المرحلة الثانية


المرحلة الثانية


المرحلة الثانية

المرحلة الثانية من
(محاور في المقام العراقي)



2009



محاور في المقام العراقي
دراسة بحثية متسلسلة لمحاور تخص شأن
غناء وموسقى المقام العراقي
يـكـتبها في حلقات

مطرب المقام العراقي
حسين اسماعـيل الاعـظمي


الاردن / عمـَّان
كانون الثاني January 2009
اليكم أعزتي القراء في الصفحات التالية
المرحلة الثانية من (محاور في المقام العراقي) التي تم نشر تسعة عشر محورا في المرحلة الاولى من العام الماضي 2008 ، وها نحن نستهل عامنا الجديد 2009 بالمحور رقم (1) والمحور رقم (2) والمحور رقم (3) والمحور رقم (4) والمحور رقم (5) والمحور رقم (6) والمحور رقم (7) تكملة لمحاور المرحلة الاولى واستهلالاً للمرحلة الثانية .. وهذا المحور رقم (8) مذكــِّراً ، في حال فقدان أية حلقة من حلقات المحاور في مرحلتها الاولى والثانية أن تكتبوا إليَّ لأرسلها إليكم
***
أو الذهاب الى موقع كوكل google والبحث عن (محاور في المقام العراقي) او (محاور في المقام المرحلة الثانية) حيث تجدون كل المحاور منشورة في المواقع والشبكات الالكترونية مع الشكر والتقدير لكل اخوتنا واصدقائنا في هذه المواقع والشبكات


المرحلة الثانية
من المحاور المقامية


المحور رقم
(8)


Hussain_alaadhamy@yahoo.com

00962795820112





المحور رقم
(8)
********
سـلطـانه يوســف
(1910-1995م )
باستطاعتنا دراسة التجربة النسوية في الغناء المقامي بصورة خاصة ، أو دراسة الغناء المقامي بصورة عامة ، بدءاً من جيل التحول .. أي منذ العقود الاولى من القرن العشرين ، ومن وجوه عدة .. فهناك أولاً ، أحداث وتأثيرات الحرب العالمية الاولى 1914 - 1918 وما نتج عنها من نزوعات واقعية تتخللها بعض التناقضات الفكرية والجمالية والذوقية طرأت على الغناء المقامي عموماً منذ أواخر القرن التاسع عشر ، بل على كل ظواهر الحياة وعلى كل الشعوب .. ثم هناك المرأة التي أخذت تبحث عن وجودها من جديد في مجال الغناء والموسيقى وخوض تجربتها الجديدة في غناء المقامات العراقية لاول مرة .. مشاركة الرجل .. اعتباراً من هذه الحقبة التي بدأت فيها المرأة تتمرس نسبياً في غنائها لهذا اللون الغناسيقي التراثي رغم أنها تجربة فنية … فمضت تستغل كل الميزات التي تمتلكها بطموح كبير لتساعدها على تدعيم شهرتها .. وإلى جانب النزعة الطبيعية لبلورة هذه الطموحات وهذه الامكانيات في سبيل نجاحها كأمرأة في تجربتها الجديدة في غناء المقام العراقي والابوذيات والاغاني البغدادية والعراقية .. تلك النزعة التي استمدت وجودها وقوتها واستمرارها من روح ومضامين تغيرات وتحولات الحقبة – حقبة التحول – مطلع القرن العشرين .. التي منحتها الدافع والجرأة حد العناد لتقف بكل إباء وشمم وتعلن عن ذاتها معبرة عن موقفها وعن شخصيتها .. بيد أنها إلتفتت يمنة ويسرة .. فهل من متفهم يُسهـِّل لها السبيل ..‍‍‍‍‍‍‍‍!؟ هل من مثقف يهـِّون ويذلـِّل لها المصاعب ..! فتقاطر عليها ملحن وشاعر وثاني وثالث ممن يرون على مدى أوسع من رؤية الشخص التقليدي الواقف في مكانه .. ولكن قد استمعن بشغف وبموضوعية إلى تسجيلات رواد المغنين المشهورين .. وغرفن بكل حب من هذه التسجيلات أو من الرواد مباشرة ، ممن ولدوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبرزوا في العقود الاولى من القرن العشرين ، فهن يسمعن من جهة ، وتخزن ذاكرتهن الشيء الكثير من جهة اخرى .. فتسلمن بما علق في اذهانهن وهذبنه بالاتصال مباشرة بالمؤدي الرجل وتعلمن على يده وهذا لا ينقص من الهيبة شيئاً .. واخيراً ظهور نتاجات مقامية فنية نسوية ورجالية اعقبت جيل التحول إلى جيل – حقبة التجربة – عند انتصاف القرن العشرين تقريباً … فكان من ميزاتها اعداد المقامات العراقية اعداداً موسيقياً لاول مرة وهو ما اسميته بـ ( المقام المصنوع ) .. وهي نتاجات جديدة ، تبدو انها فعلاً خلاصة حقبة التحول في تطوراتها .. وكذلك يبدو أنها مدينة إلى اهتمام متزايد من قبل الجماهير بسماع هذه المقامات المهذبة فنياً .. هذا الاهتمام الذي شمل المتخصصين .. وهو الاهتمام القائم على النقد في نفس الوقت .


