريدون عودة أهل الإسلام إلى حكم الجاهلية ، فلا وجود لحكم الله .. وهو ما حذر الله منه رسوله والمؤمنين من بعده، حين قال: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك، فإن تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)المائدة
تحياتي مع وعد بالعودة إن شاء الله
المفضلات