أيقونةٌ للصَّمتِ
شعر : د.شاكر مطلق
ثلجٌ يتساقطُ في الدَّربِ
الموصلِ للكوخِ الجَّبليِّ
بنَتْهُ الرُّوحُ بعيداً
في الصَّمتِ الأزليِّ
وغلِّقتِ الأبوابْ
أطفأتْ الموقدَ
غابتْ في نشوتها
كي تصحوَ
أو تخمُدْ
علَّ الرؤيا تبقى
في تابوتِ النَّفسِ التّالفِ
تغدو أيقونهْ
علَّ الشَّمسَ تُدانيها
كي تنمو زيتونهْ
في عاصفةِ الثَّلجِ اللَّيليَّهْ
علَّ الزَّيتَ القدسيَّ
يسيلُ على أجنحةِ الصَّمتِ
يفيضُ على الحُلْمِ ضباباً
أو دفئاً قاتلْ
يشتعلُ الزَّيتُ شموعاً
منْ نارٍ باردةٍ في العينينِ
وينكسرُ الضوءُ المتجمِّدُ
في الجفنينِ ...
تلكَ قناديلٌ منْ ضوْءٍ أسودْ
وكراتُ جليدٍ منْ ياقوتْ
تتناثرُ في هذا الملَكوتْ
وتهزُّ غصونَ الرُّوحِ
المثقلةِ بثلجِ الذَّاكرةِ
تسّاقطَ عنها أطيارٌ
منْ عصرِ الطَّبشورِ الأوَّلِ
تحملُ أسنانَ " القرشِ "
و صمتَ التَّابوتْ
تزحَفُ ، منْ تحتِ البابِ المتصدِّعِ
أشكالٌ
لوجوهٍ عَبَرَتْ ذاتَ زمانٍ
صحراءَ الروحِ
أو البحرِ الـمـيِّتِ فيها
و تمُدُّ سِـياطاً
تغزِلُ شرَكاً
تسقطُ فيهِ … تموتْ ...
فوقَ السَّقفِ
يَشعُّ القمرُ الباهتُ
ضوءاً منْ كوْنٍ آخرَ
يُمطرُ ، عَبْرَ شقوقِ الجلَدِ ،
حموضاً
يحفِرُ قبراً أو برجاً للحوتْ...
هذا الثَّلجَ النَّاشفُ
فوقَ الدَّربِ يئنُّ
كغُصنِ التُّوتْ
تحتَ الأقدامِ الصاعدةِ إلينا ...
منْ يمشي كالفيلِ الأبيضِ
كالثَّورِ البَّريِّ
على هذا الثَّلجِ اللَّيليِّ
وينسابُ برفقٍ ، كالسَّمكهْ ؟ !
أتَرى " رجلُ الـثَّـلجِ "
وقدْ ملَّ الوحدةَ
في الجبلِ المَسكونِ
بأرواحِ الأشياءِ
يجيءُ
ليسألَ عنْ دفءٍ و رغيفْ ؟ !
هلْ هذي أصواتٌ مِنْ بشَرٍ
أمْ حيوانٍ
تعلو في اللَّيلِ تخيفْ ؟ !
أمْ صوتُ الصَّمتِ
و قدْ ملَّ الصَّمتَ
يصيحُ بحزنٍ أو فرحٍ
في العَتْمِ ينادي
أشباحاً تائهةً في الثَّلجِ
لو تضحكُ
لو تصرخُ في الكونِ
تُغنِّي
تفعلُ شيئاً ذا صوتٍ
فالصَّمتُ على أُذُنِ الرُّوحِ ثقيلٌ
و السَّمعُ رَهيفْ ؟ !
لكنَّ الخطُواتِ تَباعدُ
عنْ ذاكَ الكوخِ
وترجعُ لكهوفِ الصَّخرِ الباردةِ
وجوهٌ… و تذوبْ
ويذوبُ الثَّلجُ
عنْ الدَّربِ الضَّيِّقةِ
غداةَ الشَّمسُ على ثيرانِ اللَّيلِ
تؤوبْ
وتغرِّدُ أطيارٌ
في الشَّجرِ الأبيضِ
تفتحُ ريــحٌ بابَ الكوخِ
تنادي …
لكنَّ الرُّوحَ
تحاصرها مِنْ كلِّ جهاتِ الكونِ
وحولٌ وذنوبْ
جَمَّدها بردُ اللَّيلِ القارصِ
أغنيةً
أو رِعشةَ ضوْءٍ
في عينِ غزالْ
حمَلتها الرِّيحُ
إلى جبلِ النِّسيانْ
طارتْ
تحمِلُ حلُمَ الإنسانْ …
===========
حمص _ سورية د. شاكر مطلق
نشرت في الموقف ألدبي-دمشق ، قبل أكثر من عقدين ، على ما أذكر .
E-Mail: mutlak@scs-net.org