صورة / سلطانة يوسف وزكية جورج وسط اعضاء الفرقة
الموسيقية في ثلاثينات القرن العشرين

ان النتاجات الفنية الناجحة عموماً ، هي تلك التي تستطيع ان تنفذ إلى جميع مستويات الذوق العام ، ومن ثم تعميم لكل الفئات الجمالية .. والموسيقى والغناء في وجهة نظري ، هما الوسط الامثل لهذه الجمالية واوضحها .. كما انهما اقرب السبل واسهلها للوصول إلى المجتمع ..


صورة / المطربة الكبيرة سلطانة يوسف

لقد كان مقام الحكيمي المؤدى من قبل المطربة الشهيرة سلطانه يوسف بمطلع هذا الزهيري والمؤدى في حقبة التحول .. عشرينات أو بداية ثلاثينات القرن العشرين .

خطى وسلم عهد دكاتــهن وحده
والكلب امسى حزين اوهايمن وحده
التجربة الاولى لها في اداء المقام العراقي ، أو من محاولاتها الاولى .. اذ نجد في ادائها انها حاولت ان تعلن عن امكانياتها في اداء المقامات .. ولقد نجحت رغم انها محاولة جديدة . لكنها جادة … فقد اقتربت سلطانه يوسف في ادائها لهذا المقام إلى شبـه الكمال فـي اداء الاصول التقليديــة لهذا المقام ، خاصة اجادتها في اداء قطعة – القادربايجان – وهي الحركة الادائية الثانية في أصول أداء هذا المقام ونغماتها سيكاه – هزام -… هذه الإجادة في هذه الحركة التي قلما يتمكن المؤدون بصورة عامة من دقة إجادتها .. وهكذا تبدو سلطانه يوسف في عموم هذا المقام وقد سيطرت على مقاليد إمكانياتها الادائية في دقة الاصول ودقة التعابير المقامية التي يتصف بها هذا المقام بالذات .. حيث نجد نبراتها وهي تنبه احساساتنا التعبيرية وتعيد إلى ذاكرتنا مجمل الحياة التي يعيشها المجتمع .. أو بالاحرى الواقع الذي اتسمت به حقبة التحول من بدايات القرن العشرين ونهضة العراق الحديث . ونحن نستمر في سماعنا لهذا المقام .. نجد انها تتغلغل في أعماق الجمال الادائي وأعماق حياة أفراد عاشوا على المستوى شبه الغريزي من خلال وجود بقية من حياة البساطة والعفوية والتلقائية .
وقد انهمكت سلطانه يوسف فيما بعد باعداد أبوذيات وعتابات ومقامات أخرى قامت بغنائها .. فكانت المفاجئة في أدائها لمقام البهيرزاوي ضمن حفلة مسجلة اواسط الخمسينات في محافظة الموصل فيما يعتقد ، شاركت فيها ايضاً المطربة سليمه مراد .. أما مقام البهيرزاوي هذا فهو شيء آخر لم نعهده من قبل من أي مغنية مقامية سواء في اسلوب التعبير المقامي او قوة صوت سلطانه يوسف الذي يثير الدهشة في هذه الحفلة وقد تحمل صوتها ابعاد المساحة الصوتية التي يمتاز بها هذا المقام والتي تصل إلى اوكتاف ونصف الاوكتاف تقريباً .. وإذا اضطررنا العروج إلى الانفعالات التعبيرية ، فقد امتاز ذكاؤها بتوتر انفعالي سلس لا يشعرك بالتصنع الممجوج من انفعالات الرجولة التعبيرية عند البعض ، بل هي جاهدت في التقرب ، غير أن ذكاءها ترجم في سرعة بديهية عندما احتفظت بمشاعرها الانثوية الرقيقة كامرأة .. كما أنها اقتربت من شبه الكمال في غنائها للمقامات من الناحية الاصولية التقليدية ، وعليه فان تداخل هذه الميزات في غناء سلطانه يوسف لهذا المقام هو الذي اعطى للغناء ابعاده الفنية الناجحة والجميلة .. هذا المقام الذي غنته بزهيري هذا مطلعه
من زغر سني ذبوني للعـدا منشار
عكلي براسي فلا اسمع قصد منشار

