لقطات سريعة مع جلسات هيكل
كمن أدمن، أتابع بقدر ما أمكن، أحاديث أماسي الخميس لحسنين هيكل، لما فيها من تجربة خصبة وإحياء لذاكرة جماعية جديرة بالاسترداد والدراسة، لعلها تزودنا بخبرة تاريخية تعوزنا في زمن العوز والتدهور.[/c( كمدخل (
إن وإن كنت أسعى لترويج فتح باب الحوار في بعض ما يعرضه علينا الأستاذ هيكل من مطالعات، إنما بهدف بث روح البحث الهادئ والرصين لما نحن فيه.. عسى أن نستطيع الإمساك برأس الخيط المؤدي إلى انتهاج طريق الخلاص، المتمثل بتحرير الأرض والسير في طريق النهوض القومي والتنوير، لكي نكون في طموحنا هذا، على غرار غيرنا من مكونات البشرية، من دون ريب.. بل وأرى أنه من العسير أن يستقيم في غير من هذا الظل (النهوض القومي الشامل) كل المشكلات الفرعية الأخرى، كالتنمية، والديمقراطية وحقوق الفرد وقضية المرأة، وحقوق الأقليات المتواجدة تاريخياً بين ظهرانينا.. فكل من هذه المشكلات لها صلة بكيفية أو بأخرى بإشكالاتنا الكبرى.
ربما من المفيد أن أذكّر بما نحن فيه، المتمثل بكوننا نخضع لأشرس حرب نفسية عرفها التاريخ القديم والحديث، تهدف فيما تهدف إليه، تصفية حلمنا القومي وحتى القضاء على هويتنا الجمعية، يشاركنا في وضعنا هذا، بكيفية أو بأخرى، شعوب أخرى في أفريقيا وآسيا وفي أمريكا اللاتينية ناهيكم عن شرائح جماهيرية كبرى في العالم الصناعي، وبذا يكون خلاصنا يسير جنباً إلى جنب مع خلاص البشرية ..
عودة إلى هيكل - في موضوعة الحرب الشعبية في خطاطة مقتضبة
ما استوقفني في سردية أمس الخميس (30/7/2009)، ذالك الحوار الذي جرى، بين الرئيس الراحل عبد الناصر، والوفد السوري حول موضوعة الحرب الشعبية.. (عام 1966).
أستعيد هذا الحوار لما له قيمة في ما آلنا إليه في حاضرنا، من هزائم ومهانة واستنبات كل أشكال ما يمكن أن يسمّى " بالموبقات " الراهنة، في عناوينها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. وهلم جرى..
وللتذكير ضم ذالك اللقاء، من الجانب المصري: الرئيس عبد الناصر، والمشير عبد الحكيم عامر وآخرين (.. صدقي والسادات-على ما أذكر).. ومن الجانب السوري: الدكتور يوسف يوسف زعين (رئيس الوزراء - آنذاك)، وزير الخارجية الدكتور إبراهيم ماخوس (وزير الخارجية)، اللواء أحمد سويداني (رئيس الأركان)، سامي الدروبي (السفير في القاهرة). تركز الحوار كما ظهر من عرض هيكل، على موضوعة الحرب الشعبية، كنهج لتحرير فلسطين..
وقبيل مثولي، في مداخلة من قبلي، تتناول تلك المسألة (الحرب الشعبية كنهج).. يجد ربي أن أشير هنا، عن كوني أتفق مع هيكل بكثير من المسائل، وأجد في مطالعاته الغنية بالوثائق، الكثير من الدروس الصائبة، غير أني أختلف معه في مسائل عديدة.. من بينها هذه تلك.. أي أسلوب المواجهة مع هكذا عدو محتل..
على هذا النسق نأتي بالآتي:
المحدد الأساسي- طبيعة المشكلة - يمكن إيجازها للتذكير بالآتي:
- حالة احتلال لأرض بلا ريب: تتمتع بفرادة في التاريخ.. حالة تتجاوز فيها نمط الاستعمار التقليدي، قد لا يكون لها مثلاً في التاريخ المعاصر، باستثناء حالة استيطان القارة الأمريكية.
