مناهضة الفقر الرياضي , أي سبيل ؟
لقد عانت بلادنا من تفويت عدد من المواعيد مع التاريخ , وشباب بلا دنا يعيش واقعا مرا , فكيف حال الفقير منهم وهو لا يجد مكانا تحت الشمس , بطنه جائع وعقله شارد وجسده معرض للمرض , محروم من الرياضة
طال الترقب والانتظار , ولا يريد هذا الشباب أن يحيا على حالة انتظار نهضة مؤجلة على الدوام , فهو في حيرة من أمره . بين الحاجة إلى الخبز وحاجته لما يوفر له الكرامة . ولم ألاحظ على شبابنا مطلقا , أن أصبحت عادة مألوفة , لها طقوس استقبال اليوم العالمي لمناهضة الفقر , حيث يبدأ شهر أكتوبر كل سنة , ولا تظهر أية استعدادات , ويحل موعد هذا اليوم بعد منتصف الشهر , ولا تنظم أية مظاهر ترمز للتعبير عن الفرح أو السخط / عن القبول أو الرفض , وتنتهي أيام الشهر بالكامل ولا يهتم الفقراء بيوم مناهضة الفقر . لأنه في نظرهم إجراء بورجوازي , بنية ا لتصدق على ا لفقراء , ولذلك فهو لا يستوجب منهم
أية تضحية , ولو بساعة من كدح يومهم , لأ ن ضياعها يعرقل بلوغ لقمة ا لعيش و لو كانت كسرة خبز حافية , ولا يحظى منهم بأي اكتراث لأنه ابتداع للمواساة التي تدل على أنهم المقصودون بإعلان الحرب على الفقر , وليس المقصود فقرهم , إذ حتى لو أشبعت بطونهم السابغة حقا في هذا اليوم , فهم ضامرون طيلة الأيام ما دامت طاقتهم معطلة , ولا مجال لتصريفها بسبب دوام الفراغ , بل وأنها كثيرا ما ترتد عليهم , وقد تهدهم وتمحقهم نفسيا , وتسيطر عليهم الكآبة نتيجة عدم الاستقرار, بل قد يستتبع ذلك مشاكل صحية معقدة تتحول إلى أمراض في الجهاز الهضمي , والسكر , وضغط الدم , فتصبح أزمة فقرهم أزمة صحية أيضا
فهل يحتفلون بيوم عالمي , لا يوفر لهم فرص شغل أو فرص إدماجهم ومشاركتهم في عملية التنمية , التي يسمعون عنها هناك وها هنا ؟
هل يلتفتون إلى يوم , يغفل حقيقة الخصائص والضروريات التي تميز مختلف فئاتهم بعضها عن بعض , وتتشابه جميعها في حالة عوزهم ؟
هل يهتمون ببرنا مج – إذا كان لليوم برنا مج – تبقى صياغته فا شلة في الوصول إلي أكثرهم تضررا وللشباب منهم عامة , وفقراء الرياضة بينهم على وجه الخصوص , يعانون من التهمي والهشاشة والإقصاء
هل يمكن ليوم أن يعوض عن سوء استعمال السياسات القطاعية غير المتكاملة حاولت وحاولت ولم تخترق المعوقات وأسباب الفشل , طبقت السياسة الضريبية وسياسة محو الأمية والتربية غير النظامية وتعميم التعليم , وسياسة النهوض بالعالم القروي وتنمية البادية , وسياسة الأجور والمغادرة الطوعية , وسياسة إعطاء دور للمرأة في المجتمع , وسياسة التشغيل وسياسة التقويم الهيكلي , ولم تكن تتصدى للفقر . إلى حد إمكانية القول , أنها ساهمت في إنتاج أو إعادة إنتاج آلية الفقر والتفقير
إن جيل الشباب – غنيا كان أو فقيرا – هو جيل العمل والإنتاج , لأنه جيل القوة والطاقة ولكن الكثير منه غير عامل ولا يصرف طاقته
فلا نريد لفكرة مناهضة الفقر الرياضي أن تصاغ في قالب هذه السياسات , وتتعامل مع الفقر كقطاع ظل منسيا مهملا , ويتم ا لاكتفاء بمداهنته بمساحيق تزين صورة ووجه الممارسة الرياضية , ولا تغوص إلى عمق المشكل لاقتلاع جذوره . علما أنها لا تنفصل عن آليا ت اقتلاع جذور الفقر
لا نريد أن يدخل متاهة سوء تدبير موارده والتلاعب بمجالاته واستغلال النفوذ فيها , فسيصبح الأمر أكثر تعقيدا , وسيسبح ضد تيار الحركية المجتمعية والصيرورة التاريخية , والنتائج والألقاب التي حققتها بعض الأسماء الرياضية
فاليوم العالمي لمناهضة الفقر إذن , يعتبر موجها بالأساس إلى الحكومات وأولياء الأمور , للعمل على توفير الكفاية المادية والكرامة الشخصية وضمان الشغل النافع
إن اليوم العالمي , هو تنبيه : - تنبيه للمسئولين
- تنبيه لكل مؤسسات المجتمع المدني
- تنبيه للأسرة أيضا , والأسرة التي اختارت البقاء في حالة الفقر , جراء التقاعس أو الاتكال , أي أنه تنبيه جماعي , ليدرك المعنيون أن الشباب هو الرجاء , وهو المعول عليه , لأنه نصف الحاضر وكل المستقبل , وإذا سقط . سقط كل شيء
إن اليوم العالمي لمناهضة الفقر , هو خطاب موجه كذلك لمؤسسات المجتمع المدني لحثهم على التعامل مع مشاكل الشباب والمراهقين عامة , والفقراء منهم , بما يلزم من ترسيخ التفاهم , وتوفير الجو التضامني , وتعهد الحالات بإخضاعها إلى مجهر " الرقابة الأسرية والرقابة المجتمعية "
واليوم العالمي لمناهضة الفقر , ينبغي أن يكون مناسبة لمعالجة أسباب الفقر, والأخذ بيد الفقير كي لا يبقى فقيرا , والأخذ بيد الفقير الرياضي كي لا تضيع مؤهلاته , ويحرم المجتمع من عطاءاته ونتائج مشاركاته المحلية والدولية
محمد التهامي بنيس -