وسلطانه يوسف بهذا المقام تكون قد عبرت عن انفعال جديد وعن شجن جديد لسابق غنائها في مقام الحكيمي مثلاً المؤدى في حقبة التحول وغنائها لهذا المقام – مقام البهيرزاوي – المؤدى في حقبة التجربة ، هذا الانفعال الذي يشعرنا بزيادة الحركة في ديناميكية الحياة التي عاشها المجتمع العراقي منتصف القرن العشرين .. وكأنها استوعبت اجواء احداث المجتمع فعزمت متقصدة ان تعبـِّر عن ديناميكية متحركة متفاعلة لصراع لم ينته . فهو يبقي الأمل قائماً في حياة جديدة علـَّها تريح الانسان ، خاصة وان العالم قد انتهى من حرب كونية ثانية اثقلت كاهل الانسان وانهكته ..! وهكذا نرى ان انتصاف القرن العشرين افرز نشوء تعابير جديدة واساليب ادائية جديدة ، لتعاصر هذه الحقبة في غناء المقام العراقي والموسيقى والغناء العراقي على وجه العموم .. اساليب ادائية امتازت بالمرونه .. ذات قدرة على التعبير في خيالات وتأملات متنوعة . وطبيعي ان هذه الاساليب وهذه التعابير مستمدة من مصادر عديدة ، غير ان هذه المصادر جميعها اصيلة تقريباً ، ولهذا فان الاساليب التي تكونت في مجموعها على وجه العموم كانت اساليب اصيلة حقاً .
كان هناك ، أمام المغنين المقاميين في حقبة التجربة ، المثال الحي لمواهب نشيطة اقدم من مواهبهم وارفع مستوىً .. فقد كان الملهم الكبير محمد القبانجي ذا أثر كبير حتى بعد أن تجاوز السبعين عاماً من عمره ، وهو المطرب المخضرم الذي عاش حقبتي التحول والتجربة ممارساً للغناء والفن وشاهداً على حقبة النضوج .. وقد بقيت نتاجاته الصوتية في غنائه للمقامات العراقية حتى اليوم مصدر من نوع خاص من الاصالة التعبيرية في الغناء المقامي .. وعليه اصبحت النتاجات المقامية التي سجلت عند انتصاف القرن العشرين بأصوات كل معاصري الحقبة موضعاً للمنافسة ، واصبحت التعابير الرومانسية التأملية والخيالية والفنية في الغناء المقامي التي بدأها محمد القبانجي ، واكدها من بعده حسن خيوكة ، وقادها بكل عنفوان المطرب الكبير ناظم الغزالي ، هي السمة البارزة في فن غناء المقام العراقي في هذه الحقبة .
أما سلطانه يوسف ، فقد دلـَّها تحسُّسها إلى نبوغ هذا المجدد فأصغت إلى القبانجي متأملة في محرابه البديع ولسان حالها يقول ( أنه ليس كغيره ) .. فأدت سلطانه بعض الابوذيات والعتابات وشكل المصلاوية في خضم حقبة التجربة ولكن بأسلوب حقبة التحول.. أدت هذه الالوان اداءً شجيـاً حزينـاً وهي تدور وتعبـر عن مشكلات الحياة في تلك الحقبة ، دون ان تفقد شيئاً من بريق طريقتها الادائية البهيجة المستقاة من طرق اداء المرحلة وخاصة الطريقة القبانجية التي قادت هذه الطرق في اتجاهاتها حتى وحـَّدتْها… وهكذا نرى هذه التعابير تتجسد في غناء شكل المصلاوية وكذلك في شكل الابوذية مثل..