- جمهرة المحتل: تتمتع جمهرة المحتل بحمولة تاريخية لاهوتية المحتوى، تأتي على الأقل كتعبير وهمي مفتعل لما هي فيه.. قد تتسق في بعض من محتوياتها مع حالة جمهرة الحروب الصليبية.. وبكل حال كل احتلال يخلق لذاته أوهامه وذرائعه..
المقاومة المسلحة للمحتل هو الحل ولا من حل آخر:
أمام هذا المحدد المنطلق من كنه المشكلة، ما هي الاستجابة الممكنة: هل أفرز التاريخ القديم والحديث، حالة تحرير دون مقاومة مسلحة.. سواء قد تمثلت بحرب شعبية طويلة المدى، أو مقاومة مسلحة منظمة، أو حرب عصابات.. وما هذه الإشكال إلا مترادفات تنضح من ذات المعنى.. أمامنا، دروس التاريخ، القديم والحديث..
وما شكل المقاومة الممكن في ظل من عدم توازن القوى: غير المقاومة المسلحة الطويلة المدى.. بأي شكل كان.. الظروف والبيئة تحدد الشكل.. وقد أظهرت مقومة البؤر المسلحة في جنوب ولبنان وغزة، عن فعالية هذا الشكل من المقاومة.. كما أظهر الواقع الملموس، أن إسرائيل تهرب وتتهرب من المواجهات المسلحة الطويلة، وتعتمد على الحرب الخاطفة..
إن شكل المقاومة المقترح، لا ينفي حضور دور للجيوش النظامية، كظهير (فعل الجيش اللبناني ما
يقارب ذالك)
تساؤلات في هذا الصدد
فيما سبق:
- حرب 1948- هل كان لإسرائيل مجرد ممكنات الوجود، لو اعتمدت القوى العربية في حرب 1948، على الحرب الشعبية الطويلة الأمد.. وما كان من نتائج الهدنة الأولى والثانية إلى تقوية موقع الاحتلال..
- في مرحلة الستينات: لنتصوّر لو تم، اعتماد المقاومة المسلحة المنتظمة الطويلة الأمد في حقبة الستينات.. أما كنا الآن في حال أخرى.. (دور الجيوش كظهير مسلح وقاعدة ارتكاز)
بصدد الظرف والبيئة في حقبة الستينات (في ذالك الآن لم يفت الأوان):
- الوضع العالمي: صراع وتوازن بين المعسكرين
- قوة نامية لكتلة عدم الانحياز
- ثورات كاسحة، فيتنام والهند الصينية وأفريقيا، وبؤر في أمريكا اللاتينية..
- وضع عربي متقدم – نهوض قومي، انتصار الجزائر - مصر عبد الناصر – سورية العراق في وضع نهوض قومي وتحرري – تنبه جماهيري شامل
تساؤلات في ظل الحصيلة
- ماذا قد جنينا في ظل النهج التسووي، والتقاعص عن نهج المقاومة..
- ماذا قدمت الحروب النظامية من حصيلة.. غير الهزائم..
- من المؤكد أنه سيكون حجم الخسائر البشرية في ظل المقاومة المسلح (لو اندلعت في حقبة الستينات) أقل مما أتي فيما تلى من حروب مع العدو..- حجم الخسائر المادية سيكون أقل..
- إضافات إلى الحصيلة الكلية : الخلاف على النهج أفرز صراعات دموية عبثية بين الأشقاء، ظهر من حين إلى حين، كان من شأنه مضاعفة الخسائر البشرية والمادية..- الحصيلة النهائية الآنية = 0 + الوضع العربي كله مهدد كمنجزات ووجود ومصير – الكيانات السياسية بما تملك من بنى فوقية على كف عفريت.. (هل يرى غير ذالك !!)

الحل
(أبداً لن يفوت الأوان، وتجربة غزة ولبنان ماثلة للعيان)
ليس من بديل لدراسة التجربة المخفقة والبدء من جديد.. فلكل ظرف ممكناته، وآلياته، وعتاده.. فلكل مقام مقال.. ولكل بيئة أدوات ورجال.. ولا من طريق غير استنباط طرق جديدة للمقاومة الطويلة.. وإلا ..؟