وكذلك في هذه الابوذيه ..


واخرى من الابوذيات ..

ذلولي عليك يدعج كطــع بيداي
دليلي من عكب فركاه كطع بيداي
تظن حنه حبيبي وهاي كطع بيداي
مسحت كل الــــــدمع بيديه

جرحت الكلب يامن صحت بسعاد
صدك لو دواوينه وصـار بسعاد
يهل تنعين سواد الليل بســـعاد
يذكرني وانا روحي شجيــــه

أون وادري ونيني ماله تالـــي
اساكي وعيب يدمر ماله تالــي
صحيح الماله اول ماله تالـــي
يخون بصاحبه وذاته رديــــة


ومن هذه الابوذيات المؤداة من سُلّم مقام البيات إلى ابوذية اخرى مؤداة من سُلّم مقام الصبا ..






لل


ولف اني انجوم الضحـى وداري
اشد عمري بنفس عينــي وداري
انا اليضوي على العالــم وداري
سحاب الصيد منحية عليــــه



ان الأغاني الخالدة التي غنتها سلطانه يوسف من سُلّم مقام البيات أغنية – وين المروة– وأغنية – لاالله يرضى بهاي – وأغنية – وعلى الدرب يهواي - ومن سُلّم مقام الحجاز أغنية – شعملت انا وياك – .


صورة / سلطانة يوسف بعد اعتزالها الغناء وتفرغها للعبادة

اغنية شعملت انا وياك

ومن مقام الحجاز كار هذه الأغنية.. ياطيور الروض غني

ومن مقام الحجاز أغنية آه الدهر.. (آه الدهر من دون ربعي ظلمني / من يومي)

واغنية وين المروة ..
وين المروة



ومن سُلّم مقام الحجاز أيضاً أغنية وين المروه ..


ومن مقام الدشت واللامي هذه الاغنية ( وعلى الدرب )

ولدت سلطانه يوسف في بغداد عام 1910 على أرجح الروايات ، ولقد غنت لاول مرة عام 1927 في ملهى سُمي بعدئذ بـ ( نزهة البدور ) بالقرب من سوق الهرج من بغداد .. واعتزلت الغنـاء والفن عام 1957 في الموصل بعد ان اقامت فيها منذ الاربعينات ، وبقيت فيها حتى وفاتها .. بعد ان عملت في ملاهيها .. يقول عنها المرحوم عبد الكريم العلاف ( انها سبيكة من ذهب الفن كلما وضعها الصقال على المحك زاد جوهرها توهجاً ولمعاناً ) ويضـــيف أيضاً ( سلطانة قينه استكملت فيها كل مذاهب القيان حلاوة ورقّه ، هذا ماكانت تفاخر به سلطانة .. ولو انصف الناس لقالوا انها سلطانه الطرب ) .
اكتنفت حياة سلطانه يوسف فترات غرامية غامضة ، دفعتها وحفزتها للتغني بشوق وهيام تجسد عشقا جارفا للفن عامة والغناء خاصة .. تعبر عن خلجاتها ومعاناتها الشخصية بغض النظر عن معنى الأغنية .. هل ينطبق على مشكلتها أم لا .. فالظاهر أن شخصيتها الكتومة أملت عليها ان تدع التعبير عن شؤونها الخاصة كامناً في اعماقها ولاتسمح بالتنفيس عنه إلا من خلال الغناء ، والغناء فقط ، ثم يسترسل العلاف ( أنها لم تكن لها أغانِ خاصة بها إلا ماندر، ولقد سمح لها العرف السائد أن تعلن بسهولة عن احترامها لأغاني غيرها من أمثال المطربه صديقه الملايه والمطربه سليمه مراد .. مثل أغاني – كل البله _ والمصايب ياخلك مني – يلمنحدر – اتوب الروح – متكلي بعدجم دوب – زايد عويلي – اشلون أصبر الروح – يكفي الهجر يهواي - عند كلب حبه صعب – للناصريه – علشوملي ..
هذا وقد عاشت سلطانة يوسف حتى انتصاف العقد التسعيني من القرن العشرين بعد ان اعتزلت الغناء أواخر الخمسينات.

سحر طـه
(1963- م)
ولدت سحر علي هادي محي في بغداد .. حصلت على شهادات دراسية .. ليسانس إدارة إعمال 1980وماجستير 1984 في نفس الاختصاص, وكذلك خلال هذه الدارسة حصلت على فنون تشكـــيلية من معهد الفنون الجميلة في بيروت ( 1981-1983) .. ودخلت دورات خاصة في العزف على الة العود وكذلك في الغناء اقامها المعهد الوطني ببيروت فيما بين سنوات 1986-1989 وقد بدات نشاطها بشكل عام مطلع الثمانينات.. وخلال هذه المسيرة لم تكتف سحر علي بالموسيقى والغناء ولم تقف عند هذا الحد .. فقد مارست الكتابة , النقد الموسيقي في الصحافة اللبنانية والعربية وتقديم البرامج التلفزيونية والمشاركات كعضو تحكيم في برامج المواهب الجديدة , وما تزال مستمرة على هذا المنحى فهي تكتب في صحافة النهار وجريدة الحياة وجريدة المستقبل اللبنانية وجريدة الشرق الاوسط . واقامت العديد من الحفلات الغنائية في اداء المقامات العراقية والاغاني التراثية وكذلك تجربتها في غناء الموشحات .. ومن اهم هذه المهرجانات مهرجان بيت الدين في لبنان 1986 ومهرجان بابل الدولي 1987 ومهرجان اسوان 1992 ومهرجان الموسيقى العربية الخامس والسادس في دار الاوبرا المصرية عامي 1986 و 1997 كباحثة.. وفي تونس شاركت في مهرجان المدينة العتيقة 2001 .. وفي بغداد تزوجت من صديقنا العزيز الكاتب الصحفي اللبناني سعيد طه الذي كان يتردد على معهدنا ( معهد الدارسات النغمية العراقي ) عندما كنت طالبا فيه منتصف السبعينات وعندما كان هو الاخر طالبا يدرس في كلية القانون ببغداد. القريبة من معهدنا في منطقة الوزيرية .. وعندما انهى السيد سعيد طه دراسته في العراق اواخر السبعينات غادر العراق عائدا الى بلده لبنان مصطحبا معه زوجته العراقية سحر علي هادي محي , التي تعرف عليها ايام دراسته , ومنذ ذلك الوقت اقامت سحر علي هادي مع زوجها في بيروت حتى هذا اليوم .. وقد عاصر هذا الزواج بدايتها الفنية وعليه تم اختيار اسمها الفني مقرونا بعائلة زوجها سعيد طه ( سحر طه) , الذي كان وما يزال المشجع والمساعد الكبير لها في بلورة مسيرتها الفنية نحو الافضل في سبيل تحقيق الطموحات والاهداف الفنية الذاتية .
يبدو ان الفنانة سحر طه مارست غناء الموشحات الى جانب غنائها للمقامات العراقية , لانها لم تنل حظها في التوفيق في توفير الظروف الملائمة للانخراط في عالم غناء المقام العراقي والاستماع اليه بصورة مستمرة ومن ثم صعوبة تعلم أصوله التقليدية وسط ظروفها الخاصة مع احترامها لهذا اللون وحبها الكامن له , الا ان الظروف المتسارعة , جعلت همها الاول الموشحات وهي في بداية مسيرتها الفنية ثم النقد والبحث , وما ان انتبهت الى الداعي والى المارد في وجدانها وهو يعاتبها .. كيف انها تركت تراث بلدها الخالد, التراث البديع – حتى التفتت حواليها جاهدة في بحثها عن تسجيلات للمطربين المرموقين في غناء المقام العراقي .. ولم تزل لحد الان تجهد نفسها في ذات الطريق ولعمري هذا دليل على رقي ذوقها وعلى اصرارها فهي مجتهدة بحق .. اذ تقول في رسالتها ( استمعت مرات قليلة للمطربة فريدة محمد علي ثم الى تسجيلات استاذها حسين الاعظمي – المؤلف – اضافة الى بعض تسجيلات المطرب محمد القبانجي ) وطبيعي ان هذا ليس كافيا... ويضاف إلى كل ذلك معاناتها لعدم وجود فرقة موسيقية عراقية في بيروت يمكن ان تاخذ على عاتقها عزف المقامات العراقية الأمر الذي يجعل من ادائها او تعلمها للمقامات امرا صعبا حقا .

من ناحية أخرى , نجد أن اسم سحر طه ما زال مستمرا بالظهور في مختارات من ألاغاني العراقية التراثية والموشحات التي تقوم بتأديتها في الحفلات والمهرجانات التي تشارك فيها بالرغم من انها تعيش خارج بلدها العراق, اضافة الى تحملها مسؤولية بيتها وأبنائها واعمالها الاخرى الموزعة بين الصحافة والتلفزيون والغناء والموسيقي.
تمسكت سحر طه في معظم حفلاتها وهي تغني تراث بلدها, التي ما انفكت تحاول مواءمتها والمتطلبات الوجلة في عرضها باسلوب جديد يلائم اذواق الجمهور , خاصة الجمهور اللبناني وجماهير اخرى تسمعهم غنائها الوطني , وفعلا تميزت سحر طه بذلك , وهي وجهة النظر الثابتة كما يبدو والتي اكسبت اعمالها غنىً . هذا وقد كتب عنها الشيء الكثير في الصحافة اللبنانية وصحافة البلدان التي شاركت في مهرجاناتها .. وقد كانت معظم هذه الكتابات تميل الى ان سحر طه في حفلاتها ترتقي الى الفن الراقي في شكله ومضمونه وفي عرضه وادائه.. وتبدو سحر طه من خلال ذلك مصرة ومتمسكة في الاستمرار بالغناء المقامي رغم اشغالها الكثيرة الموزعة في عدة امكنة اعلامية .. وعلى هذا الاساس فانها تبدو ايضا وبشكل واضح ان طموحاتها كبيرة وكثيرة .. خاصة في مسالة تعلمها اصول اداء المقام العراقي , وهو امر جيد .
في تموز ( يوليو) من عام 2001 كنت في زيارة فنية سريعة لبيروت, زارني صديقي العزيز سعيد طه ومعه زوجته الفنانة سحر في محل إقامتي , ودارت أحاديث شتى , معظمها كان يدور في شؤون الأداء المقامي واهديا لي CD يحوي على مجموعة من الاغاني العراقية التراثية بصوتها وقد ابدت رغبتها الجامحة في تعلم المقامات باصولها التقليدية .. ولكنني اكتفيت ببعض النصائح المفيدة في هذا الشان ومساعدتها قدر الامكان.. وبدوري اهديت لهما بعض تسجيلاتي الصوتية في غناء المقامات وكان احدث تسجيلاتي CD سبق ان سجلته في بغداد في اذار 2001 باسم ( غناسيقى بغدادية ). وبعد اشهر قليلة وصلني CD اخر منهما الى بغداد حيث تضمن حفلة مقامات عراقية واغاني تراثية بصوت سحر وهي حفلة مهرجان السماع المقامي الثاني في بيروت يوم 21/11/2000 وفي هذا CD استمعت الى مجموعة من المقامات مثل مقام الشرقي رست والشرقي دوكاه ومقام الحكيمي ومقام اللامي وشعر مع ابوذية من البيات مع الاغاني الملائمة لهذه المقامات , وقد بدت سحر طه في هذه الحفلة وهذا الاداء , بصوت جميل وعذب مع الاحساس الاكيد بامكانية تطور هذا الاداء وهذه الخامة الصوتية نحو الافضل فيما اذا زادت الفنانة سحر من تمريناتها الغنائية اليومية وبشكل مستمر.
لاشك ان الاداء المقامي , يسير في مجال النهضة الفنية والجمالية , وان الغموض وعدم الوضوح في الاداء واللفظ في طريقهما الى الزوال ولم تبقَ لهما اية سلطة ذوقية بسبب تطور الجانب الثقافي في الفن الموسيقي والازدياد المضطرد للدراسات التي تتكاثف لتفسح مجالا للمنافسة الشريفة بين الجميع واثبات ان الحياة تكون افضل لو سارت في هذا المنحى .. ومهما كانت نظرتنا الى امكانية سحر طه في هذا الفن الذي يقر له الجميع انه فنًا صعبًا يحتاج الى مؤهلات وموهبة فعلا , الا اننا يجب ان نعترف ايضا بان زوجها الكاتب الصحفي كان الروح النشيطة المحركة والمشجعة لمسيرة زوجته الفنية .. لا لانها زوجته , بل انه يتفق مع اتجاهاتها وطموحاتها الدافعة لها على انها بالاساس فنانة محترمة تمتلك مقوماتها معها اذ نجحت في تصوير حياتها التي تتمتع بتجربة جيدة كما يبدو .
وعلى الاجمال , فقد كونت سحر طه لنفسها اسلوبا ادائيا خاصا في غنائها لبعض المقامات العراقية وذلك بعد سلسلة من التجارب والاخطاء التي استفادت منها والتي تسنى لها تقديم نفسها للجمهور مطلع الثمانينات من القرن العشرين على انها مطربة عراقية تغني مقامات واغاني من تراث بلدها .. وهكذا كانت مسيرتها قد بدات بشيء من الحذر والقلق ولكنها عازمة على تبلور تجربتها هذه والتي نجحت فيها نجاحا جيدا كما يبدو . ومع تطور تجربتها وتبلورها بدأت مشاركاتها في المهرجانات الفنية المحلية والدولية املاً في ترصين أمكانياتها وتنظيم أفكارها وطموحاتها للوصول الى أهدافها الفنية .. فلم تكن نتاجاتها الغنائية – في البداية على الأقل – نتاجاً فنياً بقدر ما هو تعبير عن لحظات من الصراع مع الظروف لتحقيق ذاتها بهذه الوسيلة وكلحظات من هذا النوع فهي تشير وتكشف عن منابع القوة الفنية في مجاراة زميلاتها من الفنانات المغنيات.



صورة / سحر طه

اٍن التسجيل الصوتي للحفلة التي أدتها سحر طه في مهرجانات السماع المقامي الذي أقيم في بيروت والمؤرخة في 21/11/2000 هي الركيزة الأساسية التي يدور حديثنا عن فن سحر طه في غنائها للمقامات العراقية الآن ورغم أن هذه المقامات لم تكن كاملة الأصول التقليدية ، الا انه يمكن أعتبارها مقامات جميلة منسابة انسياباً رقيقاً بدعم من جمال صوت الفنانة سحر طه وتعابيرها العذبة. وقد تم دمج في اداء هذه المقامات شيئاً من الخصوصية الأدائية التي تتميز بها الفنانة سحر طه. فمنذ البدء أظهرت سحر طه قدرة على طرح أسلوبها الخصوصي في أدائها للمقامات العراقية وكانت بها قد أقتربت من تعابيرها الأدائية في طرح لغة فنية معاصرة.. ورغم أن هذه الصفات التي نقولها عن اداء سحر طه في هذه الحفلة.. الا أنه كان اثبات منها على قدرتها على الأقتباس والأستقاء من سابقيها المؤدين ومن التراث نفسه كمادة أدائية فاننا نستطيع أن نعتبره نصراً فنياً لها .. فعراقية التعابير وبغداديتها واردة بشكل بهيج في مجمل حفلتها في المهرجان .. حيث لم تفقد سحر طه هذا التلوين في فنها عموماً.. وان ميزتها المحلية ظهرت ممتزجة مع تطلعاتها الجمالية وهي تعيش في خضم هذه الحياة السريعة.
وأخيراً ، اليك عزيزي القاريء بعض نصوص المقامات العراقية التي أدتها سحر طه في مهرجان السماع المقامي الثاني تشرين الثاني من عام 2000 بيروت . مع ملاحظة عدم اكتمال ابيات شعر ( الزهيري ) السبعة واكتفت بخمسة ابيات. ولكن لضرورة التوثيق قمت بتكملة الزهيري في بيتيه السادس والسابع لحفظي له سابقا لانه مغنى من قبل .
شرقي رست
يلما خذ الروح خذه بلا ذنب حــالي
بس لا تمر بالكلب حيث أنت بحــالي
بيني وبينك عجب راعي العذل حـالي
مظلم علي الدهر بعدك صفه حــالك
جازيتني بالظلم منهو العلي حـــالك
اتكلي عجب صحتك متغيرة وحـــالك
أنت أقرضت صحتي وانت اعدمت حالي
اغنية هليلة حلوة

مقام شرقي دوكاه
يا ما ليالي العمر واني ولا داري
داري جروحك ياكلبي خزنن داري
وحشه ولا تنسكن من دونكم داري
وصفوا لجرحي دوه وما نفعت الوصفة
مثل الذهب حبكم بعد الكلب والوصفة


الصورة في عمان 1/2/1997 , في بيت السيد عدنان حبو , مجموعة من الفنانين والاصدقاء , منهم يقظان الجادرجي الذي يجلس وسط الصورة , الرسام ابراهيم العبدلي وزوجته , الرسام رافع الناصري وزجته الفنانة مي مظفر , امل الخضيري , نائلة الامين , سعد ناجي وزوجته ريم التتر , نها الراضي , سها البكري , ومعهم حسين الاعظمي – كاتب المحاور– وبعض الموسيقيين داخل احمد , رافد حنا يلدا , عشية سهرة جميلة .

اغنية ربيتك ازغيرون حسن


ومن نغم الجهاركاه وقصيدة الشاب الظريف
لاتخفي ما فعلت بك الأشـــواق واشرح هواك فكلنا عشاق
فعسى يعينك من شكوت له الهوى في حمله فالعاشقون رفاق
لاتجزعن فلست أول مغــــرم فتكت به الوجنات والأحداق

مع اغنية طالعة من بيت ابوها

ومقام الحكيمي بابيات الزهيري السبعة
ياروحي زيدي الصبر عند الصبر تهوين
خايف تجي يوم وانت من الحزن تهوين
هم بعد عكب الولف يرويحتي تهــوين
ياما حملت الالم بيج اشكثر من هم
لا ما اظن السبب منهم ابد منــهم
كالوا احباب السبو اكليبج عجب منهم
كولي لهم تهيج دين الكلب تهــوين

مع اغنية عمي يبياع الورد كلمات والحان حضيري ابو عزيز


ومن مقام اللامي

احدثه اذا غفـــل الرقـيب واســاله الجواب لا يجـيب
حبيبي قل لي أأنت عــــدو ففعـــلك لا يفعله حبيــب
اراك عليّ اصبحت وحــيدا وحـــالي ترق لـه القلوب
ايا مولاي قل لي أي ذنــب جنيت لعــلي منــه اتـوب

اغنية يللي نسيتونة



ملاحظة / كل الاغاني ونوطاتها التي وردت في هذا المحور موجودة في كتابي الموسوم (المقام العراقي باصوات النساء) الصادر في كانون الثاني January 2005 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ..